أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - حمدي سيد محمد محمود - انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية؟














المزيد.....


انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية؟


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 12:08
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    


لطالما قدمت الماركسية نفسها على أنها أيديولوجيا تحررية تستهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على التفاوت الطبقي، إلا أن الواقع أثبت أن هذه الفلسفة، رغم بريقها النظري، تحمل في طياتها تناقضات جوهرية تنكشف عند التطبيق العملي. إن أحد أهم إشكالات الماركسية هو تركيزها المفرط على مركزية الدولة وتحكمها المطلق في عناصر الإنتاج، مما يؤدي إلى هيمنة بيروقراطية خانقة تتحول مع الزمن إلى ديكتاتورية شمولية، كما حدث في الاتحاد السوفيتي والصين الماوية وغيرهما من الدول التي تبنت النموذج الماركسي. هذا التحكم المطلق جعل الدولة تحتكر كل مفاصل الاقتصاد والمجتمع، ما أدى إلى غياب المنافسة الطبيعية، وإعاقة النمو الاقتصادي، والأهم من ذلك، فقدان الحريات الفردية التي كان يُفترض أن تحققها الماركسية عبر إزالة الاستغلال الطبقي.

لقد كان من أبرز تجليات هذا التناقض أن الحزب الحاكم في الدول الماركسية لم يكن يمثل البروليتاريا كما ادّعى، بل تحول إلى سلطة نخبوية مغلقة تتحكم في المجتمع بقبضة من حديد، مبررة ذلك بشعارات مثل "ديكتاتورية البروليتاريا"، التي لم تكن في حقيقتها سوى ديكتاتورية الحزب الواحد. ففي الاتحاد السوفيتي مثلًا، لم يقتصر الأمر على هيمنة الحزب الشيوعي، بل امتد إلى رغبة توسعية لفرض هذا النموذج على العالم كله، ما أدى إلى صراعات أيديولوجية وسياسية واقتصادية عميقة، أبرزها الحرب الباردة. وهذا يعكس إشكالية أخرى في الماركسية، وهي إيمانها بحتمية الصراع الطبقي الذي يولد عقلية تصادمية، تجعلها تسعى باستمرار لفرض رؤيتها على الآخرين بالقوة.

إلى جانب ذلك، تعاني الماركسية من إشكالية خطيرة تتعلق بتهميش الفرد لحساب الجماعة، إذ يتم سحق الإنجازات الفردية في سبيل تحقيق "المصلحة العامة"، وفقًا لمفهوم الدولة المركزية. فبدلًا من مكافأة المبدعين والمجتهدين، يتم إذابتهم في كتلة جماعية متجانسة، ما يقضي على روح الابتكار والإبداع. إن هذا التوجه لا يؤدي فقط إلى الركود الفكري، وإنما يخلق أيضًا حالة من الإحباط واللامبالاة، حيث لا يجد الأفراد حافزًا للعمل الجاد في ظل غياب التقدير الشخصي. كما أن الماركسية تفرض نوعًا من الهيمنة الفكرية والثقافية، إذ لا تسمح بأي تعددية فكرية أو تنوع ثقافي، ما يؤدي إلى مجتمع جامد لا يتطور، بل يظل عالقًا في أيديولوجيا محددة تمنع أي محاولات للتحديث أو الإصلاح.

أما البيروقراطية، فهي واحدة من أخطر الآفات التي تعاني منها الأنظمة الماركسية، حيث تتحول الدولة إلى آلة ضخمة من الإجراءات المعقدة والتشريعات الصارمة التي تعطل سير الحياة اليومية. فمع غياب الحافز الربحي والقدرة على المنافسة، تصبح الإدارات الحكومية مترهلة وغير كفؤة، مما يفتح الباب واسعًا أمام الفساد والمحسوبية. إن هذا الوضع لا يؤدي فقط إلى إهدار الموارد، بل يعوق أيضًا أي محاولات لتطوير البنية التحتية أو تحسين مستوى الخدمات العامة. كما أن الاعتماد المطلق على التخطيط المركزي يجعل القرارات الاقتصادية بطيئة وغير مرنة، حيث تكون الدولة هي المتحكم الوحيد في السوق، ما يؤدي إلى تأخر الاستجابة للتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية العالمية، وبالتالي انخفاض القدرة التنافسية للدولة الماركسية مقارنة بالأنظمة الاقتصادية الأخرى.

لقد أظهرت التجارب التاريخية أن الماركسية، رغم شعاراتها الطموحة، لم تستطع تقديم نموذج اقتصادي قادر على تحقيق التنمية المستدامة، إذ إن إخضاع السوق لسلطة الدولة يؤدي إلى تراجع الكفاءة الإنتاجية، ويحد من الابتكار، ويفرض قيودًا صارمة على آليات العرض والطلب، ما ينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي. فالاقتصاديات الماركسية غالبًا ما تعاني من نقص السلع والخدمات، نتيجة التخطيط المركزي غير الفعّال، ما يدفع المواطنين إلى اللجوء إلى السوق السوداء لتلبية احتياجاتهم الأساسية. ومن هنا، فإن النظم الاشتراكية الماركسية لم تستطع الصمود طويلًا أمام الحقائق الاقتصادية، كما تجلى ذلك في انهيار الاتحاد السوفيتي وانفتاح الصين على اقتصاد السوق، في محاولة منها للنجاة من الانهيار الذي واجهته الدول الشيوعية الأخرى.

في النهاية، يمكن القول إن الماركسية، رغم أنها قدمت نقدًا مهمًا للرأسمالية وسلطت الضوء على قضايا العدالة الاجتماعية، فإنها في الوقت ذاته فشلت في تقديم نموذج بديل قابل للحياة. فالنظرية التي بدأت بوعد بتحرير الإنسان من الاستغلال، انتهت إلى أنظمة قمعية خانقة، جعلت الدولة أشبه بسجن كبير يتحكم في كل شيء، من الاقتصاد إلى الفكر والثقافة. وهذه المفارقة هي التي جعلت كثيرًا من المفكرين يعيدون النظر في الماركسية، باعتبارها نظرية تحمل في داخلها بذور فشلها، مهما بدا بريقها جذابًا من الخارج.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية الدينية: ازدواجية المفهوم بين الحداثة والتلاعب الس ...
- الجواهر الفردة: فلسفة الذرة في علم الكلام بين العقيدة والعقل
- فلسفة العقل: المفهوم، القضايا، والتأثير في الفكر الفلسفي الم ...
- تحليل الخطاب: تفكيك السلطة والمعرفة في اللغة وصناعة المعاني
- متاهات المعنى: جدلية العدمية والوجودية والعبثية في الفكر الف ...
- العلمانية العسكرية وتداعياتها على الواقع السياسي العربي
- التحرر من سجن العقل: فن إيقاف التفكير الزائد واستعادة صفاء ا ...
- جدلية الدين والسياسة عند المعتزلة: رؤية عقلانية لمفهوم الحكم
- ثورة المصانع المظلمة: كيف تبني الصين اقتصادا بلا عمال
- جملة التوحيد في الفكر الاعتزالي: المفهوم والأسس الفلسفية
- الماهية والوجود في الفلسفة الأوروبية الحديثة والمعاصرة: صراع ...
- الجيش والسياسية في العالم العربي: تاريخ الانقلابات العسكرية ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل الهوية: نحو تصنيفات ما بعد بشر ...
- العلمانية السياسية: قراءة نقدية في المفهوم والممارسة
- آرثر شوبنهاور: الفيلسوف التشاؤمي وتأثيره الفلسفي العميق
- خطة مورغنثاو: محاولة خنق ألمانيا اقتصاديًا بعد سقوط النازية
- الفلك في ميزان الوحي والعلم: كشف أسرار الكون بين القرآن والا ...
- الاستبداد وصناعة العقول: كيف يُعيد الطغيان تشكيل الوعي الجمع ...
- صناعة الحقيقة: كيف يشكل الدين والسياسة والإعلام وعينا بالعال ...
- العلمانية الفلسفية: جدلية العقل والدين في تشكيل المجتمعات ال ...


المزيد.....




- فيديو للحظة تنفيذ الضربة الجوية الأمريكية على الحوثيين في ال ...
- أمريكا تعلن مقتل قادة حوثيين في غاراتها على اليمن وتتوعدهم ب ...
- عراقجي لواشنطن: عهد الإملاءات قد ولى منذ 1979 ولا سلطة لكم ع ...
- هل دخلت المواجهة بين واشنطن والحوثيين طورا جديدا؟
- تبرئة داعية كويتي شهير من الإساءة للسعودية ومصر والأردن
- الكويت.. سحب الجنسية من 12 مزورا
- مصر.. مصرع وإصابة 29 شخصا بحادث مرور مروع
- مصدر سعودي مسؤول ينفي المزاعم حول دعم لوجيستي للهجمات الأمري ...
- روسيا – بولندا.. صراع مستمر طوال ألف سنة.. الحلقة اللأولى
- والتز: الولايات المتحدة قد تتخذ إجراءات ضد روسيا إذا رفضت ال ...


المزيد.....

- نعوم تشومسكي حول الاتحاد السوفيتي والاشتراكية: صراع الحقيقة ... / أحمد الجوهري
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - حمدي سيد محمد محمود - انهيار الحلم الماركسي: كيف تحول شعار العدالة إلى سلطة شمولية؟