محمد رضا عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 18:12
المحور:
الصحافة والاعلام
ملة الكفر واحدة , وان اختلف المكان والزمان . الكفر لا يعني عدم الأيمان بالخالق وانما يشمل أيضا الكذب والنفاق وحرف الحقائق . ولا اعتقد أحدا من قراء هذه الصفحة لم يصادفه ان بعض المتحدثين الذين يخرجون على مواقع التواصل الاجتماعي او في المحطات الفضائية وهم يكذبون وينافقون و ينسجون القصص الواهية . شخصيا كنت شاهدا على انقلاب 8 شباط عام 1963 , وانقلاب 17 تموز عام 1968 في العراق , ومازالت احداث كلا الانقلابين طرية في مخيلتي , واذا أتفاجأ بكتاب او برنامج يتحدث عن الانقلابين بشكل لا علاقة له بالحقيقة والواقع . ولمعلومات القارئ الكريم ان الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم كان اول من دعا الشعب الفلسطيني بتحرير ارضه ودعا الى تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية , و اذا يخرج احد المتحدثين عن تلك الفترة ليقول للناس ان عبد الكريم قاسم كان شعوبي ( يفضل العرب على العجم) , وانه متصهين , والسبب لأنه كان له صديق يهودي في المدرسة الابتدائية . فلا تندهش ان تلاحظ حقائق تتزور وانت على قيد الحياة.
و لا تتفاجأ عندما يخرج مسؤول او اعلامي سوري ليحرف الحقائق عن مجزرة العلويين التي سجلتها الكاميرات وبثت حول العالم ليدعي ان الشهداء العلويين الذين سقطوا في المجزرة هم قتلوا انفسهم تمام على طريقة المثل المصري القائل " ضرب وجه بعصا الشرطة ", حتى لا يتهم الشرطي بالاعتداء عليه! لقد تفاجأت من حجم الكذب ومحاولة تبرئة النظام من المجزرة , وفيهم من المتحدثين ليس فقط من أصحاب اللحى , وانما البعض منهم ادعوا بانهم دكاترة وضباط جيش كبار و اعلاميين .
نموذج من هؤلاء هو محافظ اللاذقية محمد عثمان الذي لخص المجزرة على استغلال انصار النظام البائد للسلم الأهلي في الساحل , وان هذا السلم سيقود الى استقراره , وبالتالي يسهل على الأجهزة الأمنية القاء القبض عليهم . ومن اجل ارباك الامن , فقد انتشر انصار النظام المنهار على طريق طرطوس واللاذقية و اللاذقية و ادلب , وان هذا الانتشار خلق " موجة من الغضب الشعبي" , ما دفع اعداد كبيرة ( خمسين الف ) من السوريين التوجه الى الساحل وجرى ما جرى .
هذا المحافظ ادعى ان المواجهات العسكرية قد انتهت ودعا العلويين الذين احتموا في قاعدة حميميم العسكرية العودة الى قراهم وبيوتهم . والحقيقة انه لم تكن هناك مواجهات عسكرية , والكل شاهد مسلحين يطلقون النار على مدنيين من رجال ونساء وأطفال . الكل سمع هتافات الله اكبر الداعية الى قتل العلويين وليس ضد فلول النظام . المحافظ لم يذكر ان دعوة قتل العلويين جاءت من المساجد التي كانت تدعو الى " الجهاد". المحافظ قفز على كل جراحات اهل الضحايا ليدعي ان اللاذقية " حرة سعيدة" , وكان لسان حاله يقول , قتلنا للعلويين درس لمن يريد ان يعرف كم وحشيتنا و استهزائنا لأراوح البشر , وان عادوا عدنا !
بعض المهتمين بشان المنطقة لا يتهمون سنة سوريا المعرفين بالتقوى وحب الخير , وان ما جرى للعلويين جرى على يد ناس حاقدين وخارجين عن الإسلام وقيمه , وهذا صحيح , الشعب السوري من الشعوب التي يغلب عليها الانفتاح والاعتدال . ولكن الحقيقة ان حركة سلفية وهابية تتحرك بكل سرعة نحو مساجد سوريا من اجل إعادة " امجاد الحكم الاموي " , وهي دعوة لا يراد منها الا الاقتتال الداخلي واضطراب المنطقة , وما دعوة " الجهاد" من على المآذن الا برهان على ان هناك تمدد وهابي في سوريا , بالتأكيد ان هؤلاء كانوا الجهة المسؤولة لما جرى في الساحل بعد مسؤولية احمد الشرع . المنادون " للجهاد " صوروا للعامة ان العلوية من دمر البلاد , و جاء الدور لتدميرهم , بالوقت الذي كان أعضاء حكومة بشار الأسد في الوظائف العليا المدنية والعسكرية من غير العلويين تتجاوز ال 90% . وعليه من قام بذبح العلويين في الساحل كان عليه ان يقتص من أعوان بشار من غير العلويين , ولكن الطائفية البغيضة تركت ال 90% ونفذت جرائمها على 10%.
كما ذكرت ان , الاعلام السوري الجديد لم يخلع جلباب الذل والخيانة والتملق للسلطان , فأضحى بدلا من التملق الى بشار الأسد و حكمه , اصبح يتملق للقيادة الجديدة , وغير مكترث عن حال المواطن السوري وما يمر من محن سواء على صعيد الاقتصاد او الامن . فهذا احد العسكريين السوريين والذي اتخذ تركيا بيتا له ويلقب نفسه " خبير عسكري وسياسي" يدعي ان من حرك فلول النظام السابق هم روسيا وحزب الله وايران الذين خسروا مواقعهم عند سوريا الجديدة , القتال الذي دار كان موجها نحو فلول النظام ولم تكن هناك " مجازر" كما سوق لها الحشد الشعبي العراقي و حزب الله وايران . والغريب من هذا الرجل وبنفس المقابلة التي انكر فيها وقوع المجزرة , يقول ان وزير الداخلية ومحافظ اللاذقية زاروا كل المناطق في المحافظة وقدموا العزاء لذوي المغدورين , بالوقت الذي شاهد العالم صور المجزرة و ندد بها مجلس الامن الدولي. نقول لهذا " الخبير" لماذا تقديم واجب العزاء ان لم تكن هناك مجزرة وهناك شهداء؟
العالم كله سمع قصة السيدة السورية زرقة سباهية والتي قتل ولديها و حفيدها في منطقة الساحل والتي وصفت طريقة قتلهم بنتها قائلة ان عناصر مكشوفة الوجه وأخرى ملثمة يرتدون زيا عسكريا اقتحموا منزل العائلة في قرية قبو العوامية بريف اللاذقية , وقاموا بتفجير اقفال المنزل بالقنابل , قبل ان ينهبوا محتوياته ويجبروا الشباب الثلاثة على الخروج . وأضافت " سألهم المسلحون , انتم علوية ؟ لا تهمهم الإجابة , بكل الأحوال سوف تقتلون , قالوها ثم اطلقوا النار عليهم , رغم تأكيدهم ان الشبان مدنيون". واشارة الى ان بعض الجناة ما زالوا يقيمون في منزل مقابل لهم , بعد ان سلب من أصحابه الذين فروا من مصير مشابه.
والعالم كله سمع قصة المواطن السوري سمير حيدر , الرجل اليساري الذي قضى اكثر من عقد من حياته في سجون النظام السابق , وهو من بانياس , بان "مجموعات مسلحة" بينهم "عناصر أجنبية" قتلت شقيقيه وابن أحدهما بإطلاق النار عليهم مع رجال آخرين , وانه هرب في اللحظة الأخيرة إلى حيّ سنيّ في المدينة. وقال في اتصال مع فرانس برس: "لو تأخرت خمس دقائق لكنت في عداد الموتى... لقد أُنقذنا في الدقائق الأخيرة". و يأتي الزميل و " المحلل العسكري" ويقول لم تكن هناك مجزرة ! كيف يتوقع هذا "الخبير" ان تتحرر سوريا من الخوف والديكتاتورية مع وجود هكذا نماذج ؟
صحفي سوري يأخذ السعودية مقرا له , قفز على الحقائق بشكل غريب , ولا اعتقد ان وكالة إخبارية دولية محترمة ستثق بما يقوله بعد هذه المقابلة التي جرت مع صحفي سعودي معروف . هذا الصحفي السوري لم ينكر المجزرة , ولكن أطاحها براس المغدورين والفلول . حيث يقول ان الفلول اتخذوا من المغدورين دروعا بشرية , ولما رفض بعضهم الانصياع لأوامر الفلول , قتلتهم , حتى يصوروا للعالم بان انصار هيئة تحرير الشام هي التي قتلتهم . والحقيقة لم يشاهد احد بان كان هناك مواجهات عسكرية بين قوات الهيئة والفلول , وانما ما وثق هو هناك قتل مدنيين نساء ورجال وأطفال على يد مسلحين وهم يشتمون العلويين .
انا متأكد ان مثل هؤلاء لا تهمهم سوريا ولا مستقبلها , وكل همهم هو إرضاء اسيادهم . عملاء النظام العراقي السابق صنعوا ما يصنعون عملاء النظام السوري الجديد اليوم , تغطية الاجرام , ولكن للظالم صولة وللمظلوم له الف صولة , ذهب العملاء الى مزابل التاريخ , وبقيت افواه الشهداء تنطق وتخط للبشرية طريق الحرية .
#محمد_رضا_عباس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟