|
نواعير الذاكرة ، توفيق فياض
مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 22:13
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
نواعير الذاكرة لتوفيق فياض، مخطوط قيد الطباعة يقع على متن اكثر من 300 صفحة من القطع الكبير، والمخطوط عبارة عن سيرة ذاتية للكاتب والمناضل توفيق فياض المولود عام 1939 في قرية المقيبلة قضاء جنين في فلسطين.
هذا المخطوط نواعير الذاكرة سيرة ذاتية لصاحبها، وهي سيرة فياضة بالمشاعر الانسانية ومفعمة بالحب والمليئة بالصور الوطنية والاجتماعية وبقصص اصحاب البلاد والقادمة من صدى حكايا الجدات المتجذرة فينا، تلك القصص والحكايا ذات الحضور الاصيل والخالد على امتداد الاجيال.
هذه السيرة تكتسب اهميتها وقيمتها تبعا لقيمة ورفعة صاحبها اولا، وتبعا لخط سير صاحبها ومسيرته الحافلة ثانيا ، وتبعا لقيمة المحطات والتجارب التي خاضها توفيق فياض؛ ورابعا لرقة وجزالة اللغة وشاعريتها والتي كتبت بها هذه السيرة، وخامسا لغزارة صفحاتها بالحكم والدروس والامال والالام والاوجاع والتفاصيل الاجتماعية والانسانية الدقيقة، وسادسا وهو الاهم : صورة فلسطين [الانسان والارض والشعب والقضية] التي نجحت سطور هذا الكتاب في حفظها بين ثنيات هذا الكتاب.
لذا كان لزاما علينا قبل نبدأ سطور هذه القراءة ومن باب التحفيز لقراءتها ومطالعتها، ان نتعرض بشيء من التفصيل لسيرة صاحبنا وصاحب هذه السيرة [نواعير الذاكرة] توفيف فياض، والذي تشير سيرته الى انه حُكم بالسجن لدى الاحتلال عام 1970 بعد اتهامه بالتخابر مع دولة عدو وقتها وهي مصر. وحرر بصفقة تبادل اسرى مصرية بعد حرب 1973، وانضم لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكتب الرواية والمسرحية والقصص وادب الأطفال، وكرس انتاجه الادبي لخدمة قضيته.
تلقى تعليمه الابتدائي في قريته، وحصل على الدراسة الثانوية في مدرسة البلدية في مدينة الناصرة، ونشر أعماله الادبية الأولى في مجلة الجديد وصحيفة الاتحاد.
أكمل تعليمه الجامعي في الجامعة العبرية في القدس حيث نال شهادة البكالوريوس في علم الاتصالات، وعمل لاحقًا موظفا في دائرة الجمارك في ميناء حيفا بين السنوات 1963-1968 اصدر ثلاث أعمال ادبية هي المشوهون (رواية)، وبيت الجنون (مسرحية)، والشارع الاصفر (مجموعة قصصية).
في 13 يناير 1970 القي القبض عليه إلى جانب عبد الرحيم قرمان (عابد كرمان) الذي جنده للخلية، ووجهت اليه تهمة استغلال عمله في جمارك ميناء حيفا لتهريب أجهزة تنصت مصرية أرسلت لعبد الرحيم قرمان عميل آخر للمخابرات المصرية.
حكم عليه بالسجن تسع سنوات، قضى منها 4 سنوات في "سجن شطة"، وأُفرج عنه في صفقة تبادل اسرى مع مصر بعد حرب 1973، حيث خرج مع عبد الرحيم قرمان في ذات الصفقة.
وصل إلى القاهرة وغادرها بعد شهور إلى بيروت، وهناك التحق لمدة بمركز الدراسات الفلسطينية، ثم أنشأ في بيروت «دار النورس» التي تخصصت بنشر أدب الاطفال، واصل انتاجه الادبي في بيروت ونشر «المجموعة 778» (رواية تسجيلية) عن فوزي النمر ويوسف أبو الخير ورفاقهم، و«البهلول» (ثلاث قصص)، و«حبيبتي ميليشا» (رواية).
تزوج فياض من فتاة لبنانية في بيروت، والتي استشهدت في قصف إسرائيلي أصاب منزل العائلة في بيروت خلال اجتياح عام 1982، غادر بيروت إلى تونس مع المقاومة الفلسطينية التي خرجت في ذات العام، وعاش في تونس وفيها حصل على الإجازة من معهد الصحافة والاعلام، وعمل ما بين السنوات 1982-1989 في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
في تونس تزوج من فتاة سورية، وأنجب منها ولدان وابنة، لا يزالون يقيمون في تونس.
رغم توقيع اتفاق اوسلو عام 1993 رفضت الحكومة الإسرائيلية السماح بعودته، مما حدا به بالتوجه للقضاء لاسترجاع مواطنته الإسرائيلية الامر الذي يمكنه من العودة إلى قريته، وفي العام 2015 وبقرار من محكمة العدل العليا في اسرائيل، تمكن من استرجاع وثائقه ودخول إسرائيل وزيارة بلده بعد فراق دام 41 عام..
هذه السيرة وعند مطالعتها عليك ان تتسلح بشلال من الدموع، فهي سيرة فياضة بالحنين كصاحبها تماما، فهذه السيرة نموذج لجماليات فن السيرة، ففي هذه السيرة جاد علينا صاحبنا وافاض بكل تفاصيل حياة البلاد قبل الاحتلال ، واضاف عليها صورة اجمل واكثر وجعا وقساوة تمثلت بايام الاحتلال الاولى بعد هزيمة القوات العربية في حرب ١٩٤٨ وحتى سنوات الاحتلال الاولى للبلاد، والعمل كمزارعين لدى المستوطنات الصهيونية المقامة على انقاض البلدات العربية المهجرة كالقبيبة وعاقر. وفي القبيبة وعاقر بالذات حيث عمل صاحبنا برفقة اخرين تحت امرة المتعهد [دوف] تتجلى عظمة هذا النص وصاحبه الفياض؛ فتلك الصفحات جعلها فياض تأن وجعا وتنز دمعا وتعتصر الما وتنبض بالحنين وهي تصف حال البلاد وتستنطق ذكرياتها. وهنا بالذات يحضر اسم وعنوان هذه السيرة [نواعير الذاكرة]؛ فحين تقرأ نواعير الذاكرة يهيء لك وانت تقلب الصفحات، كانك تسمع صوت النواعير وهي تدور كما يدور الزمن، وتسمع انينها في كل دورة، وتذهب بعيدا مع اصحابها الذين هجروا عن بلادهم وذكرياتهم بفعل فاعل، هجروا وبقيت النواعير تَعِنُّ وكأنها تبكي على اصحابها الذين تركوها وحدها... فبقيت النواعير شاهدا وشهيدا...شاهدا على اطلال النكبة وشهيدا تحفظ سيرة الارض التي لا تموت.
في هذه السيرة لم يكتمل دولاب النواعير؟! الى الان على الاقل! فصاحبنا جاد وافاض عن ذكريات البلاد وسني الاحتلال والاختلال الاولى في حياة الفلسطيني؛ فنجد هذه السيرة تتوقف عند عمل صاحبنا ورفاقه في بيارات ومزارع القرى المهجرة تحت نير الاحتلال، وكأن صاحبنا يحاول ان يعيد رسم صورة البلاد في اجيالنا القادمة، فاعتمد على الناعورة لترفدنا بتلك الحكايات ولتنعش عطشنا وشوقنا الى صورة البلاد التي نحب.
لصاحبنا سيرة نضالية وادبية حافلة تخللتها محطات وتجارب ثورية وثقافية تستحق ان تروى وتدون في كتب التاريخ، إلاّ ان صفحات هذه السيرة فاضت بفاجعة النكبة وايام البلاد ولم تعد تتسع لصوت قلم الرصاص المنبعث من قلم صاحبنا وسجالاته وصولاته وجولاته الادبية مع الرعيل المؤسس للثقافة الفلسطينية...
وكذلك الامر مع سيرة صاحبنا في الثورة الفلسطينية الحافلة والمواكبة والملازمة لانطلاقة الثورة وبزوغ فجر العمل الفدائي، ولعلنا في قادم الايام نشهد على ما تحمله لنا النواعير وصاحبها الفياض بجزئين آخرين [السيرة الثقافية والسيرة الثورية] لتكتمل النواعير الثلاثة حسب اعتقادنا، وحسب ماهي مطبوعة النواعير الثلاث في الذاكرة.
لاجل كل ذلك نأمل بان تكتمل مشهدية النواعير الثلاث لتروي بقية فصول الحكاية ولتروي صفحات التاريخ بتلك السيرة التي اثّرت مكتبتنا الفلسطينية والعربية ، وأثَرَت على كتابات صاحبنا، فكان قلمه وفيا لسيرته وتاريخنا الجمعي...
تلك هي النواعير تدور كما تدور الايام والحكايات على الناس، تلك هي النواعير تسقي العطشان وتروي الظمآن، وتتعهد بالدوران لتروي الحكايات وسيرة الارض والانسان...انها النواعير ...التي تسقي الذاكرة سيرة البلاد...
في هذه السيرة قصصا وحكايات ستبقى حية وحاضرة تلهج بها الالسن، ولا نبالغ اذا قلنا انها ستصبح جزء من حكايات البلاد التي يرويها الاباء للابناء وترضعها الامهات لابنائهن في المهد...هذه القصص والحكايا اصبحت منذ اليوم حكايا للبلاد، عن البلاد ...
عند مطالعة وتقليب صفحات هذه السيرة تجد نفسك ممسكا بصورة المشهد الاول [العنوان] والذي يشكل عتبة النص ومفتاحه السحري؛ فما ان تلفظ العنوان [نواعير الذاكرة] حتى يتفتح الجرح وتبدا الناعورة بالدوران ومعها تفيض الحكايات...
فمنذ الصفحات الاولى ياخذنا توفيق فياض الى البلاد ونعيش معه الطفولة وحكاياتها الاثيرة..فيحدثنا صاحبنا عن نشأته وظروفها واسهاماتها في تفتح وعيه واتساعه وتسامحه، فيروي لنا قصته في الدير وقصة امه المسيحية وزواجها من ابيه المسلم بواسطة الشيخ المجاهد عزالدين القسام وتنظيمه للعقد بيده، هذه الحادثة التي تلقي بظلالها سريعا على النص والقاريء معا، فيصاب بالشغف منذ البداية ، ويحث الصفحات على البوح بالمزيد من التفاصيل، فكانت تلك الحكاية التي كتب عنها صاحبنا بقوله:" كان للسنوات الأربع التي قضيتها بعد ذلك في هذا الدّير المدرسي، أكبر الأثر في تفتح حياتي الرّوحية فيما بعد، لاسيما وأنها كانت تتزاوج في كلّ صيف مع جوّ القرية الحالم، حيث كانت تنتقل بنا أمي لقضاء أشهر الصّيف عند جدّتي، التي كانت صورة أخرى للرّاهبات الجميلات المتعبّدات، وكنت أتعلق بها وبكل أشيائها إلى الحدّ الذي كان يصرفني فيه هذا التعلق عن أمي تماماً، كانت حكاياتها طويلة، متواصلة وساحرة، وحين كان يرتفع الآذان من على قبة المسجد القديم وسط القرية، كنت أنتحي جانباً، لأرقبها وهي تقرفص على حافة مصطبة العقد لتتوضأ وهي مشمّره عن ساعديها وساقيها البَضّين، كاشفة عن سنابل القمح الخضراء النابتة على معصميها وكاحليها، والتي كان مشهدها يسحرني إلى الحد الذي جعلني أتوسل إليها أن تَشِمَني بمثلها.. وما أن تفرغ من وضوئها حتى تتوجّه إلى سجّادة الصلاة في صدر العقد القديم، بينما أظلّ أراقبها وهي تصلّي مأخوذاً بتلك المسحة الإلهية التي تجللها، و لم أكن أدري لماذا كان يخيّل لي دائماً، أن ثمة هالة من نور، تماماً كالتي كنت أراها تكلل القديسة "مريم" في الدّير، تشع من شالها الأبيض الناصع حول رأسها وعنقها فتسحرني.. وكثيراً ما كان يخيّل إليّ أن السيّدة خديجة زوجة النّبي محمّد صلّى الله عليه وسلم، التي كانت تحدّثني عنها، ما هي إلا صورة أخرى لها، فسجدت في صلاتها ذات مرة خلفها مرتّلاً بخشوع وبصوت مسموع "السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة الرب معك... مباركة أنت في النّساء..." وما كدت ألفظ جملة، "يا والدة الإله" حتى قطعت صلاتها مسلّمة وهي فزعة، ثمّ شدّتني من أذني تنهضني مؤنّبة "هذا الّلي علّمتك إياه أمّك النصرانيّة... ها... أنا حورجيها" ثمّ ذهبتْ غاضبة إلى الجامع تشكوها إلى سيدي سليمان الدّاوود البطّاح، عمّ جدّي لوالدي إمام الجامع، والّذي كان يناصب أمّي العداء لزواجها من أبي... يدعوها في كلّ مناسبة، يدعوها ويلحّ عليها لإشهار إسلامها أمامه، والنطق بالشهادتين... فتبرز أمامه عقد "الشّيخ عزّ الدّين القسّام" لزواجها من أبي، والّذي يذكر فيه اسمها "مريم/ ماري المسيحية" هذا ما حدثتني به حين كبرت قليلاً، حين كان الأطفال في مقيبلة يشتمونني "يا ابن النصرانيِة"، فأجهش بالبكاء...".
ثم يفيض صاحبنا بوحا وذكريات، فيخبرنا كيف اصبح حكاء وراوي سيرة البلاد، فيحدثنا عن اتساع مداركه واسباب ذلك وكيف اصبحت تجتمع لديه الحكايا والسير وحتى الخرافات والاساطير...فيحدثنا بقوله: "وكنت رغم صغر سني مفتونا بحديث الرّجال وخاصة الشّيوخ منهم حين كانوا يتجمعون حول موقد النّار في ليالي الشتاء المكفهرة في ديوانها.. فأنتحي في زاوية العقد أستمع إليهم وأحفظ عنهم قصصهم الغرائبيّة العجيبة، حول فرسان أبطال وشعراء من الزّمن الغابر، وعن معارك الرسول وما ألحق به زعماء قريش ومن كفروا برسالته من الأذى، ثمّ ينتقلون للحديث عن الجان وعن أفعالهم الخارقة، وطاعتهم لسيدنا سليمان الحكيم وإحضارهم "بلقيس" ملكة سبأ وعرشها له برمشة عين، وقصص قوم يأجوج ومأجوج الذين سيبعثهم الله للقضاء على الأقوام جميعاً، فلا يبقون ولا يذرون فوق الأرض حيّاً، فيهرب النوم مني."
ويضيف قائلا:" أما ابن عمّ جدّي، سيدي "سليمان الداوود" إمام القرية فكان يصرّ على أن يحفظّني قصار السُّوَر، لكي تنسيني التراتيل الدينية التي حفظتها عن الراهبات، والتي كنت كثيراً ما أترنّم بها، فكان سيدي سليمان يخشى عليّ من ذلك، ويتهم والدتي المسيحية الكاثوليكية، أنها تحاول إخراجي وإخوتي عن ديننا الإسلامي، وإلّا لما كانت تضعنا في مدرسة الرّاهبات المسيحيّات الألمانيات في حيفا.. رغم أنها كانتْ تشرح له أنها أقرب مدرسة إلى البيت، إضافة إلى أنها أفضل مدرسة في حيفا.. وأننا لسنا الأولاد المسلمين الوحيدين في هذه المدرسة، فإذا ما أقنعته، تحوّل إلى صبّ جام غضبه على كل الإرساليات المسيحية الّتي كان يناصبها العداء لكرهه للإنجليز الذين كانوا يحتلون فلسطين، ومن قبلهم الأتراك الذين سمحوا لهم بفتح هذه الإرساليّات، وما كل إرسالية بالنّسبة له إلا الإنجليز.. واستعمار إنجليزي وأجنبي".
ثم يبوح لنا بسيرة امه الجليلية فيقول:" وكانت والدتي "مريم سمعان خليل قسيس" قد ولدت ونشأت في قرية "فسّوطة" المسيحية في أقصى الجليل الأعلى.
ثم ينتقل بنا الى سيرة والده وكيفية تعارفه مع والدته بقصة تصلح احداثها لرواية لوحدها فيقول: "وقد تنقل والدي من عمل إلى عمل مثابراً على تعلم اللّغة الإنكليزية إلى أن انتهى به المطاف للعمل في معسكر "بيت جليم" للجيش البريطاني المرابط في حيفا طبّاخاً في البداية، ثم أصبح متخصّصاً في صناعة الكعك على مختلف أنواعه.. واتخذ مسكناً في "حي الروم" المحاذي للمعسكر حيث تعرّف بوالدتي التي كانت تعمل آنذاك ممرّضة ثم قابلة قانونية في مستشفى "حمزة" الشهير الذي كان يقع في منطقة "بيت جليم ".
"كانت والدتي "مريم سمعان خليل قسيس"، أو "ماري" كما جاء في عقد زواجها من أبي عام 1933 على يد الشيخ عز الدين القسام، المأذون الشرعي في مسجد القسام في حيفا، وأكبر قادة الثورة الفلسطينية ضد الاستعمار البريطاني، بعد قصة حب طويلة بينهما.. بعد أن التقاها أول مرّة في بيت صديقه الثوري "ذيب الزبن" الذي كان يزوره بين الحين والآخر في حارة "محطة الكرمل" التي كان قد انتقل إليها وأقام فيها .. وكان ذيب الزبن أحد الّناشطين السياسيين ضد الاستعمار الفرنسي لسوريا كما كان يروى، فتم نفيه إلى مدينة حيفا مع ناشطين آخرين.."
ولا يستقيم حديث صاحبنا دون ان يطلعنا على تاريخ بلدته المقيبلة وسبب تسميتها فيقول:" وقد سُميت "مقيبلة" نسبة إلى الولي "مقبل" والذي لا يعرف أهل القرية منذ أن حلوا بها، من هو وما هي سيرة حياته، وكل ما عرف عنه هو ضريحه المتواضع الذي كان موجوداً في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد القديم.".
ويعود صاحبنا وباسلوب روائي لا يخلو من الدراما والمشاهد السينمائية ليطلعنا على طريقة تعارف والديه ببعضهما والعقبات والصعوبات التي اعترضت سبيل زواجهما فيقول: "أطلع ذيب الزبن صديقه الشيخ عز الدين القسّام على قصة الحب التي نشأت بين الصبية مريم سمعان قسيس من فسّوطة، وصديقة ابنته التي كانت قد تعلمت التمريض في مستشفى حمزة المعروف وتخصصت بالتوليد، وأصبحت قابلة قانونية، ولأن القسّام كان يبذل قصارى جهده في توحيد الحركة الوطنية الفلسطينية، ونبذه للخلافات الدينية والتعصب الدينيين من ناحية، وما قد تلعبه من دور في الحركة الوطنية إذا ما انتقلت إلى الكفاح المسلح ضد الإنجليز والهجرة اليهودية، تحمس للفكرة فعرضها بدروه على صديقه المقرب منه، وهو "المطران حجار" الذي كان يتقدم في ذلك الوقت صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية المناهضة للاستعمار البريطاني وللهجرة اليهودية إلى فلسطين والاستيطان فيها. فتبنّى الفكرة وأبدى استعداده لإرسال مندوب عنه إلى فسّوطة ومقابلة والدها الذي نبذها لهروبها إلى حد التبرؤ منها، ولم يكن يخطر على بال ذلك الفلاح الخشن والصياد المروّع الذي كان يلقّب بالنّمر، أن يواجه مثل هذا الموقف، وأن يتقدم مندوب مسيحي ليطلب يد ابنته "مريومة" أو "ماري" كما كان يحلو له أن يناديها، كما رُوي بعد ذلك.ممن كانوا في الكنيسة الصغيرة القديمة في وسط القرية، بالقرب من بيته حيث استقبله القساوسة ووجهاء القرية، ، مما وضعه في موقف حرج، خاصة وأنها لم تكتف بالهروب من فسوطة بل ووقعت في حب شاب مسلم وترغب في الزواج منه . ولم يكن أمامه إلا أن يتخلى عن رفضه القاطع لهذا الزواج الذي وصل إلى حد التهديد بالذهاب إلى حيفا وإعادنها إلى البيت في فسوطة، خاصة وأنه كان متعلقاً بها ويحبها حباً لا مثيل له، حيث كانت رفيقته التي لا تفارقه في رحلات صيده، وهو يجول الأحراش الكثيفة في الجبال وراء طرائده، فتعلمت منه الرماية وأتقنتها ببراعة وشجاعة. إلّا أنّ إصرار مندوب المطران على موافقته، على ذلك مستغلاً سلطته الدينية ومكانته الوطنية مستعيناً بقساوسة الكنيسة جعله يرضخ لمشيئته مشترطا عليه أن يكون المطران نفسه ، هو وكيلها نيابة عنه في عقد قرانها، وأن تبقى على دينها المسيحي، وألا تدخل قرية فسّوطة ما دام هو على قيد الحياة.. فوافق المندوب على شروطه، واعداً إياه أن يحترمها وينفذها، ثم عاد إلى حيفا حاملاً للمطران وللشيخ عز الدين القسام هذه البشرى.. باعتباره إنجازاً وطنياً كبيراً، وحدثاً قلَّ في تاريخ الشعب الفلسطيني، ليفسح المجال أمام إزالة الفروق الدينية والطائفية في فلسطين، مما يعزز الوحدة الوطنية في مقاومة الاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية والاستعمار الصهيوني".
وهكذا تم عقد قران والدي "فياض حسن مصلح بطاح" المسلم من قرية مقيبلة في مرج ابن عامر، على "مريم (ماري) سمعان خليل قسيس"، المسيحية الكاثوليكية من قرية فسّوطة" في أقصى جبال الجليل، وكاتب عقد قرانها، الشيخ عز الدين القسام في عام 1933 إمام مسجد الاستقلال في حيفا الذي كان يدعو لتحرير فلسطين من الاحتلال البريطاني والهجرة اليهودية فقاد عدة معارك ضد الجيش البريطاني، كانت آخرها المعركة التي استشهد فيها في خربة "الشيخ زيد" في أحراش قرية "يعبد" بالقرب من مدينة "جنين" والتي قادت بعد ذلك بثلاث سنوات فقط إلى أكبر ثورة في تاريخ الشعب الفلسطيني المعاصر والتي عُرفت بثورة الست والثلاثين".
ثم يطلعنا صاحبنا عن جزء خفي من سيرته الرياضية فيستحضر شيئا منها وفاء لجبرا الزرقا اللاعب الكبير وبطل الذكريات والاحلام في تلك الايام فيقول:" والغريب في الأمر يا نجم الطفولة الكروي الذي كان يحلو لنا نحن الصغار أن نهتف باسمك "جبرا جبرا.. جبرا جبرا" فأسميناك بهذا الاسم منكرين عليك لقبك "الزرقا!" كان اسمك الذي أنكرناه عليك" جبرا الزرقا.. نجم فريق الشباب الحيفي الفلسطيني. ويا الذي ومذ رأيتك لآخر مرة وأنت تجري من الموارس في حيفا في اتجاه مستشفى حمزة وأجري أنا والأطفال مريدوك خلفك لم أنسك، وظللت اتتبع أخبارك مذ انضممت إلى النادي الأهلي الأردني في عمان بعد النكبة، ومن ثم إلى فريق الشرطة السورية في دمشق إلى أن اعتزلت وودعت كرتك التي ما عشقت على عشق روزا غيرها".
وعن ايام الدراسة واحوالها يحدثنا قائلا:" كان يتحتم عليّ كما كل التلاميذ الآخرين بقطع المسافة على الأقدام، متمتعين في طريقنا بجمال الطبيعة المحيطة بنا وخاصة في فصل الربيع، فقد كان يحد الوعرة من الجنوب كرم زيتون تابع للإقطاعي الجنيني الكبير أمين عبد الهادي.. وغابة من شجر الكينا التي كان قد غرسها الجيش البريطاني أثناء احتلاله لفلسطين في الحرب العالمية الأولى لتحميه من مرض الملاريا الذي كان منتشراً في مرج ابن عامر ذلك الوقت، ولإخفاء المعسكر الكبير والمطار الحربي المركزي في منطقة مرج ابن عامر."
وعن تصاعد الصدامات والاحداث وبداية الاشتباكات مع العصابات الصهيونية يقول:"كانت الأحداث في مدينة حيفا وريفها قد بدأت تشتد وخاصّة في قرى "إجزم" و"الطيرة" و"عين حوض" و"عين غزال"، وكانت الأخبار الواردة في صحيفة فلسطين، تتحدث عن المقاومة العنيفة التي تظهرها هذه القرى الثلاث في مواجهة الهجمات التي تشنها العصابات اليهوديّة عليها وعلى الأخصّ منها قرية الطيرة – المعروفة بطيرة حيفا – التي شاركت في النضال الوطني الفلسطيني منذ بدايته.
وكانت أخبار هذه الانفجارات والمواجهات بين العرب واليهود في مدينة حيفا وريفها خاصة قرية الطيرة، قد بدأت تتواتر على المدن الفلسطينية والقرى، تاركة أثرها السلبي على الناس، وكانت صحيفة فلسطين، وهي الصحيفة الوحيدة التي كانت تصل إلى يدي مختار قرية مقيبلة "أبو طبيخ " والتي كان يوكل إليّ قراءتها وبصوت عال أمام رجال القرية" .
ويضيف:" عاش أهل القرية على أعصابهم مدة المعركة على مستوطنة "مشمار هعيمق" فصعدوا إلى سطوح المنازل، لاستماع صوت المدفعية الآتية من هناك، فقد كانت معركة شرسة، حشدت لها قوات العصابات اليهودية من "الهاجاناه" وغيرها كما كان يتردد قوات كبيرة، مما تسبب في فشل الهجوم وانهزام قوات جيش الإنقاذ بعد أن فقد الكثير من جنوده ومقاتليه من المتطوعين الفلسطينيين، مما تسبب في انهيار المعنويات لدى أهل القرية. وكانت هذه الهزيمة قد فتحت شهية العصابات اليهودية على مدينة بيسان في أوائل شهر نيسان ومن ثم على قرى "الشّفى" .
"وما أن سقطت زرعين حتى بدأت العصابات اليهودية تتقدم باتجاه قرية صندلة فمقيبلة فمدينة جنين فبدأ أهل مقيبلة بالفرار باتجاه مدينة جنين، تاركين كل شيء خلفهم، أما أنا فكان أعز ما لدي هو الكلب "سمور" فوضعته في كيس من الخيش "أبو خط أحمر" وأغلقته ووضعته فوق حمار جارنا مع الأغراض التي يحملها، كي لا يرى الطريق فيعود".
ويحدثنا صاحبنا عن اولى خطوات النكبة والتهجير والتشرد من البلاد وعن مسيرة الوجع الفلسطيني على درب الالام اثر وقوع النكبة فيقول:" تابعنا سيرنا بمجموعاتنا المنهكة في اتجاه مدينة "نابلس". كنا قد أصبحنا بالمئات... كنا متعبين ومنهكين، كنا أنصاف عراة، والكثير منا نحن الصغار حفاة.. جوعى وعطشى... وكانت مهمتي أن أحمل أختي فردوس على كتفي وأخي فيصل حمل ليلى أما أخي غازي فحمل أختي فتنات كلما تعبت، أما حياة أكبرهن فكانت تتشبث بثوب أمي. مررنا بقرية "قباطية" ومن ثم قرية "عرابة"، كانت القريتان قد غصتا بالفارين من الموت، ولم تعودا قادرتين على تأمين الطعام والماء لكل أولئك المهجرين وإن حاول أهلهما إسعافنا وإن على مسغبة، فتابعنا سيرنا إلى أن حططنا الرحال، والداي وأنا وأخوتي في قرية "عجة" التي قابلنا أهلها مقابلة سيئة جداً، وهم يشتموننا "يلعن أبوكم يا لاجئين يلي بعتو بلادكم لليهود".. إلا أن مختار القرية "أحمد البرقة" طيب الذكر تصدّى للأهالي واستقبلنا مُرَحِّبَاً بنا، لأنه كان صديقاً لوالدي من أيام ثورة 1936 في حيفا."
وعن الحال والاحوال ومحاولات النهوض ومساعدة العائلة اثر النكبة علاوة على ظروف المهجرين واستقبالهم السيئة والبغيضة من البعض يقول:" خبزت والدتي بهذه السدور الثلاث الكعك، وكُلّفنا نحن الأخوة الثلاثة بحملها بما فيها من الكعك المحشي بالمربى التي كانت توزعه علينا وكالة غوث اللاجئين، فذهب بواحد منها أخي الأكبر غازي، إلى قرية "عنزة"، وفيصل وأنا إلى قرية "الفندقوميّة" لبيعها. ولكننا لم نبع منها إلا اثنتي عشرة كعكة طوال اليوم، ولم يثننا هذا عن الاستمرار بحمل كعكنا والطواف به في القرى الأخرى المحيطة بعجة".
ويضيف: "أقمنا في البداية عند جدتي "أنيسة" في بيت جدي الذي أورثها إياه بعد موته، وكانت للإقامة عندها، طعم خاص ونكهة ساحرة، حين نتحلق حولها في المساء، نصغي إلى أساطيرها العجيبة عن "الشاطر حسن"، و"البدر بدور" وقريعون ورابعة العدوية وجبينة وغيرها.. فحفظتها عنها وأصبحت أنا الراوي الوحيد في ديوانها العجائزي. ولأنني أردت أن أكون الراوي الأكثر تميزاً، والأكثر معرفة وحفظاً للروايات غير تلك التي كانت ترويها جدتي على سمّارها، بدأت أول ما بدأ ت بقصة "ستنا مريم".
أقامت الحامية التي تمركزت في قرية مقيبلة بقيادة الملازم "مزهر عبيد الدجيلي"، في نفس العقد المبني بالحجر المنقوش الّذي تمركزت فيه حامية جيش الإنقاذ بقيادة العقيد السوري "سليمان" من قبل، والتابع للحاج "مصطفى الجدع"، الّذي أقام مع "الحاجّة زريفة" زوجته، وبناته في الغرف الأخرى المفصولة عن العقد الذي كان مخصّصاً للضيوف.. أما قوّات الحاميات الأخرى فتمركزت في المعسكر الإنجليزي المهجور الواقع بين قريتي مقيبلة والجلمة.. وبعض الخيام العسكرية على أرض البيادر في الجهة الشرقية من القرية، تتوسطها خيمة القيادة.
وعن الجيش العراقي وظروف انسحابه والعواطف الجياشة تجاهه يقول:" وقبل أن تنتهي السنة الدراسية لعام 1949 حتى صدرت الأوامر للجيش العراقي بالانسحاب من فلسطين وتسليم مواقعه للجيش الأردني تمهيداً لتسليم مرج ابن عامر وقراه، وقرى المثلث لليهود، وقد تمت مراسم الانسحاب في الساحة العامة أمام السرايا، وسط مدينة جنين.
أخرجنا مدير مدرسة جنين ومعلموها يومها من صفوفنا، وانتظمنا جميعنا في صف واحد طويل واتجهنا نحو الساحة حيث كانت جموع المودعين الذين توافدوا من جميع القرى في منطقة جنين لوداع الجنود العراقيين متوسلين لقادتهم منتحبين، ألا يتركوا فلسطين وشعبها والقرى التي حرروها بدماء أبطالهم، لقمة سائغة للعصابات اليهودية،
ساد الصمت فجأة حين اعتلى أحد الضباط المنصة، والذي عرفه الضابط عريف الحفل، بأنه بطل معركة جنين "اللواء الرّكن محمود شيت الخطاب" الذي راح يمجد صمود أهالي جنين وقراها أمام الغزاة اليهود، وما أبدوه من بطولة مع إخوتهم أبطال الجيش العراقي بدحر هؤلاء الغزاة وإلحاق الهزيمة النكراء بعصاباتهم اليهودية المهاجمة، وكان الجنود العراقيون ينتحبون مع جموع الأهالي بصمت، أثناء إلقاء اللواء الركن "شيت خطاب" خطابه، وخاصة عندما أشار إليهم قائلاً: "فماذا يقول هؤلاء الجنود لأمهاتهم حين يعودون وقد وعدوهن ألا يعودوا إلا بعد تحرير فلسطين من اليهود، وإعادة جميع المهجرين من قراها ومدنها إلى ديارهم، وماذا يقولون هؤلاء الجنود العائدين إلى بغداد لأمهات الخمسة والستين شهيدًا الذين استشهدوا في معركة جنين و"المَزَار" وفي المعارك الأخرى، أما أنا فأقول"... ثم راح يلقي قصيدته التي أسماها: "جنين"، والتي كان مطلعها: "هذي قبور الخالدين فقد قضوا شهداء حتى أنقذوا الأوطانا"
ثم استدار قليلاً رافعاً كلتا يديه وراح يتلو سورة الفاتحة على أرواحهم مع الجموع المحتشدة، وما أن انتهى من تلاوتها، حتى عاد إلى إكمال قراءة قصيدته مرددا مطلعها، ثم أكمل:
"قد جالدوا الأعداء حتى استشهدوا
ماتوا بساحات الوغى شجعانا
ماتوا دفاعا عن حياض دنّست
بأحطّ خلق الله في دنيانا
المخلصون تسربلوا بقبورهم
والخائنون تسنّموا البنيانا
أجنين إنّك قد شهدت جهادنا
وعلمت كيف تساقطت قتلانا
ورأيت معركة يفوز بنصرها
جيش العراق وتهزم الهاجانا
أجنين لا أنسى البطولة حيّة
لبنيك حتّى أرتدي الأكفانا
إنّي لأشهد أن أهلك كافحوا
غزو اليهود وصارعوا العدوانا
فإذا بكيت فلست أوّل صارم
بهظته أعباء الجهاد فلانا
أجنين يا بلد الكرام تجلّدي
ما مات ثأر ضرّجته دمانا
لا تأمني غدر اليهود بعيدنا
جبلوا على لؤم الطباع زمانا
المجد للبلد المجاهد صابرا
حتّى ولو ذاق الرّدى ألوانا
لا تعذلوا جيش العراق وأهله
بلواكمُ ليست سوى بلوانا
إنّ السّنان يكون عند مكبّل
بالقيد في رجليه ليس سنانا"
توقف قليلاً، ثم أشار بيده نحو مرج ابن عامر جائحاً:
"مرج ابن عامر ضرّجته دماؤنا
أيكون مِلكاً لليهود مهانا؟!
ألمسجد الأقصى ينادي أمّة
تركته أضعف ما يكون مكانا
إنّي لأعلم أنّ دين محمّد
لا يرتضي للمسلمين هوانا
إنّ الخلود لمن يموت مجاهدا
ليس الخلود لمن يعيش جبانا"
وكانت الدموع قد انهمرت من عينيه، حين قال "مرج ابن عامر ضرجته دماؤنا"، وقبل أن ينهي قصيدته، عمّ البكاء جميع الجماهير المحتشدة لوداع الجيش العراقي العائد إلى العراق، تاركاً فلسطين لقمة سائغة للعصابات اليهودية
وما أن عدنا إلى مقاعدنا في المدرسة، حتى كتب لنا أستاذنا، الشيخ توفيق جرار هذه القصيدة على اللوح، طالباً إلينا نسخها ومن ثمّ حفظها." وهذا ماكان من صاحبنا، وبعد ان جاوز الثمانين ونيف دارت الناعورة وجادت بتلك الحكاية عن الجيش العرافي البطل...
وعلاوة على تضحيات الجيش العرافي البطل لم يفت صاحبنا ان يلتقط لنا صورة مشهدين اخرين قبل ان يختم فصول وحكاية الجيش العراقي فيقول:" وحين كانت تمر بنا سيارة للجيش العراقي تابعة للحامية في قريتنا مقيبلة، عند عودتنا من جنين الى مقيبلة مشياً على الأقدام كانت, تتوقف وتقلنا حتى القرية.. أما بالنسبة للمؤن والأكل فقد كانت سيارة المؤن التي توزع الأكل والطعام على الجيش العراقي تتوقف في ساحة القرية أمام الجامع، فنهرع نحن الأطفال ونصطف بطابور إلى جانب الجنود حاملين طناجرنا وأوانينا، بينما يشرع الطباخ بتوزيع الأكل علينا وعلى الجنود بالتساوي، بل كان يزيدنا في وجبة الأرز التي كان يسميها "التمَّن"، وأرغفة "السمن" الخبز.."
والحكاية الاخرى على الرغم مافيها من اسى الا انها تبقى صورة مطبوعة في الذاكرة تئن كلما هزها الحنين فيكتب صاحبنا وقائع وفصول تلك المأساة قائلا:" وقبل أن ينتهي عامي الدراسي، انسحب الجيش العراقي من القرية تمهيداً لتسليمها مع باقي قرى المثلث للعصابات اليهودية، وفق "اتفاقية رودوس" التي عُقدت مع القوات العربية المشاركة في الحرب، وبين العصابات اليهودية.. وسلم حاميتها لوحدة من الجيش العربي الأردني، الذي أنيط به القيام بعملية تسليم القرية لوحدات العصابات اليهودية".
ويضيف قائلا:"عمّ القلق والخوف جميع سكان "مقيبلة" بعد أن أشيع على ضوء ما حصل في قرى "مرج ابن عامر" و"الشّفى" في "قضاء بيسان"، وخاصة قرى "زرعين" و"نورس" و"سيرين" و"عولم" وغيرها التي أحرقت وشرد أهلها، وما روج عن "مذبحة دير ياسين" و"الطنطورة" وغيرها... مما حدا بالملازم العراقي "مزهر عبيد الدجيلي" قائد الحامية العراقية المرابطة في مقيبلة، أن راح يدور على بيوت القرية، بيتاً بيتاً، يشدّ من أزرهم وينهاهم عن هجر القرية، وأن يظلوا مرابطين فيها، لآن هذا هو ما تريده العصابات اليهودية بنشرها أخبار مذابحها التي ارتكبتها في دير ياسين وغيرها وتهويلها لتشريد الأهالي وحملهم على النزوح والهجيج.. ولأن تسليم القرية سيتم نتيجة لاتفاقية رودوس للهدنة، وبواسطة قوات الأمم المتحدة، فإن هذه العصابات سوف لن تجرؤ على تهجير الأهالي قسراً، أو القيام بمجزرة فيها.. ولذلك فهي تسعى لتهجير السكان طوعاً بعد ترويعهم بأخبار المجازر التي نفذوها بدير ياسين وغيرها، وطالبا إلى وجهاء القرية أن يفعلوا كل ما في وسعهم لمنع الأهالي من مغادرة القرية..".
لم تكن العملية تسليماً سلميّاً للقرية، بل سقوطاً مهيناً، استسلاماً وهزيمةً مذلةً، بكل ما في هذه الكلمة من معنى، فقد بدأوا بتفتيش البيوت بيتاً بيتاً عن السلاح، والتحقيق مع الشباب لفهم ما إذا كانوا قد قاتلوا مع الجيش العراقي في معركة جنين، ثم فرضوا منع التجوال من المساء حتى الصباح تحت طائلة إطلاق النار.. مخلفين حالة من الرعب والقلق على ما هو آت وما ينتظرنا، أما نحن الأطفال فقد كنا أشدّ رعبا لما أشيع عن أن اليهود يذبحون الأطفال ويجبلون دقيق خبزهم بدمهم، ثم انسحبت القوة من القرية بعد أن تركت عدة جنود يجوبونها طيلة الوقت"..
كان الناس في قرية مقيبلة، قد أصبحوا يعيشون حالة من الضياع والخوف والرعب وعدم الرؤيا، خاصة وأنهم ظلّوا ما يزيد على عشرة أيام يعملون بالسخرة، تحت تهديد السلاح، في هدم بيوت قرى "الشّفى" المهجرة، مثل قرية الحدثة القريبة من سيرين، وعولم وكفر سبت وغيرها من قرى الشّفى ...
وعن صوفيته ومصدرها وكيفية اكتسابها يضيف لنا فياض صفحات جديدة من صفحات سيرته فيقول:"وحين كبرت قليلاً أصبحت أتسلل عبر الحدود مع الأردن لقرية اليامون ومنها إلى قرية البَارِد في أعلى جبال جنين، حيث كان معقل الطرق الصوفية في ذلك الوقت وخاصة الطريقة "القادرية"، والتي ترجع تسميتها لمؤسسها "الشيخ عبد القادر الجيلاني" كما كان أتباع هذه الطريقة يعرّفون أنفسهم.. وكذلك الطريقة الصوفية "السعدية" المنسوبة لسيدي الشيخ "سعد الدين الحسيني" التي كانت تنتشر في قرى اليامون والسيلة الحارثية في جبال جنين وأطراف مرج ابن عامر...
كنت أنضم لحلقة الذكر ضارباً للصنج، يرافقني أخي الذي يكبرني "فيصل"، وكنت أعشق نشيد سائق الأظعان", فأحفظها عند إلقائها عن ظهر قلب, وحين كان يصل في الإنشاد عند: "يا أهيل الودّ أنّا تنكروا فيّ كهلاً بعد عرفاني فتي"
أمَّا في نشيد "قلبي يحدثني" فكان يخفض صوته ويرخمه، عندما يصل إلى الأبيات: "لا غرو إن شحّتْ بغمض جفونها عيني وسحتْ بالدموع الذرّفِ وبما جرى في موقف التوديع من ألم النوى شاهدت هول الموقفِ"
فتسح دموعه على وجنتيه ولحيته ثم تنهمر وهو يجهش بالبكاء، فأجهش أنا بالبكاء معه، أما "أبو عمر" فقد كان صوته شجياً وذا غُنّة موجعة فقد كان يغص بالدمع حين يبدأ بترديد:
"يا أهيل الودّ أنّا تنكروا
فيّ كهلاً بعد عرفاني فتيّ
وهوى الغادة عمري عادةً
يجلب الشيب إلى الشاب الأحيّ
ومني أشك جراحاً بالحشا
زيد بالشكوى إليها الجرح كيّ
فيصرخ سيدي "أحمد الشيخ زيادات" بأعلى صوته: "حي.ي.ي.ي" ويبدأ بالدوران حول نفسه مردداً: "الله حي... الله حي... الله حي..."
وقد كان لهاتين السنتين اللتين قضيتهما في الكتاب عند "سيدي الشيخ نعيم"، الأثر الكبير على حياتي الأدبية في المستقبل، وشغفي باللغة العربية التي كادت تكون المادة الوحيدة التي كانت يركز سيدي الشيخ نعيم عليها، وعلى تدريسها، إضافة إلى القرآن الكريم، وحفظه.
وعن مصيره الادبي وكيف اخذ صورته الاولى فيقول صاخبنا:"لم أكن أعرف أن مصيري الأدبي كان يتعلق بمجيء الأستاذ سمير ورور إلى هذه المدرسة.
كنت قد بدأت الكتابة أول ما بدأت كأمر مألوف عندي، وكنت حينها في الثالثة عشر من عمري إذ كان من الطبيعي أن أبدأها هكذا ودون أن يخطر على بالي أو على بال أيِ كان، أن ما كتبته سيسمى فيما بعد "قصة"، وأنني سأصبح كاتباً في يوم ما، الأمر الذي لا يزال حتى الآن يثير دهشتي، وكنت وقبل أن أكتب أول قصة قد احتليت ومنذ سنتين صدور الدواوين في القرية، كأهم راوية للحكايات التي كنت أكتسبها وأتناقلها عن عجائز القرية في مجلس جدتي، وأهم راوية لسيرة "الزير سالم" وأبو زيد الهلالي وسيف بن ذي يزن، مصحوباً بألحان الرباب، والتي كنت قد أخذتها عن مجالس الرجال في ليالي الشتاء العاصفة القارصة حول الموقد وإيقاع "المهباش"، ورائحة القهوة.. وخاصة في ديوان "سيدي أبو لسعد"، وسادنه الـ "قطروز" "محمود السحنون" زوج ابنته البكر "آمنة"، وما منحتني إياها بعض الكتب الصفراء المهترئة التي كان يحتفظ بها عم والدي سيدي سليمان الداوود إمام القرية معرفة بلاغية دينية واسعة لما تحتويه من منظوم الشعر الصوفي والغزل الروحاني.
فكانت هذه قصتي التي قدمتها للأستاذ سمير ورور... ولكنها لم تكن هي الأولى التي أكتب دون أن يراها أو يقرأها أحد... فقد كانت قصتي الأولى هي، "التينة فردوس"، و"فردوس"
أعاد الأستاذ سمير ورور مواضيع الإنشاء في اليوم التالي، لجميع التلاميذ إلا لي، قائلاً بأنه لم يصححه بعد، طالباً إلي أن أخبر والدي بأنه سيزورنا في المساء، وسيحضر موضوع الإنشاء معه بهذه المناسبة مصححاً.
كان الاعتقاد السائد في السنوات الأولى للاحتلال أن معظم المعلمين الذين ترسلهم دائرة المعارف إلى المدا رس في القرى، ما هم إلا عملاء للحاكم العسكري في الناصرة الذي كان يتحكم بحياة الفلسطينيين في قرى قضاء اناصرة المحتلة وفي كل القرى والمدن الفلسطينية الأرض المحتلة 48 ، فلا خروج منها ولا دخول الا بتصرح مدون منه وبختمه ، وإلا لما كانوا وظفوه، ولهذا فقد خفت ذلك اليوم واعتقدت أنه ما هو آت لزيارتنا إلا لكي يحذر والدي من مغبة هكذا كلام أكتبه، فما أن رأيته يتجه نحو بيتنا في المساء حتى حاولت الهرب من وجهه والذهاب إلى جدتي حتى ينهي زيارته، إلا أنه لمحني من بعيد فوقف وناداني وظل ينتظرني حتى وصلت. أخذني من يدي ورافقني إلى البيت حيث كان والدي في استقباله.. وحين استفسره والدي عما كنت قد فعلته متهيئاً لمعاقبتي، قال وهو يضع يده على رأسي تحبباً بأني قد كتبت موضوع إنشاء رائع، وأن له ولداً سيصبح كاتباً ذات يوم، ولذا فهو يعفيني من موضوع الإنشاء، على أن أقدم له في كل مرة قصة مثل هذه القصة التي كتبتها، وكانت هذه أول مرة أسمع بكلمة "كاتب" إذ أن الكلمة الشائعة كانت "أديب".
وفي الأسبوع التالي كان الأستاذ سمير ورور يهديني مجموعة كتب جبران خليل جبران وكتب ميخائيل نعيمة عن جبران طالباً إلي قراءتها وتلخيصها فاتحاً أمامي أبواب عالم لم أكن أعرف أنني سأدخله يوماً لأكتوي بنار عذابه الجميل.. "
وعن علاقته بالمدرسين وفضلهم عليه والافاق التي فتحوها له يتابع صاحبنا فيقول:" شاءت الأقدار أن يأتينا في السنة الموالية، أي في السنة الابتدائية النهائية "الصف الثامن"، أستاذ من قرية "عارة" يدعى عبد الله يونس، وكان هذا الأستاذ وسيماً ضحوكاً ظريفاً دائم الذهول بجمال كل ما حوله، إلى حد أن أهل القرية كانوا يعتقدون أن ثمة مس به من "هبل"، فلقبوه بـ "أبي نجم" أي أن "نجمه خفيف"، وهو اللقب السائد عن هذا الصنف من الناس، وقد تبعه هذا اللقب إلى مقيبلة فكان يعرف بـ "عبد الله أبو نجم".
كان الأستاذ عبد الله أبو نجم مولعا بالشعر ولعاً لم أره على أحد، ولم أدرس الشعر على أحد بعد ذلك وأتمتع به كما درسته على هذا الأستاذ، فأصابني من مسه ما ألهاني عن القصة، فحفظت على يديه المعلقات السبع وعشرات من القصائد من روائع الشعر العربي قديمه وحديثه، ولأنه كان طروباً ويحب أنغام اليرغول والمجوز والشبابة كثيراً، ولأنني كنت في ذلك الحين عازف شبابة ماهر أيضاً ، فقد أولاني اهتماماً خاصاً، زاده أن جدي سليمان الداود منحه غرفة في داره يسكنها، وذات يوم، أطلعنا أثناء حصة اللغة العربية على ديوان شعر هزيل بعنوان "ورد وقتاد" لشاعر من قرية "عبليين" اسمه "جورج نجيب خليل"، وكان هذا أول ديوان شعر أسمع به لشاعر من فلسطين المحتلة، ولأنه كان قد وقع في حب فتاة جميلة جداً من نفس القرية اسمها "....ة"، جاء هذا الديوان عبارة عن قصائد حب فيها، ثم طلب منّا أن نأتيه كل واحد بنصف ليرة لكي يشتريه لنا. وفي هذه المناسبة انتقل يروي لنا قصة حب شاعر آخر لا يزال طالباً في المدرسة الثانوية في مدينة الناصرة من قرية مصمص اسمه "راشد حسين" قد تدله هو الآخر بفتاة من الناصرة من عائلة عريقة، لم يجرؤ على ذكر اسمها في شعره الذي يتشبب فيه بها كي لا يقتلوه، والغريب في الأمر أنني كنت أعرف عن أي فتاة يتحدث،
وتشاء الصدف أن أتعرف على "راشد حسين"، بعد أسبوع واحد فقط من ذكر الأستاذ عبد الله له، وعن قرب...
ويتابع صاحبنا فصول تلك العلاقة :" قال وهو يمد لي كتاباً هزيلاً: "هاي الرواية الي كتبها يزهار صاحبي بعدين.. اقراها". تلقفتها. تصفحت غلافها. اقشعريت. كان عنوانها _خربة خزعة_ للكاتب، يزهار سميلانسكي.
هذه الرواية تروي حكاية اجتياح العصابات اليهودية لقرية "خربة خزعة" الفلسطينية، واحتلالها وتقتيل أهلها وتهجير كل من تبقى على قيد الحياة منهم وتدميرها وحرقها، وخاصة حين قرأت ما يرويه الكاتب على لسان بطل الرواية بأن: "هذه حرب ملوثة!" قلت بنبرة مخنوقة.. تحيا "خربة خزعة العبرية"، من سيروي أن هنا كانت "خربة خزعة" ذات يوم.. خربة خزعة، التي شردنا أهلها وورثناها. قدمنا. أطلقنا النار. أشعلنا الحرائق. ألهبنا وفجرنا. خربنا ودمرنا. قتلنا من قتلنا، وهجّرنا من هجّرنا..."!
ولم أكن أعرف أنّني سأُكلَّف، وبعد ثلاثين عاماً إلا قليلاً، أن أقوم بترجمة هذه الرواية، التي ظلت تفاصيل أحداثها المروعة الكابوسية، تتمثل لي بكل ما فيها من قتل عبثي وتهجير وتدمير وحرق في حلي وترحالي، وفي صحوي وفي منامي بسيرين ونورس وزرعين، وكل تلك القرى، التي لابد لمهجريها ولأبنائهم ولأحفادهم وأحفاد أحفادهم، أن يقينا يتذكروا حين يمرون بها، بأن لا تزال، هنا سيرين وزرعين ونورس.. وكانت الترجمة إلى اللغة العربية، لمجلة "شؤون فلسطينية" التي كان يرأس تحريرها الشاعر محمود درويش في مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت، إثر الضجة التي أحدثها تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني لصالح مؤسسة التلفزة الإسرائيلية عام 1978، ثم صدرت عن دار الكلمة للنشر والتوزيع في بيروت عام 1981".
توفيق فياض وامثاله من اصحاب البلاد بسيرته هذه تجسيد حي لما قاله درويش :" من يكتب حكايته يرث ارض الكلام، ويملك المعنى تماما" فطوبى وطيب لتوفيق فياض وامثاله من سدنة الحكاية الفلسطينية.
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فرحة الاغاني الشعبية الفلسطينية، نهى قسيس
-
النفوذ الصهيوني في العالم بين الحقيقة والوهم [الولايات المتح
...
-
مطار الثورة [في ظل غسان كنفاني] عدنان بدر
-
اسرائيل من الداخل ، مجموعة مؤلفين
-
هكذا نجوت ، بسّام جميل
-
جورج حبش قراءة في التجربة
-
احمد القدوة (الحاج مطلق) من الهجرة الى الثورة؛ عرابي كلوب
-
المسافة بيننا شهيد ، يامن نوباني
-
طيور الصبار وذكريات السنين ، جميل شموط
-
ايران وحماس من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى،فاطمة الصمادي
-
جيل التاج ، مصطفى القرنة
-
الشهيد ناجي العلي ، فؤاد معمر
-
سعدية ، اسيا خولة عبد الهادي
-
العرس الابيض ، هيثم جابر
-
مذكرات حمدي مطر؛ حمدي مطر
-
أسد يهودا : صراع داخل الموساد، فكتور أوستروفسكي
-
نُص أشكنازي ؛ عارف الحسيني
-
سماء القدس السابعة؛ اسامة العيسة
-
هنا الوردة ؛ امجد ناصر
-
سياج الغزالة ؛ ناصر رباح
المزيد.....
-
مُنتجة بالذكاء الاصطناعي.. حقيقة صورة -أم عثرت على رفات ابنه
...
-
المعارضة التركية تقرر إنهاء مظاهراتها، وأردوغان ينتقد الاضطر
...
-
-كدت أفقد عقلي-.. لماذا يصعب الحديث عن الاعتداءات الجنسية عل
...
-
روسيا وأوكرانيا توافقان على هدنة بحرية وحظر استهداف منشآت ال
...
-
الجزائر.. مصادرة أكثر من ربع مليون -قرص مهلوس- جنوب شرق البل
...
-
الاستخبارات الأمريكية: الصين تعزز إمكانياتها العسكرية تحسبا
...
-
صانع نبيذ فرنسي يُنتج أكثر من نصف مليون زجاجة مزورة
-
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على 3 مسؤولين أمنيين إيرانيين
-
حكومة غزة: الاحتلال اختطف 15 فردا من الإسعاف والدفاع المدني
...
-
جلسة عاصفة في مجلس الأمن عن تحركات إسرائيل الأخيرة في سوريا
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|