أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - الشهبي أحمد - الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية تلوح في الأفق














المزيد.....


الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية تلوح في الأفق


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8285 - 2025 / 3 / 18 - 06:44
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


الشرق الأوسط لم يكن يومًا ساحةً للصراعات العابرة، بل مختبرًا دائمًا لإعادة تشكيل موازين القوى. اليوم، ومع اشتعال التوترات من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، لم يعد السؤال المطروح: "هل تنفجر الحرب؟" بل "متى وأين ستبدأ شرارتها الأولى؟" في عالمٍ تُرسم حدوده بالنار والدم، تتحول التحالفات إلى متغيرات آنية، والخصومات إلى مشاريع صدام مؤجل. هل نشهد ولادة نظام إقليمي جديد، أم أننا أمام فصل آخر من الفوضى التي لا نهاية لها؟


تشقّق أرض الشرق الأوسط تحت وطأة تحولات جيوسياسية عميقة، تدفع المنطقة نحو حافة مواجهة إقليمية قد تُعيد رسم خريطة النفوذ والتحالفات، ليس بين دول المنطقة فحسب، بل وعلى مستوى المصالح الدولية المتشابكة. ما يحدث اليوم ليس مجرد تصعيد عابر في نقطة ساخنة هنا أو هناك، بل هو تحوّل استراتيجي يُنذر بانزياحات كبرى في موازين القوى، حيث تتداخل الصراعات المحلية مع حسابات دولية معقدة، وتُحوّل البؤر المتفرقة إلى ساحة اشتباك واسعة تمتد من البحر الأحمر إلى الخليج العربي.

في قلب هذا المشهد المتأجج، يبرز الملف اليمني كنموذجٍ لتحوّل الصراع من أزمة محلية إلى بؤرة دولية. فما كان يُصَنّف سابقًا ضمن صراعات الوكالة ذات الأبعاد الإقليمية المحدودة، تحوّل إلى اختبارٍ مباشرٍ للإرادات الدولية. الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة ضد الحوثيين، والتي خلّفت دمارًا واسعًا وخسائر بشرية، تكشف عن تحوّل جوهري في الرؤية الأمريكية: فالمجموعة الحوثية لم تعد "تمردًا محليًا" يمكن احتواؤه عبر وساطات خلف الكواليس، بل تحوّلت إلى تهديدٍ مباشرٍ للملاحة الدولية ولأمن واشنطن الاستراتيجي. الهجمات المتكررة على السفن في البحر الأحمر، والتي تُنفّذ بأسلحة متطورة، لم تكن لتصبح ممكنةً دون دعمٍ لوجستي واستخباري متقدم، ما يؤكد أن اليمن بات ساحةً لصراعٍ تتجاوز حدوده تداعياتُه الإقليمية إلى أبعادٍ عالمية.

هنا تطفو إيران كطرفٍ خفيٍّ في المعادلة، إذ تُظهر سياسةً تعتمد على التصعيد غير المباشر، مستفيدةً من أذرعها الإقليمية لفرض وقائع جديدة دون تحمُّل تبعات المواجهة المفتوحة. لكنّ خطورة اللعبة الإيرانية تكمن في أنها قد تدفع بالمنطقة إلى حربٍ لا تُريدها تمامًا، فاستهداف المصالح الأمريكية عبر الوكلاء يخلق حالةً من "الردع الهش"، حيث قد تفلت الأمور من عقالها بضربةٍ عسكريةٍ خاطئة أو قرارٍ متسرع. ومع أن طهران تحرص على إبقاء حبال التواصل ممدودةً عبر قنوات سرية، إلا أن تصعيد الحوثيين ضد أهدافٍ حيويةٍ يضعها في موقفٍ بالغ الحساسية: فإما أن تتراجع عن دعم وكلائها فتفقد مصداقيتها كحامٍ للمقاومة، أو تواصل اللعب بالنار وتُجبر على مواجهةٍ مباشرةٍ مع واشنطن، وهو سيناريو تُدرك عواقبه الكارثية على اقتصادها المنهك وهيكلها السياسي الهش.

لا تقتصر تداعيات هذا التصعيد على الجانب العسكري، بل تمتد إلى الاقتصاد العالمي الذي بدأ يشعر بارتجاجات الأزمة. فمن ناحية، قفزت أسعار النفط بشكلٍ لافتٍ مع تصاعد المخاوف من تعطيل إمدادات الطاقة، خاصةً مع تهديد ممرات الشحن الحيوية في البحر الأحمر، حيث اضطرت شركات ملاحية كبرى إلى تغيير مساراتها، مما يزيد تكاليف التجارة العالمية ويُغذي موجة تضخمية جديدة. ومن ناحية أخرى، تشهد الأسواق المالية في المنطقة توترًا غير مسبوق، إذ تتراجع الاستثمارات مع تنامي المخاوف من انزلاق المنطقة إلى حربٍ طويلة الأمد. هذه العوامل الاقتصادية ليست مجرد نتائج ثانوية للصراع، بل قد تتحول إلى وقودٍ يُغذّي دوامة التصعيد، فالحكومات التي تواجه أزمات معيشية قد تلجأ إلى خطابٍ عدائي لتحويل الانتباه عن فشلها الداخلي، أو قد تدفعها الضغوط الاقتصادية إلى مغامرات خارجية لتعويض الخسائر.

في خضمّ هذا المشهد، يبدو أن المنطقة تتجه نحو نموذجٍ جديدٍ من الحروب التي تتجاوز المواجهات التقليدية بين الجيوش النظامية، لتعتمد على حروب الوكالة والحصار الاقتصادي والحروب الهجينة التي تدمج بين الضغط العسكري والإعلامي والاجتماعي. فالقوى الإقليمية والدولية لم تعد تمتلك رفاهية خوض حروبٍ شاملةٍ مكلفة، لكنها في الوقت نفسه عاجزة عن احتواء الصراعات عبر الحلول الدبلوماسية التقليدية، خاصةً في ظل انهيار الثقة بين الأطراف وغياب راعٍ دولي قادر على فرض تسوية. التاريخ يشير إلى أن الدبلوماسية في الشرق الأوسط غالبًا ما تنجح فقط عندما تكون جميع الأطراف منهكةً من الحرب، لكن الوضع الراهن يُظهر أن كل طرفٍ ما زال يعتقد أنه قادر على تحقيق انتصارٍ جزئي يعيد توازن القوى لصالحه.

السؤال المحوري الآن: هل يمكن كسر هذه الحلقة المفرغة قبل فوات الأوان؟ الإجابة ليست بسيطة، فمن جهة، تدرك واشنطن أن انغماسها في حربٍ إقليميةٍ جديدة سيُشتت تركيزها في مواجهة التنافس الاستراتيجي مع الصين وروسيا. ومن جهة أخرى، تُدرك إيران أن أي مواجهة مفتوحة قد تُنهكها وتُعجل بسقوط نظامها تحت وطأة العقوبات والاضطرابات الداخلية. حتى الدول الإقليمية التي تتصارع على النفوذ، مثل السعودية وإسرائيل وتركيا، تدرك أن حربًا شاملة ستكون بمثابة انتحارٍ جماعي. لكنّ هذا الإدراك المشترك لم يترجم بعد إلى إرادة سياسية لخلق مسارات تفاوضية فعّالة، إذ ما تزال الحسابات قصيرة المدى تطغى على الرؤية الاستراتيجية.

في النهاية، قد تكون المنطقة أمام مفترق طرق: إما العودة إلى طاولة المفاوضات تحت ضغط التصعيد الميداني والاقتصادي، وإما الاستسلام لسيناريو الحرب الشاملة التي ستدفع الجميع ثمنها، بمن فيهم من يظنّ نفسه بعيدًا عن جحيمها. الشرق الأوسط، بتعقيداته التاريخية وثرواته المادية وصراعاته الهوياتية، لا يحتاج إلى مزيدٍ من الحروب ليثبت أنه بؤرة العالم الأكثر اشتعالًا، بل يحتاج إلى حكمةٍ نادرة تدرك أن النصر الحقيقي لا يكمن في إسقاط الخصم، بل في إنقاذ المنطقة من براثن الفوضى التي تهدد بابتلاع الجميع.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انحدار الذوق في البرامج التلفزية: بين الاستهلاك السطحي وإشكا ...
- عتمة قمم: بين حب مستحيل وواقع ثقافي متجذر- قراءة نقدية لرواي ...
- هل يعيد التاريخ نفسه؟
- أين اختفت النخب المثقفة؟
- حين يصير البيت عرضاً والكرامة سلعةً في سوق التيك توك
- -السلطة الرابعة في خطر: حين يتحوّل التنظيم الذاتي إلى فخّ لل ...
- التاريخ يصرخ.. لكن من يصغي؟
- -المؤمراة من صنعنا -


المزيد.....




- ترامب ينشر سجلات اغتيال كينيدي.. إليك ما يجب معرفته
- ما هو الاتفاق الذي تهدد فرنسا بإلغائه مع الجزائر؟
- اليمن: الحوثيون ينفذون هجوما رابعا على حاملة طائرات أمريكية ...
- محمود خليل الطالب الفلسطيني بجامعة كولومبيا: أنا سجين سياسي ...
- خلال إفطار رمضاني في مسجد باريس الكبير.. وزير الخارجية الفرن ...
- اجتماع ثلاثي بالدوحة بين قطر ورواندا والكونغو الديمقراطية
- ترامب: استمرار النزاع في أوكرانيا كان سيؤدي إلى الحرب العالم ...
- أنصار الله يعلنون عن استهداف جديد لحاملة الطائرات الأمريكية ...
- الولايات المتحدة تكشف عن المجموعة الأخيرة من الملفات السرية ...
- كانت -رائعة- وناقشنا عدة قضايا بمافيها الطريق نحو السلام.. ت ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - الشهبي أحمد - الشرق الأوسط على شفا حرب إقليمية: تصعيد وتغيرات استراتيجية تلوح في الأفق