أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - دلير زنكنة - ضد تشاؤم جيجيك.الأمل والإرادة وجدلية التحرير















المزيد.....


ضد تشاؤم جيجيك.الأمل والإرادة وجدلية التحرير


دلير زنكنة

الحوار المتمدن-العدد: 8284 - 2025 / 3 / 17 - 04:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


بقلم تونش توريل
ترجمة دلير زنگنة


تونش توريل Tunç Türel هو مؤرخ للتاريخ القديم وعضو في حزب العمال التركي TIP. يكتب لمجلات الإنترنت الماركسية والفنية والثقافية التركية البارزة، بما في ذلك آيرم (www.ayrim.org) و كوربس (www.corpusdergi.com) ويعمل حاليا على كتاب يحول تركيز التاريخ الروماني القديم بعيدا عن الروايات التقليدية للأباطرة والحكام، وبدلا من ذلك يركز على حياة ونضالات وتجارب الشعوب والمضطهدين والمحكومين.
………

نشر سلافوي جيجيك، أحد المفكرين الغربيين المطلعين على المصطلحات الماركسية، مقالا في صالون الفلسفة في 27 يناير 2025، بعنوان "لماذا يجب على الشيوعي أن يفترض أن الحياة جحيم". 1 فيه، يجادل جيجيك بأن الشيوعيين يجب أن يديروا ظهورهم للتفاؤل الإنساني وأن يتبنوا التشاؤم الراديكالي، و ان يروا الحياة على أنها في الجوهر"وادي دموع" بدلا من سيرورة تُشكلها القوى التاريخية. بالاعتماد على الفيلسوف فيليب ماينلاندر Philip Mainlander ، يجادل بأن المعاناة ليست مجرد نتاج للاغتراب، ولكنها في صميم الوجود. بالاعتماد على إعادة تفسير براسير Brassier لماركس، يجادل جيجيك بأن الرأسمالية "تحيد" الإمكانات البشرية ولكنها تنتج في مفارقة الفاعل الثوري. في رؤية عدمية ماينلاندر كدعوة نضال راديكالي، يصور جيجيك الشيوعية في نهاية المطاف كآلية تأقلم لتخفيف الألم المتأصل في الحياة.

قبل أن أحاول أن أشرح لماذا تشكل أفكار مقال جيجيك طريقا مسدودا من حيث المنهجية المادية التاريخية والجدلية ثم أحاول دحض أطروحته من خلال الاستلهام من "مبدأ الأمل" لمارك بلوخ و "تشاؤم العقل و تفاؤل الإرادة" لأنطونيو غرامشي ،ولعبة الفيديو الماركسية ديسكو إليسيوم Disco Elysium ، أعتقد أنه سيكون من المفيد إلقاء نظرة موجزة على فيليب ماينلاندر، الذي ألهم جيجيك هنا.

كان ماينلاندر، الذي عاش بين عامي 1841 و1876، فيلسوفا وشاعرا ألمانيا معروفا بتشاؤمه المتطرف ، المبني على أفكار آرثر شوبنهاور و تشويهها، و قلص فكر الفيلسوف إلى العدمية الميتافيزيقية. على النقيض من إرادة شوبنهاور في الحياة ، جادل ماينلاندر بأن الوجود مدفوع بإرادة الموت - وهو انتحار كوني بدأه الاله بنفسه. بالنسبة له، لم يكن العالم سوى جثة متعفنة لإله ميت، وكان الوجود مسيرة لا مفر منها نحو التدمير الذاتي.

ومع ذلك، على الرغم من كل أنطولوجياه القاتمة، كانت مفارقة ماينلاندر انه كان مناديا بالاشتراكية والنسوية وحقوق العمال. جذب هذا الجانب من عمل ماينلاندر بشكل طبيعي أمثال أوغست بيبل و ادورد بيرتشتين إلى أفكاره. ومع ذلك، كانت فلسفة ماينلاندر مثالية في نهاية المطاف، حيث تعاملت مع المعاناة على أنها مرجعة أنطولوجية بدلا من ظاهرة مشروطة تاريخيا.

بؤس تمييع الماركسية

ولكن لماذا يمكن وصف محاولة جيجيك المذكورة أعلاه بأنها طريق ميتافيزيقي مسدود فيما يتعلق بالمادية التاريخية والجدلية؟

بادئ ذي بدء، يصور جيجيك الشيوعية ليس كحل تاريخي للصراع الطبقي ولكن كاستجابة لليأس الكوني الحتمي، أي أنه يعين للشيوعية دورا مختلفا تماما. ومع ذلك، فإن المادية التاريخية لا ترى المعاناة كسمة جوهرية للوجود، ولكن كنتيجة لعلاقات اقتصادية واجتماعية محددة. من خلال القول بأن المعاناة ليست طارئة تاريخيا ولكنها أولية أنطولوجيا، ينزلق جيجيك إلى المثالية، وهو بالضبط ما نعارضه نحن الماركسيون.

ثانيا، في حين أن الماركسيين يتصورون الاغتراب كظاهرة محددة تاريخيا تنشأ في ظل الرأسمالية بسبب الملكية الخاصة وتقسيم العمل، يعامل جيجيك الاغتراب على أنه سمة جوهرية للوجود البشري بدلا من مشكلة يمكن التغلب عليها من خلال التحول الثوري. هذا يقوده إلى وجهة نظر قدرية تنفي إمكانية الشيوعية كمشروع للتحرر البشري.

ثالثا، يجادل جيجيك في مقالته بأن الرأسمالية ليست فقط تشكيلا طارئا تاريخيا، ولكنها أيضا عملية لا مفر منها "تخلق فاعل" الثورة. ولكن في حين أدرك ماركس دور الرأسمالية في تطوير الظروف المادية للاشتراكية، لم يرها أبدا على أنها نمط ماوراءطبيعي ضروري أو أبدي. تؤكد المادية الجدلية على التناقضات الداخلية - الاستغلال والأزمات والصراع الطبقي - التي تدفع الرأسمالية إلى الإطاحة، وليس دورها المفترض في "الكشف" عن أهوال الوجود.

رابعا، لا تقترح الماركسية إنسانية مثالية وساذجة، ولكنها تعترف بالإمكانات البشرية كشيء تشكله الظروف التاريخية. من خلال رفض فكرة أن الناس لديهم أي قدرة فطرية على التضامن والتعاون، ينكر جيجيك أساس النضال الثوري. هذا في معارضة مباشرة لفهم ماركس للبشر ككائنات مكونة اجتماعيا وتاريخيا لديها القدرة على إعادة خلق أنفسهم والعالم.

أخيرا، المادية الجدلية هي طريقة تحلل التناقضات من أجل تغييرها . ومع ذلك، يعامل جيجيك التناقض على أنه جرح أبدي - أي كشيء يجب تحمله بدلا من حله من خلال الممارسة الثورية. ونتيجة لذلك، يؤدي اندماج ماينلاندر لعدميته و الماركسية إلى منظور ستاتيكي و هزائمي يحرم الشيوعية من ديناميكيتها التاريخية.

يرفض تشاؤم ماينلاندر الحركة الجدلية للتاريخ ويقلل من الفعل البشري إلى محاولة مأساوية لإدارة الانحدار الحتمي. إن مغازلته القصيرة للأفكار اليسارية تفتقر إلى أساس مادي؛ يساريته هي ثورة عاطفية وجودية بدلا من تحليل دقيق للصراع الطبقي. باختصار، ماينلاندر هو أحد أعراض الانحطاط البرجوازي - يعكس يأسه أزمة نظام أرستقراطي فاسد غير قادر على فهم الإمكانات الثورية للبروليتاريا.

لذلك فإن محاولة جيجيك لجلب ماينلاندر إلى الخطاب الماركسي غير مجدية. في حين أن ماينلاندر يرى أن المعاناة أبدية، فإن الماركسية ترى أنها منتجة تاريخيا وبالتالي قابلة للحل تاريخيا. الثورة ليست مهمة كئيبة في كون لا معنى له؛ إنها صراع واع لتحويل الظروف الاجتماعية وإطلاق العنان للإمكانات الحقيقية للإنسان. على النقيض من ذلك، لا يقدم ماينلاندر شيئا تقريبا سوى الاستسلام المتنكر في زي الراديكالية.

كتب بليخانوف في عام 1892، ردا على سؤال ما إذا كان يمكن الجمع بين الفهم المادي للتاريخ وتعاليم كانط، الكلمات التالية التي لا تزال صالحة اليوم، عن المفكرين وما يسمى بقادة الرأي الذين يحاولون إرضاء اذواق الجميع بإضافة القليل من هذا والقليل من ذلك (وينتهي الأمر بترك الجميع جائعين) إلى آراء ماركس ولينين:

"و من المؤكد ان فكر الانتقائي قمين بجميع الخلائط، بالجمع بين ماركس و كانط، بل "الواقعيين " في العصر الوسيط. أما بالنسبة الى أولئك الذين يضعون نظامًا في أفكارهم فإن تساكن ماركس و الفلسفة الكانطية سوف يبدو دائمًا على صورة مسخ حقيقي."2

وهكذا، من خلال مزج الماركسية مع التشاؤم الفلسفي لفيليب ماينلاندر، يميع جيجيك التفاؤل الثوري المتأصل في المادية التاريخية. الادعاء بأن الشيوعية يجب أن تقبل "اليأس المتأصل في الحالة الإنسانية" ليس خاطئا نظريا فحسب، بل أيضا نازع سلاح سياسيا. الماركسية ليست فلسفة يأس؛ إنها علم، دليل للعمل، تقوم على فهم جدلي للتاريخ والإمكانات التغييرية للنضال الجماعي.

لمواجهة تشاؤم جيجيك، يمكننا الآن إلقاء نظرة موجزة على التفاؤل الثوري لإرنست بلوخ، و الديالكتيك الغرامشي للعقل والإرادة، والنقد الماركسي المتجسد في الأعمال الثقافية مثل ديسكو إليسيوم.

مبدأ الأمل: الشيوعية كما تتحقق

تتعارض هذه القراءة القدرية لجيجيك مع "مبدأ الأمل" لبلوخ، الذي ينظر إلى التاريخ على أنه عملية مفتوحة يبني فيها الناس مستقبلهم بشكل جماعي. بالنسبة لبلوخ، الأمل ليس تفاؤلا خالصا ولكنه قوة جدلية ضرورية؛ إنه يعترف بأهوال الحاضر ولكنه يصر على إمكانية تحويلها.

يفترض جيجيك من ماينلاندر أن معاناة الرأسمالية جوهرية بطريقة ما من الناحية الميتافيزيقية وليست محددة تاريخيا. فكرة أن "عدم الوجود أفضل من الوجود" هي رفض رجعي للسيرورة الجدلية - الأمل الماركسي يدور حول النضال والنفي و التحول ، في حين أن ماينلاندر يقترح الاستسلام فقط.

يرفض جيجيك "التفاؤل الإنساني الضمني لليسار التقليدي" - الاعتقاد بأن البشر لديهم القدرة على حياة سعيدة وتضامن وتعاون - كخيال ساذج. لكن هذا التفاؤل ليس ساذجا؛ إنه جدلي. إنه متجذر في الظروف المادية للوجود البشري والإمكانيات التاريخية التي تحتويها. لا تنكر الماركسية حقيقة المعاناة واليأس في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي، ولكنها تجد مصدرها ليس في "طبيعة إنسانية" متأصلة ولكن في العلاقات الاجتماعية الاغترابية للإنتاج الرأسمالي.

يجادل بلوخ بأن الأمل ليس رغبة سلبية، ولكنه قوة نشطة جدلية تنشأ عن تناقضات الواقع المادي. إن معاناة ويأس الاغتراب الرأسمالي ليست حقائق أبدية، ولكنها ظروف تاريخية يمكن التغلب عليها من خلال النضال الثوري. يجادل بلوخ بأن التخلي عن الأمل هو التخلي عن إمكانية التحرر.

على هذا النحو، فإن مفهوم بلوخ للأمل يتعارض بشكل أساسي مع تشاؤم جيجيك. حيث يرى جيجيك الحياة على أنها "وادي دموع"، يرى بلوخ أنها موقع محتمل للتحول. بالنسبة إلى بلوخ، فإن تناقضات الرأسمالية - الاستغلال والاغتراب ونزع الملكية - ليست مصادر للمعاناة فحسب، بل هي أيضا بذور التحرر. تماما مثل "البذور" في بيت شعر الشاعر اليوناني دينوس كريستيانوبولوس "حاولوا دفننا؛ لم يعرفوا أننا بذور". وكما كتب بلوخ، "التفكير يعني الجرأة على التجاوز". على النقيض من ذلك، فإن تشاؤم جيجيك يحاصرنا في نظرة عالمية ستاتيكية يائسة وينكر إمكانية التغيير الثوري.

تفاؤل الإرادة: الثورة كفعل

يقدم مبدأ غرامشي الشهير "تشاؤم العقل، تفاؤل الإرادة" نهجا جدليا للنضال الذي تفشل مقالة جيجيك في فهمه. "تشاؤم العقل" يعني تحليلا رصينا للحقائق القاسية للاستغلال الرأسمالي والقمع. "تفاؤل الإرادة" يعني الحفاظ على الاقتناع الثوري بأن هذه الظروف يمكن ويجب تغييرها. هذه الجدلية ضرورية للممارسة الماركسية لأنها توازن بين فهم واضح للحاضر والالتزام الثابت بالمستقبل.

في مقالته، يحول جيجيك هذه الجدلية إلى أحادية جانب (إذا كان الجدل أحادي الجانب ممكنا!) التشاؤم. من خلال تبني وجهة نظر ماينلاندر بأن الحياة جهنمية بطبيعتها، يتخلى جيجيك عن تفاؤل الإرادة، والاعتقاد بأن النضال الجماعي يمكن أن يغير العالم. هذا ليس خطأ نظريا فحسب، بل خطير سياسيا أيضا. كما فهم غرامشي، تستمر الحركات الثورية من خلال الايمان بأن عالما أفضل ممكن. من خلال إنكار هذا الاحتمال، فإن تشاؤم جيجيك ينزع سلاح الطبقة العاملة ويقوض النضال من أجل التحرر.

نعم، يجب أن نعترف بوحشية الواقع الرأسمالي (تشاؤم العقل)، ولكن النقطة المهمة هي عدم الاستسلام له كحتمية كونية. بدلا من ذلك، يستمر العمل الثوري من خلال الاعتقاد بأن هذه الوحشية طارئة ويمكن الإطاحة بها (تفاؤل الإرادة). يقلص جيجيك الجدل إلى فراغ مدمر للذات بدلا من محرك التغيير.

ديسكو إليسيوم: نقد ماركسي للتشاؤم

ديسكو إليسيوم هي لعبة فيديو لعب-الأدوار صدرت عام 2019. حقيقة أن مؤلفيها ومنتجيها البولنديين أعلنوا علنا أنهم ماركسيين لينينيين، و أنه عندما استحوذت لعبتهم على عالم الألعاب وفازوا بعشرات الجوائز، شكروا بجرأة أمام مئات الرؤساء التنفيذيين والمساهمين في صناعة الألعاب في أشهر احتفالات توزيع الجوائز، ماركس وإنجلز على تعليمهم الأيديولوجي، و لكن هذه ليست المسألة هنا .3 النقطة المهمة هي أن لعبة الفيديو هذه تقدم نقدا ثقافيا قويا للتشاؤم وإعادة تأكيد الأمل الثوري. بطل اللعبة، هاري دو بوا، رجل يعاني من اليأس والاغتراب وثقل إخفاقاته. ومع ذلك، من خلال تواصله مع سكان ريفاتشول، المدينة التي تقع فيها اللعبة، يبدأ في العثور على معنى في النضال الجماعي والتضامن. على الرغم من أن اللعبة تقع في عالم بائس، إلا أن هذا العالم هو أيضا موقع محتمل للثورة، مما يعكس التوتر الجدلي بين اليأس والأمل.

إذا أخذنا ديسكو إليسيوم كعدسة، فإن بطل الرواية - هاري دو بوا - يجسد الشخصية المتشائمة لدى جيجيك : إنه انسان منحل يعيش في عالم متدهور، وحتى فاسد. لكن ديسكو إليسيوم ليست لعبة تنتهي باليأس؛ إنها تقدم عالما يظل فيه التضامن والنضال وحلم غد أفضل إمكانيات حقيقية حتى في خضم الدمار. حتى "المنطقة التجارية المنكوبة" في اللعبة منكوبة فقط بسبب هيمنة رأس المال، وليس لأن الكون نفسه ينهار تحت وطأة العدمية.

مثل اللاعب السطحي الذي يرفض الانخراط في الخيارات الأعمق التي تقدمها اللعبة للاعب، يصر جيجيك على أنه نظرا لأن الحياة صعبة، فإن الثورة هي مجرد مهمة حزينة وليست مشروعا للتحرر. هذا يرقى إلى اختيار مربع "الاستسلام " في كل مرة من بين العشرات من الخيارات الممنوحة للاعب في اللعبة والادعاء بأن هذا شيء عميق.

ديسكو إليسيوم عمل يجسد النقد الماركسي للتشاؤم المفقود من مقال جيجيك. انها تظهر أن اليأس ليس حالة داخلية، ولكنه نتاج الاغتراب الرأسمالي، وأن الأمل ينشأ من النضال ضد هذا الاغتراب. يلتقط عبارة اللعبة الشهيرة"لا يزال هناك وقت لتغيير كل شيء" التفاؤل الثوري الذي يرفضه تشاؤم جيجيك. في ديسكو إليسيوم، كما هو الحال في الماركسية، النضال من أجل التحرر ليس مجرد استجابة للمعاناة، ولكنه تأكيد على إمكانية وجود عالم أفضل.

جدلية التحرير

يكمن ادعاء جيجيك بأن الشيوعية يجب اقتراحها ك "استراتيجية تأقلم " مع التعاسة، مثل أوصاف "السعادة" في كتب المساعدة الذاتية الحديثة، في سوء فهم عميق للماركسية. الشيوعية ليست آلية تأقلم؛ إنها مشروع ثوري يهدف إلى القضاء على الظروف التي تنتج اليأس في المقام الأول. إن المعاناة واليأس الناتجين عن الاغتراب الرأسمالي ليسا متأصلين في الحالة الإنسانية؛ إنهما نتاج نمط إنتاج تاريخي معين. للتغلب عليهما ، لا نحتاج إلى "التعامل معهما "، ولكن لإلغاء النظام الذي ينتجهما .

تعلمنا الماركسية أن تناقضات الرأسمالية - الاستغلال والاغتراب والاستعباد - ليست حقائق أبدية ولكنها ظروف تاريخية يمكن التغلب عليها من خلال النضال الثوري. كما كتب ماركس، "لقد فسر الفلاسفة العالم فقط؛ و القضية هي تغييره". من خلال التعامل مع اليأس كحالة جوهرية، يتخلى تشاؤم جيجيك عن هذه الحتمية ويقوض إمكانية التحرر.

بدلا من الاستنتاج: استمر في النضال

قراءة جيجيك الكئيبة للشيوعية هي في نهاية المطاف خطوة نازعة للسياسة depoliticizing - فهي تقلل من الحاجة الملحة للنضال الثوري و تقلصها إلى نوع من العلاج الوجودي. على النقيض من ذلك، فإن المقاربة المادية الجدلية ، القائمة على بلوخ وغرامشي والتجربة الحية للنضال، ترى الشيوعية ليس كمسكن لمأساة كونية غير قابلة للتغيير، ولكن كمشروع تاريخي للتحرر البشري.

مما لا شك فيه أن المزاج و الفهم المتشائم للطبيعة البشرية السائد عند معظم مفكري اليسار و الماركسية الغربية قد أثر على تعاطف جيجيك مع تشاؤم ماينلاندر. دعوة جيجيك إلى "الاعتراف باليأس المتأصل في الحالة الإنسانية" ليست خطوة معزولة؛ يجب اعتبارها جزءا من اتجاه أوسع داخل الماركسية الغربية، وخاصة بين المفكرين المرتبطين بمدرسة فرانكفورت.
قبل جيجيك، استسلمت شخصيات مثل ثيودور أدورنو وماكس هوركهايمر وهربرت ماركوز لنظرة متشائمة للطبيعة البشرية والتاريخ و التي عكست يأس ماينلاندر. هذا الاتجاه، على الرغم من أنه متجذر في نقد الرأسمالية، غالبا ما يتحول إلى يأس ميتافيزيقي يقوض التفاؤل الثوري في قلب الماركسية. التشاؤم الذي يقدم الشيوعية ليس كحل لتناقض محدد تاريخيا ولكن فقط كاستجابة للمعاناة الأبدية هو رجعي وليس ثوري. إذا كانت المعاناة حتمية من الناحية الأنطولوجية، فلماذا تقاتل من أجل أي شيء على الإطلاق؟ ينزلق موقف جيجيك، عن قصد أو عن غير قصد، إلى استسلام لاسياسي في هذه المرحلة: إذا كانت الرأسمالية والشيوعية طرقا مختلفة للتعامل مع اليأس الكوني، فلماذا تهتم بالثورة على الإطلاق؟

باختصار، يمثل تشاؤم جيجيك وأمثاله قطعًا عميقًا مع التفاؤل الثوري و الذي متأصل في الماركسية. في حين أن انتقادات هؤلاء المفكرين للرأسمالية والملاحظات الثقافية ذات قيمة، فإن يأسهم الميتافيزيقي يقوض إمكانية التحرر. الماركسية ليست فلسفة يأس؛ إنها علم يعتمد على فهم جدلي للتاريخ والإمكانات التحويلية للنضال الجماعي. "التفكير يعني الجرأة على التجاوز" لذلك دعونا نتجاوز تشاؤم جيجيك وأمثاله، ولا نلتفت إلى الوراء أبدا، ونستوعب التفاؤل الثوري الذي وجه وسيستمر في توجيه كل نضال من أجل التحرير. أو، بلغة ديسكو إليسيوم، دعنا نتخلص من هوسنا بقراءة الأخبار السيئة على وسائل التواصل الاجتماعي لساعات طويلة (doomscrolling) ونحاول ان ننمي حركة الطبقة العاملة.

ملاحظات
1. https://thephilosophicalsalon.com/why-a-communist-should-assume-life-is-hell/
2. Plekhanov, G., (1977), Notes to Engels’ Book Ludwig Feuerbafch, Selected Philosophical Works, Vol.1, Moskova, Progress Publishers, p. 465.
3. https://youtu.be/DOz4QcRZu_g?feature=shared&t=317



#دلير_زنكنة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكثر من 7000 شخص قتلوا في مجازر سوريا
- فلسفة برتراند راسل السياسية والاقتصادية
- لا يوجد شيء اسمه سلاح نووي تكتيكي
- الفاشية. الثورة الزائفة
- هل فكرة -زوتشيه- في كوريا الشمالية ماركسية حقاً؟
- لماذا نعيد تصور جورجيا السوفييتية؟
- 20 عامًا من اقتصاد بوتين
- اكثر من (770 الف) مشرد في الولايات المتحدة الاميركية !
- الماركسية والمنهج
- مفهوم الذات في ظل الرأسمالية والماركسية ومتطلبات القرن الحاد ...
- ماذا قال ديفيد بن غوريون؟
- الحرارة المميتة في السجون الأميركية تنتهك قوانين القسوة على ...
- ألكسندر دوغين وصعود الفاشية -المقبولة سياسيًا-
- كلام بلا افعال: لماذا الدول العربية عاجزة عن وقف إسرائيل؟
- واشنطن تنصب فخا لإيران فهل تبتلع إيران الطعم ؟
- ما تحتاج إلى معرفته: الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غ ...
- فوز أنورا ديساناياكي: نظرة عن قرب على أول رئيس شيوعي لسريلان ...
- على تركيا أن تتوقف عن منع ذهاب أسطول الحرية إلى غزة
- مايكل بارينتي. الماركسية والأزمة في أوروبا الشرقية
- هل كان الاتحاد السوفييتي -رأسمالية دولة- و-إمبريالية اشتراكي ...


المزيد.....




- خطة دافوس 2025.. الذكاء الاصطناعي والتقشف
- لماذا يُسارع الأغنياء لمغادرة بريطانيا؟
- الرفيق فيليب نودجينومي، الأمين العام للحزب الشيوعي بالبنين: ...
- الماركسيون في تونس بين النظرية والواقع
- فيديو لاستخدام سلاح صوتي ضد متظاهرين في صربيا..والسلطات تنفي ...
- التحولات الراهنة بالمنطقة العربية والمغاربية*
- تونس: بيان حزب العمال حول العدوان الأمريكي البريطاني الجديد ...
- بيان فرع الرباط لحزب النهج الديمقراطي العمالي حول عمليات هدم ...
- شيخ الأزهر يهاجم اليمين المتطرف في الغرب ويدعو للحوار بين ال ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب : الشهيدة حلبجة وشقيقاتها دروس لا ...


المزيد.....

- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان
- قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024 / شادي الشماوي
- نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم ... / بندر نوري
- الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية / رزكار عقراوي
- نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل ... / بندر نوري
- الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور ... / فرانسوا فيركامن
- التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني ... / خورخي مارتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - دلير زنكنة - ضد تشاؤم جيجيك.الأمل والإرادة وجدلية التحرير