داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 8287 - 2025 / 3 / 20 - 18:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا آمن المؤمنون وألحد الملحدون؟
ذكرنا في المقال السابق الفرق بين الايمان وبين الألحاد، وبينّا ثمّة التفاوت بين المفهومين. وهنا نريد أن نوضّح أكثر لكي تكتمل صورة الهدف أو الغاية من هذا البحث، وبه سنصل إلى جوهر القضية التي نحن بصدد إيصالها للقارئ الكريم، بشكل مبسّط متجنبين لغة التعقيد والرمزية.
السؤال المطروح على مائدة الحديث هو: لماذا آمن المؤمنون وألحد الملحدون؟
فالسؤال قد يكون، للوهلة الأولى، بسيط والاجابة عليه أكثر بساطة. وهذا ما قد يتبادر إلى ذهن الكثير؛ والحقيقة ليس كما يرى البعض، أبدً، ففي طرح هذا السؤال معان سامية تكمن في مغزاه، والجواب عليه يحتاج إلى تأني وعدم تسرع، ذلك لما فيه من نوع من التفلسف، والمزيد من إعطاء البيان بتكثيف الجُمل، والابتعاد عن سطحية التعبير – قدر الامكان - لكي يظهر المعنى جليا واضحا.
المؤمنون هُم ليسوا – بطبيعة الحال - على درجة واحدة من الوعي، بل فيهم تباين وتفاوت، في المعرفة ودرجات الاستيعاب، وقوة التركيز في الرؤية، وكذلك فيهم من هو على دراية وآخر يعي الأمور على علّاتها، وثالث بين هذا وذاك؛ وبالتالي هم فلا يبررون أو يطرحون الأسئلة، لكنهم في النتيجة يقفون على خط مستقيم من ايمان محض، لا تشوبه شائبة لأنهم – كما ذكرنا في المقال الأول – لا يرغبون بإطلاق العنان لعقولهم، كأنهم على دراية بأن أمر الأيمان قضية مفروغ منها، البتة، - وهو كذلك - فلا يرغبون بإزعاج عقولهم بل يشغلونها من قضايا أخرى، أكثر أهمية!، كما يعتقدون.
إما الفلاسفة المتهمون بالألحاد، فهم مختلفون جدا عن خصومهم، والأكثر وعيا ودراية بأمهات المسائل، وهم كثيرو التساؤل في طرح المشكل، وصياغة الأسئلة الكبيرة الوجودية؛ لأنّ عملهم المنوط بهم يحفزهم ويعطيهم الضوء الأخضر، والمساحة الكبيرة في الطرح – طرح الأسئلة – والتعليل وعدم التسرّع بالإجابة، ولا يقتنعون بسفاسف الأمور، وانصاف الحلول، بل يجرون لاهثين وراء الأجوبة القلقة للذهن الشالّة للعقل، وكل همهم البحث عن الحقيقة، (بغض النظر: هل توصلوا إليها أم بعد؟) وإن كان السعي وراؤها فيه متاعب جمة، ومحرجة في أحايين كثيرة، قد تصل إلى زهق الأرواح، كون الحقيقة صعبة المراس وتحاج إلى تضحية جسيمة.
والنتيجة، التي توصلنا إليها، هي إن الفئة الأولى مطمئنة الوجدان مرتاحة البال، لا تفكر أكثر مما ينبغي، وبالتالي فهي حاسمة الأمور سلفا، موصدة الأبواب التي قد تدخل من خلالها رياح الشك. بعكس الملحدين تماما، فهم قلقون وفي الوقت نفسه متضايقون، يشعرون بأنهم في وادٍ وخصومهم في وادٍ آخر، والسبب إن ما يحملونه من فكر يقض وعقل جبار، لا يدعانهما بالركون إلى جدار السكوت، واضرام النار في حطب الصمت، لأنّ ذلك يؤلمنهم ويزيد من محنهم الواقعة على عاتقهم، كونهم يفكرون والتفكير أشدّ وطأة على العقل، لاسيما العقل المُدبّر... يتبع
#داود_السلمان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟