أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عقيل الفتلاوي - الرقابة الأبوية على المراهقين بين حرية المقاهي وسلطة الأهل














المزيد.....


الرقابة الأبوية على المراهقين بين حرية المقاهي وسلطة الأهل


عقيل الفتلاوي
صحفي وباحث

(Aqeel Al Fatlawy)


الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 01:05
المحور: المجتمع المدني
    


في زوايا المقاهي المزدحمة، حيث تتصاعد روائح الأرجيلة الممزوجة بضحكات المراهقين، تُختزل معركة خفية بين رغبة الأبناء في الانطلاق وسعي الآباء للحماية. المشهد يتكرر كل يوم بعد المدرسة، وفي عطلة نهاية الأسبوع، حين يتحول المقهى إلى "وطن مؤقت" لشبابٍ يعتبرونه فضاءً للحرية، بينما يراه أهلهم بوابةً لمخاطر التدخين والضياع.
تلك المقاهي التي كانت فيما مضى مقصورةً على كبار السن، أصبحت اليوم ملاذاً للمراهقين الذين يجلسون ساعاتٍ طويلةً بين كؤوس الشاي وأباريق النرجيلة، يتبادلون الأحاديث، ويُجرّبون – ربما للمرة الأولى – طعم "الاستقلال" بعيداً عن عيون الأهل. لكن ما يبدو لهم حريةً، يراه الآباء انحرافاً، وما يعتبرونه مجرد "شيشة عادية"، تحوّل في الدراسات الطبية إلى قنبلة موقوتة تهدد الرئتين والقلب قبل الأوان.
في هذا السياق، تبرز معضلة الرقابة الأبوية: كيف يفرض الأهل سطوتهم دون كسر إرادة الأبناء؟ وكيف يوازنون بين تحذيرات الأطباء من تدخين الأرجيلة، ورغبة المراهق في أن يكون "مقبولاً" بين أقرانه؟ بعض العائلات تختار أسلوب الحزم، فتمنع الخروج نهائياً، أو تفرض حظراً على مصاحبة أصدقاء معينين. لكن هذه القيود غالباً ما تأتي بنتائج عكسية، إذ يتحول الممنوع إلى مغريّ، ويبدأ الابن في البحث عن حيلٍ جديدة للالتفاف على رقابة الأهل، كأن يدّعي الذهاب إلى المكتبة وهو في الحقيقة يتجه إلى المقهى الأقرب.
في المقابل، هناك أسرٌ تفضل أسلوب المصارحة، فتفتح حواراً مع الابن حول مخاطر التدخين، وتشرح له كيف أن ساعةً واحدةً من الأرجيلة تعادل تدخين مئة سيجارة. لكن حتى هذا النهج قد يصطدم بجدار المراهقة الصلب، حيث يصرّ الشاب على أن "كل زملائي يفعلون ذلك"، أو أن "الأرجيلة ليست إدماناً مثل السجائر". هنا يجد الأهل أنفسهم في حيرة: هل يصمتون خشيةً من نفور الابن، أم يتدخلون بقوة رغم احتمالية الصدام؟
الخيط الرفيع بين التوجيه والتسلط يدفع بعض الخبراء إلى اقتراح حلول وسطى، كأن يسمح الأهل لابنهم بالخروج مع أصدقائه، لكن بشروطٍ محددة، مثل تحديد الوقت، أو اختيار المقهى الذي لا يسمح بالتدخين لمن هم دون السن القانوني. آخرون يرون أن الحل لا يكمن في مراقبة المكان، بل في ملء وقت الفراغ بأنشطة بديلة. فلو كان الشاب منخرطاً في رياضةٍ يحبها، أو ورشة فنية، أو حتى عمل تطوعي، فلن يجد وقتاً فارغاً يدفعه إلى "تسكع" بلا هدف.
لكن تبقى المشكلة الأعمق، وهي أن بعض الآباء يريدون التحكم في كل خطوة، بينما ينسون أنهم في عمر أبنائهم ربما كانوا يفعلون الشيء نفسه! فالشاب الذي يُمنع منعاً باتاً سيشعر بأنه محاصر، وسيحاول كسر القيود بأي طريقة، حتى لو أدى ذلك إلى الكذب. أما الذي يجد في بيته مساحةً للاستماع دون تهويل، فسيكون أكثر استعداداً للاعتراف بأخطائه، وأكثر تقبلاً للنصيحة عندما يدرك أن والديه لا يتدخلان "لمجرد التحكم"، بل لأنهم قلقون حقاً.
في النهاية، المسألة ليست معركةً بين "أهل متسلطين" و"أبناء متمردين"، بل هي اختبارٌ لذكاء الأسرة في اجتياز مرحلة المراهقة بأقل خسائر. فالشاب الذي يعرف أن والده يثق به، سيفكر ألف مرة قبل أن يخون هذه الثقة. والأم التي تستبدل لغة الاتهام بـ"أين كنت؟" بـ"هل أنت بخير؟"، قد تحصل على إجابات صادقة بدل أكاذيب مُتقنة.
ربما يكون الوقت قد حان لأن ندرك أن الرقابة الأبوية ليست أسواراً عاليةً يُحاصر خلفها الأبناء، بل أضواءً خافتةً تُنير لهم الطريق، ثم تتركهم يسيرون – بحذر – نحو اختياراتهم. لأن المراهق الذي يتعلم اليوم تحمّل نتائج أفعاله، سيكون غداً بالغاً قادراً على مواجهة الحياة، لا بالهروب إلى المقاهي، بل بالثقة التي غرسها فيه أهلٌ عرفوا كيف يكونون حماةً دون أن يكونوا سجّانين.



#عقيل_الفتلاوي (هاشتاغ)       Aqeel_Al_Fatlawy#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحديات الأمنية والاقتصادية لتهريب النفط في الخليج العراق و ...
- كيف يتحكم الإعلام في عقولنا؟ صناعة الموافقة الخفية
- هل دخلت أميركا وكر الأفعى بضربها اليمن وصدامها مع أتباع الحو ...
- صناعة الأصنام والطواغيت: مجتمع بين عبادة الماضي واستغلال الح ...
- برمجة الأطفال والإعلان: كيف نصنع جيلًا واعيًا رقميًا؟
- العنف التلفزيوني: متعة بصرية أم خطر يهدد المجتمع؟
- النزاهة والشفافية: ركيزتان لإعادة بناء الثقة في الحكومة العر ...
- صناعة الوهم في عصر السوشيال ميديا
- فتوى الدفاع الكفائي.. هل كانت الحل الأمثل لدرء فتنة انهيار ا ...
- وداعًا يا أبا حمزة صوت العزة الذي لن يصمت
- هل العالم على أعتاب حرب عالمية ثالثة الشرق الأوسط ساحة الصرا ...
- هل تصبح إسرائيل جارة للعراق
- التحركات العسكرية الأمريكية بين التمويه والإستراتيجية الخفية
- إغلاق قناة -الحرة : قراءة في الدوافع والتداعيات
- التطهير العرقي في سوريا
- ترامب وسياسة العقوبات وتأثيرها على الاقتصاد العراقي والعلاقا ...
- الأمطار الأخيرة في محافظات العراق تكشف هشاشة البنية التحتية. ...
- توظيف الذكاء الاصطناعي في الكتابات الصحفية: ثورة في عالم الإ ...
- الساحل السوري بين نيران الفوضى وشبح الإبادة الجماعية
- العراق وأزمة الغاز الإيراني: بين الضغوط الأمريكية وخيارات ال ...


المزيد.....




- بعدما تفاجأت بتداعيات اعتقال امام اوغلو.. تركيا تلجأ لاعتقال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة
- الأمم المتحدة: 21 ألف شخص فروا من سوريا إلى لبنان مطلع مارس ...
- الأمم المتحدة: لا أحد في مأمن في غزة والفرق الطبية منهكة
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
- الاحتلال يثبت اعتقال الدكتور حسام أبو صفية لمدة 6 أشهر
- الجامعات الأميركية.. سجال حول حرية التعبير
- دبلوماسية رياض منصور تهزم سردية الاحتلال في أروقة الامم المت ...
- الاهتمام بقضية اللاجئين الفلسطينيين
- الأمم المتحدة: 21 ألف شخص فروا من سوريا إلى لبنان مطلع مارس ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عقيل الفتلاوي - الرقابة الأبوية على المراهقين بين حرية المقاهي وسلطة الأهل