أوزجان يشار
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 00:27
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في زمنٍ صار فيه الحاضر هشًّا والمستقبل غامضًا، بات الماضي ملاذًا آمنًا يلجأ إليه الكثيرون؛ بعضهم يلجأ إليه ليأخذ منه الحكمة، وبعضهم يحوّله إلى تمثال حجريّ يعبده. وفي قلب هذا المشهد المُلتبس، يبرز خطاب متضخم، مريض بالحنين، مهووس بالنسب، لا يرى الإنسان إلا بقدر ما فيه من “جينات”، ولا يقيس الكرامة إلا بمدى قربها أو بعدها من شجرة الأنساب القديمة.
تزداد يومًا بعد يوم مشاهد التنمّر القومي الرقمي، حتى تكاد تصبح سمة لهذا العصر. أشخاص يتفاخرون بأنهم “أمازيغ أصلاء” أو “أحفاد الفراعنة” أو “كُردٌ لا علاقة لهم بالعرب”، ويقابلهم آخرون بشتم وشتيمة وصور مضادة، كل طرف يحاول أن يثبت أنه الأرفع شأنًا، الأعظم أصلًا، الأحق بالأرض والتاريخ والمستقبل. تُنشر صور لعرب من البدو في لحظات فقر وكفاف، وكأنها تُستخدم كدليل على أن العرب لا يستحقون الاحترام، أو لا يملكون حضارة. بينما تُرفع صور لمقابر الفراعنة أو تماثيل فينيقية أو نقوش أمازيغية، وكأنها صكّ تفوّق أبدي على الآخرين.
لكن مهلاً… متى تحوّلت الحضارة إلى سباق صور؟ متى أصبح التاريخ وسيلة للتنمّر، والهوية منصة للهجوم، والذاكرة الجماعية سلاحًا يُشهر في وجه من يختلف عنا؟ ما الذي يجعل شابًا اليوم – يعيش في مدينة حديثة، يستخدم هاتفًا من الجيل الخامس، ويدرس في جامعة غربية – يصرخ على تويتر: “أنا لست عربيًا، أنا فرعوني!”؟ هل هو بحث عن الذات؟ أم رد فعل على واقع مرير؟ أم أنه فقط فخّ ذهني وقعت فيه أجيال ضائعة؟
الحقيقة أن هذا الخطاب ليس بريئًا كما يبدو. إنه ليس مجرد مشاعر اعتزاز ثقافي، ولا حتى حنينًا عابرًا لهوية مفقودة. إنه مشروع سياسي ـ نفسي ـ رقمي، يُدار أحيانًا من خلف الشاشات لا من خلف الحدود. وهو مشروع يعرف جيدًا كيف يغذي فيك شعور التفوق، حتى تكره أخاك. ويعرف كيف يجعل من ذاكرتك سجنًا، ومن أجدادك سيفًا، ومن نسبك قيدًا يمنعك عن بناء ذاتك الحقيقية.
ولنكن أكثر وضوحًا، فإن كثيرًا من هذه الخطابات يتم تضخيمها وتشغيلها من قبل أدوات رقمية استخباراتية، مثل الوحدة 8200 التابعة للموساد الإسرائيلي، والتي تُعتبر من أكبر وحدات الحرب السيبرانية في العالم. هذه الوحدة لا تحتاج إلى دبابة، بل فقط إلى صفحة فيسبوك أو حساب تويتر يحمل صورة تمثال أمازيغي أو سيف فرعوني، ويبدأ في بثّ رسائل الكراهية والانفصال والتفوق الجيني. ومهمتها ليست فقط أن تفرّق بين العرب والأمازيغ، أو بين الكرد والعرب، بل أن تُفكك المجتمع الواحد من الداخل، وأن تجعل الإنسان العربي يحتقر نفسه وينظر إلى أخيه باعتباره دخيلًا أو متطفلًا على “أرض الأجداد”.
لكن كل ذلك لا يمكن أن يُثمر، لولا وجود استعداد نفسي داخلي عند كثيرين لتلقّف هذا الخطاب. وما هذا الاستعداد إلا نتيجة لفشل الهوية الجمعية في تقديم المعنى، ولعجز الأنظمة السياسية عن صناعة انتماء يشعر فيه الإنسان أنه يُحترم، ويُسمع، ويُعتبر. فيتحوّل الانتماء من إحساس حيّ إلى جملة بيولوجية: “أنا فلان بن فلان بن فلان، إذًا أنا موجود.”
وتتضخم الخرافة حين يدخل علم الجينات على الخط. فنجد من يربط بين نتائج اختبار حمضه النووي وبين تاريخه السياسي، فيستخرج شهادة تحليل من موقع إلكتروني تقول إن في دمه “10% جينات يونانية”، فيبدأ فجأة في التصرف وكأنه ابن سقراط، وينظر إلى الآخر وكأنه مجرد بدوي جاءه من الصحراء. أو من يكتشف أن لديه “12% من أصول بربرية”، فيتحول إلى داعية قومي يُنكر أي انتماء عربي، ويرى الإسلام استعمارًا لغويًا، واللغة العربية مؤامرة ثقافية، والتاريخ الإسلامي مجرد احتلال.
إنها كوميديا سوداء، لكنها خطيرة. لأن من يقدّس جيناته، لا يعود يرى الآخر إلا غريبًا. ومن يقيس الإنسانية بنقاء الدم، سيتحوّل عاجلاً أو آجلاً إلى مُعادٍ للآخر، بل إلى عدوّ لنفسه. لأن النقاء كذبة، وكل التاريخ يقول ذلك. المصري القديم لم يكن عرقًا واحدًا، بل كانت كل أسرة ملكية من أصل وجذر مختلف: رمسيس ليس كليوباترا، وأحمس ليس إخناتون. حتى الفراعنة أنفسهم لم يكونوا “فرعونيين” بالمعنى العرقي. فكلمة فرعون هي لقب سياسي، وليست اسمًا لقومية. كما أن الأمازيغ لم يكونوا عبر التاريخ أمة موحدة، بل قبائل متفرقة، تتكلم لهجات مختلفة، وتُقيم في جغرافيا متغيّرة. والكُرد أيضًا، لم يكن لهم كيان سياسي موحد قبل العصر الحديث، بل كانوا جزءًا من إمبراطوريات كبرى: عباسية، عثمانية، صفوية.
فأين هو “النقاء” في كل ذلك؟ وأين هو “التفوق الجيني” في أناس تبادلوا المصاهرة والاختلاط والهجرة عبر القرون؟ إن من يبحث عن النقاء في الجينات، كمن يبحث عن الروح في قطعة حجر. وحتى من الناحية العلمية، الجينات البشرية لا تُستخدم لتحديد هوية حضارية أو سياسية. بل إن العلم الحديث يؤكد أن أكثر من 98% من الحمض النووي مشترك بين البشر، بغضّ النظر عن لونهم أو لغتهم أو تاريخهم. هل نشارك الفئران في جيناتنا؟ نعم. هل هذا يعني أننا فئران؟ قطعًا لا. إذًا لماذا نصدق أن نسبة مئوية في تحليل جيني تمنحنا تفوقًا حضاريًا على الآخرين؟
هنا يكمن الخطر. حين يتحوّل العلم إلى وسيلة تبرير للكراهية، ويتحوّل التاريخ إلى أداة عنف، وتصبح الهوية جدار فصل لا جسر لقاء. والخطر الأكبر أن هذه الأفكار لا تبقى حبيسة النقاش الأكاديمي، بل تنفجر في الواقع: في سياسات التمييز، وفي الانفصال الثقافي، وفي العنصرية ضد الآخر، وفي التفكك الاجتماعي الذي لا يُصلح بسهولة.
ولنا في التاريخ أمثلة. سويسرا، التي نراها اليوم رمزًا للوحدة والتقدم، كانت يومًا ما مجموعة قبائل متناحرة، تتحد ضد الأجنبي، ثم تعود لتقتتل فيما بينها. أفغانستان، رغم جراحها اليوم، كانت ذات يوم حاضنة لأعظم مدارس التصوف والفلسفة. البلقان، الذي تحول إلى جغرافيا للدماء، لم يكن يومًا أكثر تنوعًا، لكنه انفجر حين قرر كل عرق أن له “حقًا إلهيًا” في الأرض.
وإذا أردنا النجاة من هذا المصير، فعلينا أن نعيد تعريف الهوية. الهوية ليست ما خُلقت عليه، بل ما تبنيه بنفسك. ليست الاسم، بل الفعل. ليست الماضي، بل ما تصنع به الحاضر. أن تكون عربيًا لا يجعلك تافهًا، وأن تكون أمازيغيًا لا يجعلك عظيمًا. ما يجعلك إنسانًا هو وعيك، خلقك، إحساسك بالآخر، قدرتك على تجاوز الجدران لا تكريسها.
لذلك، لعل أعظم شعار ينبغي أن يُرفع اليوم في وجه هذا الجنون الجمعي هو: العقل قبل الجينات. نعم، العقل. لأنه وحده القادر على إعادة ترتيب الأشياء، وتفكيك الخرافات، وبناء وطنٍ يسع الجميع. العقل، لا التحليل الوراثي. العقل، لا السلالة. العقل، لا شجرة النسب.
ذلك هو مشروعنا. وذلك ما يستحق أن يُكتب، ويُقال، ويُعلّم.
إن ما نشهده اليوم ليس صراعًا بين الهويات، بل هو انكشاف لأزمة عميقة في المعنى، في الانتماء، في الإحساس بالذات. فالذي يخرج علينا ليلًا في الفضاء الإلكتروني ليقول “أنا لست منكم”، أو “أنتم لا تستحقون الاحترام”، لا يُعلن فقط اختلافًا، بل يُعلن قسوة داخلية تجاه نفسه قبل الآخرين. لأن الإنسان حين لا يجد لنفسه معنىً في ما يعيشه، يبحث عنه في ما قد عاشه غيره، وحين لا يجد ما يبنيه بيده، يتمسك بما بُني قبل ألف عام، وكأن الكرامة قد وُرثت لا تُكتسب.
والمفارقة العجيبة أن كثيرًا من هؤلاء لا يقرأون، ولا يتعمقون في تاريخهم الذي يرفعونه على الرايات. فمن يرفع صورة الكاهنة الأمازيغية، أو يمجّد العصر الفرعوني، أو يُغرق نفسه في سرديات الأصول الكردية، ينسى – أو يتناسى – أن تلك الحقب لم تكن مثالًا للعدل، ولا للحرية، ولا حتى للوحدة. إنما كانت فيها حروب داخلية، واستبداد، وانهيارات، وتحالفات مع أعداء الأمس من أجل انتصار اللحظة. لقد تعايش الأمازيغ مع الرومان كما تعايش الفراعنة مع الهكسوس، وكما تحالف بعض الكرد مع الصفويين ضد العثمانيين، وبعض العرب مع الاستعمار الفرنسي ضد العثمانيين. فأين هو “الصفاء القومي” في هذه المراحل؟ وأين هو “الانتماء الخالص” الذي يُرفع الآن كسلاح؟
إن التاريخ البشري ليس طاهرًا ولا منظمًا كما تصوّره خطابات القوميين الجدد. إنه معقّد، فوضوي، متداخل، لكنه في كل ذلك مليء بالحكمة، إن أُحسن تأمله لا تقديسه. لأن تقديس الماضي يُصيّرنا عبيدًا له، ويمنعنا من نقده، وكأننا نسل آلهة لا بشر، في حين أن التاريخ نفسه يخبرنا أن الشعوب التي استقرت في تمجيد أسلافها، فقدت الحاضر وانقرضت.
من هنا نصل إلى مأساة أخرى: أن هذا الخطاب القومي الجديد – المبني على التنمّر والفرز – لا يهدد فقط الأفراد المختلفين، بل يهدد الكيان الجمعي بأكمله. فالمجتمع الذي يبدأ في تصنيف أفراده بناءً على أصولهم، سيضطر غدًا لتصنيفهم بحسب مذاهبهم، ثم بحسب لغاتهم، ثم بحسب لهجاتهم، ثم بحسب لهجات أمهاتهم، حتى لا يبقى منه شيء. لأن الشجرة التي تُقطع من جذورها، ولو كانت وارفة، ستذبل لا محالة. وما يجمعنا اليوم – من محيط إلى خليج – ليس العرق، ولا اللسان فقط، بل التاريخ المشترك، والمحنة المشتركة، والحلم المؤجل. هذا هو النسيج الحقيقي، لا ما تصنعه معامل الجينات.
ثم لنتساءل: ماذا جنت علينا هذه “الأنساب النقية” سوى التراشق؟ ماذا أنتجت غير الحقد؟ ما المنجز الحضاري الذي قدّمه من آمن بأن نسبه أطهر من غيره؟ إن من يبني حياته على الكراهية لا يزرع شجرة، بل يحرّض على الحريق.
وهنا تظهر مسؤوليتنا الأخلاقية والثقافية. ليست فقط في مواجهة التنمر الإلكتروني القومي، بل في تفكيكه، وتعريته، وكشف تفاهته. لأن هذا الخطاب لا يختبئ خلف العلم فحسب، بل يُلبس نفسه ثوب التنوير الكاذب. فتجده يقول لك: “لسنا ضد أحد، نحن فقط نريد استرجاع تاريخنا.” لكنه في الواقع لا يبحث عن تاريخ، بل عن منصة لاحتقار الآخر. ولو كان التاريخ غايته، لبدأ بقراءته بإنصاف، لا بتمزيقه ليلائم ما يريده.
وعلينا هنا أن نعيد الاعتبار للعقل، ليس كأداة فكرية فقط، بل كبوصلة وجود. أن نضع العقل في مواجهة الغريزة القبلية، والعقل في مواجهة التفاخر المرضي، والعقل في مواجهة آلة البروباغندا الرقمية التي تصنع من الهويات أقفاصًا نُحبس فيها، ونظنّ أنها عروش.
ولذلك، فإن هذه الحرب ليست بين أمازيغي وعربي، أو فرعوني ومسلم، أو كردي وقبطي، بل هي حرب بين وعي يريد أن يجمع، وبين وعي زائف يُغذّى من الخارج ليفرّق ويُشتّت. وإن كانت أدوات الحرب هذه المرة هي الصور والتغريدات، فإن سلاح المقاومة الحقيقي هو الكلمة، والمقال، والتعليم، والنقاش، والموقف الأخلاقي. فنحن لا نحتاج إلى معركة دموية، بل إلى معركة فكرية طويلة النفس.
والوعي لا يتشكل في لحظة، بل يُزرع مع الوقت. وكل من يكتب اليوم ضد هذا التنمّر الهوياتي، يزرع شجرة في تربة مثقلة بالحجارة، لكنه يُعدّ الأرض لشيء أسمى. لأن الأمم العظيمة لم تُبنَ على عرق، بل على فكرة.
وليس أجمل من أن نكون جيلًا لا يُقدّس أسلافه، بل يُكرمهم بالعقل، ولا يذلّ نفسه في البحث عن اسم قديم، بل يصنع له اسمًا جديدًا يُحترم بالخلق والمبادئ.
في النهاية، حين يقف الإنسان أمام ذاته، ويُسأل: من أنت؟ لا ينبغي أن يجيب باسم جده، ولا بنسبه، بل بقيمته.
لا تقل لي: أنا من نسل الأبطال، بل قل لي: ماذا فعلت بما تركوه لك؟
لا تقل لي: دمي أنقى من غيري، بل قل لي: عقلي أرحب من غيري.
العقل قبل الجينات، هذه ليست عبارة فلسفية، بل خلاص أخلاقي ومعرفي لأمة تعبت من تمجيد الأموات ونسيان الأحياء.
هي دعوة لنفهم أننا حين نحتكم إلى العقل، يمكننا أن نبني وطنًا لا يخاف من تنوعه، بل يزهر به.
وحين نترك الجينات تقود مصيرنا، سنبقى عالقين في سجالات لا نهاية لها، نُكفّن فيها الحاضر بثوب الماضي، ونُضيّع فيها المستقبل باسم الخوف من الآخر.
فلنرفع هذا الشعار، لا كشعار فحسب، بل كفعل يوميّ:
العقل قبل الجينات-
لكن حتى نصل إلى ذلك الفضاء الذي يُحكَم فيه بالعقل لا بالهوى، علينا أن نعترف أولًا بجرحنا. أن نعترف أن هناك شعورًا عميقًا بعدم الاكتمال، بانفصال داخلي بين ما نحن عليه وما نريد أن نكون. فالباحث عن نسب يتكئ عليه، هو غالبًا روح تشعر بالوحدة، أو الضعف، أو بعدم القبول. وهذه ليست إدانة له، بل تفهّم عميق لألمه. فقط علينا أن نقول له: لا أحد يكتمل بأمجاد الأجداد. الأجداد كانوا عظماء لأنهم واجهوا زمنهم، لا لأنهم عاشوا على أطلال من سبقهم. فكن مثلهم، ولا تكتفِ برفع صورهم.
العلاج ليس في التنكّر للهوية، بل في إعادة فهمها. ليس في جلد الذات، بل في احترام الذات الحقيقية، لا الوهمية. أنت لست ما يقوله لك موقع الجينات، ولا ما تقوله لك الصفحات التي تمجّد قبيلتك، ولا حتى ما رسمه لك التاريخ المدرسي. أنت ما تصنعه الآن، ما تقوله في لحظات الصدق، ما تدافع عنه حين يُظلم الآخر أمامك، ما تقرأه حين تكون وحدك، وما تكتبه حين تكون مسؤولًا عن كلمة.
إن القومية حين تُفرغ من القيم، تتحوّل إلى قيد، وإن امتلأت بالكراهية، تتحوّل إلى قنبلة.
لا أحد يحترمك لأنك أمازيغي أو عربي أو كردي أو فرعوني، بل يحترمك إن كنت عادلًا. إن كنت نبيلًا مع من يخالفك. إن كنت حريصًا على جسد الأمة ألا يتمزق، ولو كنت غاضبًا.
فلا تُفتن بمن يصوّرك ابن حضارة عظيمة إذا كان يُعلمك أن تحتقر جارك. ولا تُصفّق لمن يخبرك أن جيناتك أنقى، إذا كان يمنعك أن تصافح الآخر المختلف.
لقد ناضلت شعوب كثيرة كي تصل إلى السلام الداخلي. أوروبا، بكل انقساماتها، دفعت ثمنًا باهظًا من الدم قبل أن تفهم أن الهويات لا تُبنى على الحدود، بل على القيم. وأميركا، بكل عنصريتها، لا تزال تتعافى من فكرة “النقاء الأبيض”. وها نحن، في عالمنا العربي، نبدأ الآن في الانقسام من الداخل، لا بفعل الجغرافيا، بل بفعل الـDNA، وكأن الكارثة لم تكن كافية.
إن هذا المقال ليس صرخة في فراغ، بل نداء لكل من يكتب، ويغرد، وينشر، ويؤثر. إن لكل كلمة نكتبها أثرًا. وكل صورة نُعيد نشرها قد تكون طعنة في صدر الوطن الذي نعيش فيه. فلننتبه. ليست الكتابة لعبة، وليست الهوية مادة جدلية للتسلية، وليست المعلومة العلمية تصريحًا بالكراهية.
فلنعامل الناس كما نريد أن نُعامل، لا كما نعتقد أن أجدادنا كانوا سيعاملونهم.
ولنعلم أن الاحترام لا يُورث، بل يُنتزع بالخلق.
لذلك، حين نقول “العقل قبل الجينات”، فنحن لا نرفع شعارًا نخبويًا، ولا نطلب من الناس أن يتخلوا عن حب أصولهم، بل نطلب فقط أن يعيدوا ترتيب الأولويات. أن يكون العقل مرشدهم لا الغريزة. أن يكون الحوار أداتهم لا العرق. أن تكون الأخلاق ركيزتهم، لا الأنساب.
توقف عن سؤال الآخر: من أين أتيت؟
واسأله: ماذا تحمل في قلبك؟ ماذا تؤمن؟ وكيف ترى العالم؟
عندها فقط، سنبدأ في بناء عالم لا يخاف من تعدده، ولا يُقصي ألوانه، بل يراها فسيفساء تكتمل بها الحياة.
لا أحد ينجو من الطوفان وهو متمسّك بسعفة سلالة. النجاة تأتي عندما تفتح عقلك، وتبني جسورك، وتُحب أكثر مما تُكره، وتفكّر أكثر مما تُعادي.
العقل قبل الجينات… وما دون ذلك… مجرد ضجيج.
#أوزجان_يشار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟