|
المنطقة العربية في كتاب -الوحدة العربية هل لها من سبيل- منيف الرزاز
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 8283 - 2025 / 3 / 16 - 08:29
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
هناك كتيبات/كراسات صغيرة في حجمها، لكنها عظيمة في مضمونها، في وصولها للحقيقة، وإيصالها للمتلقي، وكأن كاتبها كان على علم بأهمية الوقت، وقته، ووقت المتلقي، والوقت المتبقي للعرب لخروج من واقعهم البائس، لهذا ابتعد عن الشرح والخوض في المتفرقات، مركزا على الجوهر، على حقيقة المنطقة العربية وما تعانيه من مشكلات التي اختزلها بعدم وجودة وحدة بين الأقطار العربية، مما جعلها ضعيفة، تابعة للاستعمار حتى بعد خروجه من المنطقة. من الحقائق التي أشار إليها المفكر "منيف الرزاز" هذه الحقيقة: "فإن أكثر ما يخشاه الاستعمار في هذه المنطقة من العالم قيام دولة عربية قوية واحدة، تسيطر على أهم نقطة من نقاط المواصلات في العالم، وتسيطر على أكثر من ثلثي مخزون البترول في العالم، ومن أجل هاتين الميزتين لا بد أن يكون تمسك القوى الإمبريالية بهذه المنطقة، وتمسكها بها ضعيفة وعاجزة عن التصدي القوي بهذه القوى الاستقلالية، أكثر من تمسكها بأي منطقة أخرى من ناطق الدنيا، وإذا اضطر الاستعمار إلى الانحسار عن شبه القارة الهندية، وشبه القارة الصينية، ونصف الانحسار عن القارة الأفريقية، فإنه سيقاتل بشراسة، من أجل الإبقاء على المنطقة مجزأة ومهددة وضعيفة، ليبقى له استغلاله ونفوذه، أن لم يبقى له جيوشه واحتلاله. من أجل ضمان ذلك، خلق الاستعمار إسرائيل، لتكون رأس جسر دائم ومستقر في قلب المنطقة، ومن جل ذلك حارب كل خطوة وحدوية حربا قاسية شرسة." ص13، هذه الحقيقة على كل مواطن عربي فهمها ومعرفتها، إن كان عاديا أم متنفذا، وما قاله تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية لقائد القوات البريطانية في شرق أسيا حينما طلب منه أرسال القوات البريطانية إلى العراق لضرب حركة رشيد عالي الكيلاني، وحذره من خطورة أن تقوم القوات اليابانية بالسيطرة على القواعد البريطانية في شرق أسيا، رد عليه تشرشل: إن احتلال استرالية أهون على الإنجليز من خروج العراق والمنطقة من أيديهم. من هنا كانت التجزئة هي الأداة التي حافظت على مصالح الاستعمار، وكل شخص حاول أن يتجاوزها تمت تصفيته، من الملك عبدالله بن الحسين ملك الأردن الذي فكرة بوحدة الأردن والعراق، فكان مصيره القتل في القدس، ومرورا بالملك غازي الذي حاول استعادة الكويت لأنها أرض عراقية، فغتيل بحادث سير مفبرك، إلى عبد الناصر الذي طهر المنطقة من القواعد الغربية، وصدام حسين الذي أعدم لأنه تجاوز التقسيم واستعاد الكويت، والقذافي الذي عمل على توحيد الأفارقة بعد أن فشل في لم جمع شمل العرب في أي شكل من أشكال الوحدة. واللافت في هذا المقطع أن الباحث يشير إلى دور دولة الاحتلال في المنطقة، فهي الحارس الأمين لمصالحه، وهي رأس الحربة التي يضرب بها كل من يخرج عن الطاعة، وهذه الحقيقة تؤكدها الأحداث في المنطقة العربية. وهنا يطرح سؤال: ما أهمية التجزئة للغرب؟ وكيف أن الوحدة تؤثر عليهم وعلى مصالحهم؟ يجيب الباحث "منيف الرزاز" بقوله: "من غير الوحدة، ستظل أقطارنا العربية مجزأة، ضعيفة، متخلفة، ومعتمدة فوق ذلك كله على الاستعمار في علاقتها الخارجية الاقتصادية بشكل أو بآخر، ومهما تعاظم استقلال هذه الأقطار، ومهما حاولت التخلص من النفوذ الإمبريالي فإن حجمها نفسه، وضعفها نفسه، وطاقتها المحدودة نفسها، سوف تضطرها إلى أن ترتبط بأعدائها بالضرورة، ولو بأوهى الروابط. لذلك فإما أن نتوحد فنكون، وإما أن تبقى مجزئين فلا نكون" ص23، نلاحظ أن الباحث يسبق عصره في رؤيته للتجزئة، فمن كان يتوقع أن يتحالف الحكام العرب مع عدوهم المباشر (إسرائيل)، فقد تجاوزا التحالف مع الإنجليز والأمريكان، وأقاموا علاقات عسكرية واقتصادية وأمنية مع دولة الاحتلال، تحت شعار الحفاظ على أمن المنطقة، وهذه حقيقة (أمن المنطقة) لكن هذا الأمن لصالح من؟ لصالحنا كعرب، أم لصالح الغرب والأعداء؟ ما يجري في فلسطين وفي اليمن ولبنان وسورية الآن، يؤكد أن المصالح الإمبريالية هي التي يُحافظ عليها وليس مصالح العرب، لهذا نحن ضائعون، لا مكان لنا بين الأمم، وذلك بفضل حكامنا وبفضل التجزئة التي حافظوا عليها وقدسوها، فكل قطر ينادي "أنا أولا" لكن هذه ال"أولا" ما هي إلا آخرا. دولة الاحتلال ودور الثورة الفلسطينية في تحرير وتوحيد المنطقة يخص الباحث "منيف الرزاز" مساحة جيدة في بحثه عن دور دولة الاحتلال في الحفاظ على المصالح الإمبريالية في المنطقة، وعن تشابك المصالح بين الغرب وبين دولة الاحتلال، وأيضا دور الثورة الفلسطينية في تحقيق الوحدة العربية، مؤكدا أن الدول الإمبريالية ستقوم بحماية دولة الاحتلال إذا ما تعرضت أي لهجوم، من أي دولة عربية أو منظمات ثورية: " وإسرائيل، الوجود المادي للإمبريالية في المنطقة التي تعتبرها الإمبريالية أهم منطقة لها في العالم كله، لا تقوم أهميتها على حجمها، بل على بقائها قوية ومنتصرة ومهددة بالتوسع وبالعدوان، وعي تقوم، بالنيابة عن القوى الإمبريالية، بتحقيق كل ما لم يكن ممكنا تحقيقه إلا بواسطة هذه القوى وستظل تقوم بهذا الدور ما تمكنت من ذلك، فإذا عجزت، هبت هذه القوى للتدخل، لا باسم العدوان الاستعماري، وهو الذي يعارضه الرأي العام الإنساني كله، ولكن باسم حماية دولة معرضة للفناء بسبب عدوان عربي" ص44، وهذا ما كان وما سيكون، وما نراه اليوم من هجوم بريطاني أمريكي على اليمن والبنان والعراق وسورية، يؤكد أن هذه الدولة ما هي إلا مندوبا للإمبريالية وفي حمايتها، ومن يتعرض لها بأي أذى يضرب وبشراسة، وها هي صنعاء تضرب اليوم من الإنجليز والأمريكان، والحكام العرب يتفرجون على قتل الثور الأسود لأنهم يعتقدون أنهم في مأمن من القتل. وعن دور الثورة الفلسطينية في توحيد الأقطار العربية يقول الباحث "منيف الرزاز": "الثورة الفلسطينية هي التي يمكن أن تضع الدول العربية المجزأة المختلفة مع بعضها، أمام مسؤوليتها في توحيد جهودها في المعركة الفلسطينية... أن توحيد الجهد العربي، المشتت حاليا تشتت الأنظمة العربية القطرية، سيكون أكثر سهولة إذا اجتمع حول رأس حربة فعال" ص47و48، هذه الحقيقة عرفها الأعداء، فعملوا على إنهاء الثورة الفلسطينية من خلال فرض حروب ومعارك جانبية عليها، مما حد/أفقد قدرتها على محاربة دولة الاحتلال، إلى أن وصلت إلى القبول (بالواقع) وتوقيع أوسلو، لكن خروج ثورة فلسطينية جديدة بلباس إسلامي، أكد أن الثورة هي الجامع والموحد لكل العرب، حتى وإن اجتمعوا وتوحدوا على تصفية الثورة نفسها. نقد الذات اللافت في هذا الكتيب/الكراس أن الباحث ينتقد حزب البعث، مع أن "منيف الرزاز" من قادة الحزب ومن أبرز مفكريه، فينتقد الحزب في سورية وفي العراق لأنهما لم يقوما بالوحدة: "وأن البعثيين العراقيين كانوا يحكمون العراق، وأن البعثيين السوريين حكموا سوريا، ولكن "البعث" بمعناه القومي الجماهيري الواسع، لم يحكم أيا منهما" ص39، وينتقد الأنظمة التقدمية العربية أيضا بقوله: "أنها تريد الوحدة، ولكنها، في نفس الوقت، عاجزة عن إقامة هذه الوحدة" ص34و35، وهذا ما يجعل "منيف الرزاز" رجل موضوعي، صادق مع نفسه كما هو صادق مع الجماهير التي يخاطبها، فيكفيه أنه لم يهادن أحدا، حتى الحزب الذي ينتمي له، فيالتنا نجد اليوم مفكر بحجم "منيف الرزاز" وأخلاقه، لما وصل حالنا لهذا البؤس الخنوع والذل. الكتيب من منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 1971.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جمالية الشكل والمضمون في كتاب -من حديث أبي الندى- إبراهيم ال
...
-
سورية الجديدة (5) وما أرسلناك إلا قاتلا للسوريين
-
نقد الذات في رواية شامة سوداء أسفل العنق
-
الماضي في رواية جبل التاج لمصطفى القرنة: قراءة نقدية
-
التحدي في -كفاح كفاح- كفاح الخطاب
-
ية والواقع في رواية -العاشق الذي ابتلعته الرواية- أسيد الحوت
...
-
الإنجليز وعملائهم في مذكرات صلاح الدين الصباغ
-
المبدئي والمرتد في مسرحية الدكتاتور جول رومان، ترجمة عبد الم
...
-
فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرمى»
-
بين فلسفة الكرة وجمال الأدب: قراءة في عالم «الطريق إلى المرم
...
-
الشاعر في قصيدة -حملت حروفي- أحمد الخطيب
-
سلاسة التقديم في بكائيات غزة ميسون حنا
-
العالم في قصيدة -نصفان: مأمون حسن
-
صلاح أبو لاوي في صباح الحرية
-
الصراع في ومضة -الولد الجني- المتوكل طه
-
صيغة السرد والمضمون -ال...هو/ القاروط/أيوب- في رواية -الكوان
...
-
اليهودي في رواية -كوانتوم- أحمد أبو سليم
-
الأسر والأسرى في كتاب -حسن اللاوعي- إسماعيل رمضان
-
-إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية
...
-
الثورة في ديوان -أعرني بعض إيمانك- فكري القباطي
المزيد.....
-
-رويترز-: الجيش الأمريكي يسقط 11 مسيرة أطلقها الحوثيون باتجا
...
-
غروشكو: روسيا ستطالب بضمانات أمنية صلبة في إطار التسوية في أ
...
-
محمد رمضان يثير الجدل بإطلالة جديدة
-
ترامب يعلن ارتفاع حصيلة ضحايا العاصفة في الولايات المتحدة إل
...
-
باريس سان جرمان يفرض هيمنته ويهزم مرسيليا في -كلاسيكو- الدور
...
-
فلسطين إذ تحرج الحياد السويسري من جديد
-
وتقابل حبيب-.. هل ابنة ياسمين عبدالعزيز في المسلسل تشبهها في
...
-
نتنياهو يعتزم إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) لانعدا
...
-
اليمن: ضحايا ما زالوا تحت الأنقاض جراء الغارة الأمريكية وعمل
...
-
مفاوضون إسرائيليون يصلون القاهرة لمناقشة قضية الرهائن في غزة
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|