أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد علي سليفاني - الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية















المزيد.....


الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8282 - 2025 / 3 / 15 - 15:51
المحور: القضية الكردية
    


على مدى قرون طويلة، أسهمت الصراعات المستمرة مع القوى الإقليمية، إضافةً إلى النزاعات الداخلية والمواقف الدولية المتقلبة، في تشكيل الشخصية الكوردية وسلوكها الجمعي. ومن أبرز التحديات التي واجهها الكورد عبر العصور غياب الرؤية الاستراتيجية طويلة الأمد، مقابل الميل إلى اتخاذ قرارات آنية متأثرة بالظروف المتغيرة. يعكس كتاب "كوردستان في التاريخ الحديث" للأستاذ الدكتور علي تتر نيروَي صورة واضحة عن المعضلات الفكرية والنفسية التي واجهت الكورد عبر العصور، خاصة فيما يتعلق بالانقسامات الداخلية، والاستجابة المتأخرة للأحداث، وصعوبة تحقيق الوحدة القومية. في هذا التحليل، سنحاول الغوص في أعماق التركيبة النفسية والفكرية والعاطفية للشخصية الكوردية، وفق المعطيات التاريخية التي وردت في الكتاب.
أولًا: السمات النفسية للشخصية الكوردية
تُظهر الفصول المختلفة من الكتاب أن الشخصية الكوردية قد تشكلت عبر مزيج من العوامل التاريخية والثقافية والجغرافية والسياسية، والتي تركت آثارًا عميقة على الوعي الجمعي للكورد. ومن أبرز هذه السمات:
1. الإحساس العميق بالمظلومية والتوجس من القوى الإقليمية والدولية
يشير المؤلف إلى أن الكورد تعرضوا عبر التاريخ لخيانات متكررة من القوى الكبرى، سواء من الدول المجاورة (الفرس، العثمانيون، العرب، والأتراك) أو من القوى الدولية العظمى. أدت هذه التجربة إلى تكوين وعي سياسي كوردي يميل إلى الشك والريبة في التعامل مع القوى الخارجية.
يبرز الكاتب أن الاتفاقيات الدولية، مثل معاهدة سايكس - بيكو واستفتاء إقليم كوردستان 2017، كلها محطات زادت الشعور بالخذلان لدى الفرد الكوردي، حيث كان يتوقع دعمًا دوليًا ولم يجده.
كما يؤكد الكتاب أن الشعور بالظلم والتهميش أسهم في ترسيخ إحساس دائم بانعدام العدالة وازدواجية المعايير في السياسة الدولية تجاه القضية الكوردية، مما عزز الحذر المفرط في التعامل مع المحيط السياسي.
ثانيًا: النزعة الاستقلالية والتمرد السياسي
من خلال استعراض أحداث مثل ثورات علي باشا جانبولاد ضد العثمانيين (1605 - 1611)، وانتفاضات الإمارات الكوردية ضد السلطنة العثمانية والصفويين، يمكن ملاحظة أن الكورد تميزوا بنزعة استقلالية قوية جعلتهم يرفضون التبعية للأنظمة المركزية، ويميلون إلى الحكم الذاتي واللامركزية.
مع ذلك، يوضح الكاتب أن النزعة الاستقلالية لم تُرافقها رؤية استراتيجية بعيدة المدى، مما جعل الكورد عرضة للتفكك الداخلي. فقد رفض الأمراء الكورد مرارًا الانضواء تحت سلطة موحدة، الأمر الذي أدى إلى انقسامات استغلّتها القوى الخارجية لإخضاعهم.
يذكر الكتاب أن الملا إدريس البدليسي استطاع إقناع أكثر من 55 أميرًا كورديًا بالتحالف مع العثمانيين، لكنهم رفضوا الخضوع لسلطة أمير كوردي واحد، مما جعل وحدة القرار السياسي الكوردي مهمة مستحيلة عبر التاريخ.
ثالثًا: العقلية الكوردية بين البراغماتية والاندفاع العاطفي
تُظهر الدراسات التاريخية في الكتاب أن العقلية الكوردية تميل إلى اتخاذ قرارات وفق المصلحة الآنية، دون تخطيط طويل الأمد، وهو ما أدى إلى وقوعها مرارًا ضحّية للمتغيرات السياسية المفاجئة.
الاعتماد على الحلول المؤقتة بدلًا من التخطيط الاستراتيجي
يظهر في الكتاب أن الأمراء الكورد في القرون الماضية كانوا يبدّلون ولاءهم بين الصفويين والعثمانيين وفق الظروف الآنية، دون بناء تحالفات ثابتة أو استراتيجية قومية بعيدة المدى.
يشير الكاتب إلى أن أحد الأسباب الجوهرية لعدم قيام دولة كوردية هو هذا النمط من اتخاذ قرارات مؤقتة دون استراتيجية واضحة للحفاظ على الاستقلال طويل الأمد.
التأثر بالمحيط الإقليمي والمعتقدات الدينية
كان الملا إدريس البدليسي مثالًا على الشخصية الكوردية التي دمجت بين الفكر الديني والسياسة، مما انعكس على قراراته.
يشير الكتاب إلى أن كثيرًا من الزعماء الكورد لم تكن لهم نظرة سياسية بعيدة الأمد، بل تصرفوا وفق الدوافع الدينية أو الولاء العشائري، ما أدى إلى ضياع فرص تاريخية لتحقيق الوحدة القومية.
الحساسية العاطفية والميل للاندفاع
تعكس كتابات المؤلف حدة المشاعر القومية عند الكوردي، خاصة عند الحديث عن المآسي التاريخية مثل الأنفال والمجازر العثمانية والصفوية.
هناك تفاعل عاطفي شديد مع المظالم التي تعرض لها الكورد، وهو ما أدى إلى انفعالية عالية تجاه كل ما يمس الكرامة القومية.
هذه العاطفة الشديدة تجعل الكوردي قادراً على التضحية لأجل شعبه، لكنها في الوقت ذاته قد تؤدي إلى قرارات متسرعة عاطفية دون حساب العواقب الاستراتيجية.
ثالثًا: الاستنتاجات النهائية حول الشخصية الكوردية
بعد تحليل الكتاب، يمكن تلخيص خصائص الشخصية الكوردية في ثلاث جوانب رئيسية:
نفسيًا: فخر قومي شديد – إحساس بالظلم التاريخي – نزعة استقلالية قوية – عدم الثقة بالقوى الخارجية – ردود فعل حادة عند الإحساس بالتهديد.
فكريا: الميل إلى اتخاذ قرارات آنية – براغماتية في التحالفات – تأثر بالفكر الديني في اتخاذ المواقف – النزعة العشائرية تؤثر على القرار القومي.
عاطفيًا: مشاعر قوية تجاه الشعب والوطن – الإحساس بالخذلان – التفاعل العاطفي الحاد مع القضايا القومية – التعاطف مع قضايا الشعوب الأخرى رغم المعاناة.
دينيا: التسامح الديني بين الطوائف الكوردية المختلفة، مما جعل الكورد أقل طائفية مقارنة بجيرانهم.

ختامًا: يظهر الكتاب أن الشخصية الكوردية تشكّلت في ظل أزمات متكررة من الظلم والاضطهاد والمقاومة، مما أفرز شخصية فخورة وصامدة، لكنها عاطفية، تحرّكها الكرامة القومية أكثر من المصالح البراغماتية. ومع ذلك، يبرز الكاتب نقدًا لتشتت الصف الداخلي والنزعات العشائرية التي أسهمت في عرقلة المشروع القومي الكوردي.
يبقى السؤال الجوهري الذي يطرحه الكتاب ضمنيًا: هل يمكن أن يتحول الشعور بالظلم والشك بالآخر إلى دافع لتشكيل رؤية سياسية استراتيجية بعيدة المدى؟ أم أن النزعة الفردية والتأثيرات الدينية والولاءات القبلية ستبقى عوائق أمام تشكيل كيان سياسي موحد ومستقل؟



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم المجد ومجد الوهم
- التكوين الفلسفي للهوية الكوردية في كتاب -كوردستان القديمة-
- بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث
- سلاسل من حرير
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...


المزيد.....




- حركة النهضة التونسية: النظام يرتكب تجاوزات خطيرة بحق السجناء ...
- ذوي الأسرى: نتنياهو يتخلى عن المحتجزين للحفاظ على حكومته
- نتنياهو يبحث نتائج مفاوضات الدوحة وعائلات الأسرى تتهمه بإشعا ...
- مدير عام الطب الشرعي بغزة: الاحتلال يطمس أدلة تثبت ارتكابه ج ...
- في اليوم الدولي لمكافحة الإسلاموفوبيا: الأمم المتحدة تحذر من ...
- ألمانيا تخطط لإعادة لاجئين سوريين إلى وطنهم
- تحذير من وضع خطير في لبنان بعد وصول موجة جديدة من اللاجئين ا ...
- لحظة اعتقال الطالب الفلسطيني محمود خليل في نيويورك
- الأونروا: افتتحنا 130 مقرا مؤقتا بغزة لتعليم نحو 47 ألف طفل ...
- القضية الكردية تعود إلى الواجهة في تركيا وسوريا


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - خالد علي سليفاني - الشخصية الكوردية بين إرث الصراعات وغياب الرؤية الاستراتيجية