ضيا اسكندر
الحوار المتمدن-العدد: 8290 - 2025 / 3 / 23 - 11:05
المحور:
الصحافة والاعلام
لطالما قيل إن الإعلام هو السلطة الرابعة، وإنه عين الشعوب التي ترى بها وأذنها التي تسمع من خلالها، لكن الحقيقة التي تتكشف يوماً بعد يوم، هي أن الإعلام لم يعد مجرد ناقل للحدث، بل بات عقله المدبّر وصانعه الأول وقلبه النابض بالتوجيهات العليا..
فالأحداث، مهما بلغت أهميتها، تظل مجرد تفاصيل صغيرة ما لم تتبنَّها الوسائل الإعلامية، وتغذيها، وتضخّمها، أو على العكس، تتجاهلها وكأنها لم تكن.
ولنأخذ مثالاً صارخاً: ما يجري اليوم في تركيا بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، وما أعقبه من احتجاجات شعبية لم تشهدها البلاد منذ سنوات. حدثٌ كهذا، في أي بقعة أخرى من العالم، كان سيشعل الشاشات، ويُغرق الصحف بالمقالات، ويستدعي استنفار جحافل المحللين الاستراتيجيين والخبراء الأكثر استراتيجيةً، الذين يُعيدون تفصيل الحدث حسب مقاس الجهات الممولة، بينما يلمع بريق الحماسة في أعينهم وتتدفق التحليلات من أفواههم كما يتدفق اللعاب أمام وجبة دسمة. كنا سنرى تغطيةً لا تتوقف، وتقارير "عاجلة" تنبض بالحيوية على مدار الساعة.
لكن المفاجأة؟ الإعلام، الذي يهرع عادةً إلى أي شرارة صغيرة في دول معينة ليحوّلها إلى انفجار كوني، أصيب فجأةً بفقدان الشهية تجاه ما يحدث في تركيا. لم يعد يرى في البلاد سوى مشاهد البحر الأزرق الهادئ، والسياح السعداء الذين يتلذذون بالكباب، وكأن الحدث الذي يهزّ الداخل التركي مجرد تفصيل لا يستحق الذكر، أو لعلّ "أولي الأمر" لم يمنحوا الضوء الأخضر بعد، فالإعلام الحر، كما نعلم جميعاً، لا يتحرك بناءً على أهمية الحدث، بل بناءً على أهمية الجهة التي قررت أنه يستحق أن يُروى!
هذا التجاهل المتعمد يعيد إلى الواجهة السؤال القديم المتجدد: هل هناك إعلام محايد حقاً؟ أم أن "الحياد" مجرد شعار زائف يُرفع حين يخدم مصالح معينة، ويُطوى حين يكون الحدث في غير الاتجاه المرغوب؟ الحقيقة أن الإعلام الحر، كما يحلو للبعض تسميته، ليس سوى أداة تُستخدم لخلق واقع بديل، حيث يصبح الحدث خبراً فقط، إذا قرر أصحاب القرار ذلك، وحيث يُضخَّم أو يُهمَّش وفقاً لمصالح لا علاقة لها بالحقيقة ولا بالمهنية.
في النهاية، لم يعد الإعلام مرآةً تعكس الواقع، بل بات ماكينة تصنعه، وتعيد تشكيله، وتتحكم في مساره، وفقاً لأجندات محددة. وما لم يكن المتلقي واعياً بهذه اللعبة، فإنه سيظل مجرد متفرج في مسرحية يُعاد إخراجها كل يوم، بأبطال جدد، ولكن بالسيناريو نفسه.
#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟