أسعد أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 1799 - 2007 / 1 / 18 - 11:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
و رغم إننا نعيش الان علي بعد أربعة عشر قرنا من الزمان الذي خرجت فيه قبائل العرب علي الدنيا كجراد أكَلَ أخضر الثقافات ويابسها و انطلقت كدُخَان من فوهة بركان غطي و عتّم أزهي الحضارات و دياناتها و تاريخها إلا أن ثقافة المدنية الحديثة قد فرضت علينا أن نجلس متجاورين بل و متلاصقين علي شبكة الانترنت في حجرة صغيرة إسمها كوكب الارض و قد إنكشفت عن عيوننا كل ما غطاه دخان البركان الاسود إلا أنه يبدو أن أمامنا زمانا طويلا قبل أن تتخلص أنفسنا و عقولنا ـ التي أصبحت عربية ـ من القِرطاس و القلم و جلمود الصخر الذي حطّه السيل من عل و من صولة المُهنّد و هجاء القبيلة و صرخة المتجرّد للغزو.
و في ما بقي من عتمة الدخان العروبي الأسوَد أجد نفسي أكاد أن أنزلق الي نفس الهوّة التي يتصارع فيها السيدة وفاء و السيد نهرو و أخشي أنه ليس أنا فقط بل كل أصدقائهما و تلاميذهما و الأجيال التي تنتظر منهما غذاء من إنتاج أفكارهما و نورا من احتراق وجدانهما ـ أكاد أن أري أن نهرو و وفاء يتجاذبانا جميعا لكي نهوي معهما الي نفس الحفرة التي يتصارعان فيها و لا أعلم إذا كنت سأنجح في أن اَُلملِم أذيال وقتي و تلابيب أفكاري و أنسحب بعيدا بخيبة أملي فيهما معا لعلي أنجو بما بقي لي من عقلي عن هذه الموقعة قبل أن تأخذني رمال هجو الآخر المتحركة و أسقط معهما في حفرة و فخاخ نصَبَتها لنا جميعا و أوقعتنا فيها قبائل العرب الهمجية التي خرجت علينا من جحور كثبانها الرملية فسبتنا اليها وغطتنا بها فاندثرت حضارة سوريا الآشورية حيث ترعرعت وفاء و انمحت حضارة مصر القبطية حيث نمي نهرو
و المعركة تدور حول كلمة واحدة تتكون من سبعة أحرف في اللغة العربية "ا ل ا س ل ا م" فيدافع عنه نهرو كدين من منظور ثقافي يريد فصله عن الجمود الفكري المتخلف (و إن كان لم ينجح حتي الان) و تهاجمه وفاء كثقافة هي أساس كل جمود و تخلف لارتباطه بالتفاسير العروبية المتخلفة , و هي تفعل ذلك من منظور لا ديني متحرر يجهل أو يتجاهل القوة التي تقف خلف هذا الجمود الفكري , و حين حمي الوطيس فقد استلّ كلاهما قلمه اللامع البتّار و أنا أكاد أن أجزم إن كلاهما يتمني أن يتحول القلم الذي بيد كل منهما إلي المهنّد الأصدق أنباء من الكتب ثم امتطي كل منهما كُميتَه الذي أصبح حديثا حاسوبه و بلغة الفرنجة كمبيوتر و تلثّم نهرو بأزهريته و وفاء بأمريكيتها و حمي الوطيس و اجتذبا معهما الي هاوية حفرة الالف و ربعماية سنة أسماء أخري و لا يعلم إلا الله الي أي مدي ستتسع الدائرة و ستتزايد الطعنات و تعلوا الصيحات بين صرخات نهرو وا إسلاماه و بين إستغاثات وفاء وا حضارتاه و تضيع الموضوعية و تتمزق العقلانية و الوقت يقطعنا جميعا كالسيف و لا منقذ لنا من و طأة قسوة الحضارة العالمية التي تدهسنا نحن بقايا الفلول التي عرّبها العرب و تُلقي بنا الي قاع حفرة التاريخ و بقعته السوداء التي يبلغ عمقها 1400 سنه ما لم ينقشع عنا جميعا ـ نحن الناطقين بالضاد ـ دخان العمي اللغوي العروبي الاسود
فالامر بين وفاء و نهرو قد خرج عن الموضوعية الي الانتقادات الشخصية و هي طبيعتنا التي ورثناها من قوميتنا العربية التكفيرية فنهرو يتهم وفاء أستاذة الطب النفسي بأنها مريضة نفسيا و وفاء تتهم نهرو أستاذ اللغة العربية الازهري بعجزه الفكري و أصبحت القضية أنه لو سلمنا إن وفاء مريضة نفسيا و إن نهرو عاجز فكريا لانحلّت مشاكلنا الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و لعادت لنا أمجاد دمشق الاموية و بغداد العباسية و القاهرة الفاطمية بحسب نهرو أو لأصبحت جميع عواصمنا العربية أمريكية بحسب وفاء
الاسلام كلمة عربية عجز العرب أنفسهم عن الاجماع علي التعريف بها لغويا حتي في أفصح قواميسهم و معاجمهم و تشتتوا و تطاحنوا و سفكوا دماء بعضهم البعض و فشلوا في التعريف به كدين عقائديا و هذا هو السبب في المعارك الدامية و الحروب الطاحنة علي مدي الالف و ربعماية سنة و التي تحولت آخر مواجهاتها الان الي حرب معنوية اليكترونية علي صفحات الانترنت كما هو جار بين نهرو و وفاء
لقد خرج العرب علي العالم بهذه الاحرف العربية السبعة التي رفعوها علي أسنّة سيوفهم و رماحهم دون أن يعرف العالم الذي فوجئ بهم يقرعون أبوابه و يطالبوه بالتسليم لحكمهم ما هي هذه الاحرف و ما هي لغتهم العربية هذه , فقد توحّدت قبائلهم المتناحرة تحت سلطان السيف العربي بهذه الاحرف السبعة دون أن يعني العرب بإدراك معناها أو حتي يدققوا لغويا و ثقافيا في مدلولها فزيّفوا التاريخ و ادّعوا للشعوب التي غزوها أنهم هم أول من أتي بها و طمسوا المكتوب حتي في قرآنهم الذي حوّروا معانيه و تفاسيره ليخدم شهوتهم للغزو و للقتل و السلب و النهب و هم طلبوا من أمم العالم أن يؤمنوا به و أن يسود عليهم حتي و إن لم يقرأوه و حتي إن لم يفهموه بينما هم العرب أنفسهم كل يوم يهينون كل كلمة فيه في كل دولة و حكومة أقاموها بالدم و الغش و الانحطاط الاخلاقي بينما هم يكذبون علي العالم و يدعوا أنهم يقدسوه
فالفارق كبير جدا بين أن تقرأ نصوص القرآن بعيون غير عربية و بعقلية و خلفية ثقافية جامعة للامتداد الديني العقائدي منذ بداية التاريخ الديني الي الان ـ مع الاخذ في الاعتبار بخصائص اللغة العربية و الزمن الذي كُتِبَ فيه القرآن و القوم الموجّه اليهم ـ و بين أن تقرأ القرآن بعقلية العرب الذين جمعوه و فسّروه و طبّقوه و فرضوه علي العالم في ظروف الحرب و القتال و المعارك الدموية التي سادت بين قبائل العرب قبل تسليمهم بالنبوة و الخضوع و الاذعان للنبي محمد , ثم استمرت معاركهم هي نفسها و حروبهم بذات أغراضها من بعده لكن تحت ظلال الاحرف العربية السبعة متخذين من القرآن مطية و من تفاسيره العروبية المبهمة ظلاما يسترون به شهوتهم الحقيقية للسلب و النهب و هو كل ما بقي لنا من أمجاد تاريخ أمة الاعراب , فسلبوا من الامم أصول الديانات و تاريخها و ثقافاتها و ادّعوا لانفسهم البدء و البداية و غطّوا عقول الشعوب بضباب الجهل العمد فلا تناقش و لا تجادل و لا تسأل و لا تتساءل بينما يأخذك أدلاّء العرب الي دهاليز و متاهات من الظلام و الابهام اللغوي و التاريخي
و الذي يقرأ التاريخ العربي يستطيع أن يري بسهولة كيفية تحول النبي محمد في كتابات العرب و تفسيراتهم و سردهم للتاريخ من شخصية دينية مكّية الي شخصية سياسية مدِنية , فأهل مكة رفضوه كشخصية سياسية و لم يلتفتوا الي دعوته الدينية لانهم رأوا أنها قد تؤدي الي الانغلاق ورفض الاخر مما قد يؤدي الي ضياع تجارتهم و مكاسبهم التي تعتمد علي تنوع علاقاتهم بالقبائل و الشعوب و الممالك التي حولهم التي تفرقت دياناتهم و اختلفت و تنوعت عقائدهم بينما سعي أهل يثرب الي إستمالته إليهم ليُعادوا به قريش و يسلبوا منهم مركزهم التجاري لأنهم رأوا فيه قائدا مستَقبَلا يمكنه أن يحقق لهم مطامعهم السياسية و التجارية و خاصة بعد أن أقنعتهم القبائل اليهودية أنه هو النبي المنتظر , لأن تأثير اليهود كان ملموسا في يثرب بينما كان ضعيفا جدا في مكّة القوية بتنوعها الديني
ثم إذا تتبعنا سير التاريخ العربي منذ بداية مناداة النبي محمد بالتوحيد الي يوم وفاته و ماحدث أثناء حياته و بعد مماته لرأينا إن العرب بجميع فرقهم سواء من خلال تمرّدهم علي النبي محمد أو بعد خضوعهم له كانت نظرتهم السياسية الاقتصادية البحته هي التي حـرّكتهم سواء في قبوله أو في رفضه , أما الرسالة الدينية فهذه آخر ما كان يعبأ به العرب , لأن في كل مراحل حياة النبي محمد و ما بعدها كانت هذه الحروف السبعة "الاسلام" تعني للعرب المكاسب العينية في الدنيا و في الاخرة و تعني السيطرة الاقتصادية باسم دين العرب فإذا أسلم الخصم (أي سلّم بالدخول تحت سيطرة و إمرة أتباع النبي محمد) ـ و قد أطلق العرب علي خصمهم لفظا قرآنيا هو الكافر أو المشرك بدون تمييز لدين أو ملّة لمن يعادوه ـ فإذا أصبح الكافر بحسب مفهوم العرب مسلما حقّت عليه الزكاة و هي الضريبة العربية علي من أسلموا للعرب و أما من رفض الاذعان فعليه أن يؤدي ضريبة أيضا الي العرب سموها الجزية أما إذا رفض فيُقتَل و تصير دياره و أمواله و نساءه و أولاده غنيمة للعرب الذين سمّوا أنفسهم المسلمين
هذه هي العقلية العربية التي خرجت علي العالم بكتاب القرآن العربي الذي فرضوا تفسيرهم له علي الشعوب التي قهروها و التي لا تعرف العربية حتي الآن بل و لا تعرف كيف تقرأ القرآن حتي يومنا هذا , فكيف تؤمن به عقائديا إلا إتقاء لسيف العرب إستسلاما لا إسلاما , و فَرَضَ العرب مفهومهم عن الحروف العربية السبعة "الاسلام" علي الشعوب الاخري التي كانت ديانتها هي المسيحية في غالبيتها و لم تكن لغتها عربية فدخلت في ضباب و دخان و عمي ثقافة الجاهلية العربية و تبدّلت القوافل العربية التي كانت تحمل تجارة الشعوب بين شمال الجزيرة و جنوبها الي جيوش عربية تحمل الغنائم و الاسلاب من ثروات الامم شمال الجزيرة و جنوبها و شرقها و غربها الي بيت مال قريش و الاوس و الخزرج و تترك لهم بدلها الأحرف السبعة تطمس بها ثقافاتهم بعد أن غنمت بها خيراتهم دون أن تدري هذه الشعوب معني هذه الاحرف السبعة و لا ما هو مدلولها الحقيقي
إن ما نراه أمامنا هنا في الحرب الدّائرة بين وفاء و نهرو إنما هو ناتج تفسير النص الذي فرضه علينا العرب ( النص و تفسيره), فوفاء تهاجم ثقافة إتهمتها بالقيام علي تفاسير مُتخلّفة لنصوص دينية عربية , و خطؤها أنها تُلغي النص و تفسيره و لا تقدم لنا بديلا لأنها الغت كل الثقافات و الحضارات الدينية التي هي خاصية متأصلة في النفس البشرية , و نهرو يدافع عن ثقافة دين عربي دون أن يحدد لنا معطيات هذا الدين و هل هو قائم بذاته مُناقض أم هو مُصادق لما قبله , و الغريب عن نهرو أنه يدافع عن الدين ضد من شوّهوه ثم يعتمد عليهم و علي تراثهم الذي خلَفوه في تثبيته رغم ما فعلوه.
لا هي بطة و لا هي عنزة بل هو سيف وأد الحقيقة المكتوبة بحروف عربية في كتاب عربي لكن بلغة و بطريقة لا يمكن فهمها و تفسيرها إلا بشجاعة مسلم حقيقي لا ينافق السيف العربي و في نفس الوقت لا يُكفّر التحرر الفكري أما الحقيقة فسيبقيها الخوف من السيف مدفونة بعيدا عن كل عقل عربي لكي تسلس قيادته و خضوعه للقطيع العروبي
فقد باضت البطه و طارت و معها و فاء الي أمريكا و وفاء لا يمكن أن تفهم ما هي العنزة التي يصر نهرو أن يبقي بجوارها يحلِبُها لأن وفاء ألغَت ثقافة الآخر و تجاهلت مقوّماتها اللغوية و نهرو يتهم البطة بالخيانة لأنها طارت و هو يُقيّد العنزة بالثقافة العربية و يربطها جيدا بلغَتها التي تجهلها حتي الشعوب العربية لأنه يخشي عليها لو تركها لئلا تبيض و تطير هي أيضا فيتهمه العرب بخيانة الأحرف السبعة و القرآن فيضطر هو أيضا أن يطير و يلحق بوفاء قبل أن يطلب منه العرب أن يحلب البطة
#أسعد_أسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟