|
الفيدرالية كآلية لحل الصراعات في المجتمعات المتعددة إثنياً وثقافياً - مسألة السودان...(3) اعترافات التنوع ودور الدولة
عمر عوض الله علي قسم السيد
الحوار المتمدن-العدد: 1798 - 2007 / 1 / 17 - 12:34
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
بالنظر إلى دور الحكومات الفدرالية المعاصرة المختلفة من جانب التعدد العرقي والثقافي فالمرء يمكنه أن يدرك أن الطريقة الدستورية لمعالجة التنوع الثقافي وتحقيق التكامل الوطني تختلف من تجربة إلى أخرى. في معظم الحالات، فتصورهم المفاهيمي للدولة القومية لديه دور بارز في تشكيل إستراتجيتهم عن التنوع [1]. مثلاً، الذين يستوعبون دولتهم القومية كدولة مهيمن عليها بواسطة مجموعة عرقية واحدة، يفرضون إستارتيجيات خاصة تعتبر التنوع كمغامرة للأمة وبناء الدولة ... كألمانيا مثلاً. في حالة أن تكون الدولة القومية مشتملة على درجة عالية من التجزء ( الدولة المتعددة العرقية والثقافية، فإستراتيجيات الدولة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع للتغلب على هذه التقسيمات. أ) تجاهل هذا النوع وتبني سياسة الإستيعاب) فرنسا مثال نموذجي . ب) حالة أخرى ، كالولايات المتحدة الأمريكية، تبعد الثقافة من السياسة ، ج) الذين يجبرون ليس فقط لإعتراف بالتنوع بل تعزيز هذه التنوعات ، أفضل مثال لهذا المفهوم هو سويسرا[2].
بالرجوع إلى تحليلاتنا فيما يخص العلة والتقسيم الطبقي الثقافي في السودان، نستطيع أن نتحقق بإستغراب أن معظم المفاهيم أعلاه بالنسبة للدولة القومية تقريباً، متماثلة[3]. الغرض من هذا التقسيم الجزئي أن نفحص المضمون السياسي لكل إستراتيجية إذا ما الفرضية طبقت في سياق المجتمع السوداني. دراسة الإستراتيجيات المختلفة لمواجهة التعدد سوف تنفذ مع علم المنهج المقارن خاصة في حالة ألمانيا، فرنسا، الولايات المتحدة وسويسرا. الهدف النهائي لهذه الفكرة هو تطوير أفكار سياسية لتشكيل إستراتيجيات مناسبة تَمكن السودان من بناء الهوية القومية خلال صيغة مناسبة لمنظومة سياسية على أسس دولته القومية .
أولاً:* دولة قومية مهيمن عليها بواسطة مجموعة واحدة.
في حالة، أنّ الأمة يكون مهيمن عليها بواسطة مجموعة ثقافية واحدة متجانسة تربطها أرضية مشتركة(تاريخ عام، ثقافة عامة أو دين عام) ، فإن المعايير الفيدرالية لبلوغ التكامل القومي تكون مؤسسة فقط ، للذين ينتمون لهذه الأمة الفريدة. ذلك بسبب أن الإندماج مع الأمة يسبق خلق الأمة كما في حالة ألمانيا. الدوله هنا أُستخدِمَتُ كأداة لتعزيز مصالح الجماعة الثقافية الأساسية[4]بناء على مفهوم عرقي مقصور على الدولة [5] . ذلك النوع من التنوع يٌقُصى من بناء الأمة لأنه قد يعرض للخطر الجذور العميقة لسيادة أفراد الثقافة الأحادية [6]. الذين يرغبون في أن يكونوا أعضاء في الأمة الألمانية بناء على المواطنة يجب أن يتخلوا عن المواطنة السابقة ويساهموا في إتجاه المقياس السياسي للأممية / القومية الألمانية [7].
معيار كهذا لبلوغ التكامل القومي، كما نوقش سابقاً في الجزء الأول، جربت في السودان من قبل وأن إستمرار الصراع يمكن أن يفسر أثارها ( إذا ما حققت التكامل ولم تحققه). إنها تستوعب السودانيين كأمة واحدة متحدة على أساس الثقافة العربية الإسلامية. متشابهة مع حالة التنوع الألماني ، كل من لا يشاطر الثقافة العربية الإسلامية يتم إقصاءه فالنموذج السوداني يختلف عن النموذج الألماني في إنّ التنوع ليس مقصياً بصورة مطلقة في عملية بناء الأمة لكنه قاوم لفترة من الزمن. قاوم لأنه كان متوقع أن تذوب الثقافات الأخرى أو تمتص في لب الثقافات الجوهرية، مماثلة للتوقعات في فرنسا بأن كل الأفراد الذين يقطنون في فرنسا بمحض إرادتهم سوف يتبنون القيم والثقافة الفرنسية. لهذا السبب فإن ا لوطنيين الشماليين قبل الإستقلال إتحدوا مع الجنوبيين لكن حالاً بعد الإستقلال، فأنهم إعتبروا بأن خصوصياتهم الثقافية تهدد التكامل القومي المبني على لغة ودين واحد. هذا يفسر لماذ المساواة مع الثقافات الأخرى قبلت لفترة من الزمن لكنها لم تحترم في النهاية لأن بداية التنوع هنا لم تؤخذ بجدية.
القادة السياسيين للشمال أعتبروا أنفسهم بأنهم يعملون أيضاً لمصلحة الثقافات الأخرى لأنهم أعتقدوا بأنهم سابقاً طابقوا ما هو ملائم لهذه الثقافات. ففي إعتقادهم، بأن الثقافات الأخرى لم تقصى من الأمة لكنهم رحبوا به داخل الأمة إذا ما تمت موافقتهم. في بعض الحالات أعتقدوا بأن الثقافات الأخرى ليس لديها أي خيار في أن تقبل الأساس العام الذي شكل هذه الأمة. لذلك، أن تكون سودانياً يجب أن تكون عضو أمة بناءً على الأسس أعلاه ولذلك، - كما ذكرآنفاً- العربية والإسلام أصبحا العامل الحاسم في بناء أمة السودان. الدولة هنا خدمت كيان أساسي لأمة ذات ثقافة واحدة.
لا حاجة بأن نقول أن تبني ثقافة الأغلبية كثقافة قومية في مجتمع متعدد الثقافات يضعف التكامل لأن الأقليات سوف تخش السيطرة الثقافية واللغوية وفي النهاية تميل لأن تمنع ذوبان الجماعة الصغيرة في ثقافة الجماعة المهيمنة[8]. مفهوم الإستيعاب كما ذكر آنفاًً – يمكن إنجازه إذا لم يفرض الإستيعاب وكان من غير أي مجهودات خاصة، مثلاً إذا ما كان هدفاً سياسياً أو ثقافي لكنه أنجز خلال التفاعلات الإجتماعية والإقتصادية بدون مجهودات خاصة. من دون ريبٍ ، الإستمرار في التوجه الثقافي الأحادي قد يؤدي إلي إرث رهيب، كما أدى من قبل وذلك لأن الثقافات الأخرى من الصعوبة تنمية إحساس الإنتماء إلى بلادها.
ثانياً: * دولة قومية مجزأة * سياسة الإستيعاب (فرنسا وتركيا)
بالمقارنة مع الإسترتيجية الألمانية، النموذج الفرنسي يتبنى إستراتيجية أخرى مختلفة لتعالج التنوع ولتخلق الولاء القومي. فالدولة خلقت بالدستور ثقافة قومية، "الثقافة الفرنسية" مبنية على قيم سياسية عالمية ( مؤسسات سياسية عامة، حقوق عالمية، المساواة والحرية) وكل أعضاء السكان- بغض النظر عن الخلفية الثقافية – يجب أن تذوب في هذه الثقافة إما بإستيعاب مسالم أو بسياسات قمعية[9]. التنوعات كهويات مميزة بهذا المعنى يغض عنها النظر وليس لها مجال للإعتراف . الأفراد متساوون على أساس المواطنة الفرنسية[10]. الناس يٌعَرفّون كأعضاء في الدولة بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية، وكل فرد مٌرّحب به كمواطن فرنسي ذو حقوق متساوية[11].
بالرغم من نجاح الدولة الفرنسية في إزدهار الهوية القومية مما أدى إلى خلق دولة مستقرة وحديثة، ففي المدى البعيد وفي ظروف مختلفة سياسات كهذه ربما تهدد هذا الإستقرار. وهذا بسبب الإستياء من تجاهل الإختلافات الثقافية ، كما بيّن د. نيكول، ربما تتراكم خلال حركة الزمن، الذي ربما يقود إلى توجيه هذا الغضب ضد الدولة أو على الأقل ربما يضعف التكامل لحد ما كما الحال في المجتمع المسلم. كمسألة الحجاب في المدارس الذي أعلن كمسألة تعمل ضد الثقافة الفرنسية. متوقع من المسلمين أن يتقيدوا بكل قيمهم التي يقرها دينهم في منازلهم ويتركوها هنالك عندمتا يخرجون للمجال العام. كنتيجة لذلك، المسلمون كمثال والذين لا يقبلون الثقافة الفرنسية عموماً لم يستوعبوا إذا ما كانت الأمة لا تستطيع أن تكيفهم[12]. لهذا السبب، وفقاً لرأيي، فإن المجتمع المسلم إحتل وضع إجتماعيي وإقتصادي أقل في فرنسا.
مثال آخر للغضب قد يبدو من المجتمع المسلم بسبب القيم الفرنسية. الطريقة الفرنسية للتعامل مع التنوع فقط ستكون ناجحة طالما كانت القيم في العموم والعلمانية خاصة جٌربت بطريقة جامعة وليس بطريق مباشر أو غير مباشر إنحاز لمجموعات معينة. مشكلة المجتمع المسلم في فرنسا، حسب إعتقادي ليس فقط مسألة حظر خصوصيتهم الدينية المصانة والتي رسمياً تحظر للكل لكن لأن بعض الذين أكثر مساواة من الآخرون تاريخياً (الكاثوليكي وحالياً أيضاً اليهودي. بعبارة أخرى، فالمجتمع المسلم لديه الإحساس بأنّ العلمانية فٌسُرت كأقل حدة للديانات المعنية من مجموعات دينية أخرى. فهذا أيضاً سبب آخر لماذا المجتمع المسلم يعاني من سياسات الدولة كتمييز.
يجب على الدولة الفرنسية بالإضافة إلى التركية أن تسأل "هل المساواة تخلق أمة؟"[13] كما صاغ السؤال البروفيسور توماس فلينر.وأيضاً كما صاغ "هل الأكراد ليسوا بأمة؟"لأنهم مواطنون أتراك بحقوق عامة ومعاملة متساوية، بالرغم من انهم يفضلوا بأن يعتبروا كأمة مستقلة. الإستيعاب يتطلب من الأفراد بأن يتخلوا عن جزء من هويتهم. إذاً أستيعاب كهذا فٌرضُ بواسطة الدولة والقوة السياسية، ليس إنسانياً.ومتناقض مع الحقوق الأساسية. على الدول والشعوب الحث على التكامل المبني الإختيار الفردي الحر لأولئك الأفراد والذين ينشدون علاقات إجتماعية قوية للمجتمع عموماً.
هل يٌنُكَُّر الأكراد أن يكونوا "أمة" لأن كمال أتاتورك قد عرّف الأمة كوحدة لمدنيين متساويين تبعاً للتقليد الفرنسي ولذا فإن الأكراد لا يعيشون كأمة ولكن فقط كأفراد مواطنين . لماذا لا تلاحظ تركيا نفس هذا الأساس عندما تعرف مصالح الأقلية التركية في بلغاريا وقبرص؟ [14]ً .
يتفق نيكول توبروين مع الإعتقاد القائل بأن مشاكل الأكراد المدنيين والتي تحولت بواسطة اتاتورك مبنية على المثال الفرنسي.مع ذلك يشعر الأكراد بأنهم مبعدون ولا يرون بأنهم ينتمون للشعب التركي [15] .
ويستنتج بجانب المساوئ للنظام الفرنسي تجاهل الأقليات والتي تقود مباشرة لأزمات ، تحت مظلة المفهوم الفرنسي للعلمانية بأنه في السودان سيكونون ذو خبرة من المجتمعات المسلمة على الأقل في المنطقة المأهولة بهم بصورة أساسية - والتي ستكون فادحة الثمن، كما سنرى لاحقاً بالتفاصيل.
#عمر_عوض_الله_علي_قسم_السيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفيدرالية كآلية لحل الصراعات في المجتمعات المتعددة إثنياً و
...
-
الفيدرالية كآلية لحل الصراعات في المجتمعات المتعددة إثنياً و
...
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|