|
مسطرة محاسبتنا ليست واحدة
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 8288 - 2025 / 3 / 21 - 08:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قال الكاهن المصرى لزميله في مسرحية مصرع كليوباترا (( إذا ما نفقت و مات الحمار .. أبينك فرق و بين الحمار )) .. في الواقع هو صادق ..فلا يوجد فارق .. الجثة الأدمية ..تتلاشي بنفس طريقة الرمة الحمارية .. بواسطة بكتريا الهدم ..و يتحول كل منهما إلي مواد غير حية ..تذوب في سطح الكوكب أو غلافة الجوى . الإنسان بمجرد وفاته يتوقف الكومبيوتر العبقرى الذى في جمجمته ..و يتحلل و لا يعمل .. يفقد الذكريات ..و الخبرات وأحداث الماضي و كل ما تعلمه خلال حياته .. و تتلاشي قوانين المنطق التي تحكم تفكيرة .. و يصبح عاجزا عن التعامل مع الحاضر..وغير محسوبا كقوة واعية في المستقبل . هل لهذا الكوميوتر (Motherboard) في مكان ما بالفراغ ( بالمجرة أو في ركن من أركان الكون المعروف لنا أو الأكوان الموازية ).بحيث يمكن إسترجاع المعلومات المخزنه علية و إستنساخ صاحبه . المعاصرون لا ينفون .. فهم يقولون أن نظرية الكوانتم تجعل هذا إحتمالا قائما ..و يمكن الرجوع خلال رحلة الزمن لمعرفة أحداث تمت من مليارات السنين و هم قد صوروا شكل الكون بعد ثوان من الإنفجار العظيم منذ 14 مليار سنة . بينما القدماء يؤكدون أن كل ما جال بخاطر البشر .. قد تم حفظه بالصوت و الصورة ..وأن من صمم هذا الجهاز المعجز سيقوم .. بتفريغ المعلومات التي عليه و معالجتها بحيث .. يجرى تقييم افعال صاحبه البشرى ..و محاسبته عليها في يوم معلوم ... حقا. إختلفوا في الحالة التي سيكون عليها الحساب فالبعض يتحدث عن جسد اثيرى .. يبقي بعد فناء الجثة..و اخرون يحنطونها حتي تعود سليمة للحياة .. و هنك من يرون أنه أمر طبيعي أن من خلق الإنسان قادر علي إعادته للوجود ومحاسبته .. يقودنا هذا ( قديما أو حديثا ) إلي وجود (Back up) نسخ إحتياطي للكومبيوترات البشرية محفوظة في مكان ما تغطي ما دار في عقول كل من عاشوا علي الارض منذ الاف السنين .. بمعني قد يتجاوز سعة (الكومبيوتر الام ) مئات المليارات من الوحدات البشرية التي تواجدت ثم فنت . السؤال الذى يقفز للذهن فورا ما هو المرجع ( المسطرة ) التي سجرى عليها هذا التقيبم للسلوك البشرى .. نحن بصدد قوميات متعددة ..و لغات لا حصر لها ..و قيم تغيرت الاف المرات عبر رحلة البشر الطويلة . إختلافات في العادات ..و الأفكار تتباين بين سكان المناطق المتجمدة (الإسكيمو)..و من عاشوا علي خط الإستواء .. أو في الصحارى ..و لا يمكن تطبيق معادلة واحدة علي الجميع .. تغطي كل العصور التاريخية .. و كل المناطق الجغرافية ..و كل الحضارات .. و المجتمعات التي سكن فيها البشر . مفهوم الأخلاق الحميدة .. و الاعمال الشريرة إختلفت بصورة لا يمكن تصورها إلا مع دراسات الانثروبولوجي للحضارات الغابرة البعض. يقول أن البشر عرفوا الأديان منذ بدأ وعيهم يتفتح و أنها كلها توصي ..( لا تقتل ، لا تسرق ،لا تكذب ، لا تشتهي إمراة جارك ، إحسن للفقراء و المساكين ، ساعد الضعفاء و المحتاجين ) .. و أنها ( أى الأديان ) منذ زمن سومر و كميت حتي اليوم تحض علي الفضيلة و حسن التعامل مع الناس و الحيوانات و البيئة ..و كانت الدليل و القياس خلال فترة تحضر البشر . و لكنها ( أى الاديان ) لم تكن ثابتة فهي إما قد حدث عليها تغيرات جذرية في عصور تالية لنشاتها بسبب مستجدات لم تكن مطروقة ..أو جمدت بحيث لم تعد قادرة علي مواكبة معطيات هذه العصور البعض لا ينفي الاديان و لكن يضيف لها أن الاخلاق الحميدة مرتبطه بمدى توافق الناس مع الطبيعة و الكون. . و أخرون يقولون أن لكل عصر قوانينة طبقا للعلوم و الفلسفات التي توصل الناس لها .و أن الدين جزء من المنظومة القيمية و لكنه ليس كل المنظومة . في الحقيقة بهذا الطرح يصبح الامر اكبر من قدراتنا الذهنية .. كيف سيعاد تواجدك .. وفحص اعمالك ثم تحديد مدى صلاحك.. بمعني من الصعوبة تصور ان هناك معادلة .. تفرز الطيب من الشرير .. تطبقها علي كل العصور و المجتمعات.. و البديل هو مساطر متعددة .. تختلف من حالة لأخرى .. مرتبطة بثقافة العصر و فلسفاته و قيمة . بمعني أن مسطرة المحاسبة .. التي سيتم بناء عليها التقييم و القياس .. ستكون مختلفة ..و متعددة تتغير بتغير الزمان و المكان ..و هو أمر عبقرى.. يجعل العقل البشرى بجواره أداة بدائية . الفرجة علي افلام البورنو .. خطأ أم صواب ..في بلاد الواق الواق يرونه طبيعيا .. و منتشرا في دور السينما و السكس شوب في حين أنه في بلادنا خطيئة يتم فعلها سرا ..السؤال هل إرسال نسخ منها للأخرين ( خصوصا لو كن سيدات ) يعتبر فعل شائن ..أم محاولة للتثقيف .. بلاش الحدوته دى .. هل أخذ عمولة أو سمسرة عند التعاقد علي طائرة أو قطار أو مترو أو مفاعل نووى خطأ أم صواب ..و لو تسببت هذه العمولة في شراء انواع أقل جوده .. يعتبر تربح من الوظيفة و يستحق العقاب .. بلاش دى ..هل لو طبق التفكير الفلسفي الذى يبدأ بالشك للوصول إلي اليقين.. علي أفكار الرسل و الانبياء و المشايخ و علماء الدين .. يصبح في ميزان الخطايا أم هو في كفة حسن إستخدام المنطق و العقل .. و هكذا فالمسطرة القيمية لا يمكن تطبيقها علي كل العصور ..بحيث أن من يعتبر نفسه من الأتقياء ..في زمن بدايات الاديان .. قد يجد نفسه متواجدا في طابور المذنبين لمجرد أنه وافق علي قانون ينتهي بظلم فرد واحد ..و تعذيبة .. و ترويعة ..و جعله يفقد الامل ..أو لانه لم يعترض علي ضرب مدينة مسالمة بالقنابل النووية .. أو لانه لم يصرح برايه عندما سالوه عن ما يجرى في غزة .. أو لانه إستغل وظيفته ليحصل علي مزايا غير متوفرة للاخرين . الحياة المعاصرة .. ليست بسيطة .. و كل هؤلاء المشايخ و الكهنة و القسس يعيشون في عالم موازلم يعد له وجود .. في ظل مجموعة قيم ..و سلوكيات كانت مبررة من الف أو الفين سنة و اصبحت غير مقبولة للمعاصرين مثل العبودية و بيع البشر في اسواق النخاسة .. أو العلاقة بين المراة و الرجل غير المتكافئة .. أو السلطات المطلقة للخلفاء و السلاطين و الملوك .. هذه السلوكيات .. عندما يزنها الكومبيوتر الأم لناس عاشوا فيما فبل الحرب العالمية الثانية .. لن تعتبر خطايا .. في حين أن الكومبيوتر الأحدث .. سيرمي صاحبها المعاصر في الدرك الاسفل مع أكثر المعاقبين إدانه . الاديان .. منذ زمن عبادة الطواطم .. حتي اليوم .. كان لها دورها في تهذيب البشر ..و لكن .. عليها أن تضع في إعتبارها تغيير القياسات .. لان ال (Motherboard) ليس جامدا كما يصورونه لنا ..فهو سيغير الخوارزميات التي علي اساسها سيجرى الحساب . .. بمعني لن يلتفت للطريقة التي يدخل بها الشخص الحمام أو دورة المياة .. و لن يهتم برصد أى الساقين سيسبق الاخر .. و لن يقف أمام كون رجل يتبول واقفا أم جالسا .. و ما إذا كانت اللحوم مذبوحة شرعي أم غربي .. و لا بعدد التساببيح و الأوراد أو مرات الحج و العمرات ..و لكن سيهتم كثيرا أن طفلا محبوسا لا يجد الدواء ..أو مسنا يكاد أن يموت و لا يسمح له بالذهاب للمستشفي .. أو أن احدهم قد راكم ثروه من تجارة المخدرات و بيع الاثار ..و التلاعب في البورصة . بالنسبة لي .. لم أتسبب في فرض قوانين ضد مصلحة البشر .. لم أعط أمرا بتعذيب إنسان أوسجنه .. ولم أحصل علي عمولة أو سمسرة عند شراء مهمات الحكومة .. لم أكذب و أعد الاخرين بوعود أعرف انها لن تتحقق ..لم أكتب مقالات تحتوى افكارا لا أؤمن بها .. لم أضر طفلا أو شيخا أو سيدة ..أو أهمل مساعدة شخصا يتعذب.. لم أزور إنتخابات و أوزع هدايا وشنط مأكولات علي الناخبين لم أؤلف فيلما أومسرحية بغرض تضليل الناس ..كنت أمينا في عملي .. صادقا مع الجميع .. أنفق من مال حلال كسبتة بتعب ..و عرق جبيني .. و هكذا عندما يغلق الكومبيوتر الخاص بي و يوضع علي ميزان القياس فسيبتسم .. البرنامج ..و يقول دا راجل غلبان ..تصوروا عمرة ما تناول مخدرات ولا زرعها و لا روجها و لا باعها .. و عمره ما دخل بيت دعارة .. أو لعب قمار .. أو سرق أو زور ..أو بلطج أو عمل مليشيات او باع كومباوندات أو رشي حكام كرة القدم ده حتي مبيفهمش في السياسة و فاكر إنه لا يصح إلا الصحيح .... إيه ده جبتوه منين . لا تنظر لي هكذا .. يا سيدنا الشيخ .. نعم فرصة نجاتي ستكون أكبر من حضرتك و من الذين يؤدون الفرض و ينقبون الأرض... و من الذين يرددون كالبغبغنات .. فتاويك و أحاديثك .. الدنيا إتغيرت .. و كل اللي إنت بتحميهم و تأيدهم .. مش مضمون إن الكومبيوتر الأم حيقول عليهم ابرارا . .
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإستراتيجية المفتقدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
-
مؤتمر الخوف من ترامب
-
سيناريو بداية إحتلال فلسطين
-
بدو يحملون الجنسية المصرية أم مصريون من أصول بدوية
-
الناس أكلت طاطورة
-
عقد إجتماعي معاصر أم وصايا الدين
-
هذه ثقافتهم علمهم و لسنا مدعويين
-
مجتمع الكوارث والإنزلاق الطبقي
-
عدوان البعض و دفاع الضعفاء دورة لا تتوقف
-
غسيل أملاح المجتمع الضارة
-
الأكل هناك ملهوش طعم
-
لا بديل للتقدم لكسب الحرب
-
السعادة .. في بلد مفتقد الأمان
-
عندما ييحكم العالم أشخاص عاديين
-
فليأخذ حبات عيونهم .. مش مشكلتي
-
كأن الإمبراطورية الرومانية قد عادت
-
الإرث المجهول
-
توازن القوى في صالح الدولة
-
فلنعيد كتابة ((وصف مصر )).
-
أحداث 2011 هل كانت مدبرة
المزيد.....
-
قوات الاحتلال تقتحم قرى وبلدات غرب سلفيت
-
قراءة في خطاب قائد الثورة الإسلامية بمناسبة العام الجديد
-
المشهداني يستبق الانتخابات بتشريع -تجريم الطائفية- بالعراق و
...
-
الدعوة للإسلام وسط أحياء المسيحيين في شوارع دمشق تثير جدلا ف
...
-
قائد الثورة الإسلامية: إيران لا تحتاج إلى وكلاء عنها في المن
...
-
تضييقات وإجراءات أمنية إسرائيلية حول المسجد الأقصى في ثالث ج
...
-
البندورة الحمراء..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سات وعر
...
-
الاحتلال يفرض قيودًا على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى
-
80 ألفا يؤدون الجمعة الثالثة من رمضان في المسجد الأقصى
-
بدر الدين الحوثي الأب الروحي لجماعة الحوثيين في اليمن
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|