أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الجزء الأول)















المزيد.....

العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الجزء الأول)


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 09:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في أزقة التاريخ المتعرجة، وبين ظلال المعتقدات والسياسة، نشأت الطائفة العلوية كواحدة من أكثر الجماعات الدينية غموضاً وجدلاً في المشرق العربي. لم تكن مسيرتها عبر القرون نزهةً بين بساتين السلطة، بل كانت أشبه برحلةٍ شاقة عبر صحراء العداء والتهميش، حتى وجدت نفسها في موقع لم تكن تحلم به، لكنه حمل في طياته لعنةً تفوق النعمة.
ظهرت الطائفة العلوية في القرن التاسع الميلادي ضمن سياق إسلامي مضطرب، حيث شكّلت مزيجاً عقائدياً متأثراً بالتشيّع الإثني عشري والتصوف، مع لمساتٍ من الفلسفة الغنوصية (تتمركز الغنوصية حول فكرة "المعرفة" من الكلمة اليونانية "غنوصيس" التي تعني المعرفة أو الإدراك، ولكنها ليست معرفة عقلية أو علمية، بل معرفة باطنية وروحية تهدف إلى فهم الأسرار العميقة للوجود والخلاص).
نُسِبت الطائفة إلى محمد بن نصير، الذي ادّعى أنه الباب إلى الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، ومن هنا جاءت تسميتهم بـ "النصيرية" قبل أن يُستبدل الاسم في القرن العشرين بـ "العلوية" في محاولةٍ للاقتراب من التيار الإسلامي العام.
يعتقد العلويون أن علي بن أبي طالب، ابن عم النبي محمد وصهره، هو الوصي الشرعي للنبي، وأن الأئمة من نسله هم القادة الروحيون والسياسيون للأمة الإسلامية.
يؤمن العلويون بتأويلٍ باطنيٍّ للقرآن، مما يجعلهم يختلفون عن المذاهب الإسلامية الأخرى في تفسيرهم للقرآن والسنة. ويرتكزون على مبدأ التناسخ الروحي، حيث يُنظر إلى الحياة كمراحل يتنقّل فيها الإنسان حتى يصل إلى النور الإلهي. كما أن لهم طقوساً سرّية لا يبوحون بها إلا لأبناء الطائفة، مما زاد من غموضهم وعزّز الشكوك حولهم في أوساط الأكثرية المسلمة.

العلويون ومعاناتهم.. اضطهاد ممنهج ومقاومة للبقاء
عبر التاريخ، عانى العلويون من الاضطهاد والتمييز، وبلغ هذا القمع ذروته في العهد العثماني، حيث اعتُبروا خارجين عن المذهب السني السائد، ووُصفوا بالهرطقة. نتيجة لذلك، تعرّضوا لمجازر وحملات إبادة، خاصةً في الأناضول وحلب ومحيطها، راح ضحيتها عشرات الآلاف، وصودِرت ممتلكاتهم، وأُجبِر البعض على تغيير مذهبهم أو الفرار. مما دفعهم إلى اللجوء إلى المناطق الجبلية الوعرة في سوريا، مثل جبال اللاذقية، حيث أسسوا مجتمعات مغلقة لحماية أنفسهم من الملاحقة المستمرة.

لم يقتصر التمييز ضدهم على الإقصاء الاجتماعي، بل امتد إلى القمع الدموي المنظّم، إذ شُنّت ضدهم موجات من المجازر، وفرضت عليهم ضرائب باهظة، ومُنعوا من تولّي المناصب الهامة، بل حتى تعرضت نساؤهم للسبي في بعض الفترات. كل ذلك عمّق عزلتهم، لكنه رسّخ لديهم التشبث بهويتهم ومعتقداتهم رغم قسوة الظروف.
استمر الحال على هذا النحو حتى فترة الانتداب الفرنسي، حيث أدرك الفرنسيون أهمية الطوائف في تفتيت النسيج السوري، فمنحوا العلويين امتيازاتٍ عسكرية وأسسوا لهم وحدات خاصة داخل الجيش الفرنسي، وبسبب فقرهم الشديد انضم الكثير منهم إلى الجيش الفرنسي وهو ما مهّد لاحقاً لصعودهم في المؤسسات العسكرية للدولة المستقلة.

أماكن وجودهم جغرافياً
يتركز العلويون بشكل رئيس في سوريا، خاصة في مناطق جبال اللاذقية وطرطوس وحمص وريف حماة، وفي تركيا (منطقة لواء اسكندرون) ولبنان. يشكل العلويون في سوريا قرابة 10% من السكان، لكنهم لعبوا دوراً سياسياً وعسكرياً بارزاً في القرن العشرين.

العلوية في القرن العشرين.. من التهميش إلى الحكم
شهد القرن العشرين تحولاً كبيراً في وضع العلويين في سوريا. بعد انهيار الدولة العثمانية وبدء الانتداب الفرنسي، بدأ الفرنسيون في تعزيز دور الأقليات، بما في ذلك العلويين، كجزء من استراتيجية "فرق تسد". تم تجنيد العديد من العلويين في الجيش الفرنسي، كما ذكرنا سابقاً، ما منحهم فرصاً للارتقاء الاجتماعي والسياسي.
وبالطبع لم يكونوا يوماً كتلة سياسية واحدة، فبعد الاحتلال الفرنسي لسوريا برز الشيخ صالح العلي كأحد مناهضي الاحتلال وخاض معارك ضارية مع الجيش الفرنسي، وكان زعيماً محلياً ذا كاريزما وقدرة على تجميع الناس حوله، وقاد ثورة مسلحة ضد الفرنسيين بين عامي 1919 و1921، وهي واحدة من أبرز حركات المقاومة في سوريا خلال فترة الانتداب الفرنسي. مما جعله رمزاً للمقاومة الوطنية. كانت استراتيجيته تعتمد على حرب العصابات، حيث كان يشن هجمات مفاجئة على القوات الفرنسية ثم ينسحب إلى الجبال.

لم يكن الشيخ صالح العلي يقاتل من أجل طائفته فقط، بل كان ينظر إلى مقاومته على أنها جزء من النضال الوطني السوري الأوسع. حاول توحيد مختلف الطوائف والمكونات السورية تحت راية واحدة لمقاومة الاحتلال الفرنسي. وقد تعاون مع قادة آخرين مثل إبراهيم هنانو في الشمال وسلطان الأطرش في جبل العرب، مما يعكس رؤيته الوطنية الشاملة.
على الرغم من نجاحاته العسكرية، لم تكن المقاومة قادرة على الصمود أمام القوة العسكرية الفرنسية المتفوقة. في عام 1921، اضطر الشيخ صالح العلي إلى الاستسلام بعد أن حاصرته القوات الفرنسية في جبال اللاذقية. ومع ذلك، لم يتم إعدامه أو سجنه، بل تم نفيه إلى دير الزور، وكان الهدف من نفيه إلى هذه المنطقة النائية هو إبعاده عن قاعدته الشعبية والعسكرية، ومنعه من مواصلة تنظيم المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي.
أما لماذا لم يُسجن؟ فهناك عدة أسباب قد تفسر عدم سجن الشيخ صالح العلي رغم كونه قائداً للمقاومة:
هو خشية الفرنسيين من تفاقم المقاومة، فقد كان يتمتع بشعبية كبيرة، خاصة بين العلويين وفي مناطق جبال اللاذقية. وسجنه أو إعدامه كان قد يؤدي إلى تفجير غضب شعبي واسع وتجديد المقاومة ضد الفرنسيين. لذلك، فضّل الفرنسيون نفيه كحل أقل خطورة.
عاش الشيخ صالح العلي في دير الزور بعيداً عن الأضواء، ولم يعد إلى النشاط السياسي أو العسكري. توفي في عام 1950، بعد أن ترك إرثاً وطنياً كبيراً كرمز للمقاومة ضد الاستعمار.

بعد الاستقلال، كانت الحياة السياسية في سوريا حلبة صراع بين النخب المدينية السنّية، لكن انقلاب 1963 الذي قاده حزب البعث منح العلويين موطئ قدم داخل السلطة. لم يكن ذلك من باب التوافق الطائفي، بل بسبب نفوذهم المتزايد داخل الجيش، حيث شكل الضباط العلويون العمود الفقري للانقلاب.
لكن اللحظة الحاسمة جاءت عام 1970، حين انقلب حافظ الأسد على رفاقه في البعث، ممسكاً بزمام السلطة بقبضة فولاذية. لم يكن صعوده مجرد انتصارٍ شخصي، بل كان تحولاً جذرياً في تاريخ العلويين، حيث خرجوا من هامش التاريخ إلى قلب الدولة العميقة.

يتبع غداً (الجزء الثاني) والأخير.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإعلام.. صانع الأحداث أم بائع الوهم؟
- سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟
- أردوغان وتطلعاته للسلطة الدائمة: تحليل لاستراتيجياته السياسي ...
- بين مطرقة الخوف وسندان الوطنية.. زيارة الدروز إلى إسرائيل
- اتفاق عبدي والشرع.. توقيع في الزمن الحرج
- الإعلان الدستوري: نسخة محسّنة من الاستبداد القديم!
- الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل
- هل أصبح مصير المفقودين في الأزمة السورية طيَّ النسيان؟
- قراءة أولية في اتفاق -قسد- مع دمشق
- جراح الروح: بين غريزة الانتقام وضرورة النضال السلمي
- هل أهدرت هيئة تحرير الشام لحظة التحول في سوريا؟
- سوريا الجديدة: فلول النظام وإرهابيو المعارضة المسلحة.. عدالة ...
- من السلاح إلى السلام.. تحولات النضال الكردي في تركيا
- الليرة المحبوسة.. جوعٌ مُنظّم وسوقٌ بلا روح
- عذراً نيوتن.. الجاذبية ليست وحدها التي تسحبنا للأسفل!
- فراغ أمني وبطالة متفشية.. سوريا إلى أين؟
- كيف تصنع حرباً أهلية في ستة أيام؟ (دليل الطغاة والمغامرين!)
- تداعيات رسالة أوجلان: فرصة سلام أم بداية صراع جديد؟
- مؤتمر الحوار.. اجتماع 🚀 سريع لحلول مسبقة الصنع
- السرديات المتضاربة في المشهد السوري: استباق التقسيم أم سقوط ...


المزيد.....




- طريقة الوصول الى محطة قطار الحرمين في مكة من المسجد الحرام و ...
- من يدير الأقصى الآن؟ المسلمون أم الكهنة اليهود؟
- صور.. 100 ألف مصل يؤدون صلاة العشاء والتراويح بالمسجد الأقصى ...
- أفضل الأعمال الصالحة في أواخر شهر رمضان المبارك.. ليلة القدر ...
- وعكة صحية مفاجئة تصيب شيخ الأزهر
- 100 ألف يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- دار الإفتاء تحدد قيمة زكاة الفطر 2025.. 3 حالات لا تجزئ فيها ...
- مقتل مؤسس أول تنظيم للحركة الإسلامية داخل السجون الإسرائيلية ...
- المسلمون في أوغندا.. أحفاد تجار وجنود عانوا الاضطهاد والتهمي ...
- دار الإفتاء تكشف للمسلمين ما هو أفضل وقت لإخراج زكاة الفطر 2 ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضيا اسكندر - العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الجزء الأول)