أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الجزء الثاني) والأخير















المزيد.....

العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الجزء الثاني) والأخير


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8293 - 2025 / 3 / 26 - 12:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العلوية في عهد حافظ الأسد وابنه بشار الأسد
مع وصول حافظ الأسد إلى السلطة في سوريا عام 1970، أصبحت الطائفة العلوية في مركز السلطة. وعلى الرغم من أن نظام حافظ الأسد كان يعتمد بشكل كبير على الطائفة العلوية في المؤسسات الأمنية والعسكرية، إلا أنه لم يكن نظاماً طائفياً بحتاً يعتمد على العلويين فقط. كان الأسد يدرك أهمية توازن القوى وضرورة إشراك طوائف أخرى في النظام للحفاظ على استقراره وشرعيته.
فاعتمد على السنّة بشكلٍ رئيس كونهم يشكلون الأغلبية في سوريا، حيث تم إشراكهم في النظام من خلال مناصب سياسية (عبد الحليم خدام – فاروق الشرع) وعسكرية (مصطفى طلاس) ومناصب وزارية مهمة (محمود الأيوبي، عبد الرحمن خليفاوي، محمد علي الحلبي، محمود الزعبي). كما كان لهم وجود وازن في البرلمان والمؤسسات الحكومية الرئيسية، حيث تصدّروا المناصب العليا.
استمر هذا الوضع تحت حكم بشار الأسد، الذي تولى السلطة عام 2000 بعد وفاة والده. كان الإرث الذي ورثه ثقيلاً، إذ لم يكن يمتلك كاريزما والده ولا خبرته في إدارة التحالفات، مما جعله أكثر اعتماداً على الأجهزة الأمنية، التي باتت في معظمها تحت سيطرة العلويين. ولم يمضِ سوى أقل من عامين على تسلّمه الحكم حتى أثبت أنه لم يختلف قيد أنملة عن سلوك والده في البطش والتنكيل بكل من يعارضه ويشكل خطراً عليه، إذ واجه أي صوت معارض بوحشية، وزجّ بمخالفيه في السجون، وبالطبع لم يستثنِ العلويين منهم، ليؤكد أن سياسة القمع والترهيب لا تزال حجر الأساس في حكمه.

الفقر الذي دفعهم إلى الانخراط بالجيش والأمن
رغم انخراط العلوية الكبير في المؤسسات العسكرية والأمنية، إلا أن الغالبية العظمى منهم ظلوا يعانون من الفقر والحرمان. فقد كانت الجبال الساحلية موطناً لمجتمعاتٍ تعيش على الزراعة البسيطة، في ظل بنية تحتية ضعيفة وتعليم محدود. لم يكن أمام شباب الطائفة سوى خيارين: الهجرة إلى المدن للعمل في مهن هامشية، أو الانخراط في الجيش والأمن بحثاً عن الاستقرار.

موقف العلويين السوريين من السياسة ودخولهم السجن
لم يكن جميع العلويين في سوريا مناصرين لنظام الأسد، بل إن الكثير منهم دفعوا ثمن معارضتهم السياسية بدخول السجون. برز بين هؤلاء المعارضين تيار علوي يساري، تمثل في مجموعات مثل رابطة العمل الشيوعي وفصائل شيوعية أخرى انشقت عن الحزب الشيوعي السوري. خلال السبعينيات والثمانينيات، وقف هؤلاء في صف المعارضة، منتقدين سياسات النظام الاستبدادية، لكن القبضة الأمنية الحديدية للأسد لم تترك لهم مجالاً للتنفس. فامتلأت السجون السورية، وعلى رأسها سجن تدمر الشهير، بمعتقلي الرأي من جميع الطوائف، بما في ذلك علويون تجرأوا على انتقاد النظام. تعرض هؤلاء المعارضون للتعذيب والسجن لفترات طويلة، دفعوا خلالها ثمناً باهظاً لرفضهم أن يكونوا مجرد أدوات في آلة القمع التي أدارها النظام.
هذا القمع الوحشي ترك آثاراً عميقة على المجتمع العلوي ككل. من جهة، عزز الخوف من الاعتقال والتعذيب مظاهر الولاء للنظام بين الكثيرين، الذين فضلوا الصمت خوفاً من المصير المأساوي الذي لاقاه المعارضون. ومن جهة أخرى، خلق هذا القمع انقساماً داخلياً داخل المجتمع العلوي، بين من يدعمون النظام بشكل أعمى، ومن يرفضون أن يكونوا شركاء في آلة القمع والاضطهاد. هذه الانقسامات تعكس تعقيد الواقع الاجتماعي والسياسي للعلويين، وتذكرنا بأن الطوائف ليست كتلاً صماء، بل هي مجتمعات حية تتنوع فيها الآراء والمواقف.

موقفهم من الحراك الشعبي في عام 2011
عند اندلاع الحراك الشعبي في عام 2011، وجد العلويون أنفسهم أمام معضلة وجودية حادة: إما الوقوف إلى جانب النظام الذي وفّر لهم الحماية والنفوذ لعقود، أو الانحياز إلى مطالب الشارع المطالبة بالحرية والعدالة. في النهاية، اختار غالبية العلويين دعم نظام الأسد، مدفوعين بخوف عميق من أن يؤدي سقوط النظام إلى تعرضهم للاضطهاد على يد الأغلبية السنية، خاصة في ظل تصاعد الخطاب الطائفي ووصول جماعات إسلامية متطرفة من مختلف بلدان العالم وشكلوا تنظيمات تكفيرية مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش، التي ارتكبت فظائع طائفية في المناطق التي سيطرت عليها.

استغل بشار الأسد هذا الخوف ببراعة، ورسم للعلويين صورة قاتمة لمستقبلهم في حال سقوط نظامه، حيث قدم لهم خيارين: إما البقاء تحت حكمه المستبد ولكن الآمن نسبياً، أو مواجهة مصير مجهول مع انتصار الجماعات الإسلامية المتطرفة وما قد يرافق ذلك من انتهاكات طائفية. نتيجة لذلك، اختارت الأغلبية من العلويين الوقوف إلى جانبه، حتى لو كان ذلك يعني دفع ثمن باهظ من دماء وأرواح، حيث سقط عشرات الآلاف منهم بين قتيل وجريح ومشوه خلال سنوات الحرب.
ومع ذلك، لم يكن الموقف العلوي من النظام موحداً تماماً، فقد برزت أصوات علوية معارضة بقوة، وإن كانت محدودة، دعت إلى التغيير وانتقدت سياسات الأسد. وكالعادة، دفعت أثماناً باهظة لقاء ذلك. لكن هذه الأصوات ظلت هامشية بسبب الخوف من القمع الشديد الذي يمارسه النظام ضد أي شكل من أشكال المعارضة، مما جعلها غير قادرة على التأثير بشكل كبير على مجرى الأحداث.

وصولاً إلى سقوط بشار الأسد
في صبيحة الثامن من كانون أول 2024، سقط نظام بشار الأسد على يد هيئة تحرير الشام وحلفائها، بدعم وتخطيط إقليمي ودولي، في حدث أدهش العالم بسرعته المذهلة. ففي غضون 11 يوماً فقط، تمكنت الهيئة من الوصول إلى العاصمة دمشق، ما أجبر بشار الأسد على الفرار إلى موسكو. وتسلّم أبو محمد الجولاني زمام السلطة، حيث جلس على عرش القصر الجمهوري، معلناً بداية عهد جديد.
في البداية، لاقى سقوط النظام ترحيباً شعبياً واسعاً، حتى من قبل أفراد الطائفة العلوية الذين أظهروا فرحاً وابتهاجاً غير مسبوق، معتبرين أنهم تخلصوا أخيراً من عقود الاستبداد التي عانوا منها. وأعلن الكثيرون ولاءهم للعهد الجديد، آمِلين في فجرٍ من الحرية والعدالة. لكن فرحتهم لم تدم طويلاً.
سرعان ما بدأت هيئة تحرير الشام بتشكيل حكومة انتقالية من لون واحد، وأصدرت سلسلة من القرارات الجذرية، مثل حل الجيش والشرطة، وإيقاف العمل بالدستور، وحل الأحزاب السياسية، وتسريح الموظفين، والاستيلاء على المنازل دون وجه حق. كما بدأت ممارسات طائفية ممنهجة ضد العلويين، بدءاً من الاعتداء على مزار ديني يخصهم في مدينة حلب، وصولاً إلى المجازر المروعة التي وقعت في الساحل السوري بين السادس والعاشر من آذار 2025. تلك المجازر أودت بحياة الآلاف من الرجال والأطفال، بالإضافة إلى نساء، في أحداث دموية هزت الضمير الإنساني.
وهكذا، تحولت آمال العلويين في التحرر من الاستبداد إلى كابوس جديد من القمع والاضطهاد، مما جعل مستقبلهم أكثر غموضاً وإيلاماً.

خاتمة
العلويون في سوريا يمثلون مجتمعاً عانى لعقود من التهميش والاضطهاد، لكنهم تحولوا مع الوقت إلى لاعب مركزي في المشهد السياسي السوري الحديث، خاصة بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970. ومع ذلك، فإن مستقبل العلويين، كجزء من النسيج الاجتماعي السوري، يعتمد بشكل كبير على قدرة سوريا على تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وشاملة. هذه المصالحة يجب أن تتجاوز الخطابات الطائفية وتعمل على بناء دولة تقوم على العلمانية أي على مبادئ المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، حيث يمكن لجميع الطوائف والمكونات أن تعيش بسلام وأمان، دون خوف من الاضطهاد أو الانتقام.
لكن تحقيق هذه المصالحة لن يكون أمراً سهلاً، خاصة في ظل الإرث الثقيل من الدماء والكراهية الذي خلفته الحرب الأهلية. يتطلب الأمر إرادة سياسية حقيقية من جميع الأطراف، بالإضافة إلى دعم دولي وإقليمي يضع مصلحة الشعب السوري فوق أي اعتبارات أخرى.
في النهاية، مستقبل العلويين، مثل مستقبل جميع السوريين، مرتبط بقدرة البلاد على تجاوز ماضيها الدامي وبناء مستقبل يعترف بالتنوع كقوة، وليس كسبب للانقسام. فقط من خلال العدالة والمساواة يمكن لسوريا أن تخرج من دوامة العنف وتضمن مستقبلاً آمناً ومستقراً لأجيالها القادمة.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الج ...
- الإعلام.. صانع الأحداث أم بائع الوهم؟
- سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟
- أردوغان وتطلعاته للسلطة الدائمة: تحليل لاستراتيجياته السياسي ...
- بين مطرقة الخوف وسندان الوطنية.. زيارة الدروز إلى إسرائيل
- اتفاق عبدي والشرع.. توقيع في الزمن الحرج
- الإعلان الدستوري: نسخة محسّنة من الاستبداد القديم!
- الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل
- هل أصبح مصير المفقودين في الأزمة السورية طيَّ النسيان؟
- قراءة أولية في اتفاق -قسد- مع دمشق
- جراح الروح: بين غريزة الانتقام وضرورة النضال السلمي
- هل أهدرت هيئة تحرير الشام لحظة التحول في سوريا؟
- سوريا الجديدة: فلول النظام وإرهابيو المعارضة المسلحة.. عدالة ...
- من السلاح إلى السلام.. تحولات النضال الكردي في تركيا
- الليرة المحبوسة.. جوعٌ مُنظّم وسوقٌ بلا روح
- عذراً نيوتن.. الجاذبية ليست وحدها التي تسحبنا للأسفل!
- فراغ أمني وبطالة متفشية.. سوريا إلى أين؟
- كيف تصنع حرباً أهلية في ستة أيام؟ (دليل الطغاة والمغامرين!)
- تداعيات رسالة أوجلان: فرصة سلام أم بداية صراع جديد؟
- مؤتمر الحوار.. اجتماع 🚀 سريع لحلول مسبقة الصنع


المزيد.....




- في العيد.. تنزيل تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصنا ...
- رسائل تهنئة عيد الفطر مكتوبة بالاسم للأصدقاء والأقارب 2025 . ...
- الإمارات تحكم بالإعدام على 3 أوزبكيين قتلوا حاخاما يهوديا
- بزشكيان يهنئ الدول الإسلامية بحلول عيد الفطر
- بن سلمان يبحث مع سلام مستجدات الأوضاع في لبنان ويؤديان صلاة ...
- أهالي غزة.. صلاة العيد على أنقاض المساجد
- المسلمون يؤدون صلاة العيد بمكة والمدينة
- هل الدولة الإسلامية دينية أم مدنية؟ كتاب جديد يقارن بين الأس ...
- إقامة صلاة العيد بجوار المساجد المدمّرة على وقع مجازر الإحتل ...
- أديا صلاة العيد بالمسجد الحرام.. محمد بن سلمان يستقبل رئيس و ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الجزء الثاني) والأخير