تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي

أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 07:44
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    

منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عام 2016، تبنى نهجًا اقتصاديًا حمائيًا تحت شعار “أمريكا أولًا”، مما دفعه إلى فرض رسوم جمركية على عدد من الدول، بما في ذلك حلفاء واشنطن التقليديين، مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك. لكن أوروبا لم تبقَ صامتة، بل ردت بفرض رسوم جمركية انتقامية استهدفت ولايات أمريكية دعمت ترامب في الانتخابات، مما أدى إلى خسائر تقدر بـ 26 مليار دولار للاقتصاد الأمريكي.

يقول جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك:

“نحن لا نريد التصعيد، ولكن إذا اختارت الولايات المتحدة لعب لعبة التعريفات، فنحن مستعدون للرد بقوة وبدقة.”

فكيف أثرت هذه الحرب التجارية على الاقتصاد الأمريكي؟ وهل استفادت الصين من هذا الصراع؟

⸻

الرسوم الانتقامية الأوروبية وتأثيرها على الولايات الداعمة لترامب

عندما فرضت إدارة ترامب رسومًا على الصلب والألمنيوم الأوروبي عام 2018، رد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على سلع أمريكية مختارة بعناية، بحيث تضرب الاقتصاد في الولايات التي دعمته انتخابيًا. ومن أبرز هذه الإجراءات:

1. فول الصويا من لويزيانا وأيوا
• تعد ولايات مثل لويزيانا وأيوا من أكبر مصدري فول الصويا، وهو منتج تعتمد عليه أوروبا والصين بشكل كبير. فرض الاتحاد الأوروبي رسومًا إضافية عليه، مما دفع المشترين الأوروبيين للاتجاه نحو البرازيل والأرجنتين كمصدرين بديلين.
• بحسب تقرير وزارة الزراعة الأمريكية، انخفضت صادرات فول الصويا إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 40% في غضون عام واحد بعد فرض الرسوم.
• السيناتور الجمهوري تشاك غراسلي من ولاية أيوا صرح قائلاً:
“المزارعون الأمريكيون ضحايا غير مباشرين لحرب تجارية لا دخل لهم فيها. نحن بحاجة إلى حلول، وليس عقوبات متبادلة.”

2. دراجات هارلي ديفيدسون من ويسكونسن
• فرض الاتحاد الأوروبي رسومًا بنسبة 31% على دراجات هارلي ديفيدسون، مما أدى إلى انخفاض الطلب الأوروبي عليها.
• الشركة أعلنت في 2019 نقل جزء من إنتاجها إلى تايلاند لتجنب التعريفات الجمركية، مما أثر على فرص العمل في ويسكونسن، وهي ولاية حاسمة في الانتخابات.
• ردًا على ذلك، قال الرئيس التنفيذي لهارلي ديفيدسون، مات ليفاتيتش:
“لقد أُجبرنا على نقل بعض عمليات الإنتاج إلى الخارج لحماية موظفينا وعلامتنا التجارية. لم نكن نرغب في ذلك، ولكن السياسة الجمركية جعلتنا نتخذ هذا القرار.”

3. الويسكي من كنتاكي
• فرض الاتحاد الأوروبي رسومًا بنسبة 25% على صادرات الويسكي الأمريكي، خاصة من ولاية كنتاكي، مما أدى إلى تراجع الصادرات بنسبة 21% خلال عام واحد.
• قال إريك جريجوري، رئيس اتحاد منتجي المشروبات في كنتاكي:
“هذه الرسوم ليست مجرد أرقام، إنها تهدد وظائف المئات من الأمريكيين وتقلل من قدرتنا التنافسية عالميًا.”

⸻

الانعكاسات الاقتصادية على الولايات المتحدة

هذه الرسوم الانتقامية لم تكن مجرد ضربة سياسية، بل أثرت بشكل مباشر على الاقتصاد الأمريكي:
1. زيادة العجز التجاري
• رغم سياسات ترامب الحمائية، ارتفع العجز التجاري للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي ليصل إلى 170 مليار دولار في 2019.
• صرح لورانس سمرز، وزير الخزانة الأسبق، قائلًا:
“لا يمكنك الفوز في حرب تجارية عندما تكون اقتصادك قائمًا على الاستيراد والتصدير. ما فعله ترامب كان مقامرة غير محسوبة.”
2. ضغط على المزارعين والصناعات المحلية
• تضرر قطاع الزراعة الأمريكي بشدة، ما دفع الحكومة الفيدرالية إلى تخصيص 28 مليار دولار لتعويض المزارعين، وهو إجراء غير مستدام على المدى الطويل.
3. تراجع الاستثمارات الأجنبية
• بسبب الحرب التجارية، تراجعت الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة بنسبة 12% بين 2018 و2020، ما أثر على قطاعات مثل السيارات والتكنولوجيا.

⸻

هل استفادت الصين من هذا الصراع؟

في خضم هذه الحرب التجارية، برزت الصين كأكبر المستفيدين:
1. تحول التجارة نحو الصين
• أوروبا ودول أخرى بدأت تعتمد على المنتجات الصينية كبديل عن السلع الأمريكية.
• يقول وانغ يي، وزير الخارجية الصيني:
“العالم لن ينتظر أمريكا لحل مشاكلها الداخلية، بل سيبحث عن بدائل اقتصادية أخرى.”
2. استغلال ضعف المفاوضات الأمريكية
• بينما انشغل ترامب بحروبه التجارية مع أوروبا، عززت الصين شراكاتها التجارية مع الاتحاد الأوروبي عبر اتفاقية “الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية” (RCEP).
3. التكنولوجيا والاستثمارات
• العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على شركات مثل “هواوي” لم تمنع الصين من تطوير تقنياتها، بل دفعتها للاعتماد على الذات، مما أدى إلى تقدمها في مجالات مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.

⸻

كيف يجب أن يتعامل العالم العربي مع هذه التغيرات؟

في ظل التوترات الاقتصادية العالمية، يجب على الدول العربية أن تتبنى استراتيجيات ذكية لحماية اقتصاداتها، ومنها:
1. تنويع الشراكات التجارية
• عدم الاعتماد الكامل على الولايات المتحدة أو أوروبا، بل تعزيز العلاقات مع الصين والهند وروسيا.
2. تطوير الإنتاج المحلي
• الاستثمار في الصناعة والزراعة لتقليل الاعتماد على الواردات.
3. استغلال الصراعات الاقتصادية لجذب الاستثمارات
• استقطاب الشركات الغربية الباحثة عن أسواق جديدة بديلة عن الصين أو أوروبا.

⸻

لقد أثبتت الحرب التجارية بين ترامب وأوروبا أن السلطوية الاقتصادية قد تأتي بنتائج عكسية. بينما استفادت الصين من هذه الفوضى، وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقف صعب، حيث عانت الشركات الأمريكية من تبعات العقوبات المتبادلة. بالنسبة للعالم العربي، فإن المرحلة القادمة تتطلب سياسات اقتصادية أكثر مرونة للاستفادة من التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية.

⸻

المصادر
1. وزارة التجارة الأمريكية – تقرير حول العجز التجاري لعام 2019.
2. الاتحاد الأوروبي – بيان رسمي حول الرسوم الانتقامية، 2018.
3. تقرير وزارة الزراعة الأمريكية حول تأثير الرسوم على صادرات فول الصويا.
4. مجلة The Financial Times – تحليل لتداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا.
5. The Wall Street Journal – تقارير عن التأثيرات الاقتصادية لحرب ترامب التجارية.

#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات