أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!














المزيد.....


حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 18:48
المحور: القضية الفلسطينية
    


رحلَ الفارسُ الهادئ، والسندُ الوفي، رحلَ من كانَ للكرمِ باباً، وللشجاعةِ عنواناً، وللشهامةِ رايةً لا تنكسر. لم يكن مجرد رجلٍ عابرٍ في هذه الحياة، بل كانَ قلباً نابضاً بالعطاء، وسنداً لكل من عرفه. عاش عمره متمسّكاً بالمروءة، حاملاً رايةَ الخير، ناشراً بين الناسِ قيمَ الأصالةِ والوفاءِ والإحسان. خسرتكَ عشيرة عرب السّمنيّة كما تخسرُ الأرضُ نبعَها، وكما يفقدُ البحرُ موجَهُ الوفي، وكما تحزنُ السماءُ حينَ يغيبُ بدرُها. كنتَ لها عماداً وسنداً، وكنتَ للحقولِ أنفاساً تُحييها، وللأرضِ قلباً يخفقُ بحبِّها. كنتَ لرجالها أخاً، ولنسائها ملاذاً آمناً، ولأطفالها أباً رحيماً، يفيضُ حبهم حينَ يذكرونَ اسمكَ، وتخشعُ العيونُ حينَ يتذكَّرونَ صوتَكَ ونصحَكَ.
محمود سعيد كندي (أبو سعيد)... عشتَ نبيلاً كما تعيشُ الأشجارُ العظيمة، تضربُ بجذورِها في الأعماق، تمنحُ بلا مِنّة، وتظلِّلُ من يلجأُ إليها، ثمَّ ترحلُ بصمت، لكنَّ عبيرَها يبقى خالداً في الأفق. كنتَ زيتونةً شامخةً لا تهزُّها الرياح، وزعتراً يملأُ الدروبَ عبقاً، وميرميةً تُطيِّبُ المجالسَ.

كنتَ شجرةَ ليمونٍ شامخةً، تعطي بلا حساب، وتزهرُ في كلِّ فصولِ العطاء. كنتَ رجلاً يصافحُ الأرضَ بيديهِ، يحرثُ الأملَ في حقولِها، ويروي ترابَها بعرقِهِ، لتبقى شاهدةً على جهدهِ، ويحملَ ثمرُها جزءاً من روحِهِ. كنتَ ترى في الزيتونِ صلابةَ الحياة، وفي الزعترِ عطرَ الذكرى، وفي الليمونِ حكاياتٍ لا تنتهي عن صبرِ الأوفياءِ.
ما زالت البيوتُ تحكي عن كرمِكَ، وما زالت الحقولُ تروي حكاياتِ شهامتِكَ، وما زالت الحاراتُ تحفظُ وقعَ خطاكَ. كنتَ رجلاً إن قالَ فعل، وإن وعدَ وفى، لم تُبدِّلكَ الأيام، ولم تُغيِّركَ الدنيا، بقيتَ كما كنتَ منذُ عرفتكَ الأرضُ، نقيّاً كالمطر، صافياً كالينبوع، كريماً كالغيمِ حينَ يُهدي الأرضَ ماءَهُ. كنتَ صوتَ الحقِّ في زمنِ التردُّد، ويدَ الخيرِ في زمنِ الشحِّ، وكنتَ رجلاً يرفعُ رايةَ النبلِ أينما حلَّ، لا يهابُ في قولِ الحقِّ لومةَ لائم، ولا يتردَّدُ في مساعدةِ محتاجٍ أو إكرامِ ضيف.
يا أبا سعيد، رحلتَ بصمت كما عشتَ بصمت، لكنَّ صداكَ في القلوبِ لا ينطفئ. كيفَ يغيبُ عن الدروبِ من كانَ نورَها في عتمتِها؟ وكيفَ يُنسى مَن كانت يداه تمتدّان لمساعدة المحتاج، وصوتُه درعاً للحقِّ؟ كيفَ يرحلُ من كانَ للناسِ أباً في حنانِهِ، وأخاً في شهامتِهِ، وصديقاً في وفائِهِ؟ رحلتَ، لكنَّ الدروبَ ما زالت تفتقدُ خطواتِكَ، والمجالسُ تفتقدُ حديثَكَ، والمنازلُ تفتقدُ ظلَّكَ، وكأنَّ غيابَكَ نزعَ من كلِّ ركنٍ دفئَهُ.
خسرتكَ عشيرة عرب السّمنيّة، لكنَّ ذكراكَ ستبقى، ما بقيَ في الأرضِ زيتونٌ، وما ظلَّ في الحقولِ زعترٌ وميرمية.

ستظلُّ حكاياتُكَ تترددُ بينَ الألسنِ، وسيرتُكَ الطيِّبةُ تسكنُ القلوبَ، وسيمتدُّ أثرُكَ في الأجيالِ، تماماً كما تمتدُّ جذورُ الزيتونِ في الأرض، وكما ينشرُ الزعترُ عبقَهُ في الحقولِ، وكما يضيءُ القمرُ سماءَ الليلِ، فلا يغيبُ نورُهُ مهما طالَ الغيابُ.
وداعاً أيها النبيل محمود... رحمكَ اللهُ، وأسكنَكَ فسيحَ جناتِهِ، وجعلَ ذكراكَ عطراً لا يزول، ونوراً لا ينطفئ، وسيرةً لا تُمحى، كما يبقى عبقُ الزعترِ في الصباحِ، وكما يستمرُّ الزيتونُ شاهداً على خلودِ الأرضِ وأهلِها الطيِّبين.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إبراهيم أبو خليل: عاشقُ الوطنِ الذي رَوَى الأرضَ بِدَمِهِ
- فاطمة فاعور.. أُمُّ الشهداء التي ودَّعتهُم ثُمَّ لحِقَت بِهِ ...
- عمر المحمود (أبو مروان): طائرُ الحُزنِ والحنينِ للوطنِ
- نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة
- شربل فارس.. حين يُزهر البؤس كبرياءً
- أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...
- ثورةٌ بدأَت بالبنادقِ... وانتهت بالتَّنسيقِ الأَمنيِّ المُقد ...
- أمنٌ يَحرُسُ الكُرسيَّ... لا الوطنَ!
- صلاح الدين الكردي: سيفُ المجدِ في وجهِ خيانةِ العرب
- فلسطين.. أرضُ التينِ والزيتونِ وصمودِ الجبالِ
- قناةُ -كتب فلسطين-... حصنُ الثَّقافةِ والمُقاومةِ الفِكريَّة ...
- نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض): رجلٌ من زمن الأمجاد!
- عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!
- فلسطين التي سلبها الزَّمنُ... ذكرياتٌ لا تمُوتُ
- فلسطين... الأَرضُ التي لا تقبلُ المُساومةَ ولا تنحني للغُزاة ...
- سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن


المزيد.....




- ترامب ينشر سجلات اغتيال كينيدي.. إليك ما يجب معرفته
- ما هو الاتفاق الذي تهدد فرنسا بإلغائه مع الجزائر؟
- اليمن: الحوثيون ينفذون هجوما رابعا على حاملة طائرات أمريكية ...
- محمود خليل الطالب الفلسطيني بجامعة كولومبيا: أنا سجين سياسي ...
- خلال إفطار رمضاني في مسجد باريس الكبير.. وزير الخارجية الفرن ...
- اجتماع ثلاثي بالدوحة بين قطر ورواندا والكونغو الديمقراطية
- ترامب: استمرار النزاع في أوكرانيا كان سيؤدي إلى الحرب العالم ...
- أنصار الله يعلنون عن استهداف جديد لحاملة الطائرات الأمريكية ...
- الولايات المتحدة تكشف عن المجموعة الأخيرة من الملفات السرية ...
- كانت -رائعة- وناقشنا عدة قضايا بمافيها الطريق نحو السلام.. ت ...


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - حينَ يغيبُ الكبارُ... وداعاً أَبا سعيد!