أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - العقل العربي والطائفية: إشكالية المثقف بين الإرث والتحديث














المزيد.....


العقل العربي والطائفية: إشكالية المثقف بين الإرث والتحديث


عبدو اللهبي
(Abdo Allahabi)


الحوار المتمدن-العدد: 8289 - 2025 / 3 / 22 - 06:31
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لطالما كان العقل العربي موضوعًا للنقاش في مختلف المجالات الفكرية، من الفلسفة إلى السياسة. ومن أبرز الإشكاليات التي تواجه هذا العقل هي مسألة الطائفية، التي تعد واحدة من العوامل الأكثر تأثيرًا في تشكيل الرؤى والمواقف داخل المجتمعات العربية. في المقابل، يقف المثقف العربي أمام معضلة كبرى، إذ يجد نفسه مثقلًا بإرث ثقافي وديني يعارض، في كثير من الأحيان، النظرة الليبرالية للعالم والأحداث. هذه التناقضات تجعل من الصعب على المثقف العربي تبني خطاب تحرري كامل دون الاصطدام بموروث تاريخي وثقافي عميق.
يرى محمد عابد الجابري أن الطائفية في العقل العربي ليست مجرد انقسام ديني، بل بنية معرفية متجذرة تعيق تطور الفكر العربي، إذ تعتمد على التقليد والسلطة الدينية بدلاً من العقل النقدي. ويؤكد أن المثقف العربي يعاني من ازدواجية بين التراث ومتطلبات الحداثة، ما يجعله مترددًا في تبني رؤية عقلانية كاملة. ولتجاوز هذه الإشكالية، يدعو الجابري إلى "القطيعة الإبستمولوجية" مع بعض جوانب التراث التي تغذي الطائفية، وإعادة قراءته نقديًا، مع التركيز على بناء عقل مدني برهاني يقوم على المواطنة والعقلانية بدلًا من الانتماءات الضيقة.

تعكس الطائفية في العالم العربي مشكلة متجذرة تتجاوز البعد الديني إلى السياسي والاجتماعي، حيث تُستخدم كأداة للهيمنة وبسط النفوذ. ورغم أن الطائفية كانت في الأصل مجرد انتماء مذهبي أو ديني، إلا أنها تحولت بفعل العوامل السياسية والاقتصادية إلى آلية استقطاب تُوظَّف لخدمة المصالح الضيقة، مما يكرّس الانقسام داخل المجتمعات العربية.

إن العقل العربي، المشبع بالتاريخ الطائفي، يجد صعوبة في التحرر من هذه البنية التي تفرض نفسها في تفسير الأحداث والتفاعل معها. فالتاريخ الإسلامي، بما فيه من صراعات مذهبية، قد ترك بصماته على الوعي الجمعي، مما جعل من الصعب على الأفراد تبني رؤية مدنية تقوم على المواطنة كبديل عن الانتماءات الضيقة.

يمثل المثقف العربي حالة إشكالية في حد ذاته، فهو يحمل على عاتقه إرثًا ثقافيًا ودينيًا يجعل من الصعب عليه تبني الحداثة الكاملة أو تبني النظرة الليبرالية التي تقوم على الفردانية، الحريات الشخصية، والعقلانية المطلقة. فالمثقف العربي ليس منفصلًا عن بيئته، بل يتأثر بها ويحاول، في كثير من الأحيان، التوفيق بين التراث والحداثة، وهو ما ينتج عنه خطاب متردد أو غير متماسك.

يجد المثقف العربي نفسه في مواجهة مباشرة مع مفاهيم الحداثة الغربية التي تُطرح كنموذج عالمي، لكنه في الوقت ذاته يحمل قيمًا وأفكارًا من الموروث الديني والثقافي قد تتعارض مع هذه الحداثة. فعلى سبيل المثال، قضايا مثل الديمقراطية، الحريات الفردية، والعلمانية، تثير جدلًا واسعًا داخل الأوساط الفكرية العربية، حيث ينقسم المثقفون بين من يرى ضرورة القطيعة مع التراث لتبني منظومة حداثية بالكامل، وبين من يرى أن الحداثة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال تطويع التراث وإعادة تأويله.

إذاً .. يواجه المثقف العربي تحديات كبرى عند محاولته تفكيك البنية الطائفية في مجتمعه، إذ يجد نفسه محاصرًا بين السلطة السياسية التي تستفيد من هذه الانقسامات، والجماهير التي ترى في الطائفة ضمانة لهويتها. كما أن الدعوة إلى تجاوز الطائفية تُقابل في كثير من الأحيان بالرفض والاتهامات بالخيانة أو التغريب، مما يجعل المثقف في موقف دفاعي دائم.

من ناحية أخرى، فإن المثقف الذي يحاول تبني نظرة ليبرالية للعالم يجد نفسه في مواجهة تيارات تقليدية تعيد إنتاج الأفكار ذاتها التي تسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم. ولذلك، فإن قدرة المثقف العربي على إحداث تغيير فعلي تتوقف على مدى قدرته على خلق وعي نقدي داخل مجتمعه، وإقناع الأفراد بأن تجاوز الطائفية ليس خيانة للهوية، بل هو السبيل الوحيد لبناء مجتمعات أكثر استقرارًا وعدالة.

عبر التاريخ الإسلامي والعربي، ظهر عدد من الفلاسفة والمفكرين ورجال الدين الذين سعوا إلى نبذ الطائفية ودعوا إلى أشكال من الحكم المدني أو ما يشبه العلمانية، رغم أن مصطلح "العلمانية" بمعناه الحديث لم يكن متداولًا في سياقاتهم. ومن أبرز هؤلاء:
الفارابي الذي أتى على تصور الحكم المثالي في مدينته الفاضلة، حيث رأى ان الدولة يجب ان تقوم على العقل والفلسفة وليس على العصبيات الدينية والطائفية.
وكذلك أبن رشد وأبن خلدون جميعهم شددوا على قيمة العقل والحكم المدني بعيداً عن العصبية والطائفية.. في " المقدمة" أشار أبن خلدون كيف أن العصبية (ومن ضمنها الطائفية) هي عامل رئيسي في قيام وسقوط الدول في نفس الوقت..!!

ختاماً .. إن العقل العربي، المثقل بإرثه التاريخي والديني، يواجه تحديات معقدة في التعامل مع قضايا الحداثة والطائفية. وفي هذا السياق، يظل المثقف العربي في موقع صعب، حيث يحاول التوفيق بين موروث ثقافي عريق ومتطلبات عالم يتغير بسرعة. إن تجاوز الطائفية وإعادة تشكيل العقل العربي وفق رؤية عقلانية ومدنية يتطلبان جهدًا فكريًا كبيرًا وإرادة سياسية ومجتمعية قادرة على خلق فضاء حواري حقيقي يتجاوز حدود الانتماءات الضيقة نحو آفاق أوسع من التعددية والحرية..!



#عبدو_اللهبي (هاشتاغ)       Abdo_Allahabi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تستبدل الشعوب العربية الأنظمة الديكتاتورية بأخرى إسلام ...
- وقوع الأحزاب الليبرالية الغربية في فخ العنصرية تجاه القضية ا ...
- فشل أحزاب اليسار في العالم العربي.. وكيف يمكنها أعادت صياغت ...
- العلمانية هي نتاج التراث الفلسفي العربي والاسلامي قديماً..أه ...
- علاقة الشعوب مع الإستبداد السياسي، ورهانها على حرية لاتعرف م ...
- محاولات الفلسفة النهوض بالفكر الديني قديماً على يد أبن عربي ...
- استبدال الديكتاتوريات العسكرية بجماعات الإسلام السياسي والمي ...
- عند باب سجن (صيدنايا)
- تهديد المهاجرين لبقاء الغرب على ديمقراطيته وليبراليته..ودعمه ...
- مشروع 2025 المخاطر والتحديات التي يواجهها المجتمع الأمريكي و ...
- الإنتخابات الأمريكية، وإنتقال العرب الأمريكيين من الإنتماء ا ...
- العنصرية..بين الموروث ومتطلبات العصر..
- العنصرية بين أمريكا والعالم العربي
- التاريخ والموروث الثقافي..تأسيس ممنهج لتحييد العقل وتغييب ال ...
- حرية التعبير عقيدة لا يؤمن بها أحد..
- التفكير الجمعي..وأثره في واقعنا وثقافتنا المعاصرة..
- الكراهية .. ثقافة البشر المتوارثة..،
- الكراهية والعنصرية هل هي مستقبل البشر المنتظر..؟!
- الخطاب الديني وهمٌ كبير بعمرٍ كبير
- زوبعة في فنجان، أم أن لها علاقة بحقوق الإنسان، قضية إغتيال ا ...


المزيد.....




- عشرات الآلاف يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- أزمة بيض في فرنسا بسبب رمضان؟ المسلمون يردّون بسخرية على الا ...
- طر يقة تثبيت تردد طيور الجنة الجديد على النايل سات والعرب سا ...
- بابا الفاتيكان يطالب بالوقف الفوري للقصف الصهيوني على غزة
- البابا فرنسيس يعود إلى الفاتيكان بعد خمسة أسابيع من العلاج
- السعودية .. تفاعل واسع حول فاتورة كهرباء -المسجد الحرام-
- مسيحيو سوريا: خوف من القادم و-حرج- من مواقف الكنائس من الأسد ...
- البندورة الحمراء..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعر ...
- كيف تستخدم إسرائيل السياح في اقتحامات المسجد الأقصى؟
- دار الإفتاء الليبية تجيز إرسال زكاة الفطر إلى غزة وتدعو المو ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدو اللهبي - العقل العربي والطائفية: إشكالية المثقف بين الإرث والتحديث