أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد عبد القادر الفار - سأم مع سبق الإصرار














المزيد.....

سأم مع سبق الإصرار


محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)


الحوار المتمدن-العدد: 8290 - 2025 / 3 / 23 - 00:42
المحور: الصحافة والاعلام
    


سأمٌ مع سبق الإصرار: إعادة نظر في شهوة الاهتمام والتعب من الضجيج

هناك شيء غريب في الطريقة التي يتحدث بها البعض عن الموت وكأنه مجرد تفصيل عابر، وكأن المسألة لا تعنيهم حقًا. ربما يكون ذلك نوعًا من التباهي بعدم الاكتراث، أو مجرد محاولة أنيقة لترويض القلق.

الموت، في النهاية، مثل رسالة غير مقروءة في البريد الوارد، نعلم أنها ستفتح يومًا ما، لكننا نفضل تأجيلها لأطول وقت ممكن. وكما قال وودي آلن ذات مرة: “لا أهتم بالموت، أنا فقط لا أريد أن أكون هناك عندما يحدث.” شخصيًا؟ أستطيع أن أصدق هذه اللامبالاة… لكن، كما هو الحال مع كل شيء، ليس تمامًا.

ولكن المشكلة لا تقتصر على الموت أو على القضايا الوجودية الكبرى، بل إن هناك مشكلة كبرى في كل ما يحدث قبل ذلك، في الوقت الذي نقضيه ونحن “نهتم” ثم نكتشف لاحقًا أن اهتمامنا لم يُحدث فرقًا، أو أنه كان مجرد موضة فكرية، أو أسوأ من ذلك… أنه لم يكن اهتمامًا حقيقيًا، بل مجرد عادة سيئة مثل قضم الأظافر أو تحديث تطبيق “اكس” بلا سبب.


بل أعتقد أن كلام وودي آلن يلخص علاقتنا بالاهتمام نفسه. نحن لا نهتم فعليًا بكل هذه الضوضاء، لكننا لا نريد أن نُستثنى منها. نلقي نظرة، نشارك، نغضب قليلًا، ثم ننسحب، ونواصل يومنا كما لو أننا لم نحرك ساكنًا. الاهتمام في عصرنا هذا هو نوع من الموت البطيء: كلما خضنا أكثر في الأحداث، كلما استُنزفنا عاطفيًا وفكريًا، فنحن نتصور أنفسنا مثل شخصية أوسكار في رواية “طبل الصفيح” لنا صراخ يكسر الزجاج وطبل يغني عن الكلام، ولكننا في الحقيقة نصرخ في الفراغ، مقتنعين أننا نخوض ثورة، بينما العالم يمضي في طريقه غير مكترث بما نفعل، ولا مصغ لقرعنا على طبل الكلام!


لكن، ما الذي يجعلنا نصاب بالسأم من الاهتمام؟

أهو إدراكنا المتأخر أننا في النهاية مجرد أصوات أخرى في جوقةٍ تعزف نفس اللحن الذي عزفه الآلاف قبلنا؟ أم هو ذاك الإحساس الدفين بأننا في الحقيقة لا نملك رفاهية عدم الاكتراث، لكننا نحاول جاهدين التظاهر بالعكس؟

“كل شيء مهم، لكن لا شيء يستحق عناء الاهتمام الكامل”
السياسة، الإعلام، الحروب، الأزمات، الانهيارات الاقتصادية، الاحتجاجات، كلها تأخذ مكانها في المشهد، تلمع للحظة، ثم يطويها النسيان كما يطوي الليل مشهدًا على مسرحٍ فارغ.

في كل مرة نجد أنفسنا متحمسين لموضوعٍ جديد، متفاعلين مع تريند غاضب، متورطين في سجالات فكرية، نشعر وكأننا نُسحب داخل مقطوعة موسيقية مُعقدة، لكن الحقيقة؟ نحن مجرد آلات إيقاعية في سمفونية ضخمة لا نتحكم فيها.

خذ مثلًا “La Valse” لرافيل، تلك القطعة التي تبدأ كرقصة أنيقة، ثم تتسارع بشكل غير مفهوم، تختل توازنها، تنهار على ذاتها في النهاية كمنظومة سياسية فقدت السيطرة على ما أطلقته من قوى.

هكذا هو اهتمامنا بالقضايا الكبرى:

نبدأ برقصة منظمة، مقتنعين أننا نتحكم بالإيقاع.
ثم يدخل اللحن في فوضى متصاعدة، تصبح الأمور مرهقة، متشابكة، تفقد وضوحها.
في النهاية، ننسحب ونترك الأمر للتريند القادم، تمامًا كما تنتهي “لا فالس” بانفجار درامي، تاركة المستمع مرتبكًا، غير متأكد مما حدث بالضبط.
“الخيبة الخاصة أهم من الخيبة العامة
في مقال قمتُ بكتابته قبل تسع سنوات قلتُ جملةً أظنها لا تزال صالحة: “إنّ خيباتنا الفردية بكل صدق أكبر من خيباتنا العامة.”

أليس هذا ما نراه في أفلام بازوليني عندما يصوّر أفلامه عن المعذبين، المنفيين، المهمشين، وحيث يبدو العالم السياسي والاجتماعي مجرد خلفيةٍ باهتة لصراعاتهم الشخصية العميقة.


كان يمكن لضحايا الصراعات السياسية الكبرى أن يكونوا أبطالًا في مشهد سينمائي مؤثر، لكن بالنسبة إليهم، كانت المشكلة أكبر من قضية شعب أو أمة. كانت المشكلة في صراعهم الشخصي مع البقاء، مع الحب، مع الإيمان، مع خيبات الأمل الصغيرة التي تتضخم حتى تغرق كل شيء آخر.

“نحن لا نهتم، لكننا نتصرف كما لو أننا نهتم، ثم ننسى أننا لم نكن نهتم أساسًا”
أحيانًا، عندما أشاهد ضجيج الإعلام، أجد نفسي أفكر في المشهد الافتتاحي لفيلم Manhattan لوودي آلن، حيث تبدو نيويورك وكأنها مدينة خالدة، لا شيء يمكن أن يعكّر استمراريتها، لكن في الخلفية، هناك راوٍ يحاول جاهدًا أن يكتب مقدمة لروايته، ويعيد صياغتها مرارًا، غير قادر على تحديد نبرة الحديث التي تليق بهذه المدينة.

هذا هو حالنا مع الاهتمام بالقضايا الكبرى: نعيد الصياغة، نغيّر الآراء، نبحث عن اللغة المناسبة، لكننا لا نصل إلى شيءٍ حقيقي. نريد أن نكون جزءًا من السرد، لكن لا أحد منا يعرف كيف يكتب الفصل الأخير.

وهنا تظهر المفارقة، ففي عالم مليء بالصخب، من يختار الصمت يكون أحيانًا الأكثر حكمة. ليس لأن الصمت إجابة، بل لأنه في النهاية، كل الكلمات التي ألقيناها في الهواء ستعلق هناك، مثل إشعاعات كونية قد لا تضيء أي شيء.


الاهتمام في هذا العصر يشبه سباقًا أولمبيًا، لكنه ليس ماراثونًا بل سباق 100 متر في اللامبالاة المتجددة. نبدأ متحمسين، نندفع، نصرخ، نكتب مقالات غاضبة، ثم فجأة… لا شيء. سباق جديد يبدأ، وقضية جديدة تظهر، والميداليات توزَّع على أسرع من استطاع أن يتجاهل كل شيء وينتقل إلى موضة الاهتمام التالية.


أحيانًا، أشعر وكأننا جميعًا ماريو في فيلم “ساعي البريد” Il Postino: The Postman، نبحث عن كلمات شاعرية لنُضفي على حياتنا معنى، نقتبس نيرودا، نحاول أن نُفهم العالم أن هناك ما يستحق الاهتمام، ثم في النهاية… لا أحد يكترث سوى نحن. الفرق الوحيد أن ماريو على الأقل وجد حبه، أما نحن فنبحث عن قضية لنغضب بشأنها قبل أن نعود لطلب قهوة مثلجة بلا سكر.


أتذكر حين كان الجميع يضعون شعارات التضامن على صورهم الشخصية؟ أتذكر كيف كنا نحمل قضايا كأنها معارك مقدسة، ثم فجأة صرنا مثل المحاربين القدامى، نتحسر على أيام الحروب القديمة بينما نقلب في هواتفنا بلا اهتمام؟


آه، كم هو جميل أن نكون جزءًا من شيء ما… حتى ينتهي ونبحث عن غيره.



#محمد_عبد_القادر_الفار (هاشتاغ)       Mohammad_Abdel_Qader_Alfar#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزة: مشهد إضافي
- كاتب يطارد شبحه في أرشيف الإنترنت
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 8
- حين أخفى تاكاهيرو ذاكرة الرجل المسكين - 7
- مذكرات تائب -٦
- مذكرات تائب - 5
- مذكرات تائب - ٤
- مذكرات تائب - ٣
- مذكرات تائب - ٢
- مذكرات تائب - 1
- لا أستحق الحياة
- صابر Sober - جزء ثان
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (7)
- رحلة إلى شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة (6)
- لا تخالف كي تُعرف (قصيدة)
- يا قوم قصوا لي لساني (قصيدة كاملة)
- يا قوم قصوا لي لساني ٤
- يا قوم قصوا لي لساني ٣
- يا قوم قصوا لي لساني ٢
- يا قوم قصوا لي لساني


المزيد.....




- هوت وتحولت لكتلة لهب.. كاميرا مراقبة توثق لحظة سقوط طائرة وت ...
- السعودية.. محمد بن سلمان يصدر 5 توجيهات بعد ارتفاع أسعار الع ...
- مركز الفلك ينشر صورة هلال شوال صباح الأحد
- مساعدات -الناتو- تباع على مواقع أوكرانية (صور)
- دور قطري في إطلاق سراح أمريكية احتجزتها -طالبان- بتهمة استخد ...
- أول بيان لتشارلز الثالث منذ دخوله المستشفى: أشعر بالصدمة وال ...
- اختلاف موعد أول أيام عيد الفطر يشعل جدلاً رقمياً، فكيف تفاعل ...
- حركة المقاومة في ميانمار تعلن وقفًا جزئيًا لإطلاق النار لتسه ...
- إعلام: ثغرة دستورية تمنح ترامب إمكانية البقاء في السلطة حتى ...
- سلاح دفاع جوي روسي يصيب صواريخ -هايمارس- بضربات حركية


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - محمد عبد القادر الفار - سأم مع سبق الإصرار