أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - طواويسُ الجمال والدهشة














المزيد.....


طواويسُ الجمال والدهشة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 11:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين يبسطُ الطاووسُ ريشَه في استعراضٍ مسرحيٍّ بديع، فإنه يُجسّدُ إحساسًا عميقًا بفرادته وتفرّده عن سائر الطيور. والمدهشُ أن لا طاووسَ يشبه طاووسًا، فكلُّ طاووسٍ يختصُّ بخريطةٍ لونيةٍ وشكليةٍ لا تتكرر، مما يجعله أيقونةً خالدةً للجمالِ والنخبويةِ عبر العصور.
اليومَ عيدُ ميلاد أحد طواويس مصرَ الفريدة. اقرأوا معي هذه الكلمات: "محمد عبد الوهاب فنانٌ عبقريّ، لو أنَّ اللهَ خلقَه في أيِّ عصر، أو أيّ مكانٍ، لكان مخلوقًا فذًّا. يؤمنُ تمامًا بأن مكانَه الطبيعيّ بين صفوف الزعماء. استطاعَ بفضل فنّه أنْ يكتبَ اسمَه بحروفٍ كبيرة في التاريخ."
هذا الرأيُ، الذي لا شكَّ في صوابه، عن الموسيقار العظيم "محمد عبد الوهاب"، ليس من كلماتي، ولا هو مقتبسٌ من ناقدٍ موسيقيٍّ أو مؤرخ مُنصِف، ولا هو تعريفٌ استقيتُه من إحدى الموسوعات لأصفَ به عظيمَ النغم، في عيد ميلاده اليومَ ١٣ مارس، إنما المدهشُ حقًّا أن كاتبَ هذي الكلمات هو آخرُ شخصٍ يمكن توقّعه… إنه "عبد الوهاب" ذاته!
المناسبة: عام ١٩٥٠، طلبتْ مجلةُ "الكواكب" من الموسيقار الكبير أن يكتب شهادةً عن نفسه فكتبَ ما سبق! وصدّرتْ د. رتيبة الحفني كتابَها: "عبد الوهاب، حياتُه وفنُّه"، بتلك الشهادة.
والحقُّ أنني اندهشتُ! لا من النرجسية ذاتها؛ فكلُّ مبدعٍ يحملُ منها قدرًا، بل من جسارة إعلانها! ذلك أنَّ المبدعَ يتعمَّدُ إظهارَ التواضع، ولو اصطناعًا، ليجعلَ كلماتِ التقدير تأتي على لسان الآخرين، فيكونُ الحقُّ ما شهدَ به الآخرون.
وقد ميّزتِ العربيةُ بين ألوان الإعجاب بالنفس. فلدينا: النرجسيةُ، الغرورُ، التعالي، الاعتدادُ بالنفس، حبُّ الذات، الثقةُ بالنفس، الأنا المتضخمةُ، الأثرة، التكبّر، نفي الآخر، وغيرها من ألوان رؤية الذات وإقصاء الغير. على أن ما أعنيه هنا لا ينتمي بحالٍ إلى تلك القائمة الشائكة. إنها شيءٌ طفوليٌّ نبيل. هي طاووسيةُ الفنّان؛ التي تجعله يرى نفسَه مختلفًا وجميلا. وهي ضرورةٌ لصناعة الجمالَ. فلو أنه قَبِلَ أن يرى نفسَه عاديًّا، لقَبِل، بالتالي، أن يُنتجَ شيئًا عاديًّا. لكنْ مَن يرى نفسَه جميلا، يعيشُ في قلق دائم على هذا الجمال؛ يخشى زوالَه خشيتَه الفناء، فيأبى إلا أن يُقدّمَ المدهشَ المائزَ الفريد. ونحن نقبلُ طاووسيةَ المبدع، مادامت أداةَ إبداعِه، ومن ثم سببَ مُتعتنا.
لهذا أحببنا نرجسيةَ المُغادِر الجميل "محمود درويش" حين كان يختالُ ويتدلّلُ ويفرُّ من الصحافة والمعجبين، وفتنتنا طاووسيةُ "أحمد عبد المعطي حجازي" وهو يلقي قصائدَه كمايسترو؛ عصاهُ يدُه؛ تُطوِّعُ "الحَرفَ" نَبْرًا وقَطْعًا وحركةً وسُكونًا وإدغامًا وإشباعًا، فيخرجُ مشحونًا بالغناء. واحترمنا طاووسيةَ "أينشتين" حين أوصى بتحليل ووزن مخّه بعد وفاته للوقوف على سر عبقريته، تماما مثلما ابتسمنا بمحبة لقول "المتنبي"، عن نفسه: "سيعلمُ الجمعُ مِمَن ضمَّ مجلِسُنا/ بأنني خيرُ مَنْ تسعى به قدمُ/ أنا الذي نظرَ الأعمى إلى أدبيْ/ وأسمعتْ كلماتي مَن به صَمَمُ/. كَمْ تطلبونَ لنا عيبًا فيُعجِزُكم/ ويكرهُ اللهُ ما تأتون والكرمُ/ ما أبعدَ العيبَ والنقصانَ عن شرفي/ أنا الثريا وذان الشيبُ والهِرَمُ."
لذلك نقبلُ ونُثمّنُ ما قاله الموسيقارُ "عبد الوهاب" عن نفسه، مادام قد ملأ حياتَنا جمالا وعذوبةً، وطالما ظلُّ لنا أبدًا مُلهمًا لا يخبو. ذاك أن “الطاووسية” التي ميّزته لم تكن غرورًا، بل محفزٌ دائمٌ لتطوير أدواته واستشراف الجديد. لقد أدرك، بفراسته، أن البقاء في القمة يتطلب ثنائية: الإيمان بالذات، والإصرار على التجديد. لهذا لم يتوقف عند حدود التلحين، بل حرص على تطوير معرفته الموسيقية، فدرس الموشحات والأوبرا والموسيقى الغربية، وامتلك حسًّا استشرافيًا نادرًا جعله يُقدِّم لونًا حداثيًا متفرّدًا في زمنٍ كان محافظًا على القوالب التقليدية.
ولم تكن طاووسيةُ "عبد الوهاب" نزعة فردية، بل كانت تيارًا سرت عدواه في جيله. فمثلما هو طاووسُ الموسيقى، كان "العقادُ" طاووسًا في الأدب والفكر، ذا ثقة صلبة في آرائه، حتى وصف نفسه بأنه “عالمُ عصره” في الفكر. كذلك كان "نجيب محفوظ"، رغم هدوئه وبساطته، يدركُ أنه يكتب للتاريخ، لا للحاضر فحسب، فحافظ على أسلوبه الفريد دون أن يتنازل للذائقة السائدة.
ويبقى السؤال: هل يمكن أن يكون الفنانُ أو الأديب متواضعًا؟ وهل ثمة عبقريةُ دون اعتداد بالنفس؟ الواقعُ يؤكد أن العباقرة الذين تركوا بصماتهم على وجه التاريخ كانوا يحملون ذلك المزيج الفريد من الثقة والرؤية النقدية لأنفسهم، وهي معادلة دقيقة. فمن دون الثقة بالنفس، لا تأتي الدهشةُ، ومن دون "النقد الذاتي"، يصيرُ المبدعُ نسخةً شوهاءَ من نفسه. وأدرك "عبد الوهاب" ذلك، فكان يعيد النظر في أعماله مرارًا، حتى بعد نجاحها، وكثيرًا ما حذف أو عدّل ألحانًا حتى تصل إلى ذروتها الجمالية.
وهنا تكمن المفارقة: الطاووسيةُ لا تعني الجمود، بل الإيمان بالجمال والسعي المستمر نحو الكمال، وهنا سرُّ خلود أولئك العمالقة. كل سنة وأنت جميلٌ يا مايسترو.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإفطار مع -السيدة الأولى-
- حلويات رمضان (٢)
- حلويات رمضان … دون سكّر… بالشهد المُصفّى (١)
- ألا في الفتنةِ سقطوا (٢)
- مايسترو -الضمير- … في صالوني
- مدرستي الجميلة CGC ... ١١٠ عامًا من المجد ...
- مدرستي الجميلة CGC ... ١١٠ عامًا من المجد ...
- التسامحُ الدينيُّ ومكافحةُ خطابِ الكراهية
- “مش روميو وجولييت-… التحليقُ بالفنِّ
- ألا في الفتنةِ سقطوا (١)
- رأسُ السنة الصينية... في دفء القاهرة
- طقسُ الشتاء والقراءة في -معرض الكتاب-
- المرأةُ وحقوقُها … في -منتدى القيادات النسائية-
- “خبيئة بيكار- … في صُوانِ طفولتنا
- إحدى خوالد: الدكتور -بدر عبد العاطي-
- “خالد العناني- … صوتُ مصرَ الحضاريُّ في اليونسكو
- “مكرم هارون-… واحدٌ من النبلاء
- صلاح دياب: -إيجي لاند- الفرعونية
- عيد الميلاد المجيد … مِحرابٌ ومَذبح
- سنة حلوة بالحب… شكرًا ستّ -عفاف-


المزيد.....




- الاحتلال يخطر بهدم منزل ويواصل تجريف أراضٍ في سلفيت ورام الل ...
- الإسلاميون وقرنٌ من المحاولة.. أفكارٌ ورؤية لم تتحقق!!
- كيفية استقبال تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 لمتابعة أقوى ال ...
- رجال دين دروز من سوريا يلتقون بالزعيم الروحي للدروز في إسرائ ...
- شيخ الأزهر يوجه خطابا للأمم المتحدة بسب تهديدات -الإسلاموفوب ...
- الأذان الجماعي في الجامع الأموي.. طقس دمشقي يزيده رمضان حضور ...
- 90 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في رحاب المسجد الأقصى ا ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل جمعا من الشعراء والادباء في الب ...
- 90 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في رحاب المسجد الأقصى ا ...
- المجر تطالب بحماية التراث المسيحي وإغلاق الباب الأوروبي أمام ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - طواويسُ الجمال والدهشة