محمد مراد
الحوار المتمدن-العدد: 8294 - 2025 / 3 / 27 - 07:58
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تقديم الدراسة والإشكالية والمنهج:
الحركات الاحتجاجية والثورات العابرة للحدود السياسية لغير دولة عربية، هي ظاهرة جديرة بالبحث والاهتمام من قبل الدارسين والمفكرين.
تتميز هذه الظاهرة بثلاث خصائص أساسية :
1. التزامن وسرعة التفاعل والانتقال من مساحة إلى أخرى.
2. وحدة الشعارات المنادية بإسقاط الأنظمة الحاكمة.
3. المناداة بتغيير جذري في وظيفة الدولة القائمة وتصحيح علاقتها المختلة مع مجتمعها ( إعادة صياغة الدولة لجهة بنيتها المدنية الديمقراطية وعدالتها التوزيعية ).
ثمة تفسيرات كثيرة للأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات والثورات العربية أبرزها اثنان رئيسيان : الأول خارجي، ويتمثل بمخطط أجنبي يهدف إلى إنتاج جغرافية سياسية شرق أوسطية جديدة تستجيب لخدمة المراكمة الرأسمالية للشركات العملاقة في عصر العولمة، والثاني داخلي، ويتمثل بإخفاق الدولة العربية الحديثة وتعثر وظائفها وانكشافها.
إشكالية الدراسة : تطور النظام الإقليمي العربي المــتمـــثل بمجموعة من الكيانات السياسية – الدول ( 22 دولة في إطار جامعة الدول العربية )، على قاعدة أزمة استمرت تتفاعل وتتراكم حتى تحولت إلى مثلث أزمات : أزمة النظام الحاكم، أزمة المجتمع، أزمة الدولة.
المنهج المعتمد : هو المنهج الكلي التحليلي الذي يسعى إلى قوننة الظاهرة التاريخية والإجتماعية أي إخضاعها لقانون يحكم مسارها منذ بداية تشكلها، مروراً بالمسارات التي تسلكها في المكان والزمان المعينين، وصولاً إلى النتائج التي تتركها في الحاضر وتلك المتوقعة أو التي يمكن استشرافها في المستقبل.
أولاً : أزمة النظام الحاكم للدولة الاستقلالية العربية
إن مقاربة سوسيولوجية للتركيب الاجتماعي لنخبة السلطة الحاكمة في غير دولة استقلالية عربية ظهرت مع لحظة الخروج الأوروبي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تبرز سمات هذه النخبة بالآتي :
1. نخبة تابعة ثقافية واقتصادية وسياسية لدول الغرب الرأسمالي.
2. نخبة تضم كبار ملاك الأرض الذين استأثروا بعلاقات انتاج ريعية لصالح مكانتهم الاجتماعية – السياسية.
3. نخبة ضمت كبار تجار المدن الذين انخرطوا في علاقات السوق الرأسمالية، وكانوا بمعظمهم من عائلات ارستقراطية مدينية تحالفت مع ارستقراطية عقارية في الأرياف الزراعية.
4. مجتمع النخبة مركب عشائري، قبلي، عائلي، إثني وطائفي.
5. صعود النخبة العسكرية بعد نكبة فلسطين 1948، وشيوع ظاهرة الإنقلابات العسكرية بوصفها الأسلوب الأفعل لاختصار مسافة الوصول إلى السلطة.
استطاعت نخبة السلطة الحاكمة، وعلى مدى ستة عقود متواصلة بين مطالع النصف الثاني من القرن العشرين وحتى نهاية العقد الأول من القرن الحالي ( الحادي والعشرين )، أن توفر أربعة مرتكزات أساسية لشرعيتها هي :
1. المرتكز الديني ( تحالف بين النظام السياسي والمرجعيات الدينية في الدولة .... ).
2. المرتكز العسكري ( الجيش، المخابرات، فرق الحرس الخاص، الحماية الخاصة.... ).
3. طرح مشروع داخلي للإصلاح ( إصلاح إداري، عدالة اجتماعية، إصلاح زراعي، تنمية ... ).
4. طرح مشروع قومي يدعو إلى تحرير فلسطين بوصفها القضية القومية المركزية للعرب جميعاً.
بعد مرور أكثر من نصف قرن على قيام النظام الحاكم، وجد هذا النظام نفسه أمام أزمة ضاغطة على مستويات خمسة :
1. إخفاق في مشروعه الإصلاحي التنموي الداخلي.
2. إخفاق في خطابه القومي تجاه تحرير فلسطين.
3. تحول النظام إلى طبقة اجتماعية رابعة هي طبقة النظام نفسه، وهي طبقة ممتدة أفقياً وعمودياً طالت سائر شرائح المجتمع.
4. تحول النظام إلى عصبية قرابية حاكمة ( عشيرة، أسرة، طائفة، حزب... ).
5. سادت الأوتوقراطية الحاكمة بدل الديمقراطية في تداول السلطة والمشاركة.
ثانياً : أزمة المجتمع :
أبرز مظاهر هذه الأزمة :
1. انسداد أفق الطبقة الوسطى التي يتوقف على دورها تأمين التوازن الاجتماعي من جهة، وقيادة التطور والتغيير من جهة أخرى.
2. تغييب واختزال قوى المجتمع المدني ( أحزاب، نقابات، هيئات، روابط، انتخابات... ).
3. إتساع مساحة التهميش للشرائح الاجتماعية الدنيا دلَّ عليها إرتفاع معدلات الفقر، والبطالة، والأمية، والهجرة إلخ... ( 50 % من السكان العرب يحصلون على نصيب أقل من 20 % من الدخل الوطني، بالمقابل، هناك أقل من 20 % من السكان يحصلون على نصيب أكثر من 50 % من هذا الدخل ).
ثالثاً : أزمة الدولة :
برز الإنكشاف الاستراتيجي للدولة في النظام الاقليمي العربي بقوة خلال العشرية الأولى من القرن الحالي ( الحادي والعشرين )، وتمثل وفقاً للمستويات الستة الآتية :
1. انكشاف الأمن الغذائي
عام 2007 بلغت المستوردات الغذائية العربية نحو 28 مليار دولار، في حين لم تتجاوز الصادرات الغذائية أكثر من 8.3 مليار دولار. وبذلك تكون فجوة الغذاء العربي نحو 20 مليار دولار. والملفت أن مجموعة الحبوب والدقيق تسهم وحدها بنحو 46 % من الفجوة الغذائية، مقابل 54 % لباقي المنتجات الأخرى.
عام 2009 جاء في تقرير التنمية الانسانية العربية أن عدد الجياع العرب ارتفع من 19.8 مليون جائع عام 1992 إلى 25.5 مليوناً عام 2004، أي بزيادة وصلت إلى 5.7 مليون جائع خلال إثنتي عشرة سنة، وبمعدل جياع سنوي سجّل حوالي نصف مليون جائع في السنة، الأمر الذي يكشف فشل الدولة في مجال تأمين الأمن الغذائي.
2. الانكشاف السكاني
اتسمت البلدان العربية بتسارع وتائر الزيادة السكانية، وهذا ما تدل عليه أرقام الجدول الآتي :
العام 1970 2005 2009 2025 2050
عدد السكان
( مليون نسمة ) 122 312 340 484 850
ويُسجل للكتلة البشرية العربية ثلاث خصائص إيجابية :
الأولى : زيادة في معدلات النمو السكاني ( حولي 25 بالألف سنوياً ) هي الأعلى في العالم عدا افريقيا جنوب الصحراء.
الثانية : ارتفاع في معدلات الخصوبة ( بين 2 و 6 مواليد للمرأة الواحدة ).
الثالثة : مجتمعات عربية شابة، حيث تتوزع التركيب العمري للسكان الفئات الثلاث الآتية :
• فئة أقل من 15 سنة 38 %
• فئة بين 15 و 65 سنة 60 %
• فئة فوق 65 سنة 2 %
إلا أن الدول العربية فشلت في استثمار ثرواتها البشرية، وهذا ما تدل عليه مظاهر الإنكشاف الآتية :
أ. معدلات البطالة ارتفع المعدل العربي للبطالة من 13.7 % عام 2007 إلى 14.8 % عام 2009، مقابل ارتفاع المعدل العالمي من 5.8 % إلى 6.6 % لنفس الفترة.
وقد قُدر عدد العاطلين عن العمل في الدول العربية لعام 2009 بحوالي 14 مليون عاطلاً بما يمثل حوالي 7 % من عدد العاطلين في العالم.
ولعل الشكل (5) يظهر معدلات البطالة في الدول العربية على النحو الآتي :
الشكل البياني الرقم ( 1 )
ب. معدلات الأمية لعام 2009 تراوحت بين 58 % في الأعلى و15 % في الأدنى.
ج. نسبة السكان تحت خط الفقر الوطني تراوحت بين 50 % في الأعلى ( السودان ) و 8 % في الأدنى ( لبنان ).
د. دليل التنمية البشرية المستدامة : متوسط البلدان العربية 0.680، المتوسط العالمي 0.741، متوسط البلدان الصناعية 0.923.
3. الانكشاف الاقتصادي :
أبرز سمات الاقتصاد العربي الراهن :
أ. اقتصاد استهلاكي وتبعية اقتصادية.
ب. هيمنة قطاع الخدمات على هيكلة التركيب القطاعي للناتج الوطني.
ج. عجز دائم في الموازين التجارية العربية.
د. اقتصاد دين ومديونية عالية.
ه. تدني حجم الناتج المحلي الاجمالي العربي حيث لم يصل إلى 50 % من حجم الناتج الاجمالي لإيطاليا وحدها.
ولعلّ الشكل رقم (1) يوضح تطور حجم الناتج العربي بين 2000 - 2009 على النحو الآتي :
الشكل البياني الرقم ( 2 )
وكذلك فإن الشكل رقم (2) يُظهر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية بالأسعار الثابتة بين 2000 – 2009، على النحو الآتي :
الشكل البياني الرقم ( 3 )
4. الانكشاف العلمي :
تظهر مؤشرات هذا الانكشاف من خلال :
أ. بطء تحويل العلوم الأساسية إلى معارف في الانتاج.
ب. تدني الإنفاق على البحوث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي
( أقل من 1 % في سائر الدول العربية )
ج. ارتفاع مؤشر هجرة الأدمغة العربية إلى الخارج.
5. الانكشاف السياسي : من خلال مؤشرات أربعة :
أ. سيادة النمط النبوي الخليفي كمفهوم تاريخي امتدادي في الثقافة السياسية العربية.
ب. تراجع مساحة الشرعية للنظام الحاكم.
ج. تعثر الخطاب القومي الذي طالما التزم تحرير فلسطين ومساندة قضايا التحرر العربي.
د. مأزق الديمقراطية العربية بسبب استمرار معوّقات عملية تداول السلطة، وتضييق هامش المشاركة الشعبية.
6. الانكشاف الاجتماعي: من خلال
أ.غياب العدالة التوزيعية للدخل الوطني على أساس المساواة بين المواطنين.
ب.فشل الدولة في وظيفة التنمية البشرية ومكافحة الفقر، والأمية، والبطالة، والهجرة إلخ..
ج.فشل الدولة في عدم قدرتها على استيعاب مشكلات الأقليات الدينية والقومية ودمجها في الاجتماع الوطني.
د.فشل الدولة في انجاز عقد اجتماعي يؤسس لمجتمع المواطنة والوحدة الوطنية
استنتاج :
النظام الاقليمي العربي المعاصر أمام إنتاج جغرافية سياسية جديدة تقتضي إعادة صياغة الاجتماع السياسي والدولة من حيث الدور والوظيفة وفقاً للآتي:
1. دولة الحرية والمساواة والمواطنة.
2. عقد اجتماعي جديد على أساس عدالة توزيعية حقيقية.
3. التخلص النهائي من ثقافة الدولة التسلطية والمغانمية والدخول في مرحلة الدولة المدنية الديمقراطية.
#محمد_مراد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟