مسعد عربيد
الحوار المتمدن-العدد: 8293 - 2025 / 3 / 26 - 09:26
المحور:
القضية الفلسطينية
التسلسل الزمني (كرونولوجيا) للفكرة والمخططات
القرن التاسع عشر: مرحلة ما قبل تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية
أبرز الأفكار والتيارات الاستيطانية الصهيونية
نعرض في ما يلي أبرز الأفكار والأُطروحات الاستيطانية لعدد من المفكرين اليهود الذين يُعدُّون من رواد الدعوة الى المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، وهيأت أُطروحاتهم الاستيطانية الأرضية الإيديولوجية والسياسية التأسيسية لهذا المشروع، وهم:
▪ موسى هس
▪ الحاخام تسفي هيرش كاليشر
▪ إسرائيل (يسرائيل) زانغويل
▪ ليو بنسكر
▪ مناحيم أوسشكين
▪️▪️▪️
موسى هس (1812 – 1875) Moses Hess
(ويُسمى أيضًا موشي هيس، موسيس هس)
▪ يهودي ألماني ويُعدُّ أحد مؤسسي الصهيونية العمالية والمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ويُعدُّه كثيرون "فيلسوفًا واشتراكيًا يهوديًا".
أبرز أفكاره الأساسية
يُعدُّ كتاب موسس هس "روما والقدس: المسألة الوطنية الأخيرة" (الصادر في العام 1862)، من أهم أعماله إذ ضمَّنه أفكاره وأُطروحاته بشأن حل المسألة اليهودية. وقبل أن نقدم موجزًا لأبرز أُطروحاته في هذا الكتاب، نذكر عناوينها:
أ) اليهودية ليست دينًا فحسب؛ إنّما حركة قومية.
ب) نجحت التوراة في الحفاظ على الشعب الإسرائيلي على مدى التاريخ.
ج) اندماج اليهود في المجتمعات الأوروبية ليس حلًا، فاليهودي يبقى يهوديًا.
د) حل المسألة اليهودية، ومشاكل اليهود في أوروبا، يكمن في استيطان فلسطين وإقامة "دولة يهودية قومية" على أرضها.
ه) سيكون المهاجرون الأوائل من يهود شرقي أوروبا مدعومين برأس المال اليهودي الغربي والقوى الاستعمارية الغربية.
أولًا: المسألة اليهودية
1 - أوروبا والعداء لليهود: رأى هس أن الأوروبيين، يعادون "عرق" القومية اليهودية، ورأوا في وجود اليهود بينهم أمرًا شاذًا، ولذا سيبقى اليهود بينهم غرباء. وعليه، فالاندماج ليس حلًا واليهودي يبقى يهوديًا.
2 - اليهود.. واليهودية.. و"القومية اليهودية": نظر هس إلى اليهود بوصفهم جماعة ذات صفات قومية. فاليهودية عنده ليست دينًا فقط؛ إنّما "حركة قومية"، وأن ثمة ترابطًا عضويًا بين الهوية اليهـودية والدين اليهودي، لكن القومية العضوية أو "روح الشعب" سبقتْ الدين، وما الدين سوى تعبيرِ عن الروح القومية.
وفي نظرته إلى العلاقة بين اليهودية ومشروع "العودة إلى أرض الأجداد"(الأرض الموعودة)، يرى أن القدس (أورشليم) أرض مقدَّسة ومركز للكون، أي أرض الميعاد. وهكذا، وفق هذا المنطق، يصبح "الشعب اليهودي" الشعبَ المختار.
3 - إعادة إنتاج الجماعات اليهودية في الغرب على هيئة "شعب عضوي": رأى هس أن على اليهود أن يصبحوا "جماعة وظيفية"، وذلك شرط للتمهيد لحل المسألة اليهودية:
أ) فأوروبا لن تقبل اليهود وسيظلون فيها منبوذين.
ب) لذا، ينبغي إعادة إنتاج اليهود على هيئة "شعب عضوي" حتى تتمكن أوروبا من أن تجد لهم مكانًا يقيمون فيه، وتتمكن القوى الغربية الاستعمارية من دعم وتبرير المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.
ثانيًا: حل المسألة اليهودية
1 - منطلقات الحل عند هس
أ) الشعب العضوي المنبوذ: جاءَت فكرة "الشعب العضوي المنبوذ"، الصيغة الأساسية لحل المسألة اليهودية ومشكلة اليهود عن طريق توظيفهم في خدمة الحضارة الغربية التي نبذتهم. وكان هس واضحًا في تصوره أن نقل "الشعب اليهودي المنبوذ" واستيطان فلسطين هو في خدمة مصالح القوى الاستعمارية الغربية المهيمنة آنذاك.
ب) فشل الاندماج: رأى هس أن محاولات اليهود الإصلاحيين والاندماجيين في أوروبا فاشلة، وأن المجتمعات الأوروبية لن تحترم اليهود وسيبقون فيها غرباء ومنبوذين، ولن يتمكنوا من "الالتحام العضوي" في المجتمعات الأوروبية. لذا، فإن الحل الوحيد للمسألة اليهودية يكمن في استعمار فلسطين. فالعودة إلى فلسطين هي السبيل الوحيد إلى الانبعاث اليهودي القومي أي "حياة إسرائيل".
2 - الحل خارج أوروبا
يرى هس أن الحلّ الوحيد لمشكلة اليهود هو في إقامة مجتمع يهودي في فلسطين على قواعد القيم والمبادئ الاشتراكية التي تتلاءم مع روح التوراة. فالدولة اليهودية يجب أن تكون دولة "متحضرة ومستقلة":
مستقلة: بمعنى أنها مُعترَف بها في القانون الدولي (أي القانون الاستعماري الغربي)؛
ومتحضرة: أي دولة استيطانية وظيفية تخدم مصالح الغرب الإمبريالي الذي يحميها ويؤمِّن لها أسباب البقاء.
3 - الحل في سياق الأوضاع الدولية
رأى هس أن الظروف السياسية التي كانت سائدة آنذاك في العالم وفي الشرق كانت مواتية لتشجيع اليهود ودفعهم إلى إقامة المستعمرات اليهودية عند قناة السويس وعلى ضفتي نهر الأردن.
وهنا تكون البداية التي تتجسَّد في تأسيس مستعمرات يهودية في "أرض أجدادهم"، وهو المشروع الذي سيفرضه الغرب بلا شك على طريق التجارة إلى الهند والصين وفي ملتقى القارات الثلاثة، فدع البذرة فقط تُزرع تحت حماية القوى الأوروبية، حسب هيس.
ثالثًا: منافع الدولة اليهودية المنشودة
يرى هس أن الدولة المزعومة، بغض النظر عن ادّعاءاته بشأن "الدولة الاشتراكية"، تعود بالمنافع على مستويات عدة:
أ) فهي تؤمن لليهود حلًا للمسألة اليهودية في أوروبا.
ب) وتؤدي إلى البعث القومي لليهود المتجسد في الدولة اليهودية التي ستؤدي إلى إصلاح اليهود واليهودية.
ج) استيطان فلسطين سيعيد الكرامة لليهود: ستحقق دولة اليهود الجديدة "الكرامة والاحترام والشرف". ففي هذه الدولة سيتحول اليهود عند امتلاكهم الأرض إلى عمال منتجين، وسيُسهم رأسمالهم وعملهم في إعادة الحياة للأرض "القاحلة"، أي إنهم سيتحولون إلى مادة بشرية استيطانية ناجحة بيضاء.
د) ستقوم هذه الدولة على "أرض الأجداد" في فلسطين، ولكنها ستكون في إطار الحضارة الغربية. وعليه، ينبغي لليهود أن يطلبوا هذه الأرض من الغرب كي تكون في إطار الحضارة الغربية الاستعمارية، ويحملوا الحضارة إلى "شعوب لا تعرفها" وتصبح دولتهم مركز اتصال بين القارات الثلاث، أي يصبح اليهود "وسيطًا بين أوربا وآسيا"؛ وبهذا يكونوا قد مهّدوا الطرق إلى الهند والصين.
ه) تكون هذه الدولة دولةً وظيفيةً في خدمة الاستعمار الغربي، وتقوم على هيئة مستعمرات تمتد من السويس إلى القدس، ومن نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. وبهذا يجري "تعبيد طريق الحضارة" في الصحراء بحفر قناة السويس ومد الخطوط الحديدية التي تصل أوربا وآسيا. بعبارة أخرى، يرى هس أن بلدان المشرق العربي ستصبح في قبضة القوى الاستعمارية الأوروبية.
و) أمًا عن مصير السكّان الأصلانيين، فستسهم الدولة المزعومة في إنقاذ شعوب الشرق من تخلفها. وهنا لا يتورع هس عن تكرار الذريعة الاستعمارية ذاتها التي طالما استخدمتها القوى الاستعمارية في تاريخها الاستعماري: سيجلب المستعمرون (أي اليهود في الحالة الفلسطينية) الحضارة لهؤلاء "المتخلفين" ويعملون على الارتقاء بهم إلى مصاف الدول المتقدمة، وهو ما يُكسب المشروع الصهيوني "الشرعية" ويمنح الإمبريالية الغربية الذريعة لدعمه وحمايته.
معنى "الاشتراكية" في الدولة اليهودية المنشودة
يتضح ممَّا سبق أن دعوة هس أبناء جلدته للعودة إلى "الأرض الموعودة"، تنطوي على مشروع استيطاني عنصري غربي يقوم على خدمة مصالح القوى الاستعمارية الغربية وحمايتها. ولكن هس لا يتوقف عند هذا الحد، بل يصرّ على إضفاء أبعاد وسمات "عمّالية" و"اشتراكية" على هذا المشروع.
فمن أجل أن يتحقق مشروعه في "الدولة اليهودية"، ينبغي لليهود أن يتحولوا إلى عمال منتجين على الأرض، وهو ما يتطلب استخدام العِلم والتقدم التكنولوجي كي يتمكن الإنسـان من استغلال الطبيعة للإيفاء باحتياجاته بدلًا من اسـتغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
رابعًا: العنصرية في فكر هس
1 - رأى هس أن الوقت قد حان لنهضة "الأمة اليهودية" منطلقًا في نظرته إلى الحياة من نظرة اليهودية إلى الإنسانية، وأن اليهود وحدهم هم شعب الله. ومن هنا نظر إلى الحرية والقومية نظرةً عنصرية وعِرقية. فالعرق هو الذي يخلق المؤسسات الاجتماعية والمواقف الروحية، وصراع الأجناس في التاريخ يأتي قبل صراع الطبقات. وفي هذا الصدد يقول مخاطبًا اليهود: " أنتم قوس النصر للحقبة التاريخية المقبلة، الذي سوف يُكتب تحته عهد الإنسانية العظيم، ويختم في حضوركم بوصفكم شهودًا على التاريخ والمستقبل".
2 - الوسائل: الاستيطان
طرح هس تصوراتٍ وخططًا عملية في سبيل إقامة "الدولة اليهودية" تجسدت في بناء المستوطنات الصهيونية في فلسطين، وذلك تمهيدًا لبناء هذه الدولة تحت حماية الدول الاستعمارية الغربية، داعيًا إلى تأسيس جمعيات ومنظمات تسعى إلى كسب دعم:
- الأثرياء اليهود والبرجوازية اليهودية الأوروبية (روتشيلد، ومونتفيوري على وجه الخصوص)؛
- القوى الاستعمارية الغربية (خصوصًا فرنسا) في دعم المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وحمايته.
3 - الاستيطان: بين يهود الشرق ويهود الغرب
ميَّز هس في مفهومه لاستيطان فلسطين، بين يهود الشرق ويهود الغرب:
قال إن يهود أوروبا الشرقية سيكونون المادة البشرية الأولية (المهاجرون الأوائل) للمشروع الاستيطاني في فلسطين، وذلك على خشيته من ترددهم في التجاوب مع هذا المشروع وتأمين المادة البشرية.
أمَّا يهود أوروبا الغربية، فقد أدرك هس أن أغلبية هؤلاء اليهود لن يغادروا مجتمعاتهم المتمدنة، لأنهم حققوا لأنفسهم مراكز اجتماعية لن يتخلوا عنها. لذا أكّد أن دور يهود أوروبا الغربية يكون بمساندة يهود أوروبا الشرقية وتأمين الدعم المادي لهم في استيطان فلسطين عن طريق رأس المال اليهودي الأوروبي الغربي.
ردود الفعل على كتابه
تصدّى الإصلاحيون اليهود لأفكار هس وعارضوا أُطروحاته التي لم تلقَ آذانا صاغية أو تأييدًا كبيرًا حتى بين اليهود الاشتراكيين، مع أن الدولة اليهودية التي دعا إليها كانت ضمن رؤية "اشتراكية".
وقد مرّ كتاب "روما والقدس" دون أن يثير انتباهًا كبيرًا في أوساط المجتمعات اليهودية، لأن الكثيرين من اليهود في تلك الآونة، كانوا ماضين نحو الانسجام والاندماج في مجتمعاتهم ويرونه حلًّا ملائمًا لمشاكلهم. ولم تحتل أفكار هس مكانة هامة إلاّ بعد عقود عند تأسيس الحركة الصهيونية، حين أسهمت تلك الأفكار في بلورة المشروع الصهيوني في فلسطين وحشد الدعم اليهودي له.
#مسعد_عربيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟