أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سلمان النقاش - النزاهة والفساد في عصر الذكاء














المزيد.....


النزاهة والفساد في عصر الذكاء


سلمان النقاش

الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 21:22
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


لطالما كانت النزاهة محورا إشكاليا في منظومة القيم الإنسانية، فهل تعد النزاهة خيارا فرديا أم نتاج بنية سلطوية تفرض محدداتها على الجميع؟ فهي ليست مجرد قيمة أخلاقية مجردة، بل معادلة تتشكل داخل بنية السلطة ذاتها، حيث يصبح الفساد أكثر قدرة على التجدد والاستمرار.
مع تطور المجتمعات، لم يكن الالتزام بالنزاهة مسألة أخلاقية بحتة، بل كان محكوما بالبيئة التي تُنتج القيم وتعيد تشكيلها وفقا لمصالح القوى الفاعلة، لقد كان الفساد في كل الأزمنة أكثر قدرة على الاستمرار مقارنة بالنزاهة، ليس لأنه أقوى بطبيعته، بل لأن بنيته تتجدد باستمرار، بينما النزاهة تظل دائما فعلا مقاوما في مواجهة منظومة تحاول امتصاصها وإعادة تعريفها لصالحها.
عبر التاريخ، ارتبط الفساد بنظام القوة لا بوصفه ظاهرة طارئة، بل كحالة بنيوية تتحكم في توزيع الموارد والامتيازات، حين كان الإنسان يبحث عن العدل كضرورة، كان ينتهي دائما إلى خلق أنظمة غير عادلة، فهل تكمن المشكلة في الأفراد، أم في البنية التي تجعل الفساد هو القاعدة والنزاهة استثناء؟ لم يكن غياب القيم هو العائق أمام تحقيق العدالة، بل في قدرة السلطة على إعادة تعريف العدالة وفقا لحاجاتها، ففي المجتمعات التقليدية ، ارتبطت النزاهة بالدين والأخلاق، لكنها اليوم أصبحت جزءا من معادلة أكثر تعقيدا، تتداخل فيها السياسة، الاقتصاد، والتكنولوجيا، حتى حين يتم تشريع قوانين لمحاربة الفساد، نجد أن المتحكمين بهذه القوانين هم أنفسهم جزء من المشكلة، إذ يُعاد تعريف الشفافية وسائر صور النزاهة مثل الإصلاح والحوكمة إلى أدواتٍ لإدارة الأزمات لا لحلّها، ما يجعل النزاهة أداة للضبط بدلا من أن تكون قيمة جوهرية للتحوّل الحقيقي.
ومع توسّع نطاق اشتغال الذكاء الاصطناعي، أصبحت الرهانات عليه تتزايد بوصفه بديلا موضوعيا لتحقيق النزاهة، لأنه لا يمتلك مصالح شخصية أو تحيزات، ولكن هل يمكن حقا الاعتماد على الأنظمة الرقمية لتحقيق العدالة؟ يبدو ان الذكاء الاصطناعي قادر على إدارة الموارد بكفاءة دون محاباة، وتحليل الفساد بشكل موضوعي دون تدخل العواطف، وخلق أنظمة أكثر شفافية، لكن هذه الرؤية تتجاهل أن الذكاء الاصطناعي ليس منفصلا عن السلطة، فهو يُصمَّم وفق معايير يحددها صانعوه، الذين ينتمون إلى أنظمة اجتماعية وسياسية لها أهدافها وتوجهاتها، وإذا كانت الحكومات تتحكم اليوم بالقوانين، فمن يضمن أنها لن تتحكم غدا في الخوارزميات التي تدير حياتنا؟
لقد تطورت وسائل الرقابة لتصبح أكثر تعقيدا، فلم تعد السلطة تعتمد على الشرطة والمحاكم، بل باتت تستخدم أنظمة غير مرئية تتحكم في تدفق المعلومات، تمنح الامتيازات لمن تريد، وتحجب الحقيقة عمن لا يناسبها، وهنا قد يتبدد الوهم بأن التكنولوجيا ستجلب النزاهة لمجرد أنها غير بشرية، لأن المشكلة لم تكن في البشر فقط، بل في المنظومات التي تعيد إنتاج الفساد وفق أدواتها المتاحة، سواء كانت قوانين أو خوارزميات، إن السلطة لا تزول بل تتحوّل، وإذا كان الفساد قديما يتمثل في استغلال النفوذ المباشر، فإنه اليوم يتخذ أشكالا جديدة، أكثر تعقيدا وأقل وضوحا، مما يجعل مكافحته أكثر صعوبة.
الصراع لم يعد على الموارد الأساسية كما كان في الماضي، بل على الامتيازات، لم يعد العالم يعاني من نقص في الغذاء، لكنه يعاني من توزيع غير متكافئ له، فتحول الصراع من تأمين الاحتياجات الأساسية إلى تحديد من يحصل على الأفضل، فبيض المائدة على سبيل المثال الذي لم يكن متاحا في الماضي إلا وفقا لدورة الطبيعة، ينتج اليوم بكميات مهولة بسبب الصناعة المكثفة، ورغم ذلك لا تزال هناك فجوة بين من يستهلك "بيض المزرعة العضوي" ومن يكتفي بالمنتج التجاري العادي، هذه الفجوة تعكس وبدقة الصراع في عالم اليوم، فلم يعد السؤال من يملك الطعام، بل من يملك النوعية الأعلى، التعليم الأفضل، والرعاية الصحية الأرقى.
إن التكنولوجيا لم تُلغِ الفساد، بل جعلته أكثر تعقيدا، ولكن هل يمكن أن يُعاد تشكيل السلطة ذاتها من خلال التكنولوجيا؟ إذا كان الفساد اليوم يعتمد على التحكم في البيانات والمعلومات، فهل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي في المستقبل أداة لإعادة توزيع السلطة بطرق جديدة؟ إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرا على تحليل أنماط الفساد والتنبؤ به، فهل يمكن استخدامه لمنع الفساد قبل حدوثه؟ أم أن القوة ستظل محتكرة لدى الفئات القادرة على برمجة هذه الأنظمة وتوجيهها لمصالحها الخاصة؟
التاريخ يعلمنا أن كل تحول تكنولوجي لا يلغي الفساد بل يعيد تشكيله، عندما اخترع البشر أنظمة المحاسبة المالية، قيل إنها ستحقق نزاهة مطلقة، لكنها أوجدت أشكالا جديدة من التلاعب، عندما ظهرت الديمقراطيات الحديثة، قيل إنها ستقضي على الفساد، لكنها أنتجت أنماطا أكثر تعقيدا من الفساد السياسي المقنن، اليوم، يقال إن الذكاء الاصطناعي سيحقق الشفافية، لكن الواقع يشير إلى أنه قد يعيد إنتاج الاحتكارات بطرق أكثر دقة، حيث تتحكم به شركات وتقنيات لا تخضع لأي مساءلة شعبية.
مع دخول العالم عصر الذكاء الاصطناعي، فإن السؤال لم يعد فقط عن كيفية مكافحة الفساد، بل عن كيفية ضمان أن تكون السلطة القادمة أكثر عدلا من سابقتها، إن المستقبل قد يكون أكثر شفافية، لكنه لن يكون أقل تعقيدا، لأن النزاهة لم تعد مسألة أخلاق، بل خوارزمية تُبرمج لتحديد من يستحق العدالة ومن يُستثنى منها. وبينما نحاول فهم كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل القيم، فإن الحقيقة الثابتة هي أن السلطة ستجد دائما طرقا جديدة لإعادة هندسة النزاهة وفقا لمصالحها، فهل يمكن أن يتجاوز الإنسان هذه المعادلة يوما ما، أم أن النزاهة ستظل دوما في صراعٍ مع آليات القوة؟



#سلمان_النقاش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأعتذار فعل نضالي
- الديمقراطية .. الحكومة .. الفساد
- الطائفية الوجه السياسي للدين
- ديمقراطية ..ام مجتمع مدني
- الواقعية الديمقراطية
- صباح النزاهة
- الماكنة الديمقراطية
- ازمة حكم لا ازمة حكومة
- عقدة الاشتباك السياسي الحتمية
- المحاولة الاخيرة
- البحث عن ثورة
- حتمية البناء الديمقراطي
- احمد عبد الحسين
- الكفاءة ...الضرورة والادعاء
- الواقعية السياسية
- وطنية الصائح المفرطة
- الربع المعطل
- شعار الجنس
- المستنصرية : مواجهة جديدة
- الطريق الى المصالحة


المزيد.....




- -ياما نفسي قلك-.. إيمي سمير غانم تعبر عن تأثرها بأغنية شقيقت ...
- تحقيق لـCNN يكشف عن توسع استيطاني غير مسبوق في الضفة الغربية ...
- تدعمهم رواندا.. متمردون يتقدمون نحو بلدة غنية بالمعادن شرق ا ...
- بنعبد الله يستقبل وفدا من الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة. ...
- أسباب تجعل السعادة مهمة للحفاظ وتكريس الديمقراطية
- لأول مرة .. انخفاض طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي بنسبة 13 ...
- كيرستي كوفنتري: أول سيدة تتولى رئاسة اللجنة الأولمبية الدولي ...
- -سي إن إن-: إسرائيل ضالعة في استهداف مبنى أممي بغزة
- انتقال سفارة المملكة العربية السعودية لدى روسيا الاتحادية إل ...
- زيلينسكي يطلب من الاتحاد الأوروبي خمسة مليارات يورو إضافية


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - سلمان النقاش - النزاهة والفساد في عصر الذكاء