أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل















المزيد.....



تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 23:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


تلخيص كتاب :دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
ترجمة وإصدار مؤسسة الأبحاث العربية -بيروت – 1997 – الطبعة الأولى
تقديم :
بوحي من أراء هرتزل وأفكاره التي تماهت وتوافقت كلياً مع مصالح الاستعمار والتوسع الرأسمالي في بلادنا، انتقلت الرؤية/الرسالة الصهيونية من طور الفكرة إلى طور الحركة، عبر المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 في بازل/سويسرا، الذي اختار هرتزل رئيساً له، ارتباطا بدوره الرئيسي في رسم وتأطير خطة العمل وهيكلية الحركة الصهيونية وبناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية والعلمية والأمنية، التي شكلت بعد خمسين عاماً القاعدة المادية التي نجحت في الإسهام بدورها في انتقال النشاط الصهيوني من طور الحركة إلى طور الدولة، بدعم مادي ومعنوي مباشر من الدول الرأسمالية عموماً وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة خصوصاً، الأمر الذي مكنها من ممارسة أبشع وسائل القتل والتدمير والتطهير العرقي الذي أدى إلى تشريد شعبنا واغتصاب وطننا فلسطين في ظل نظام عربي تراوحت دوله التابعة والخاضعة للقوى الاستعمارية بين الصمت المريب أو الخيانة الصريحة، كما هو حالنا مع معظم هذه الأنظمة بعد أكثر من ستين عاماً على النكبة الأولى .
إن الدروس والعبر التي يمكن استخلاصها من كتاب "نبي" الحركة الصهيونية يمكن تكثيفها في عبارة واحدة : أن نتعلم من التجربة الذاتية للصهاينة في استجابتهم للفكرة المركزية، التوحيدية، التي حددها هرتزل عبر هدف إقامة دولة إسرائيل، للخلاص – كما يقول – من" كل ما يتعرض له اليهود في أصقاع الأرض من اضطهاد أو قمع لن يستطيع إبادتنا، بل إنها ستكون حافزاً (لليهود) عبر الصدق والالتزام، وعنصراً أساسياً لنجاح الكفاح في تحقيق اهداف حركتنا ونهوضها".
هكذا بدأت الحركة الصهيونية بعد مؤتمرها الاول (1897) في التطبيق العملي لأفكارها عبر التخطيط ثم التنفيذ المتدرج، فأسست الصندوق القومي لشراء الأرض عام 1902، ثم قامت بإنشاء الجامعة العبرية عام 1924 ومعهد التكنولوجيا (التخبنون)، كما خطتت ونفذت العديد من مصانع الأغذية والذخيرة والأسلحة والاسمنت والأدوات والمعدات إلى جانب تأسيس وتنفيذ الأجهزة الأمنية والمؤسسات العسكرية والاقتصادية والنقابية (الهستدروت) والجمعيات والاتحادات الصناعية والزراعية، وذلك خلال الفترة من عام 1910-1948.
أيها الرفاق والاصدقاء.. ستجدون في هذه الصفحات الهامة من كتاب هرتزل، الكثير مما يتوجب علينا أن نتعلمه من تجربة الحركة الصهيونية لكي نتواصل في نشر وشرح ما نتعلمه بوعي ومصداقية عالية في صفوف أبناء شعبنا، مستخدمين ميزة الصبر الواعي الفاعل والنشط تواصل حزبنا وتغلغله في أوساط الجماهير من ناحية وفي توسعه وانتشار مبادئه وأفكاره التوحيدية الوطنية والقومية التقدمية من ناحية ثانية، عبر خطوات واثقة برسالتنا واهدافنا الوطنية ، بما لا يدع مجالاً للعفوية والارتجال، بل نلتزم بدرجة عالية من الوعي، بمنهجية التخطيط المسبق والإعداد التفصيلي للبرامج وتنفيذها طبقاً لمحدداتها وشروطها في هذه المرحلة أو تلك عبر القراءة الموضوعية للواقع الفلسطيني والعربي والدولي، بما يضمن لخطوات نضالنا الحركة والتقدم في المسار الصحيح الصاعد، رغم كل العقبات والمعوقات الداخلية والخارجية التي لن تتمكن أبداً من قهر إرادة شعبنا أو وقف مسيرته النضالية من أجل التحرر والاستقلال والعدالة الاجتماعية في فلسطين الديمقراطية .
غازي الصوراني
مقدمة الناشر (مؤسسة الأبحاث العربية)
لقد كتب الكثيرون وترجموا، لكن الملفت أن لا يهتم أحد بكتاب مهم وأساسي من كتب الدعوة الصهيونية هو كتاب "دولة لليهود" الذي ألفه "تيودر هرتزل" قبل أكثر من مئة سنة، فالكتاب برأي بعض المؤرخين والعديد من الصهاينة، إعُتَبر "إنجيل الحركة الصهيونية ... ودستورها وحجر الأساس في بناء دولة إسرائيل" وسمى المتعصبون الصهاينة مؤلف الكتاب "تيودر هرتزل أنه" نبي الحركة الصهيونية والأب التاريخي والروحي لدولتهم "، وقد َنشر الكتاب لأول مرة في 14/2/1896 باللغة الألمانية وأحدث إصداره ضجة كبيرة في الأوساط اليهودية الأوروبية.
والسؤال ما هي أهمية كتابه هذا ؟
نبعت أهمية الكتاب من انطلاقة الكاتب من الفكرة الصهيونية محدداً أهدافها بإقامة "دولة لليهود" ولكن الأهم من مجرد تحديد الهدف أنه طرح تصوراً لوسائل وأساليب الوصول إلى ذلك الهدف، فقد رسم الطريق الموصل رسمياً وعملياً وجوهرياً، بادئاًً بضرورة توفير قيادة سياسية ذات مرجعية مقبولة من يهود العالم، وقد سماها "جمعية اليهود"، واستند في فكرته هذه إلى " أن جمعية اليهود هي نقطة الانطلاق للحركة اليهودية برمتها، حيث ستتولى هذه الجمعية مهمات عملية وسياسية"، وبعد قرابة ثمانية عشر شهراً من نشر الكتاب، التقى في سويسرا مندوبين يهود أرسلتهم جالياتهم العديدة وأسسوا المؤتمر الصهيوني العالمي الأول.
ولكن ذلك وحده ليس كافياً، فقد ارتأى " إنشاء شركة يهودية تكون منتجة اقتصادياً، وقدّر أن رأسمالها يجب أن يكون (50) خمسين مليون جنيه استرليني، وهو مبلغ كبير وهائل بقياس ذلك الزمن .
وحدد الكثير من واجباتها ومسؤولياتها مؤكداً على أهمية التعاون بين الجمعية (القيادة) والشركة (المسؤولة عن التمويل) وملحاً على جمع المال كاملاً قبل البدء بالعمل.
واهتم كثيراً بموضوع دستور الدولة الذي أراده أن يكون مرناً، إلى جانب اهتمامه بفكرة قيام المؤسسات الأخرى لإنشاء الدولة كالإسكان والتعليم والتصنيع والزراعة والدفاع والاقتصاد بفروعه،كما توقف عند التثقيف الشعبي والاهتمام بتنوير عقول الناس وتوصيل المعرفة إلى كافة اليهود مهما كانت منزلتهم ومكانتهم الاجتماعية.
وكان هرتزل واعياً لخطورة تدخل رجال الدين والعسكريين في الحياة السياسية، إذ أننا- كما يقول- سنبقي الكهنة ضمن حدود المعابد كما سنبقي على جيشنا المحترف ضمن حدود الثكنات فالجيش والكهنوت سيكونان موضع التكريم الرفيع الذي تستحقه وظائفها القيمة، ولكن عليها عدم التدخل في إدارة الدولة التي تنعم عليها بالامتياز وإلا، فسوف يصطنعان المشاكل في الداخل والخارج.
وفي سياق حديثه عن طبيعة الدولة اليهودية يقول بأنها سوف تكون جزءاً من السور الأوروبي ضد آسيا ومخفراً أمامياً للحضارة بوجه البربرية، وعلينا كدولة محايدة أن نظل على اتصال بأوروبا برمتها والتي سيكون عليها أن تضمن وجودنا...
وبعد، فإن هذا الكتاب الصغير، نجد في صفحاته الكثير مما يتوجب علينا تعلمه من تجربة الحركة الصهيونية.
وفي مقدمة العظات والعبر، أن نتعلم من الصهاينة مزية الصبر والجلد، والصبر الذي ندعوا إليه ليس الصبر الساكن أو العاجز أو المتوكل، أو القادر على التحمل وتلقي الضربات والهزائم بل أن الصبر المطلوب هو الصبر الواعي والفاعل الناشط.
وأن نتعلم أيضاً أهمية التخطيط المسبق والإعداد التفصيلي وقراءة الواقع قراءة موضوعية لنضع برامجنا ومخططاتنا على مراحل، بحيث تتوضح فيها الحدود الدنيا والحدود القصوى.
والأهم من كل ما تقدم هو أن نتعلم من العدو ومن خبرات نضال شعبنا أن " الاضطهاد والقمع لا يمكنهما إبادتنا، والأهم الأهم أن نؤمن أن " نزاهة الفكر وحيوية تنفيذها "، إضافة إلى الصدق والالتزام هي عناصر أساسية لنجاح الكفاح في تحقيق أهداف مشاريع النهضات القومية.
فهل تساءلنا عن مدى صلابة، هذه العوامل الذاتية وعمقها في نفوسنا كقيادات وكأفراد ومواطنين ؟
من مقدمة الطبعة الأولى.(عام 1896)- بقلم إسرائيل كوهين.
كتب هرتزل كتابه "دولة لليهود" في صيف عام 1895 في باريس حيث كان يعمل مراسلاً لجريدة naue freu presee وكانت الجريدة الأولى في فيينا.
تم نشر Der Judensaat في الرابع عشر من شباط / فبراير 1896 وعلى الفور أثار الكتيب اهتماماًُ ليس فقط في فيينا وحدها وإنما في أرجاء العالم.
كما أن الأفكار المطروحة أثارت من جهة تعاطفاً ودعماً لدى بعض المحافل واستنفرت من جهة أخرى أشد المعارضة لدى بعضها الآخر.
وبالرغم من إثارة كتاب هرتزل من اهتمام في أوساط اليهود وغيرهم، إلا أنه لم يرتكز إلى إلى هذا الاهتمام، وأعلن في خطابه الافتتاحي للمؤتمر الصهيوني الأول: " إن ما كتبه أو قاله أحد منا بشكل فردي يمكن، بل ينبغي إغفاله، ما قد يقرره المؤتمر فلا يمكن إلا الالتزام به".
وبعد انتهاء أعمال المؤتمر كتب في مفكرته بتاريخ 3 أيلول / سبتمبر 1897 " في بازل/سويسرا أسَّسَتْ الدولة اليهودية، ولو أنني قلت هذا اليوم لواجهتني ضجة من الضحك وسيراها الجميع ربما في مدة خمسة سنوات، وبالتأكيد في مدة خمسين سنة، أن الدولة قد تأسست من حيث الجوهر، في إرادة شعب الدولة " وأصدر المؤتمر قراراً حدد فيه هدف الصهيونية في برنامج بازل المعرف، كما يلي : إن هدف الصهيونية هو أن يتحقق للشعب اليهودي وطن في فلسطين يضمن وجوده قانون عام".
ثم يضيف "إسرائيل كوهين" في تقديمه لكتاب دولة لليهود"، وليس هناك جانب من جوانب ذلك التغير قد أتسم بتقدم يدعو إلى الاعتزاز كالجانب الذي يمثل السعي لتحقيق الفكرة التي يضمها هذا الكتاب، الا وهي أن الشدائد المادية والمعنوية التي يعانيها الشعب اليهودي لا يمكن وضع حد لها إلا بوقوف الشعب على قدميه على أساس قومي في أرض تعود له ".
مقدمة هرتزل:
العالم يجأر بالصياح ضد اليهود، وهذا الصياح قد يوقظ الفكرة الراكدة / الساكنة. لذا فلئن أريد لهذه المحاولة لحل المسألة اليهودية أن توصف بكلمة واحدة فلتكن (التجميع) وليس النزهه ". إن كل شيء يعتمد على قوتنا الدافعة، فما هي قوتنا الدافعة إنها بؤس اليهود.
وإني لأجزم أن هذه القوة إذا استخدمت بشكل صحيح هي من القدرة بما يكفي لتحريك ماكنة كبيرة لنقل الركاب والسلع. أما شكل الماكنة، فهو الشكل الذي يختاره لها الناس، أنا على قناعة تامة بأنني على صواب، وإن كنت لا أدري هل سأعيش لأرى إثبات ذلك، إن أولئك الذين هم أول من يدشن هذه الحركة لن يعيشوا ما يكفي لإعطائهم شعوراً بالفخر وكذلك بالجذل النابع من حركة الروح.
غير أنني أتوقع من قرائي، وأطلب من المثقفين الذين أخاطبهم أن يطرحوا جانباً عدداً من الأفكار التي تصوروها مسبقاً، بل سأذهب حتى إلى أبعد من ذلك فأطلب من اليهود الذين حاولوا بمنتهى الجد أن يضعوا حلاً للمسألة اليهودية، أن ينظروا إلى محاولاتهم السابقة على أنها محاولات خاطئة ولا جدوى منها.
إن المخطط سيبدو بالطبع منافياً للعقل إذا تصدى له فرد واحد بمفرده، أما إذا تعاون عليه عدد من اليهود فسيبدو عقلانياً تماماً، ولن يلاقي تحقيقه صعوبات تذكر.
إن الفكرة تعتمد فقط على عدد مؤيديها، ولعل شبابنا الطموح الذي تغلق بوجهه الآن دروب التقدم سيعمل على الدعوة للفكرة وهو يرى في هذه الدولة اليهودية أفقاً براقاً من آفاق الحرية والسعادة والشرف.
ولئن كان الجيل الحاضر غير راغب أو قادر على فهم الهدف فهماً صحيحاً، فإن جيلاً آخر أفضل وأرقى سينشأ لكي يفهمه، إن اليهود الذين يرغبون بدولة لهم سيحصلون عليها وسيستحقونها.
إن العمل بلا إقدام هو العمل الساكن الذي كان سائداً في الأزمان القديمة، ويتمثل أحسن تمثيل بعمل المزارع الذي لم يزل يراوح في المكان الذي كان فيه أجداده منذ ألف عام.
إن رفاهنا المادي كله ثمرة رجال يتحلون بالإقدام، إنني أؤمن بصعود الإنسان إلى درجات أعلى فأعلى من الحضارة ؟
لكن أرى أن هذا الصعود بطيء جداً، وإذا كان علينا أن ننتظر حتى تصبح الإنسانية ميالة للخير كما انتظر الفيلسوف "ليسنغ Lessing" حين كتب كتابه ناتان الحكيم Nathen Thewise فلننتظر إذاً إلى مالا نهاية.
إن المسالة اليهودية تكون موجودة أينما وجد اليهود (29)، إننا بالطبع نذهب إلى الأمكنة التي لا نضطهد فيها، وهناك يؤدي وجودنا إلى الاضطهاد، هذا هو الحل، وسيظل كذلك، في الأقطار كلها، حتى المتمدنة جداً منها كفرنسا، إلى أن تجد المسألة اليهودية حلاً لها على أساس سياسي.
إننا لم نزل في أقطار عشنا فيها قروناً، ينقص من قدرنا على أننا غرباء، ويجري هذا في الغالب من قبل الذين لم يستوطن أسلافهم البلاد التي شقي فيها اليهود أصلاً وخبروا المعاناة.
إن للأغلبية أن تقرر من هم الغرباء، ذلك أن هذه هي مسألة قوة، شأنها شأن أي أمر ينشأ في العلاقات بين الأمم. وفي عالم كعالمنا اليوم، وكما سيكون عليه إلى مالا نهاية، تأتي القوة قبل الحق .
إن الاضطهاد والقمع لا يمكنها إبادتنا، ما من امة في الأرض صمدت بوجه الصراعات والآلام كما صمدنا، إن تعذيب اليهود لم يفعل سوى الكشف عن الضعفاء بيننا، أما الأقوياء منا فكانوا أهلاً لانتمائهم إلى عرقهم حين كان الاضطهاد يندلع ضدهم .
والأكثر احتمالاً أن يقع اعتراض مفاده أنني أقدم مَمْسَكاً للاسامية حين أقول أننا شعب، وشعب واحد وأنني أعيق اندماج اليهود في الأمكنة التي يوشك أن يتحقق فيها، وأُعرِّض هذا الاندماج للخطر في الأمكنة التي تحقق فيها.
إن من يريد أن يهلك فيزول فليهلك، لكن القومية المتميزة لليهود لا ولن تدمر، وهي لا يمكن تدميرها لأن الأعداء الخارجين يرسخونها3.
إن أغصاناً كثيرة من شجرة اليهودية قد تذوي وتسقط، أما الجذع فيبقى.
ليس هنالك كائن إنساني يملك من الثروة أو القوة ما يكفي لقلع أمة من هذا الموطن وإعادة زرعها في ذلك، الفكرة وحدها هي التي تحيط بذلك، وقد يكون لفكرة الدولة هذه القوة المطلوبة للقيام بذلك.
وقد ساور اليهود هذا الحلم الجليل على مدى الليالي الطويلة لتاريخهم المعاصر وتعودنا منذ القدم أن نردد في أورشليم في العام القادم"، والمسألة الآن هي أن نثبت أن من الممكن تحويل الحلم إلى واقع معاش. إن الأدمغة الكليلة قد تتصور مثلاً أن هذا الخروج سيكون من مناطق متحضرة إلى الصحراء، والأمر ليس كذلك، إن الخروج سيتم ونحن في وسط الحضارة، إننا لن نتراجع إلى صعيد أدنى بل سنرتقي إلى آخر أسمى منه، إننا لن نسكن في أكواخ من طين، بل سنبني بيوتاً جديدة أجمل من بيوتنا ونتملكها ونحن نشعر بالأمن والاطمئنان، إننا لن نخسر ممتلكاتنا المكتسبة بل سنبقي عليها، ولن نتنازل عن حقوقنا التي كان استحقاقنا لها بجدارة إلا من أجل حقوق أحسن منها.
ولضمان نزاهة الفكرة وحيوية تنفيذها سنؤسس هيئة تدعى "جمعية اليهود" بالإضافة إلى إنشاء شركة يهودية تكون منتجة اقتصادياً.
إنني إذا أردت تشييد بناية جديدة تحل محل البناية القديمة فعلي أن أهدم قبل أن أبني.
ومع أنني أنطلق في كلامي من العقل، لكنني أدرك تماماً أن العقل وحده لن يكفي ولسوف نرى هل الشباب الذين نحتاج إليهم هم بإمرتنا، الشباب الذين يستمدون ما لديهم من الشيوخ بشكل لا يقاوم فيحملونهم قدماً على أذرع قوية ويحولون الدوافع العقلانية إلى حماسة.
تيودور هرتزل
أولاً : المسألة اليهودية1:
إن خطورة وضع اليهود أمر ليس من الممكن لأحد إنكاره إنهم حيثما يعيشون بأعداد محسوسة، يتعرضون للاضطهاد بدرجات مختلفة.
ففي روسيا تفرض الضرائب على القوى اليهودية، وفي رومانيا قضي على بضعة أشخاص بالموت، وفي ألمانيا يتعرضون للضرب المبرح بين حين وحين وفي النمسا يمارس اللاساميون الإرهاب على الحياة العامة برمتها، وفي فرنسا تغلق بوجه اليهود أبواب المجتمع الراقي كما يسمونه، إنني لا أنوي إثارة التعاطف نحونا فهذا أمر سخيف ولا طائل من ورائه وينافي الكرامة، إنما اكتفي بتوجيه الأسئلة التالية إلى اليهود :- هل صحيح في الأقطار التي نعيش فيها بأعداد محسوسة أن أوضاع اليهود من رجال قانون وأطباء وعمال فنيين ومدرسين ومستخدمين من شتى الأنواع هي أوضاع تزداد سوءاً يوماً بعد يوم بشكل لا يطاق؟
هل صحيح أن فقراءنا يعانون من البؤس أكثر مما يعانيه فقراء الطبقات العاملة الأخرى؟
سأطرح الآن المسألة اليهودية باقتضاب شديد جداً، هل يمكننا أن نرجو أياماً أفضل؟ هل يمكننا أن نصبر ونصابر؟ هل يمكننا أن نروض أنفسنا ونواجه الأمور بورع إلى أن يحين الوقت الذي يصبح فيه أمراء هذه الأرض وشعوبها أكثر ميلاً نحونا بشكل رحيم؟
أنا أقول أننا لا أمل لنا في تغيير مجرى المشاعر ولم لا ؟ إننا قوم من صنع الفيتو، ولا شك أننا برزنا في حقل المال، لأن ظروف العصور الوسطى ساقتنا إلى ذلك سوقاً ويجري الآن تكرار هذه العملية ذاتها، إننا نضطر الآن مرة أخرى إلى التوجه نحو حقل المال، وهو اليوم البورصة، لأننا نستبعد من ميادين النشاط الاقتصادي كلها. وبما أننا في البورصة فإننا نتعرض من جديد للازدراء، في الوقت ذاته نستمر في إنتاج وفرة من العقول عادية الكفاءة لا تجد لها منفذاً، وهذا يعرض مركزنا الاجتماعي للخطر بقدر ما تفعله ثروتنا المتزايدة.
إن الذي يحاول تحويل اليهودي إلى مزارع يرتكب خطأً فادحاً، ذلك أن الفلاح إنما هو الكائن في صنف تاريخي بعينه كما يدل على ذلك لباسه الذي ارتداه في بعض الأقطار قروناً طويلة.
وبالتالي فإن الفلاح هو طراز يوشك على الانقراض وحين يتم الحفاظ عليه بشكل مصطنع فإنما يجري ذلك لحساب المصالح السياسية التي ينوي هو خدمتها.
فهل نحن نسجل لليهود وهم أذكياء، بفضل الرغبة بأن يصبحوا فلاحين من الطراز القديم؟
وقد يقول قائل لهم : "خذوا هذه النبال واذهبوا بها إلى الحرب " ماذا ؟ إلى الحرب بالنبال لقتال الآخرين الذين يحملون البنادق ويتسلحون بالمدافع ؟.
إن القوس والنبال سلاح جميل توحي لي بمشاعر الكدر حين استسلم للحزن، لكن مكانها اللائق بها هو المتحف.
إننا عندما نغرق نصبح طبقة عاملة ثورية كلها، أما عندما نرتقي صعداً فتتصاعد معنا كذلك القوة الرهيبة لمحفظة النقود.
إن الاضطهاد الذي نعانيه لا يُحسِّن منا، ذلك لأننا لسنا أفضل من الناس العاديين ولا بمقدار ذرة واحدة، صحيح أننا لا نحب أعدائنا ولن يجرؤ إلا الذي يناقض نفسه على رمينا بهذه النقيصة. إن الاضطهاد يخلق بطبيعة الحال عداوة ضد المضطهدين، فتفاقم عداوتنا هذه من الضغط، ومن المستحيل التخلص من هذه الدورة الأزلية.
إن الذي يجد أملاً في تحسين الأحوال على أساس بلوغ الإنسانية حد الكمال النهائي إنما يرسم صورة للمدينة الفاضلة الطوباوية.
إن شخصيتنا القومية في التاريخ وعلى الرغم مما لحقها من حط من مقامها فهي أروع من أن تتمنى الإبادة، لعلنا نتمكن من دمج أنفسنا كلياً بالأقوام المحيطة بنا إذا تركنا هؤلاء بسلام على مدى جيلين اثنين لكنهم لن يتركونا بسلام.
إن الضغط وحده هو الذي يعيدنا بالقوة إلى الجذع الأم، والكراهية وحدها تجعلنا وهي تحيط بنا غرباء مرة أخرى.
لهذا وسواء شئنا أم أبينا فإننا كنا وسنظل جماعة تاريخية ذات خصائص واضحة نشترك بها جميعاً.
إننا شعب واحد، لقد جعلنا أعدائنا شعباً واحداً على الرغم منا كما يحدث في التاريخ مراراً وتكراراً، إن المحنة تشد بعضنا إلى بعض فتوحدنا وفجأة تكشف قوتنا، أجل إننا أقوياء بما يكفي لتشكيل دولة بل دولة نموذجية، إننا نملك الموارد البشرية والمادية كلها الضرورية لهذا الغرض.
إلا أن تقدير ذلك لن يتم حتى يحدد الخطوط العريضة للخطة التي يتوقف عليها كل شيء.
ثانياً : الخـطة :
إن الخطة بأسرها بسيطة في جوهرها للغاية، ويجب أن تكون كذلك بالضرورة إذ أريد لها أن يدرك فحواها الجميع.
لتمنح لنا السيادة على جزء من هذا الكوكب يكفي لتلبية المتطلبات العادلة لأمة ما – أما الباقي فسنتدبر أمره بأنفسنا.
والخطة وهي بسيطة في تصميمها لكنها معقدة في التنفيذ ستتولاها وكالتان جمعية اليهود، والشركة اليهودية، وستقوم الجمعية بالأعمال التحضيرية في ميدان العلم والسياسة، ثم تقوم الشركة في ما بعد التطبيق العملي لها .
إن الشركة اليهودية ستأخذ على عاتقها تحقيق مصالح العمل لمن يغادر من اليهود وستقوم بتنظيم التجارة والمبادلات في القطر الجديد.
إذا رغبنا بإنشاء دولة اليوم فعلينا أن لا نقوم بذلك بالطريقة التي كانت ستعتبر الطريقة الممكنة الوحيدة قبل ألف عام. ومن الحماقة أن نعود إلى المراحل القديمة للحضارة كما يرغب بذلك العديد من الصهاينة.
فلنفترض مثلاً، أننا نريد تطهير قطر ما من الوحوش البرية، فعلينا ألا نتصدى لهذه المهمة على شاكلة الأوربيين في القرن الخامس، ينبغي أن لا يحمل أحدنا حربة ورمحاً فيخرج بمفرده في تعقب الدببة، وإنما علينا أن ننظم فريقاً كبيراً للصيد يكون مفعماً بالنشاط ليقوم باستدراج الحيوانات وجمعها ثم إلقاء قنبلة شديدة التفجير عليها.
سيفتح هذا الكتيب نقاشاً عاماً عن المسألة اليهودية، لكن هذا لا يعني إجراءات تصويت عليها، إن مثل هذا سيدمر القضية منذ البداية ويجب على المخالفين أن يتذكروا أن الولاء أو المعارضة أمر طوعي كلياً.
إن اليهود الذين يوافقون على فكرتنا الخاصة بالدولة سيلحقون بالجمعية التي ستتحول بالتداول والتعامل مع الحكومات باسم شعبنا ستكون الجمعية بذلك في علاقاتها مع الحكومات معترفاً بها كسلطة لخلق الدولة، وهذا الاعتراف سيخلق الدولة عملياً.
وثمة مكانان يدخلان في الاعتبار في هذا الصدد : فلسطين – والأرجنتين، لقد جرت في كلا القطرين تجارب مهمة في الاستيطان.
هل سنختار فلسطين أم الأرجنتين. إننا سنأخذ ما يعطى لنا. وما يختاره الرأي العام اليهودي .
إن أراضي الأرجنتين من أخصب أراضي العالم ومساحتها شاسعة وعدد سكانها قليل ومناخها معتدل وستحصل جمهورية الأرجنتين على مربح كبير إذا اقتطعت لنا جزءاً من أراضيها.
أما فلسطين فهي وطننا التاريخي لن ينسى أبداً، إن اسم فلسطين وحده سيجذب شعبنا إليها بقوة ذات فعالية رائعة.
وعلينا أن نشكل هناك جزءاً من السور الأوربي ضد آسيا، مخفراً أمامياً للحضارة بوجه البربرية، وعلينا كدولة محايدة أن نظل على اتصال بأوربا برمتها والتي سيكون عليها أن تضمن وجودنا.
إن نظام الإغاثة بواسطة العمل هو أمر صغير للغاية ولكنة قابل للتوسيع جداً، فما هو مبدأ الإغاثة بواسطة العمل ؟. المبدأ هو أن يعهد إلى كل معوز بعمل سهل لا يحتاج إلى مهارة كتقطيع الأخشاب، أو جمع الأحطاب في حزم وهي التي تستعمل لإيقاد المواقد، إن هذا نوع من أنواع عمل السجون إنما قبل ارتكاب الجريمة، وهو يجري من دون أن يخسر المرء كرامته.
وستعمل جمعية اليهود والشركة اليهودية معاً على بذل مزيد من الرعاية للأسر وشد أزرها مادياً ومعنويا، وسيتلقى الموظفون زيادة في الراتب عن الزواج وعن الطفل المولود، إذ أننا بحاجة إلى جميع الموجودين هناك والذين سيتبعونهم ويحذون حذوهم.
ستكون الشركة اليهودية مستعدة للقيام بنقل مصالح العمل صغيرها وكبيرها على السواء وفيما يهاجر اليهود بهدوء، ويؤسسون مساكنهم الجديدة، تعمل الشركة بصفتها هيئة رقابية كبرى تنظم المغادرة، وتتولى أمر الممتلكات المتروكة وتضمن الإدارة الصحيحة للحركة بما لديها من ممتلكات ملموسة وواضحة للعيان، وتوفر الأمان الدائم لأولئك الذين استوطنوا فعلاً.
ستعمل الشركة بالتدريج على تأسيس صناعات لإنتاج السلع في المستوطنات، وستكون بالطبع صناعتنا بدائية، في أول الأمر سيجري أولاً إنتاج الأقمشة والملابس الداخلية، والأحذية لمهاجرينا الفقراء، الذين سيزودون ببدلات جديدة في مراكز الهجرة المختلفة في أوربا، ولن تقدم هذه الملابس لهم كصدقة فقد يجرح ذلك كبرياءهم بل بمبادلتها بملابسهم القديمة.
سيكون حتى الملابس الجديدة الخاصة بالمستوطنين الفقراء معنى رمزي " إنكم الآن تبدؤون حياة جديدة ".
وستعمل جمعية اليهود قبل المغادرة بفترة طويلة، وخلال المرحلة على إشاعة روح جادة، وذلك بواسطة الصلوات والمحاضرات والإرشادات عن الغرض من البعثة مع توجيهات صحية بشأن أمكنة الإقامة الجديدة وتوجيهات تخص العمل في المستقبل، ذلك لأن أرض الميعاد هي أرض العمل وعند وصول المهاجرين، سيجري الترحيب بهم من قبل كبار موظفينا واستقبالهم بالوقار الذي تقتضيه المناسبة، إنما بلا تهلل أخرق، فأرض الميعاد لم يتم فتحها بعد، على أن من الضروري أن يشعر هؤلاء الفقراء حالاً بالارتياح وكأنهم في بيوتهم.
ويجب في حقيقة الأمر تشجيع روحية الإقدام على تأسيس المشاريع بكل وسيلة ممكنة، سيجري ترويج التنظيم للصناعات وذلك عن طريق نظام حكيم للواجبات، واستخدام المواد الرخيصة وتأسيس هيئة لجميع الإحصاءات الصناعية ونشرها.
ويتحتم تدريس عمال الميكانيك المستغلين وأصحاب العمل الصغار تدريساً حسناً بالنظر إلى التقدم السريع في العلوم، وعليهم أن يتزودوا بالمعرفة الفنية وإن تجاوزوا سن الشباب فيدرسوا مثلاً مصادر الماء ويقدروا قوة الكهرباء.
ثالثاً : طرق خاصة بجمع رؤوس الأموال :
سبق وأن قدرنا في هذا الكتيب مقدار رأس المال المطلوب لتأسيس الشركة، وهو على أي حال سيكون مبلغاً ضخماً للغاية.
هناك ثلاث طرق لجمع هذا المبلغ وستأخذها الجمعية بالاعتبار، وهذه الجمعية ستتألف من، أفاضل اليهود وأخيارهم الذين عليهم ألا يجنوا أي منفعة مادية من عضويتهم فيها.
ومع أن الجمعية لا تستطيع في البداية سوى أن تتحلى بسلطة معنوية غير أن هذه السلطة ستكون كافية لتثبيت الثقة بالشركة اليهودية في أعين الأمة.
لذا فإن تأليف الشركة لن يكون لمن هب ودب من رجال المال، ذلك أن الجمعية هي التي ستختار المؤسسين وتقررهم بعد التدقيق الشديد، وهي لن تصادق على أحد منهم إلا إذا توفر فيه صدق النية في تنفيذ المخطط.
والجمعية لن تسمح بإجراء تجارب بوسائل غير وافية بالغرض، فهذه المهمة يجب أن تنجح في المحاولة الأولى. أي فشل في البداية سيعرض الفكرة برمتها للشبهه أو الفضيحة على مدى عقود قادمة، لا بل قد يجعل من تحقيقها مستحيلاً استحالة دائمة.
وأما الطرق الثلاث لجمع رأس المال فهي1 :
1- من خلال البنوك الكبيرة.
2- من خلال بنوك صغيرة وبنوك خاصة.
3- من خلال الاكتتاب العام.
إن رصيد رجال المال اليهود العظام ينبغي أن يوضع في خدمة الفكرة القومية، أما إذا شعر هؤلاء الكرام الذين هم قانعون كل القناعة بما لديهم بالنفور من القيام بأي شيء لإخوانهم اليهود الذين تلقى على عاتقهم ظلماً مسؤولية ما لدى أفراد بعينهم من ممتلكات واسعة، فإن تحقيق هذه الخطة سيتيح الفرصة لرسم خط فاصل بينهم وبين اليهود الآخرين.
إن العوز الاقتصادي والضغط السياسي والخزي الاجتماعي قد ساقنا أصلاً بعيداً عن ديارنا وبعيداً عن قيودنا، ونحن اليهود نتنقل باستمرار حتى في الوقت الحاضر من مكان إلى مكان فأين سيكون حضورنا مرغوباً فيه طالما كنا أمة مشردة 1؟
سيكون مهيناً للأذكياء إرشادهم بشأن كل ما عليهم أن يفعلوه، إن كل فرد يربط نفسه بالفكرة القومية سيعرف كيف ينشرها وكيف يجعلها شيئاً واقعياً في دائرة نفوذه.
إن المجتمع بدعم من الجماعات المحلية سيولي الاهتمام الأكبر للتثقيف الشعبي في هذا المجال، وسيخلق هذا المجتمع تربة خصبة لطاقات عديدة تهدر الآن دون أن ينتفع بها أحد : ومن وجهة أخرى لن نحيل الشيوخ إلى دار العجزة، فدار العجزة هي أقصى أنواع الإحسان التي اخترعتها طيبتنا السخيفة، إن شيوخنا يموتون هناك عاراً وخزياً، إنهم هناك مدفونون أصلاً لكننا سنتيح حتى للأغنياء منهم الوهم المريح لتخيل منفعتهم في العالم، سنتعهد لغير القادرين على العمل البدني مهمات سهلة، إذ يجب أن نسحب حساباً لتدهور الحيوية لدى الفقراء الذين هم من جيل موهن أصلاً، أما أجيال المستقبل فسيجري التعامل معها بشكل مختلف وستنشأ بأحضان الحرية من أجل حياة الحرية وإعداداً لها.
إننا سنسعى حثيثاً لكي نهب الخلاص المعنوي الكامل في العمل للجميع من الأعمار كلها، والطبقات كافة، وهكذا سيعثر شعبنا على قوته من جديد في أرض العمل التي يومها سبع ساعات.
إن المبدأ الذي ستسير عليه إدارتنا هو مبدأ المركزية الصارمة، أما الذي تسير عليه الجماعات المحلية فهو الاستقلال الذاتي الكامل، بهذه الطريقة سيتم النقل بأقل عناء.
سنقيم بالأمكنة التي تنشط فيها التجارة وهي أمكنة سنكشفها بسهولة، لأننا نحن الذين نوجه التجارة أينما نشاء، أقول سنقوم ببناء قاعات كبيرة في هذه الأمكنة ونسميها أسواقاً.
صحيح أن الدولة اليهودية يجري تصورها كهيكل عصري بشكل فريد يقوم على أرض غير معلومة، لكن الدولة إنما تتشكل لا بقطع من الأرض بل بعدد من الرجال يتحدون في ظل حكم ذي سيادة.
وواقع الأمر أن مزيجاً من العناصر البشرية والعناصر الآلية يدخل في تكوين الدولة، أن أساساً قانونياً للدولة لا غني عنه لتفسير العلاقة الظالمة نوعاً ما التي تقوم أحياناً بين الحاكم والمحكوم.
تتأسس الدولة بكفاح الأمة، من أجل الوجود في مثل هذا الكفاح يكون من المستحيل الحصول على سلطة صحيحة مسبقاً، وبشكل يعتمد على الظروف، والواقع أن أي محاولة مسبقة للحصول على قرار اعتيادي من الأغلبية قد تقضي على المهمة في مهدها، ذلك أن الانقسامات الداخلية ستجعل الشعب بلا حول ولا طول أمام الأخطار الخارجية، إننا لا يمكن أن نكون جميعاً من رأي واحد، لذا فإن المدير سيتولى القيادة بنفسه ويمضي قدماً إلى الأمام.
رابعاً : كيف يؤثر هذا كله في حالتنا :
إن الشعب اليهودي في هذا الوقت الحاضر يمنع من تصريف شؤونه السياسية ذاتها بحكم وجوده في الشتات، وهو إلى جانب هذا في حالة من الأسى العظيم في العديد من أنحاء العالم، إنه يحتاج بالدرجة الأولى إلى مدير. والمدير لا يمكن بالطبع أن يكون فرداً واحداً، فهذا الفرد إما أن يجعل من نفسه أضحوكة أو مدعاة للازدراء لأنه سيبدو وكأنه يعمل من أجل مصالحه الخاصة، لذا يجب أن يكون مدير اليهود هيئة مشتركة، وهذه هي جمعية اليهود*.
إن جمعية اليهود هي نقطة الانطلاق للحركة اليهودية برمتها التي هي على وشك البدء بالعمل.
سيكون للجمعية مهمات علمية وسياسية، ذلك أن تأسيس دولة يهودية يفترض مسبقاً تطبيق طرق علمية، إننا لا نستطيع الرحيل عن مصر اليوم بالطريقة البدائية التي كانت في الأزمان الخالية، إننا سنحصل مقدماً على أرقام دقيقة عند أعدادنا وقوتنا، إن مهمة المدير العظيم والقديم لليهود في الأيام البدائية له من العلاقة بأيامنا ما يشبه علاقة النغمة الجميلة بأوبرا عصرية.
ستقوم جمعية اليهود بجمع التصريحات التي يدلي بها الساسة وكذلك التي تصدر من البرلمانات والجاليات اليهودية والجمعيات، سواء وردت على لسان الخطباء في الاجتماعات أو كتب في الجرائد، وغيرها من المطبوعات.
وهكذا ستكشف الجمعية للمرة الأولى، هل يرغب اليهود حقاً بالذهاب إلى أرض الميعاد، وهل يجب عليهم الذهاب إلى هناك؟.
أما المهمات الأخرى مثل قيام الخبراء باستقصاء أموال القطر الجديد وموارده الطبيعية، ووضع تخطيط موحد للهجرة والاستيطان وإجراء العمل التمهيدي للتشريع والإدارة وغير ذلك، فهي كلها يجب أن تنبع بشكل عقلاني من المخطط الأصلي.
وستحاول الجمعية على الصعيد الخارجي أن يعترف بها كجهة ذات سلطة لتشكيل دولة. إن القبول الحر للعديد من اليهود سيضفي على هذه الجهة الصلاحية المطلوبة في علاقاتهم مع الحكومات.
أما على الصعيد الداخلي، أي علاقات الجمعية مع الشعب اليهودي فالجمعية ستؤسس أولاً المؤسسات التي لا غنى عنها كلها، وستكون هذه هي النواة التي تتطور منها فيما بعد المؤسسات العامة للدولة اليهودية.
سيكون أمام هؤلاء ثلاث مهمات عليهم تنفيذها* :
1- إجراء تحقيق علمي دقيق على المصادر الطبيعية كلها في القطر.
2- تنظيم إدارة مركزية حازمة.
3- توزيع الأراضي.
وهذه المهمات يتداخل بعضها مع بعض وستنفذ كلها وفقاً للغرض المعروف الآن. إن كل شي سيشكل نفسه بنفسه بشكل طبيعي، وستصان الحقوق المكتسبة وسيتاح لأعمال التطوير جميعاً أن تأخذ مداها، سيجري اطلاع شعبنا على هذه الأمور برمتها اطلاعاً تاماً ، ولن نأخذ الآخرين على حين غرة مثلما لا نريد أن نخدع أنفسنا. كما يجب استخدام المخترعات القيمة الحالية منها أو التي ستظهر في المستقبل.
وبهذه الوسائل يكون من الممكن احتلال قطر ما، وإنشاء دولة بطريقة لم يعرفها التاريخ بعد، مع إمكانيات للنجاح لم تحصل قط في السابق.
خامساً : الـدستــور
من أهم اللجان التي يترتب على الجمعية تعيينها لجنة الفقهاء لكي تضع خير دستور عصري.
إن الديمقراطية من دون وجود سلطة ذات سيادة توازيها وتوازنها توازناً نافعاً تكون متطرفة في التأييد وفي الإدانة، وتنحوا إلى المناقشات العقيمة في البرلمان، تفرز طبقة غير مرغوب فيها من السياسيين المحترفين والأهم كذلك هي في واقع الأمر غير صالحة لديمقراطية غير محددة في الوقت الحاضر وستكون أقل صلاحاً لها أكثر فأكثر في المستقبل. ذلك إن الديمقراطية الخالصة تفترض مسبقاً شيوع الأعراف البسيطة شيوعاً سائداً. إنني أرى كذلك أن تسوية القضايا بالاستفتاء إجراء غير صالح لعدم وجود أسئلة سياسية بسيطة يمكن الإجابة عنها بنعم أو لا.
والجماهير كذلك هي أكثر نزوعاً حتى من البرلمان إلى السير وراء الهرطقة من دون تفكير، وتستطيع اللغة المنمقة القومية أن تغير آراءها. إن من المستحيل صياغة سياسة حكيمة، داخلية كانت أو خارجية، في مجلس شعبي.
يجب أن تأخذ السياسة شكلها في الشرائح العليا وتأخذ طريقها نزولاً إلى الشرائح الأدنى، لكن ما من أحد في دولة اليهود، سيكون مغلوباً على أمره وسيتمكن كل فرد من أفرادها أن يرتقي فيها إلى الأعلى وسيرغب في ذلك.
وهكذا سيمر الاتجاه العظيم نحو الأعلى من خلال شعبنا بمحاولة كل فرد من الأفراد أن يرتقي بنفسه يجري الارتقاء كذلك بمجموع المواطنين برمته، إن الارتقاء إلى الأعلى سيتخذ شكلاً أخلاقياً هو شكل نافع للدولة ومفيد للفكرة القومية.
إننا سنتعلم من أخطاء غيرنا التاريخية بالطريقة ذاتها التي نتعلم بواسطتها من أخطائنا، ذلك إننا أمة عصرية، ونرجو أن نكون الأمة الأكثر حداثة في العالم.
إن شعبنا الذي يتسلم القطر الجديد من الجمعية، سيكون شاكراً أيضاً للقبول التام بالدستور الجديد الذي ستقدمه إليه.
إن الجمعية لا يسعدها أن تسمح بعرقلة ممارستها لوظائفها من قبل أفراد قصيري النظر أو طائشين.
سادساً: الحكومة الدينية الثيوقراطية :
هل سينتهي الأمر بنا إلى حكومة دينية ؟ كلا إن الإيمان يوحدنا والمعرفة تمنحنا الحرية، لذلك فإننا سنحول دون ظهور اتجاهات ثيوقراطية من طرف كهنتنا، فسنبقي على هؤلاء ضمن حدود المعابد، كما سنبقي على جيشنا المحترف ضمن حدود الثكنات، إن الجيش والكهنوت سيكونان موضع التكريم الرفيع الذي تستحقه وظائفها القيمة. لكن عليها عدم التدخل في إدارة الدولة التي تنعم عليها بالامتيازات، وإلا فسيصطنعان المشاكل في الداخل والخارج.
سيكون كل فرد حراً في إيمانه أو معتقده، كما هو حر في جنسيته لا يقلقه في ذلك أحد، لقد تعلمنا التسامح من أوروبا.
سابعاً: القــوانين:
عندما تقترب فكرة إنشاء دولة من التحقيق تقوم جمعية اليهود بتعيين مجلس فقهاء ليتولى الأعداد للتشريع عليهم أن يحاولوا توحيد هذه القوانين المختلفة لوضع نظام عصري للتشريع يستند إلى أفضل ما ورد في الأنظمة السابقة. إن كلمة " مستحيل لم تعد موجودة في قاموس العلوم" إن آلاف العقول منشغلة بالبحوث في كل بقعة من بقاع الكرة الأرضية وما يكتشفه أحدهم، في اللحظة التالية يصبح ملكاً للعالم بأسره، إننا نحن أنفسنا سنستعمل كل محاولة جديدة في أرضنا اليهودية ونسير بها قدماً، فإننا سنمضي قدماً في كل شيء آخر بالروح الإنسانية ذاتها لنجعل الأرض الجديدة أرض تجارب ودولة نموذجية.
إن اليهود ليسوا الشعب الوحيد في العالم الذي يعاني محنة، وجوابي على هذا أنه يجدر فينا أن نبدأ بالتخفيف بعض الشيء من هذا الشقاء ولو أنه تخفيف لن يكون في البداية سوى التخفيف من شقائنا.
لكن اليهود عند استقرارهم في دولتهم لن يكون لهم مزيد من الأعداء، وبما أن الرخاء يوهنهم ويقلل من شأنهم فسرعان ما سيختفي الأعداء كلياً.
إن الاضطهاد لم يعد خبيثاً بالدرجة التي كان عليها في العصور الوسطى. لكن حساسيتنا قد تزايدت، لذا فإننا لا نشعر أن شقاءنا قد تضاءل، إن الاضطهاد الطويل قد وتر أعصابنا كثيراً. ص.
وهل سيقول الناس أن مشروعنا خائب، فحتى لو حصلنا على الأرض مع السيادة عليها فلن يذهب معنا إلا الفقراء ؟ إن الذين نحتاج إليهم في البداية هم الفقراء المدقعين، فالمستميتون اليائسون وحدهم هم خير الفاتحين.
إن الفقراء والبسطاء وحدهم، الذين لا يعرفون القوة التي يمارسها الإنسان على قوى الطبيعة، هم الذين سيؤمنون إيماناً راسخاً بالرسالة الجديدة، فهؤلاء لم يفقدوا أملهم في أرض الميعاد.
ها هو الأمر، يا إخواني اليهود ! لا هو بالخديعة ! ولكن أرى أن يختبر حقيقة الأمر بنفسه، وذلك أن كل فرد سيحمل معه إلى هنالك قطعة من أرض الميعاد، هذا يحملها في رأسه، ذلك بين ذراعيه، وثالث بممتلكاته المكتسبة.
لكن علينا أولاً تنوير عقول الناس، ويجب أن نشق الفكرة طرفيها إلى أقصى حجر تعيس يقطنه أهلنا .
إنهم سيفيقون من سهومهم الكئيب، إذ سيكون لحياتهم مغزى جديد، وما على المرء إلا أن يفكر بنفسه فقط، ومن ثم ستتخذ الحركة إيعاداً واسعة، ويا له من مجد ينتظر أولئك الذين يقاتلون من أجل القضية من دون أنانية ! .
إننا أخيراً سنحيا أحراراً على ترابنا، ونموت بسلام في بيوتنا .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو تشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة وحدة وطنية
- ما هي المعرفة ، وما هو دور الممارسة في عملية المعرفة وأساسها ...
- وجهة نظر وموقف حامل لدعوة عاجلة لعقد مؤتمر وطني
- اليهود ليسوا شعبا وليسوا أمة
- عام 2024 كان عاما حاملا لكل أشكال القتل والارهاب والموت ودمو ...
- اسباب عجز الفكر العربي المعاصر عن التطور الفلسفي وسبل النهوض ...
- خاطرة عن أحزاب وفصائل اليسار في بلداننا
- الفلسفة الأوروبية في العصور الوسطى، وحديث عن الفيلسوف الإيطا ...
- الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها ...
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ...
- أزمة أحزاب وفصائل اليسار الماركسي العربي وتعددها وسبل الخروج ...
- عن أهمية الوعي العميق بالنظرية وبكل جوانب الواقع المعاش كشرط ...
- حديث صريح عن البورجوازية الرثة في مجتمعات الوطن العربي
- أحمد بهاء الدين شعبان :هكذا تحدّث الرفيق -غازي الصوراني-تشري ...
- آثار ومخاطر سياسة ترامب في ولايته الثانية على الوضع العربي و ...
- المجلد التاسع عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2022
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2020
- 107سنوات على وعد بلفور بين نوفمبر 1917و نوفمبر 2024.........
- المجلد السادس عشر - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2015 و 2 ...


المزيد.....




- مصر.. محمد سامي يعلن توديع الدراما بعد -نجاحات وأزمات- والكث ...
- نائب جمهوري تواجه صيحات استهجان من حشد محبط في قاعة بأمريكا. ...
- وزارة دفاع كوريا الجنوبية: طائرة حربية روسية دخلت منطقة دفاع ...
- من هي حركة أنصار الله الحوثية في اليمن؟
- -فرسان المتوسط- يوحّدون الليبيين ويتطلعون لإنجاز تاريخي
- مساعد بوتين يعلن موعد مباحثات الرياض مع واشنطن ويكشف أسماء أ ...
- زاخاروفا: نأمل أن تكون واشنطن استمعت لموقف موسكو حول ضرورة إ ...
- الداخلية السورية تعلن القبض على قائد عسكري كبير من عهد الأسد ...
- -أ.ف.ب.-: لبنان مستعد لتسليم أكثر من 700 سجين سوري لدمشق
- بوتين يصدر مرسوما بشأن الأوكرانيين المتواجدين في روسيا


المزيد.....

- تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل / غازي الصوراني
- حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية / فتحي كليب و محمود خلف
- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل