مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 21:39
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
رواية "هكذا نجوت" بسّام جميل، تقع الرواية على متن 255 صفحة من القطع المتوسط، وهي من اصدارات الدار الأهلية للنشر والتوزيع فى العاصمة الأردنية عمان بطبعتها الاولى سنة 2018.
تتحدث الرواية عن الأسير المحرر خليل ضيف، وتداعيات الرواية التي كتبها خلال أسره، وفيها يستذكر فترة الاسر وعذاباتها ويستحضر كثيرا من مشاهد التعذيب في السجون الاسرائيلية..وينجح صاحبنا بنقل هذه الصورة الموجعة داخل السجون حتى ان القاريء يحتار بين ماهو خيالي وما هو حقيقي، وقد اسهم الكاتب في ايجاد هذه الحيرة تماشيا مع وقع النص واحداثه بما تمليه احداثه على المرء من غثيان ..
مع تقليب صفحات الرواية تتصاعد الاحداث الى ان تقع الرواية بين يدي صحفية [ساشا] إسرائيلية لتكتشف الشبه بين بطل الرواية وزوجها [روني] الطيار الإسرائيلى المفقود، لتبدأ رحلة البحث عن زوجها مرة أخرى من خلال تقربها من كاتب الرواية، والتحقيق معه بحجة تعاطفها مع الشعب الفلسطيني. فتزور البطل في زنزانته ويخوضون في مواضيع شتى، ثم يعرض عليها البطل ان تهرب نطفته في رحمها، وهنا يدور بينهم نقاش مستفيض حول الوطني والخائن وحول المسلم واليهودي حول الفلسطيني والاسرائيلي وحول نظرة المجتمع للمولود الجديد..
تبدا احداث الرواية بالجريان بدخول ساشا على خط الاحداث ص ٩٣ وصناعة الحبكة؛ فهذه ساشا زوجة روني المفقود تبحث عنه دون ان تفقد الامل. تصل اليها خبر رواية خليل الذي يكتبها في السجن عن عزلته وتعذيبه وعن اوجاع شعبه. يصل خبر كتابة الرواية لساشا خارج السجن بواسطة صديقها ايتسك والذي بدوره حصل عليها من صديق مقرب له يؤدي خدمته في للسجن حارسا وسجانا.
تدور الاحداث وتتشابك ويشوبها كثير من الضباب والتشويش ، لكن كعادته افلح الكاتب باعادة الامور الى نصابها ومن تمكيننا من الامساك بطرف الخيط لتتبع الاحداث وتقليب الصفحات بانتظار القادم من خلال الاسئلة التي تُثار... وهذا بالذات ما يتأكد لنا عند مطالعة ما جاء في الصفحة ١٧٣ حين سألت ساشا خليل :" من انت الان يا خليل؟
انا الاسير المحرر الذي يتخذ من ذلك الاسر ذريعة لتبرير ضياعه، انا الكاتب المخذول بقدراته، انا ابطال الروايه كلهم، انا الراوي الذي تعب من السرد، وانا الباحث مثلك عن شرارة عابرة في النص لتدلني الي. ما الذي تبحثين عنه في روايتي؟
ابحث عن حقيقة لا اريد ان ادركها، عن زوج مختف، عن اسباب موجعة لوجودنا نحن المغتصبون، عن صور مروعة لافعالنا، عن تبرير لخيانة الجسد، ابحث عن الهامك الحقيقي عن كاتب هذا الرسائل، ارغب باقفال هذه الدائره للابد.
وانا ايضا اريد اخفاء هذه الدائرة للابد.
وتتابع ساشا بقولها:"
ما من مناص من اتمام قراءة الرواية، كل لقاء لي مع خليل اهوي في متاهة اكثر، هل هو الكاتب الحقيقي للرسائل، هل هو صاحب المعطف الاخضر، واي قدر هذا الذي اوصل تلك الرسائل لي؟
روني يفي دائما بوعوده، هذا هو الشيء الوحيد الاكيد، لكن لا شيء يبقى اكيد امام الحقيقة الوحيدة الاكيدة، الموت.
هل ما ت روني؟ هل ما يدفعني لكل هذا البحث رغبتي بالتاكد من موته؟ ثمت تاكيدات باهتة لوجوده بالرسائل؛ من سوانا يعرف بامر النقاط الاربع، ومن سوانا يعرف بامر الورده الحمراء!"...
في الرواية القاريء بحاجة للتنبه كي لا تضيع خيوط الحكاية، فعلى القاريء ان يمسك بها جيدا؛ فالكاتب صاغ حبكته على رواية في داخل الرواية وهذا ما يفرض كثيرا من التداخل، ويحسب للكاتب انه تنبه مسبقا لمثل هذا التشويش الحاصل، لذا فهو حاول جاهدا ان يبقينا ضمن دائرة السرد وتنبيهنا احيانا بتجميع الاسئلة والامساك بزمام الامور عبر بتذكيرنا بالغاية من الاسئلة والحوارات التي خاضتها كثير من شخوص الرواية عبر صفحاتها، فنجده في ص ١٩٨ مثلا يجعلنا نمسك بزمام الامور برفقته فيقول عبر شخص ساشا راويه العليم:
"لا افهم شيئا لغاية الان، جرتني تلك الرسائل لقراءة سرد لا يعني لي شيئا، قال لي خليل لدى مقابلتي الاخيرة له ان ابطال روايته يتقاسمون ذات المنطقة الضبابية التي تلف ماضيهم، وسام الذي امتثل لرغبه ابيه لدراسة الطب وما زال لغاية الان يذهب الى تلك الكوابيس التي يرى فيها جثتا والديه القاتل والقتل والخمر بينهما، سمير الذي يبحث عن الحب دون ان يعترف بذلك، يعاشر اي امراه تسقط بين يديه او يسقطها عنوة، وعامر الضائع بين ماض لا يعرف عنه شيئا ورسائل صار يعرف عنها كل شيء دون ان يعرف المرسل او المرسل اليه.
اتابع القراءة دون ان افهم شيئا، ودون ان استطيع ربط الروايه بالابطال ولا ربط الابطال بخليل ولا السبب الذي دعاه ليزج برسائل الحب تلك في نص لا يشبه صاحبه ولا راويه، ما الذي اريده انا؟ ما الذي اريده من ملاحقتي لخليل وجره للحديث عن روايه هو ليس واحدا من كائناتها؟".
وكذلك الامر في ص ١٨٠ حيث يقول:"
تغلق ساش الرواية، تشعر بالارهاق والضياع، لم تجد من يدلها اليه في كل ما قرات اليوم ، من هو الراوي؟ هذا السؤال الذي يؤرقها بعد ان التقت بخليل عده مرات، ربما كان عليها الانتهاء من قراءة الرواية قبل ان تلتقيه، لكن الصوت الداخلي كان يزداد صراخا كلما قرات الرسائل، كان يدفعها للبحث عن كاتبها ومعاودة قراءتها، ليس روني هو كاتب هذا الرسائل حتما لكن كاتبها مقرب من روني او يعرف عنه الكثير مما لا يعرفه سواها.
خليل الاسير المحرر يبتعد عن فكرة الاسير بمفهومها الضيق ويتعدى ذلك للفكره العميقة له، كلنا اسرى نهاية الامر، ابطال الرواية بدءا من الراوي اسير الفكرة، مرورا بوسام اسير الظرف والموقف، سمير اسير الجسد، الكاهن اسير السؤال والزهد، وصولا للجارة الارملة اسيرة الصورة والشكل والتوفر، وانا اسيرة البحث والانتظار، اسرى غير معلنون.
وحده خليل من تنطبق عليه الفكرة دون افتراض، وحده الاسير الذي وقع عليه فعل الاسر وتحرر منه، ووحده من تؤمن اعترافاته وافكاره، لا لانها الاصح او الاكثر دقة بل لانها نفذت عوضا عن الافتراض.
روني اسير قوميته وعنجهيته قوام الدولة التي ينتمي اليها، المجبر على تنفيذ اسره دون اعتراض، المرتبك بين قناعته وهيمنه الافتراض لنقيضها، رون العاشق الذي زج بالمعركة.
فتحت الدرج الاخير من المكتبة حيث بعض الرسائل القديمة ما زالت هناك على حالها، نصحني الطبيب النفسي باحراقها او باخفائها حتى لا اعاود قراءتها الا انني لم اتمكن من احراقها جميعا واحتفظت ببعضها وانقذت بعضها من الاحتراق، بعد قراءه رسائل الرواية اشعر بشوق كبير لقراءة رسالة بخط روني، التقط اول رسالة وابدا بالقراءة:
ينتظر الجميع في الاسفل. علينا ان نحسم الامر قبل ان يباغتنا العدو.
على القيادة ان تتصرف الان يصرخ الضابط بوجه الجندي المسؤول عن الاتصالات ليرد الاخير بعدم تمكنه من التقاط اشارة واضحة.
لا يمكننا ان نبقى في المطار ولا يمكننا ان نبقى بلا حراك...."
بقي ان نشير الى ان الكاتب بسام جميل هو كاتب و قاص فلسطيني، مقيم حالياً في لبنان. يكتب وينشر في الدوريات العربي.
صدر له:
"عن دار أزمنة للنشر والتوزيع في عمان ٢٠١٣ مجموعة قصصية بعنوان دمشق واسمي".
عن دار فضاءات للتوزيع والنشر في عمان ٢٠١٤رواية بعنوان "سيرتي المتخيلة".
عن دار الأهلية للنشر والتوزيع في عمان ٢٠١٨ رواية بعنوان "هكذا نجوت".
يكتب ويهتم بالمسرح ولديه عدد من المسرحيات "تحت سماء قليلة" ، "نزف أمام مرٱة مهشمة", و "قوارب الموت" التي رشحت للائحة القصيرة في فعاليات سن دانس في المغرب ٢٠١٦.
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟