أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - همام طه - الصوم بوصفه فعل محبّة: تجربة شخصية في رمضان














المزيد.....


الصوم بوصفه فعل محبّة: تجربة شخصية في رمضان


همام طه

الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 12:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أنا أصوم من أجل أسرتي.
أنا الوحيد القادر على الصوم من بين أفراد أسرتي، فهم معذورون لأسباب طبية وظروف صحية دائمة.
ولذلك أنا أجد نفسي ملزماً بالصوم ليكون في البيت صائم واحد على الأقل فيعيش بيتنا وأهله الأجواء الرمضانية والطقوس الروحانية ومتعة المشاركة في إعداد الإفطار والسحور وترقّب مواقيتهما وكل ما يقدّمه شهر الصيام من كسر للروتين وتغيير في نمط الحياة يمنحها إثارة وتجديداً وحيوية.
نحن نصوم من أجل الذين نحبّهم.
فبرأيي، لكل إنسان دافعه الذاتي والشخصي جداً للصوم، والجانب المعتقدي والإيماني هو أحد هذه الدوافع بالتأكيد وربما على رأسها؛ ولكن لا أحد منا يصوم "إيماناً واحتساباً" على وجه الحقيقة، فهذه العبارة التي وردت في الحديث المنسوب للرسول (عليه الصلاة والسلام): "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ"؛ هي في نظري تعبير مجازي يُضمِر دافعاً روحياً أعمق للصوم؛ هذا الدافع هو: الحُبّ.
ذلك أن الإيمان والاحتساب ليسا قراراً دينياً يُتخذ بمعزل عن التفاعلات العاطفية الإنسانية الداخلية.
ليس الإيمان والاحتساب فعلاً ميكانيكياً بل هما فعل روحي متداخل ومتمازج ومتفاعل مع منظومة عواطف ومشاعر وانفعالات عميقة في دواخلنا.
إن الصوم إخلاصاً وتقرّباً لله هو السبب الذي نعلنه لأنفسنا وللآخرين.
لكن السبب الحقيقي هو الصوم حبّاً وانتماءً وولاءً للذين نحبّهم.
فنحن جميعاً نصوم كي نندمج اجتماعياً وعاطفياً وإنسانياً وروحياً بالكون الصغير المحيط بنا (الأسرة)؛ ليقودنا اندماجنا الأسري هذا للاندماج بالكون الكبير الذي يضم المجتمع من حولنا والناس والعالم والأسرة الإنسانية جمعاء، ثم ننتقل روحياً للاندماج بالأسرة الكونية الأكبر التي تشمل الطبيعة والكائنات والكواكب والمجرّات.
الصوم من أجل الأسرة، الصغيرة ثم الأكبر فالأكبر، هو فعل روحي يُعبِّر عن علاقة محبّة قوية وصلة مودّة متينة وارتباط وجداني وثيق هدفه الالتحام بالبشر الذين نحيا بينهم وبهم ولهم.
هل أبالغ؟ لا، لستُ مبالغاً في معتقدي هذا.
جاء في القرآن: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ).
تُوجّه الآية الرسول بأن يقول للناس: أجري المعنوي الذي أريده منكم على تبليغ الرسالة، ولا أريد غيره، هو أن تحبّوا أسرتي.
وفي تفسير آخر: أريد منكم أن تحبّوني لأني قريب منكم وأنتمي إليكم.
بمعنى أن "الرسالة" في كفّة و"الأسرة" (صغيرةً كانت أم كبيرةً) في الكفّة المقابلة.
تتضمن هذه الآية ثلاثة مفاهيم جوهرية: الدين أو الرسالة الروحيّة، والمودة (الحبّ)، والقربى (القربى بأشكالها الأسرية والعاطفية والاجتماعية والإنسانية والكونية).
نستطيع القول إن الآية تحمل في عمقها تصوراً لما يمكن أن نسميه "المحبّة الروحيّة"، وهي شكل من القرب القلبي والعقلي والروحي والضميري العميق بين الإنسان والخالق، أو بين الإنسان وتلك الحقيقة الروحيّة المتوهجة في داخله، أو بين الإنسان والإنسان، أو بين الإنسان والكون من حوله.
إنها علاقة تتسم بالصدق والثقة، والأصالة والتجدّد، والاحترام المتبادل، والتفاهم والتناغم، والانسجام والتكامل، والاتصال العميق الذي يتجاوز الأقوال والأفعال السطحية والممارسات الطقوسية، ليصل إلى المستوى الأعمق من المشاعر والتفكير.
بمعنى أن الممارسة الدينية لا تكتمل إلا إذا تجلّت في صورة علاقات إنسانية قائمة على الحب الصافي والتضحية الإيجابية، بعيداً عن الاستغلال والابتزاز العاطفي أو الإكراه. وهذا ينقلنا من رؤية الدين كمنظومة أوامر ونواهٍ إلى كونه تجربة وجدانية تعكس نفسها في العلاقات بين الناس.
تبدو لي المعادلة واضحة:
الدِين يُقابل الحبّ!
الدِين يُساوي الحبّ!
الدِين يُعادل الحبّ!
نعم، الصوم فعل محبّة؛ لأن الدين كلّه فعل محبّة يُعبَّر به ويُعبَّر من خلاله عن الحبّ والقرب والعلاقة الوثيقة والارتباط العاطفي والروحي والتأملي العميق بالخالق والمفاهيم الروحيّة، وهي المعاني التي من المفترض أن تنعكس وتتجلى أخلاقاً كريمةً وسلوكاً إيجابياً في العلاقات الإنسانية بين البشر. الدين في جوهره علاقة شخصية ذاتية داخلية استبصارية، وعلاقة تواصلية تآلفية وتكاملية بين الفرد والمفهوم الروحي أو الذات الإلهية، يتخللها مشاعر الحبّ، الشوق، الخشوع، الأمل، والبحث عن المعنى. إنه ليس مجرد امتثال للأوامر، بل حالة وجدانية تتغلغل في أعماق الإنسان، تؤثر في عواطفه، أفكاره، ورؤيته للحياة.
يقول النص القرآني: (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب).
بمعنى أن السجود، الذي يحتلّ مكانة مركزيّة في الصلاة، التي تحتلّ بدورها مكانة مركزية في الدين، هو فعل محبّة يشتمل على معنى القرب والتقارب والاقتراب الروحي من الخالق أو الذات الربّانية أو من ذلك المفهوم الروحي الجليل الذي يحمله العابد أو العابدة في داخليهما.
وكما يقرّبنا السجود، بمعناه الروحي، للخالق، فإن الصوم، بمعناه الروحي أيضاً، يجعلنا أقرب للخالق وللمخلوقين والمخلوقات، كل المخلوقين والمخلوقات، وتحديداً أولئك الذين تربطنا بهم قرابة أسرية أو علاقة محبّة خاصة.
في نهاية المطاف، الصوم، كنوع من التضحية التي نصبر عليها أو المشقة التي نتحمّلها بإرادتنا، هو ليس مجرد عبادة تؤدى، بل هو فعل روحي عاطفي ينم عن ارتباطنا العميق بالآخرين وبالعالم من حولنا. هو تعبير عن الحب المتبادل والانتماء، بداية من الأسرة الصغيرة وصولاً إلى الكون بأسره. إننا عندما نصوم، نعيد تشكيل علاقتنا بالعالم، حيث يصبح الصوم تجسيداً لحبٍ لا متناهٍ، يستمر في التأثير على كل ما حولنا. في كل صوم، نختبر تجربة جديدة في التقارب الروحي مع الخالق، وتوثيق الروابط الإنسانية العميقة، لنكتشف معاً أن الصوم، في جوهره، هو فعل حبّ واتصال روحي يتجاوز حدود الزمن والمكان.



#همام_طه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الذكاء الاصطناعي والبعد الإنساني: لحظة تأمل في الحوار مع ...
- التجديد في مفهوم الصيام: تطبيقات معاصرة تلبي احتياجات الروح ...
- ثنائية الجاني والضحية في الخطاب الرسمي العراقي: نقد لمنطق ال ...
- فقه الرحمة: هل يجوز السحور بعد الفجر؟
- مقالة في الحاجة لإعادة قراءة النص الديني: سورة المسد أنموذجا ...
- رسالة إلى ابن الأكرمين السيد محمد جعفر الصدر: العفو عند المق ...
- قانون عيد الغدير .. الفرصة التي لم يتم استثمارها
- الخطاب السياسي وتعزيز رأس المال الاجتماعي
- سياسات مقترحة لمعالجة تأنيث الفقر في العراق
- نحو استراتيجية وطنية للتدريب المهني في العراق .. لا تُعطني س ...
- الحكومة الاتحادية ومجالس المحافظات .. فكّر وطنياً ونفّذ محلي ...
- مشاريع الإسكان والانتقال من الدولة الريعية إلى الدولة التنمو ...
- معالجة التسرّب المدرسي في العراق .. مدخل للتنمية والإصلاح ال ...
- تطوير الفلسفة العقابية في العراق .. من سلب الحرية إلى العقوب ...
- مواجهة أكتوبر وإعادة هيكلة الوعي والمواقف .. القضية الفلسطين ...
- الثورة المعرفية ركيزة النهضة الشاملة .. نحو استراتيجية وطنية ...
- الاستثمار في رأس المال البشري .. تطوير موظفي القطاع العام ال ...
- هل يمكن أن يتحوّل العراق إلى دولة لاعنفية؟
- المشروع الوطني لتعليم اللغة الإنجليزية في العراق .. رافعة اس ...
- التكامل المؤسسي .. مفتاح نجاح الحكومة


المزيد.....




- قوات الاحتلال تقتحم قرى وبلدات غرب سلفيت
- قراءة في خطاب قائد الثورة الإسلامية بمناسبة العام الجديد
- المشهداني يستبق الانتخابات بتشريع -تجريم الطائفية- بالعراق و ...
- الدعوة للإسلام وسط أحياء المسيحيين في شوارع دمشق تثير جدلا ف ...
- قائد الثورة الإسلامية: إيران لا تحتاج إلى وكلاء عنها في المن ...
- تضييقات وإجراءات أمنية إسرائيلية حول المسجد الأقصى في ثالث ج ...
- البندورة الحمراء..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعر ...
- الاحتلال يفرض قيودًا على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى
- 80 ألفا يؤدون الجمعة الثالثة من رمضان في المسجد الأقصى
- بدر الدين الحوثي الأب الروحي لجماعة الحوثيين في اليمن


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - همام طه - الصوم بوصفه فعل محبّة: تجربة شخصية في رمضان