أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد علي سليفاني - وهم المجد ومجد الوهم














المزيد.....

وهم المجد ومجد الوهم


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8281 - 2025 / 3 / 14 - 22:11
المحور: المجتمع المدني
    


في عالم اليوم، حيث تتسارع الأحداث والتطورات، نجد أن بعض الشعوب تعيش في حالة من التأخر المزمن، غير قادرة على مواكبة العصر أو تحقيق نهضة حقيقية. إن هذه الشعوب التي غالبًا ما تكون ضحية للفساد والاستبداد ونهب الثروات، تجدُ نفسها غارقة في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، فإن المثير للدهشة هو ميل هذه الشعوب إلى التفاخر بأمور شكلية لا تغيّر شيئًا في واقعها الأليم، بل ربما تكرّس هذا الواقع أكثر.

مجد مزيّف وسط معاناة حقيقية
من الملاحظ أن كثيرًا من الشعوب التي تعاني من الفقر والتهميش والقمع تنجذب إلى المظاهر بشتى أنواعها مثل الاعتراف الدولي أو المجاملات الدبلوماسية التي لا تقدم ولا تؤخر. على سبيل المثال، عندما يقوم رئيس دولة أجنبية بزيارة بلد متأزم سياسيًا واقتصاديًا، أو عندما يظهر رئيس هذا البلد في محفل دولي ويتلقى ترحيبًا رسميًا، نجد الشعب يحتفي بهذا الحدث وكأنه إنجاز عظيم، متناسيًا الأزمات التي يعيشها يوميًا. بل يصل الأمر إلى تناقل صور هذه اللحظات والتفاخر بها على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن احترام رئيسهم في الخارج يعوّض عن الإذلال الذي يعانونه في الداخل.

كذلك، عندما ينجح رياضي أو فنان في رفع علم بلاده في محفل عالمي، ترى الجماهير تحتفل بهذا الإنجاز وكأنه يعوّض عن عقود من التهميش والحرمان. لا شكّ في أن النجاحات الفردية جديرة بالاحتفاء، ولكن المشكلة تكمن في أن هذا الاحتفاء يتحول إلى وسيلة لتجاهل المشكلات الجوهرية التي تعيشها البلاد، وكأن رفع العلم في محفل دولي سيُحسّن مستوى المعيشة أو يقضي على البطالة والفقر.

استغلال الأنظمة النجاحات الفردية
تُدرك الأنظمة الحاكمة هذه النزعة النفسية لدى الشعوب جيدًا، ولذلك تسعى إلى تحويل أي نجاح فردي إلى مكسب وطني أو قومي، بحيث يصبح نجاح رياضي أو فنان بمثابة إنجاز للدولة كلها، رغم أن هذه الدولة نفسها لم تقدم شيئًا لدعم هذا النجاح تُستَغل هذه اللحظات لإلهاء الشعوب عن القضايا المصيرية، وإشعارها بأن هناك تقدمًا وهميًا، في حين أن الواقع يظل كما هو، إن لم يكن يزداد سوءًا.

الهروب النفسي من الواقع
إنّ هذه الظاهرة ليست عشوائية، بل هي انعكاس لحالة نفسية جماعية تعيشها الشعوب المتأخرة. حين يكون التغيير الحقيقي بعيد المنال، يرى الناس في الرموز الشكلية وسيلة لإيجاد إحساس زائف بالعزة والكرامة. يتم ترسيخ هذا النمط النفسي عبر وسائل الإعلام الرسمية التي تحاول تسويق أي حدث إيجابي - ولو كان شكليًا - على أنه إنجاز وطني عظيم.

لماذا تتبنى الشعوب هذه العقلية؟
هناك عدة عوامل نفسية واجتماعية تدفع الشعوب إلى تبني هذه العقلية ومنها:
العجز المكتسب: عندما يتعرض الناس لفترات طويلة من القمع والظلم دون أن يتمكنوا من إحداث تغيير، يتولد لديهم "العجز المكتسب"، وهي حالة نفسية تجعلهم يعتقدون أن أي محاولة لإصلاح الواقع محكوم عليها بالفشل، فيلجؤون إلى الاحتفاء بالرموز الشكلية تعويضًا عن الشعور بالعجز.

البحث عن معنى وإحساس زائف بالعزة: يبحث الإنسان بطبيعته عن الانتماء والاعتزاز بهويته. عندما لا يجد إنجازات حقيقية يفتخر بها، فإنه يتمسك بالرموز الشكلية ليخلق وهمًا بالقوة والكرامة.

البرمجة الاجتماعية والتنشئة المبكرة: في العديد من الدول المتأخرة، يتم تربية الأفراد منذ الصغر على تقديس السلطة والرموز الوطنية، دون أن يتم تعليمهم التفكير النقدي.

التلاعب العاطفي والإعلامي: تمتلك الأنظمة أدوات قوية لصناعة المشاعر الجماعية عبر الإعلام والبروباغندا، حيث يتم تضخيم الأحداث الرمزية على أنها انتصارات أو إنجازات كبرى، في حين يتم تهميش المشكلات الحقيقية مثل الفقر، الفساد، والبطالة.

الخوف من التغيير والمجهول: يتطلب التغيير الحقيقي مواجهة السلطة والمطالبة بالإصلاح، وهو أمر خطير في العديد من الأنظمة القمعية، لذلك يفضل الكثيرون البقاء في دائرة "الانتصارات الرمزية" بدلًا من المجازفة بالمطالبة بحقوقهم الحقيقية.

نحو وعي جديد
على الشعوب أن تتحرر من هذه العقلية التي تكتفي بالرموز وتغفل عن الجوهر لكي تتقدم وتجني ثمار تحررها. لا بأس بالاحتفال بالنجاحات والإنجازات وشتى المكاسب، لكن يجب أن يكون ذلك مصحوبًا بوعي حقيقي بأن النجاح الحقيقي هو بناء دولة تحترم مواطنيها وتحقق لهم العدالة والكرامة. لا قيمة لانحناءة رئيس أجنبي أمام رئيس بلدٍ ما إذا كان الشعب نفسه يعيش منحنياً تحت وطأة الفقر والقهر. والمطلوب هو تغيير طريقة التفكير، والانتقال من الاحتفاء بالمظاهر إلى العمل الجاد من أجل إحداث تغيير حقيقي. الشعوب التي تنهض هي تلك التي تدرك أن العزة لا تأتي من البروتوكولات والمجاملات، بل من العدالة والحرية والتنمية الحقيقية.

ونختتم ببيت من الشعر يُنسَب إلى حَوْط بن رئاب الأسدي حيث يقول:

لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله ... لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التكوين الفلسفي للهوية الكوردية في كتاب -كوردستان القديمة-
- بين -حانة- الحداثة و-مانة- التراث
- سلاسل من حرير
- التاريخ بين السرديات المتباينة وإشكالية التزييف
- جدلية الحقيقة: بين الإدراك والواقع
- لا وجه له
- الاحتفال بين الهروب والتحدي: تساؤلات حول معنى الفرح في ظل ال ...
- دور المهرجانات السينمائية في دعم القضايا القومية والوطنية: د ...
- الأنظمة القمعية تسقط، لكن الفكر القمعي يبقى إرثًا متجذرًا
- سارع إلى تعلم السباكة قبل غيرك: متغيرات قادمة والمستقبل مجهو ...
- فلسفة السرد الروائي: الأخطاء التي تشوّه البنية الأدبية
- التفاهة: نظام بين التافه والأتفه
- بوصلة التيه
- الدكتاتوريات الصغيرة وسياسة الفصل الطبقي في المؤسسات الحكومي ...
- لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ


المزيد.....




- إيران تعلن إعدام شخص متهم بالتعاون مع الموساد
- -البرغوثي- ينازع الحياة وسط تعذيب ممنهج وإهمال طبي
- اعتقالات واسعة بالضفة ومستوطنون يقتحمون بلدة قرب القدس
- قصف مركز إيواء المهاجرين في صعدة بإحدى أخطر القنابل المحرمة ...
- مسؤولو الأمم المتحدة يحذرون: تقليص التمويل الأميركي يهدد خدم ...
- مجموعة أصدقاء ميثاق الأمم المتحدة تعزي بضحايا حادث انفجار مي ...
- روسيا تدعو إسرائيل لإعادة النظر في موقفها تجاه -الأونروا-
- العفو الدولية: غزة تشهد إبادة جماعية على الهواء مباشرة
- إعلام الأسرى الفلسطينيين: الأسير البرغوثي يواجه محاولة اغتيا ...
- الولايات المتحدة.. اعتقال أوكرانيين اثنين بتهمة خرق قوانين ا ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد علي سليفاني - وهم المجد ومجد الوهم