امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 00:11
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
إن فشل المشروع النضالي لحركة 20 فبراير وجميع الاحتجاجات التي أتت بعدها، ينبع من موقع قيادتها الطبقية الخارج عن نطاق التحالف العمالي الفلاحي، الضروري في كل تغيير ثوري حسب المفهم الماركسي اللينيني، من التحالف الحربي إلى التحالف الاقتصادي حسب نتائح الحرب الأهلية بروسيا. الحديث عن تأطير الجماهير بشكل عفوي مناف للعلم حيث العلم يرتكز على النظرية وليس على العفوية، وحركة التاريخ تحكمها قوانين علمية لا يمكن أن نغيرها بالعفوية. التغيير ينبع من الثورة والاحتجاج ليس إلا نتيجة يفرزها الصراع الطبقي، ولا يمكن أن يقوم مقام الثورة المنظمة، وما يقع من احتجاجات ليس إلا إعادة نفس نكسات انتفاضة 1965.
من البلاهة الاعتقاد بأن الاحتجاج العفوي اليوم قد تجاوز انتفاضات الأمس، حيث لا يمكن أن تفرز الانتفاضات أشكال حركية أقل منها إلا في شروط تقهقرت فيها عملية التطور، وتحول فيها الصراع الطبقي إلى واجهة نضالات مطلبية ضيقة، واختزال مفهوم الصراع الطبقي في حركات احتجاجية لفئات اجتماعية، وفي أحداث معزولة، لا يعبر إلا عن نفس الفهم العفوي السائد في النظر الضيق لمفهوم الحركة الثورية. لقد تطورت أشكال تعبيرات الإمبرالية مع تطور وسائل الإنتاج، وليس نتيجة تطور الإمبرالية هو الذي وقع، حيث الميزتين الأساسيتين للإمبرالية وهما الاستعمار والحروب لم تتغير، قد يحدث أن يلتبس الفهم عند البتي برجوازي نظرا لأفقه الضيق، ويتبين له وجود التغيير في شكل الحركة الثورية، ويبدو له التغيير في الحركة الاحتجاجية.
ما دامت سيطرة الرأسمال المالي على السوق التجارية العالمية قائمة فإن الصراع الطبقي قائم، لكن القوة الثورية الأساسية أي العمال لم يتطور لديها الوعي بذاته إلى مستوى الوعي لذاته.
لا يمكن أن نتخذ أحداثا معزولة ونبني عليها تصورا سياسيا ثوريا، ونتوخى منه تغيير النظام القائم، الذي يتطلب تغيير نمط الإنتاج، وليس تغيير الوجوه وبقاء الفكر البتي برجوازي سائدا في الحركة، أما قبول النضال ضمن شروط الرأسمال المالي سعيا لتراكم التجربة النضالية فهو تعبير صريح عن التحريفية. تطور الرأسمالية حاصل منذ ارتقائها إلى مستوى الإنتاج الاحتكاري والدولة الاحتكارية، وتمركز الرأسمال في الزراعة واقع ملموس حتى في البلدان التابعة، وإدخال الرقمنة في الإنتاج الصناعي والفلاحي أمر لا جدال فيه، حيث تطور وسائل الإنتاج يحتم ذلك، لكن لا يحتم تغيير مفهوم الصراع الطبقي المحرك الأساسي للتاريخ، من أجل الاشتراكية في أفق الشيوعية.
كل الاحتجاجات التي مرت في القرن 21 تعبيرات عفوية، لم يرق إلى انتفاضات ثورية، ويبقى كذلك ما دامت لم تقدها أحزاب ثورية ذات مشروع ثوري، وهي حركة عفوية رغم وجود بعض المناضلين من أحزاب بتي برجوازية ضمنها، لكن لم يتم تنظيمها من طرف تلك الأحزاب، مما يفقدها صفة القيادة البتي برجوازية التي تتطلب وجود التنظيم في أوساطها، وفي جلها نجد مقاطعتها من طرف هذه الأحزاب، ومع تقدم وعي الجماهير نجد ما يقابله من رفض لهذه الأحزاب، ذلك ما يجسد أفق البتي برجوازية الضيق وتذبذبه.
عن تأزيم الحركة الاحتجاجية بالمغرب
إن مفهوم الحرب الثورية في معناها الشامل يجب تطبيقه في جميع مستويات المعارك بما فيها المعارك المطلبية الاحتجاجية، ومن لم يستوعب مغزى تطبيق هذا المفهوم، يقع في أخطاء محاولة تبرير إفشال المعارك الجماهيرية، حيث يقوده قصر نظره إلى عزل كل معركة على حدا، محاولا إبداع قاعدة خاصة به في تطوير الحركة بمعزل عن القاعدة العامة للحركو، التي يجب تطبيقها على الاحتجاجات المطلبية كما في النضالات العمالية الثورية. الممارسة البروليتارية تتم بلورتها من البسيط إلى المعقد، في أدق التفاصيل في الممارسة اليومية، وفي الحياة الخاصة، كما يمكن تطبيقها في الحرب الوطنية الثورية، ولا يمكن أن تكون بروليتاريا إذا لم تلتزم بذلك فكرا وممارسة، في الديالكتيك والبراكسيس.
إن قوة تحالف العمال والفلاحين ضرورة تاريخية في أي تغيير، وفي ربح جميع المعارك من أبسطها إلى أعقدها، من الاحتجاج المطلبي إلى الحرب الوطنية الثورية، ذلك ما لا تريد البتي بورجوازية أن تستوعبه، وهي تتهافت إلى أمام في كل حركة احتجاجية تتواجد فيها، وتحول فيها العمال والفلاحين إلى قطيع تسيرهم. الحركة العمالية عالميا تبرجزت منذ أواخر القرن 19، كما قال إنجلس في رسالة لماركس عن حالة الحركة بإنجلترا، حيث تجاوزت مفهوم الأروستقراطية العمالية، ذلك ما يقع بالبلدان التابعة في مستوى قيادات الأحزاب والنقابات، مما يعرقل الصرع الطبقي.
إن الأحزاب التي تسمي نفسها يسارية قد تبرجزت قياداتها، وقول ذلك ليس عبثا، إنما ذلك يعبر عنه واقع الحركة العمالية بالمغرب، وجميع الحركات الاحتجاجية تعرقلها البتي برجوازية الحزبية، مما يساهم في إفشالها بعد عزل العمال والفلاحين عن قيادتها، بل والبيع والشراء في مطالبهم لما تتمحور حولها حركتهم، وطاحونة الهواء التي تركبها الحركات الاحتجاجية بالمغرب، إنما هي في فلك البتي برجوازية المتشبثة بقيادتا رغم انكسراتها المتكررة. ومن يحلم اليوم بانتصاره له حق الحلم، لكن دون محاولة تعميمه على الجميع حيث وجود المعنيين بالتغيير، يبقى واهما، ما دام العمال والفلاحون لم يقولوا كلمتهم في ذلك، بعد نزع السلطة منهم من طرف الساسيين البتي برجوازيين، لما تم نزع أسلحتهم في مواجهة الاستعمار.
عن أخطاء الأجيال الثلاثة سياسيا
إن ممارسات أشباه الكتاب على صفحات الفايسبوك تنم عن محاولة تهييء شروط تجديد استمرار تغبين الشعب المغربي، وراء ذلك سياسيون تسلموا في صفقة 1997 كثيرا من أموال الشعب، مقابل المصادقة على بعادة إنتاج وضع سياسي بوليسي بأيادي من حديد مغلفة بالحرير، تم تثمينه بتسليم شيكات موقعة على بياض من صندوق الشعب للجيل الثاني من السياسيين باسم جبر الضرر، وتم تركيز وضع الاستغلال بحركة 20 فبراير التي عرجت الجيل الثالث من السياسيين عن دوره في المرحلة، مما وضعه على الهامش محاولا استباق الأحداث لاستدراك ما فاته من فرص نتيجة تعرضه للقمع والغبن.
إنها سياسة ما يسمى شعبيا "جوع كلبك اتبعك" عبر ممارسة وهم النضال الفايسبوكي السريالي، الذي يتم تحريكه عن بعد عند الضرورة لخلخلة حركة الشعب، في اتجاه ضبطها وتوجيهها إلى المستنقع، في دوران رحى الحياة يصدق فيه قول "هناك من قضى نحبه وهناك من ينتظر"، المنتظرون كثر واختلط الأمر على الأجيال الثلاثة، واستعصت أدوارها في وضع تمت خلخلته خلال سنوات الطواريء الصحية، تم فيها كبح سرعة الحركة الاجتماعية التي انفلتت رغم القمع، فكان لا بد أن تتراجع سرعتها إلى الصفر، وحلت الحرب وجعلت سرعتها ترتد في الواقع الموضوعي بينما في صفحات الفايسبوك في سرعة خيالية.
ما تبقى من الجيل الأول والثاني يحوم حول السلطة ولو على حساب ما راكما من تاريخ نضالي يسمى تجاوزا ثوريا، ينافسهما في ذلك الجيل الثالث بما راكمه من تاريخ نضالي على صفحات الفايسبوك، فجاءت الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني لعرقلة الحركة تنامي القوى الثورية، فاعتبرها الجميع مناسبة للتعبير عن طموحاته الثورية لكن دون تجاوز صفحات الفايسبوك.
الأجيال الثلاثة مرتبطة بما تسميه الثورة العربية التي تحولت إلى جحيم يحرق اليابس والأخضر كما يقال، وأصبح كل جيل يغني على هواه يقدر مجريات الأحداث حسب موقع السياسي، منتظرا دوره الذي يأتي أو لا يأتي في صراع مشوب بالحذر، تارة ومفرط في الأمل وطور فاقد لكل شيء اشتغل عليه، في غياب ما يجمع الأجيال الثلاثة سياسيا فعاشت في تنافر أبعدها على قوى الشعب في أوساط العمال والفلاحين.
وزاد الوضع الاقتصادي المزري تضييقا على الحريات العامة في ظل صعود جيل رابع لا يرى في الوضع إلا طموحه لامتلاك المال، وتحول الوصع السياسي العالمي نتيجة صراع الضواري المتحكمة في العالم، التي ارتبطت بها الأجيال الثلاثة خطأ في التقدير، معتقدة أن فك عزلتها مرتبط بتشكيل القطبين وحسم الصراع لصالح القطب الذي تناصره.
هي أخطاء تاريخية لا تغتفر..!
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟