أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الشهبي أحمد - صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة















المزيد.....


صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8292 - 2025 / 3 / 25 - 01:07
المحور: حقوق الانسان
    


في لحظة مشحونة بالتوتر، وثّق مقطع فيديو مشهدًا صادمًا في مدينة تمارة، حيث تلقى قائد صفعة على وجهه أثناء أداء مهامه. هذه الواقعة، التي انتشرت كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي، لم تكن مجرد حادثة عابرة أو اعتداء فردي على موظف عمومي، بل تحولت إلى رمز يعكس حالة من الانقسام العميق بين السلطة والمواطنين في المجتمع المغربي. ما بدا في ظاهره نزاعًا حول مسألة إدارية بسيطة – تطبيق حملة لإزالة التعديات – كشف عن جروح اجتماعية وسياسية أعمق، تتعلق بمفاهيم العدالة، الثقة، وطبيعة العلاقة بين الدولة وشعبها. إنها لحظة تجسدت فيها مشاعر الغضب والإحباط في مواجهة الواجب والمسؤولية، لتطرح تساؤلات ملحة: إلى أي مدى يمكن أن تستمر هذه الفجوة بين السلطة والمواطن دون أن تنفجر؟ وهل يمكن لتطبيق القانون أن يظل أداة للنظام إذا فقد شرعيته في عيون الناس؟

الرواية الرسمية تقول إن القائد كان ينفذ تعليماته في إطار حملة تهدف إلى استعادة الأملاك العامة، وهي مهمة تبدو مشروعة في سياق القانون والنظام. لكن في المقابل، ظهرت المرأة التي وجهت الصفعة كمدافعة عن حقها أو حق أحد أقاربها، في لحظة بدت فيها السلطة وكأنها تتجاوز حدود المعقول في نظرها. هذا الصدام ليس جديدًا، لكنه يكتسب أهمية خاصة في سياق مجتمع يعاني من تراكم الإحباطات، حيث يشعر الكثيرون بأن تطبيق القانون يأتي أحيانًا على حساب حقوقهم الأساسية. ما حدث في تمارة لم يكن مجرد تصرف عفوي، بل تعبير عن شعور متجذر بالظلم، شعور يتجاوز الحادثة ذاتها ليلامس إشكالية أوسع: كيف يمكن للسلطة أن تحتفظ بهيبتها وهي تواجه مواطنين يرون فيها مصدر تهديد أكثر منها حامية لمصالحهم؟

من زاوية القانون، الاعتداء على موظف عمومي أثناء أداء مهامه يُعد جريمة لا لبس فيها، وهو ما يبرر ردود الفعل الرسمية التي دعت إلى معاقبة الفاعلة حفاظًا على هيبة الدولة. لكن هذا المنظور القانوني، رغم وضوحه، لا يكفي لفهم السياق الاجتماعي الذي أنتج هذا الفعل. فالمواطن الذي يرى في السلطة أداة للقمع بدلاً من أداة للعدالة قد لا يجد في القانون سوى قناعًا يخفي تعسفًا أو تجاهلاً لمعاناته. هنا يبرز التناقض الأساسي: القانون، الذي يفترض أن يكون ضمانة للجميع، يصبح في أعين البعض رمزًا للانفصال بين الدولة وشعبها. وإذا كان تطبيق القانون يُنظر إليه كعملية ميكانيكية خالية من الإنسانية، فإنه يفقد قدرته على بناء الثقة، ليتحول إلى مجرد أداة لفرض السيطرة بدلاً من تحقيق العدالة.

هذا الانقسام في التصورات لم يظهر فقط في الحادثة نفسها، بل امتد إلى النقاش العام الذي أعقبها. فقد انقسم الرأي بين من رأى في الصفعة تعبيرًا مشروعًا عن الغضب تجاه سلطة تتجاوز حدودها، وبين من اعتبرها تعديًا غير مقبول على رمز من رموز الدولة. هذا الاستقطاب ليس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل هو انعكاس لأزمة ثقة أعمق. ففي مجتمع يشعر فيه المواطن بأن مطالبه لا تُسمع، أو أن القوانين تُطبق بشكل انتقائي، يصبح اللجوء إلى العنف – سواء رمزيًا كالصفعة أو فعليًا بأشكال أخرى – وسيلة للتعبير عن رفض هذا الواقع. لكن هذا الخيار، رغم أنه قد يبدو مبررًا في لحظة الغضب، لا يؤدي إلا إلى تعميق الفجوة، لأن العنف لا ينتج حلولاً، بل يولد ردود فعل أكثر عنفًا، سواء من السلطة أو من المجتمع نفسه.

من جهة أخرى، لا يمكن إغفال دور السلطة في هذا السياق. فالقائد، كممثل للدولة، ليس مجرد فرد يؤدي عملاً روتينيًا، بل هو واجهة لنظام يُفترض أن يحمي المواطن ويخدمه. لكن عندما يُنظر إلى هذا النظام على أنه بعيد عن هموم الناس، أو غير قادر على التعامل مع النزاعات بأسلوب يحترم كرامة الفرد، فإن أي مواجهة بينه وبين المواطن تصبح شرارة لتفجير التوترات الكامنة. في حالة تمارة، كان من الممكن أن تُدار الأزمة بشكل مختلف لو أن هناك قنوات تواصل فعالة بين السلطة والمواطنين، أو لو أن تطبيق القانون ترافق مع حساسية تجاه السياق الاجتماعي. لكن غياب هذا الحوار، أو ضعفه، جعل المواجهة المباشرة هي الخيار الوحيد المتاح، مما أدى إلى تصعيد بدلاً من احتواء.

ما يجعل هذه الحادثة جديرة بالتأمل هو أنها ليست حالة معزولة، بل تعبير عن أزمة بنيوية تتعلق بطبيعة العلاقة بين السلطة والشعب. ففي ظل تزايد الشعور بالتهميش أو الظلم، سواء بسبب الفوارق الاجتماعية، أو البطالة، أو ضعف الخدمات العامة، يصبح أي احتكاك بين المواطن والسلطة فرصة لتفريغ هذا الإحباط. وهنا تبرز أهمية إعادة النظر في آليات إدارة النزاعات داخل المجتمع. فالدولة التي تعتمد فقط على القوة لفرض النظام دون أن تعالج الأسباب الكامنة وراء الغضب، تخاطر بفقدان شرعيتها تدريجيًا. في المقابل، المواطن الذي يلجأ إلى العنف بدلاً من الحوار يساهم، عن غير قصد، في تقويض أي فرصة للتغيير الحقيقي، لأنه يضع نفسه في مواجهة نظام لا يتردد في الرد بقوة أكبر.

الحل، إذن، لا يكمن في تعزيز القمع أو في تبرير العنف، بل في بناء جسور من الثقة المتبادلة. هذا يتطلب من السلطة أن تكون أكثر شفافية في ممارساتها، وأن تفتح قنوات حوار حقيقية تسمح للمواطن بالتعبير عن مطالبه دون خوف من العقاب. كما يتطلب من المواطنين أن يدركوا أن الاحتجاج السلمي، رغم صعوبته أحيانًا، هو السبيل الأكثر فعالية لإحداث تغيير دون الوقوع في فخ العنف المتبادل. حادثة تمارة تُظهر بوضوح أن استخدام القوة – سواء من السلطة أو المواطن – لا يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة، بينما الحوار، رغم أنه قد يبدو بطيئًا أو غير مجدٍ في لحظات الغضب، هو الطريق الوحيد لكسر هذه الحلقة المفرغة.

في سياق أوسع، تكشف هذه الواقعة عن حاجة ماسة إلى إصلاحات تتجاوز معالجة الحوادث الفردية إلى معالجة الجذور التي تؤدي إلى مثل هذه التوترات. فالشعور بالعدالة لا يتحقق فقط من خلال تطبيق القانون، بل من خلال ضمان أن يكون هذا التطبيق منصفًا وشاملاً، بحيث لا يشعر أحد بأنه مستثنى أو مظلوم. الدولة بحاجة إلى أن تعيد صياغة صورتها في أعين المواطنين، ليس كجهة تفرض النظام بالقوة، بل كشريك يسعى إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات. وهذا يتطلب سياسات ملموسة: تحسين الخدمات، تقليص الفوارق، وتعزيز المشاركة المجتمعية في صنع القرار، حتى لا تتحول كل مواجهة بسيطة إلى انفجار يهدد الاستقرار.

في النهاية، تبقى حادثة صفعة تمارة مرآة تعكس واقعًا معقدًا يتأرجح بين ضرورة احترام القانون وحق المواطن في الشعور بالعدالة والكرامة. إنها دعوة للتفكير في كيفية إعادة بناء الثقة بين السلطة والشعب، ليس من خلال المزيد من القوانين أو العقوبات، بل من خلال فهم متبادل يعترف بإنسانية الطرفين. التحدي ليس فقط في معاقبة من أخطأ أو في حماية من أُهين، بل في إيجاد سبيل يضمن ألا تتكرر مثل هذه الحوادث، لأنها ليست مجرد انحرافات، بل أعراض لمرض أعمق يحتاج إلى علاج جذري. إذا لم يتم التعامل مع هذه الأزمة بحكمة، فإن كل صفعة لن تكون سوى صدى لصفعات أخرى قادمة، تحمل معها المزيد من الانقسام والألم، بدلاً من الأمل في مستقبل يسوده التفاهم والعدل.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوعي المثقف: مرض ودواء في قبو دوستويفسكي
- -أصداف الدهور-: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة ف ...
- أصداف الدهور: حين يصبح الزمن قفصًا، والماضي لؤلؤة مفقودة في ...
- الليل لنا: تأملات في الغياب والحضور في رواية محمد مباركي
- السياسي والمؤرخ: صراع الزمن والقلم
- مزهوون بمتلاشيات الآخرين
- أنقاض الروح والكلمة: قراءة في مجموعة - تحت الركام- القصصية ل ...
- التعليم المغربي: حلم يتهاوى بين فوضى السياسة وصمت الجميع
- عبارات ملهمة: قراءة نقدية وتحليلية في أعماق الكلمة والوجود ل ...
- -ياسمين الخريف- لأحمد الشهبي: قراءة نقدية وتحليلية في المتاه ...
- -عبارات ملهمة-: سلطة الكلمة في مجموعة جواد العوالي القصصية
- عبارات ملهمة: تأثير الكلمة على أعماق الوجود الإنساني - قراءة ...
- كيكو: اغتصاب الطفولة في ظلّ ثقافة الإفلات من العقاب – مأساة ...
- تحديات الكتابة والنشر في عصر الرقمنة: أزمة قلة القراءة وصعوب ...
- غزة: الجريمةُ التي تُعيدُ تشكيلَ ضمير العالم
- الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية ت ...
- انحدار الذوق في البرامج التلفزية: بين الاستهلاك السطحي وإشكا ...
- عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواي ...
- 23 مارس 1965: جراح لم تندمل وأسئلة لم تُجاب
- هل يعيد التاريخ نفسه؟


المزيد.....




- بعدما تفاجأت بتداعيات اعتقال امام اوغلو.. تركيا تلجأ لاعتقال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة
- الأمم المتحدة: 21 ألف شخص فروا من سوريا إلى لبنان مطلع مارس ...
- الأمم المتحدة: لا أحد في مأمن في غزة والفرق الطبية منهكة
- قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
- الاحتلال يثبت اعتقال الدكتور حسام أبو صفية لمدة 6 أشهر
- الجامعات الأميركية.. سجال حول حرية التعبير
- دبلوماسية رياض منصور تهزم سردية الاحتلال في أروقة الامم المت ...
- الاهتمام بقضية اللاجئين الفلسطينيين
- الأمم المتحدة: 21 ألف شخص فروا من سوريا إلى لبنان مطلع مارس ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الشهبي أحمد - صفعة تمارة: السلطة والمواطن بين القانون والثقة المفقودة