|
الاستعمار الرقمي والقوة الإمبريالية
نادين فريد
الحوار المتمدن-العدد: 8291 - 2025 / 3 / 24 - 11:07
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
الشراكة بين شركات التكنولوجيا الكبرى ورأس المال الاستثماري من جهة وإسرائيل من جهة أخرى ليست مجرد ترتيب تجاري؛ بل هي مظهر من مظاهر الاستعمار الرقمي. فمثلما استغلَت القوى الاستعمارية دول الجنوب العالمي لاستخراج الموارد واستغلال العمالة، تستخرج شركات التكنولوجيا الكبرى ورأس المال الاستثماري البيانات والأرباح من قمع الفلسطينيين. هذه الشركات هي النسخة الحديثة من شركات الهند الشرقية حيث تعزز القوة الإمبريالية الأمريكية وتعمق عدم المساواة العالمية. دعمها لإسرائيل يخدم المصالح الجيوسياسية الأوسع للإمبراطورية الأمريكية، التي تستفيد منها بشكل مباشر.
استخدام غزة كحقل تجارب لتجربة التقنيات العسكرية يثير تساؤلات أخلاقية عميقة، حيث يتم التعامل مع الفلسطينيين كـفئران تجارب لتطوير الأسلحة، مع تحويل معاناتهم وحياتهم إلى سلعة تُباع في الأسواق العالمية. هذه الممارسة هي جزء من نمط أوسع لـ الرأسمالية العسكرية، حيث يتم استغلال الأراضي المحتلة لاختبار وتسويق التقنيات الجديدة، مما يعيد إنتاج دورات العنف وعدم المساواة في السنوات الأخيرة، برز دور شركات التكنولوجيا الكبرى في الصراعات العالمية بشكل لافت، وأصبح تحت المجهر أكثر من أي وقت مضى. ولا يُظهر هذا الدور بوضوح أكبر مما يحدث في الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين، حيث تورط عمالقة وادي السيليكون مثل جوجل، ميتا (فيسبوك سابقًا)، أمازون، ومايكروسوفت وغيرهم في القمع المنهجي لشعب بأكمله.
خلف الكواليس، تسللت الشركات الناشئة الإسرائيلية – التي تربطها علاقات وثيقة بأجهزة الجيش والمخابرات الإسرائيلية – إلى شركات التكنولوجيا الكبرى من خلال عمليات الاستحواذ، الشراكات، وتصدير تقنيات المراقبة.
الوحدة 8200 الوحدة 8200، وهي وحدة الاستخبارات الإلكترونية النخبوية في إسرائيل، غالبًا ما تُقارن بوكالة الأمن القومي الأمريكية. تُعتبر هذه الوحدة العمود الفقري لدولة المراقبة الإسرائيلية، حيث تُطور تقنيات متطورة تُستخدم لمراقبة الفلسطينيين وقمعهم في الأراضي المحتلة. تأثير الوحدة يمتد إلى ما وراء حدود إسرائيل، حيث يؤسس العديد من الجنود السابقون في هذه الوحدة ويقودون شركات ناشئة يتم الاستحواذ عليها لاحقًا من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، مما يخلق قناة لتصدير الخبرات العسكرية الإسرائيلية إلى وادي السيليكون.
استحواذ شركة جوجل على شركة ويز مقابل 32 مليار دولار هو مجرد حلقة في سلسلة طويلة من الصفقات التي تستخدمها الشركات الناشئة الإسرائيلية لاختراق شركات التكنولوجيا الكبرى.
على سبيل المثال، تطبيق الملاحة الشهير ‘وايز’، الذي أسسه قدامى الوحدة 8200، استحوذت عليه جوجل في عام 2013 مقابل أكثر من مليار دولار. واتُهمت بيانات الخرائط الخاصة بـوايز بمساعدة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، التي تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي. وبالمثل، استحوذت شركة إنتل في عام 2017 على شركة ‘موبايل آي’ الإسرائيلية المتخصصة في تكنولوجيا المركبات الذاتية القيادة مقابل أكثر من 15 مليار دولار. وقد دعم مؤسسها المشارك، أمنون شاشوا، المستوطنات الإسرائيلية بشكل علني وتبرع لمنظمات تمولها.
هذه الاستحواذات ليست حوادث معزولة، بل هي جزء من اتجاه أوسع يتم فيه امتصاص الشركات التكنولوجية الإسرائيلية، التي تربطها علاقات وثيقة بالجيش الإسرائيلي، في النظام التكنولوجي العالمي. وهذا يسمح لإسرائيل بتصدير نهجها العسكري في المراقبة والتحكم، بينما تجني شركات التكنولوجيا الكبرى الأرباح من الابتكارات الناتجة عن القمع.
رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون: تمويل الإبادة الجماعية يُعتبر رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون شريكًا ماديًا في الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، حيث يلعب دورًا حاسمًا في الحفاظ على الهيمنة العسكرية والاقتصادية لإسرائيل من خلال تطوير الأسلحة، والاستثمارات المتبادلة والتطابق الأيديولوجي.
التعاون العسكري وتمويل الشركات الناشئة الإسرائيلية تستخدم شركات مثل سكايديو، المصنعة للطائرات بدون طيار، وشيلد إيه آي، التي تُطور الذكاء الاصطناعي لأسراب الطائرات، بشكل نشط من قبل الجيش الإسرائيلي. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك شركة بالانتير، المدعومة من بيتر ثيل، “شراكة استراتيجية” مع وزارة الدفاع الإسرائيلية، حيث توفر تقنيات المراقبة والاستخبارات واستهداف الأفراد. كما تعاونت شركة أندوريل، وهي شركة أسلحة كبرى مدعومة من a16z، فاوندرز فاند، وشركة الاستثمار التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (In-Q-Tel)، مع شركة الأسلحة الإسرائيلية إلبيت سيستمز في مشاريع مثل الحدود العسكرية بين الولايات المتحدة والمكسيك.
منذ عام 2019، تم استثمار أكثر من 32 مليار دولار في الشركات الناشئة الإسرائيلية، حيث قاد المستثمرون الأمريكيون أو شاركوا في قيادة 51% من هذه الاستثمارات. وفي عام 2023 وحده، جمعت الشركات الناشئة الإسرائيلية 7 مليارات دولار، مع زيادة التمويل الاستثماري حتى خلال الإبادة الجماعية.
الدعم العام والأيديولوجي لإسرائيل وقع أكثر من 500 مستثمر على بيان يعبر عن “الدعم الثابت” لإسرائيل، مشيدًا بمساهماتها في النظام البيئي التكنولوجي العالمي. كما أعلنت شركات استثمارية بارزة مثل أندريسين هورويتز، جنرال كاتاليست، وفاوندرز فاند علنًا عن وقوفها الى جانب إسرائيل، مع استخدام بعض المسؤولين لغة مهينة لوصف الفلسطينيين.
دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز الفصل العنصري أصبح الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في جهاز المراقبة والتحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حيث تُستخدم الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة الفلسطينيين وقمعهم، بدعم من شركات التكنولوجيا الكبرى التي توفر البنية التحتية والأدوات اللازمة لهذه التقنيات.
الإبادة الجماعية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في غزة يستخدم الجيش الإسرائيلي برامج مثل “لافندر” و”جوسبل” لتحديد هوية الفلسطينيين في غزة واستهدافهم. تعمل هذه الأنظمة بأقل قدر من الإشراف البشري، مما أدى إلى وصفها من قبل مسؤول استخبارات إسرائيلي سابق بأنها “مصنع اغتيال جماعي”.
تشارك جوجل وأمازون بشكل مباشر في دعم هذه الأنظمة من خلال عقد “مشروع نيمبوس” بقيمة 1.2 مليار دولار، والذي يوفر البنية التحتية للحوسبة السحابية للحكومة والجيش الإسرائيلي.
المراقبة الجماعية والتعرف على الوجوه تُستخدم أنظمة التعرف على الوجوه المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مثل تلك التي طورتها الشركة الإسرائيلية أنيڤيجن (أوستو حاليًا)، في نقاط التفتيش العسكرية والمدن الفلسطينية لتتبع الأفراد.
نضال العاملين في التكنولوجيا في ظل التواطؤ المتزايد لشركات التكنولوجيا الكبرى في الإبادة الجماعية الإسرائيلية، نظم العاملون في التكنولوجيا والنشطاء جهودًا للمقاومة.
أطلقت حملات مثل #NoTechForGenocide وNo Azure for Apartheid لزيادة الضغط على الشركات لإنهاء مشاركتها في دعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
في عام 2024، قامت مايكروسوفت بفصل اثنين من موظفيها، عبده محمد وحسام نصر، بعد تنظيمهما وقفة احتجاجية في مقر الشركة لتأبين الفلسطينيين الذين قُتلوا في غزة. كان كلاهما جزءًا من الحملة التي تعارض بيع مايكروسوفت لتقنيات الحوسبة السحابية لإسرائيل. وفي وقت سابق من العام، قامت جوجل بفصل أكثر من 50 موظفًا بسبب احتجاجهم على عقد الشركة “مشروع نيمبوس” مع إسرائيل. تشكل هذه الأحداث جزءًا من نمط أوسع لإسكات المعارضة داخل شركات التكنولوجيا الكبرى، خاصة بين الموظفين الفلسطينيين والعرب والمسلمين. أظهرت منظمات مثل تحالف عمال التكنولوجيا وأصوات يهودية من أجل السلام دعمها لحقوق الفلسطينيين ومعارضتها لتورط شركات التكنولوجيا في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي. ساهم تحالف عمال التكنولوجيا في بناء التضامن بين العاملين في القطاع، بينما قامت أصوات يهودية من أجل السلام بتعبئة المجتمعات اليهودية والحلفاء لاتخاذ موقف ضد مشاركة شركات التكنولوجيا في الإبادة الجماعية.
كما استهدفت حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) شركات التكنولوجيا، داعية إلى مقاطعة المنتجات والخدمات المرتبطة بإسرائيل حتى تنهي تواطؤها في انتهاكات حقوق الإنسان. لفتت هذه الجهود الانتباه إلى دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تمكين الإبادة الجماعية، وألهمت الموظفين داخل هذه الشركات للتحدث علنًا ضد الممارسات غير الأخلاقية لشركاتهم. استخدام إسرائيل لغزة كحقل تجارب للتكنولوجيا العسكرية.
منذ أكتوبر 2023، استخدمت إسرائيل غزة المحاصرة كساحة اختبار لأحدث تقنياتها العسكرية، بما في ذلك الطائرات المسيرة الانتحارية والأسلحة الذكية، حيث يتم تسويقها كتقنيات “مُختبرة في ساحة المعركة” في معارض السلاح العالمية.
الطائرات المسيرة الانتحارية قامت إسرائيل بنشر طائرات مسيرة انتحارية مثل “هاروب” في غزة. تم تصميم هذه الطائرات للتحليق فوق منطقة الهدف قبل تنفيذ ضربات دقيقة. يُعد استخدام هذه الطائرات في غزة جزءًا من استراتيجية تسويقية، حيث تُعرض كتقنيات “مُثبتة الفعالية” للدول الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والهند والدول الأوروبية.
الأسلحة الذكية والأسلحة المعززة بالذكاء الاصطناعي قامت شركات السلاح الإسرائيلية بتطوير أسلحة ذكية مزودة بأنظمة توجيه تعتمد على الذكاء الاصطناعي، والتي يتم اختبارها في غزة. صُممت هذه الأسلحة لتقليل الأضرار الجانبية من خلال تحديد الأهداف المحددة وإصابتها بدقة عالية. ومع ذلك، تكشف التقارير القادمة من غزة أن هذه التقنيات غالبًا ما تفشل في التمييز بين المقاتلين والمدنيين، مما يؤدي إلى خسائر بشرية واسعة النطاق بين المدنيين.
دعوة للمُسألة يمثل تسلل الشركات الناشئة الإسرائيلية إلى شركات التكنولوجيا الكبرى وتأثير الوحدة 8200 تقاطعًا خطيرًا بين العسكرة وسلطة رأس المال. كعاملين ومستهلكين، يجب أن نطالب بمسألة شركات مثل جوجل، ميتا، وأمازون وغيرها. يتضمن ذلك المطالبة ب: 1- إنهاء العقود التي تدعم نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، مثل مشروع نيمبوس. 2- وقف الرقابة على الأصوات المؤيدة لفلسطين على منصات التواصل الاجتماعي. 3- رفض الاستفادة من التقنيات التي تنشأ من القمع. 4- دعم المبادرات التكنولوجية الأخلاقية التي تعزز العدالة والشفافية وحقوق الإنسان. يتضمن ذلك دعم الحركات التي يقودها الموظفون، بالإضافة إلى تأييد التقنيات المصممة لتمكين المجتمعات المهمشة بدلاً من استغلالها. 5- دعم المبادرات مثل Tech for Palestine، التي تعمل على توظيف التكنولوجيا لدعم حقوق الفلسطينين، وإيصال أصواتهم، ومجابهة أنظمة القمع التي تدعمها الممارسات التكنولوجية غير الأخلاقية.
نضال التحرر الفلسطيني هو أيضًا نضال ضد عسكرة التكنولوجيا. من خلال كشف الروابط بين شركات التكنولوجيا الكبرى، رأس المال الاستثماري، والفصل العنصري الإسرائيلي، يمكننا البدء في تفكيك الأنظمة التي تمكّن الإبادة الجماعية وبناء مستقبل تكون فيه التكنولوجيا في خدمة العدل، وليس القمع.
#نادين_فريد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاستعمار الرقمي والقوة الإمبريالية
المزيد.....
-
حزب الشعب الجمهوري يتبنى أشكالا أخرى من الاحتجاج
-
صوفيا ملك// -لن أَدفع! لنْ أَدفع!-
-
بلاغ الجبهة المغربية لدعم الشعب الفلسطيني ومناهضة
-
غزة: مئات المتظاهرين الفلسطينيين في بيت لاهيا يرددون شعارات
...
-
مسيرة إحياء لذكرى يوم الأرض في رام الله
-
الاحتجاجات المنددة بسجن رئيس بلدية إسطنبول لا تهدأ وأردوغان
...
-
مصر.. ضخ 2.7 مليار جنيه لإحياء شركة محلية كبرى من زمن عبد ال
...
-
عالِمة نفس تتحدى الطريقة التي ننظر بها إلى المرض النفسي
-
غدًا تجديد حبس القيادي العمالي “شادي محمد” وخمسة شباب في قضي
...
-
تجديد حبس القيادي العمالي شادي محمد وخمسة شباب 45 يومًا في ق
...
المزيد.....
-
متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024
/ شادي الشماوي
-
الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار
/ حسين علوان حسين
-
ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية
/ سيلفيا فيديريتشي
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
/ بندر نوري
-
الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية
/ رزكار عقراوي
-
نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل
...
/ بندر نوري
المزيد.....
|