أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - ثقافة الشيخ والمريد وأزمة الفكر الديني















المزيد.....

ثقافة الشيخ والمريد وأزمة الفكر الديني


يوسف هريمة

الحوار المتمدن-العدد: 1797 - 2007 / 1 / 16 - 10:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ثقافة الشيخ والمريد وأزمة الفكر الديني
لن أكون مبالغا، إذا قلت بأن الناظر إلى عمق الأزمة التي يمر منها الفكر الديني عموما، هو غياب جانب الإبداع والمساهمة الفعالة في بناء صرح إنساني قوامه الإنسان، ومآله الإنسان أيضا. والخطير في هذا العمق الذي أشرنا إليه، هو أنه إذا غاب جانب الإبداع والمشاركة، أصبحنا أمام إشكالية حقيقية، تتمثل في السقوط الحضاري بمختلف مستوياته العلمية منها وغير العلمية.
هذا الجانب له خطورته وتجلياته القريبة والبعيدة، ونحن نعيش في واقعنا المعاصر أحد أهم مظاهرها، والتي عبرنا عنها بثقافة الشيخ والمريد. هذه الثقافة التي سدت أبواب الحوار مع الذات ومع الآخر، وتحيزت لأصولها وقواعدها وضوابطها لا زالت تصر أن تقفل الأبواب في وجه كل من يريد فتح أبواب الأنساق الفكرية الدينية المختلفة، وتحجم أن تتواصل بشكل إيجابي مع محيطها الخارجي والداخلي على حد سواء.
وكل هذا البناء داخل هذا النسق المنغلق من خلال الأطر والضوابط والقواعد المحددة سلفا، يدفع بنا إلى مقاربة هذا الموضوع الشائك، وكلنا إيمان بقصور المعرفة الدينية، ونسبيتها البشرية. كما وكلنا أمل في إشراق صبح جديد يستجيب فيه الفكر الديني المعاصر لمطالب فئات نمت وتطورت في قلب التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي شهدها العالم المعاصر.
إذن ما هي أهم مظاهر هذه الثقافة؟ وما هي السبل الكفيلة للانعتاق من ربقتها؟. ولكن قبل أن نخوض غمار هذا الموضوع لا بد لنا من وقفة موجزة نرصد من خلالها بعض ما يمكن أن يعكر على قارئ صفو فهمه فنقول:
إن ثقافة الشيخ والمريد كما نتصورها تتجاوز تلك النظرة التبسيطية لها، والتي ساهمت في تشكيلها بيئة معينة، و أنتجتها ظروف خاصة جعلتها ترتبط بالجانب الفقهي والصوفي على وجه الخصوص. فهذه الثقافة تمتد بأبعادها إلى أعمق من ذلك الجانب الاختزالي في التفكير، لتصل بمداها إلى موضوع التقليد أو التبعية بشكل عام. أو ما يمكن أن يصطلح عليه بالفكر الآبائي بالتعبير القرآني. هذا الموضوع له أهميته، وتبعاته المختلفة على جميع المستويات، سواء الفكرية، أو تلك المرتبطة بالحياة المعيشية للإنسان.
والخطير في ثقافة مثل هذه، هو تغييبها لعنصر الثقافة والجغرافيا والتاريخ في تكوين الإنسان، يتأثر بهم سلبا وإيجابا. كما تساهم بشكل كبير في ركود الإنسان بين الخرافة والتقليد، وتمنع تواصله بشكل إيجابي مع محيطه الإنساني والكوني.
و قد كنت كلما قرأت القرآن أجد هذا الموضوع قد أخذ حيزا كبيرا من التصور القرآني العام لطبيعة هذا الموضوع، وانعكاساته على كل جوانب الحياة. لكن كلما قرأت تفسيرا أو تصفحت كتابا هنا أو هناك أجدني أمام إشكالية حقيقية تجعلني أتساءل في كل مرة:
ماذا يقصد القرآن بفكرة الآباء: " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"؟.
وهل النهي عن اتباع الآباء مقتصر فقط على مظاهر الشرك والوثنية، أم الأمر يتجاوز كل ذلك؟.
ولماذا تظل التفاسير القرآنية تتعامل بشكل احتكاري مع عملية التفسير، ولا تتجاوز ذلك إلى الفهم العميق لأطروحات القرآن من الوجهة الإنسانية التي تضع في اعتبارها ما يحقق للإنسان كرامته، سواء وافق القواعد أو لم يوافق؟ ...
كل هذه الأسئلة وغيرها كثير، دفعني إلى استقصاء الأمر وتتبعه من أجل اقتراح وجهة نظر القرآن من خلال منظور يبدأ من الإنسان وينتهي إليه، ووفق مقاربة نعتمدها في تعاملنا مع هذا الكتاب، الذي نرى بأن الدراسات القرآنية لم تسهم بشكل إيجابي في تقريبه وتبسيطه. ولعل النزعة الروائية الحديثية أحد أطراف هذا الخلل المنهجي.
إن ثقافة الشيخ والمريد كما نتصورها ليست محصورة في مظاهر الشرك الساذج، ولا في فترة من الزمن ولى عليها الدهر ومضى. وإنما هي جرثومة تربو وتنمو في أي وقت وزمان. وتظهر في أي مستوى من مستويات الحياة الإنسانية في الفكر والقيم، والسياسة والاجتماع، إذا كانت كل هذه المستويات تعتمد في أصولها على مخلفات الماضي، وتعيش على أمل استرجاعه من خلال منظومة فكرية مقدسة لا يجرؤ أحد على ملامستها أو الحديث عنها نقدا أو مراجعة. فما هي أهم مظاهرها؟:
*- تعطيل ملكة العقل والفكر:
إن طبيعة هذه الجدلية التي نحن بصدد معالجتها، طبيعة قاتلة من شأنها أن تقتل في النفس الإنسانية كل أمل بالتواصل الحضاري، عن طريق إعمال العقل والاستفادة من مواهب النظر في العملية التفكرية اتجاه الكون والحياة والطبيعة. وتستبدل هذه المعطيات الإبداعية والمعرفية بآراء الرجال، ومذاهب الآباء، ليصبح الإنسان في ظل هذا النسق الفكري إنسانا عاجزا لا خير فيه، كلاّ على مولاه، رهين التبعية والذل والمسكنة:" وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ".
فهذا المثال يجسد واقعنا الديني المعاصر بشكل جلي، و ليس ببعيد عما تحدثت عنه الآيات. فالتقليد أو ما أسميناه بثقافة الشيخ والمريد، لا زال ينخر جسم الفكر الديني بكل تجلياته. فقد أصبح هذا الفكر الديني في الكثير من الأحيان مجرد محاولات لاسترجاع الماضي وإسقاطه على واقع جديد أفرزته ثورة معلوماتية هائلة، وتواصل تكنولوجي منقطع النظير.
هذا الحنين هو ما يمنع التواصل مع معطيات الواقع الجديد واقع العولمة الجامحة، والذي لا يمكن أن يصمد أمام تياره إلا من شمر على ساعد الجد، وانخرط بشكل إيجابي في بناء المنظومة الإنسانية بعيدا عن براثن التقليد، وذل التبعية. والقرآن الكريم من خلال عطاءاته الإنسانية كان يقدم لنا الشرك باعتباره نموذجا يكشف خطورة التقليد، واقتفاء آثار الآباء بلا برهان أو دليل. فإيراده في هذه القصص القرآنية هدفه تنبيه الذهن إلى أخذ العبرة وقياس الحال على الحال.
لكن الدراسات المرتبطة بهذا الكتاب، والتي احتكرت حق تفسيره، حصرت القرآن في النهي على تقليد الآباء في عبادتهم الأوثان محسوسة ساذجة وكفى، ولم تتجاوز في تعاملها النظرة الشمولية لخطورة هذا الموضوع، الذي لا زالت آثاره تلقي بظلالها على مجتمعاتنا وعلى مختلف المستويات.
إذن فالقرآن أنحى على التقليد في شموليته، واقتلع أصوله ونسف ما كان له من دعائم وأركان. وذلك لأن التقليد في شموليته هو إماتة للعقول، وقضاء على عناصر الحياة فيها. فبه يظل الإنسان رهين التبعية وبه ينغلق عن الانفتاح على الآخر بما يمثله من هوية مستقلة لها ما لها وعليها ما عليها..
*- قصور الإنتاجية المعرفية:
ونقصد بذلك أنه إذا غاب جانب الإبداع والمشاركة الفعالة كما أشرنا سابقا، حضرت بكل قوة مظاهر التخلف بكل مستوياته، وإذا ساد التخلف الاجتماعي سقط الإنسان شعوبا وقبائل في براثن التبعية. وإذا سقط في التبعية كانت نهايته الحتمية عبر الموت البطيء، الذي سينحدر من خلاله في سلم الحضارة، إلى هوة الذل والمسكنة.
*- الترفع على النقد والمساءلة:
وهذه سمة ملتصقة بثقافة الشيخ والمريد. فهذه الثقافة لا يمكنها أن تحيى إلا من خلال منظومة مقدسة، تحيط بها نفسها، وتعتبر مجرد القرب منها أمرا غير مقبول. وهذا أمر ظاهر للعيان للمتتبع لكل الثقافات المحتكرة للحرية، والداعية إلى التقديس وتبجيل الذات. وما الفكر الديني إلا جزءا أصيلا داخل هذه المعادلة، يرتفع بنفسه عن حدود البشرية، ويقيم لنفسه سياجا من القدسية المانعة من إدراك مراميه بله مساءلته ونقده.
هذه بعض مظاهر ثقافة الشيخ والمريد، كما رأينا آنفا، تدفع بنا إلى مقاربة الموضوع من جديد لكن من خلال سؤال الحلول: ما هي السبل الكفيلة للانعتاق من ربقة هذه الثقافة؟:
*- التحرر من سلطة الآلهة:
وهو تحرر شامل من فكرة الألوهية، سواء كانت هذه الآلهة أوثانا محسوسة:"أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقـذون". أو كانت فئة اجتماعية أو اقتصادية من علية القوم:" وقالوا يا ويلنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا"، أو كان الدافع انتصارا لمذاهب الآباء والأسلاف:" قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم "، أو كانت سلطة علمية تتباهى بنفسها، وترتفع عن حدود البشرية:" وفرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ".
2- وضع الفكر الديني في إطاره البشري:
وهذه أحد أهم المغالطات الخطيرة في بنية الثقافة المنبنية أساسا على التقليد، والتبعية. ولا يمكن بحال أن نخرج كل فكر ديني مهما كان قريبا من الصواب أو مجانبا له عن حدوده الإنسانية، لأن هذا سيكون تجنيا عن كل المعطيات الموضوعية في مقاربة الفكر الديني. فالفكر هو وليد بيئة وظروف تاريخية، وثقافية واجتماعية لا يجوز تجاهلها. وعليه فمصداقية أي فكر ليست في القواعد المؤسسة له، أو في السياجات المعرفية التي يحمي بها نفسه. وإنما في مدى خدمته مصلحة الإنسان، ومساعدته على ربط أواصر المحبة والإحسان والخير للإنسانية جمعاء، بغض النظر عن الرؤى الضيقة والمتحيزة للدين والعرق والعنصر. وإلا فلا قداسة لشيء خارج هذا الإطار.
3- التحرر من سلطة رجال الدين :
وهذه نقطة محورية في أي فكر ديني. فإذا كان الفكر لا يحمل في أساسياته أي بذور قداسة، فمن باب أولى حامليه وناقليه. فهناك تلازم بين هذه النقطة وسابقتها لا داعي لتكرارها.
عود على بدء
إن موضوع ثقافة الشيخ والمريد، مازال كثير من الناس يجهلون معناه، ويحصرونه في مرحلة زمنية انقضى زمنها، واندرست معالمها. كما يتم اختزاله في جانب فقهي صوفي كان وليد ظروف معينة كما أشرنا سابقا. فغابت بذلك الحقيقة القرآنية وسط فكر ديني تناسى في العديد من مراحله التاريخية أنه نتاج تربة معينة، ونتاج عقل بشري، لا يعدو أن يكون آلية من آليات التفاعل الإنساني مع الدين ونصوص الوحي.
وهذه الظاهرة لم تعد حكرا على مشركي الجزيرة العربية كما أريد لها أن تكون. وإنما هي ظاهرة تربو وتزداد بفعل الحنين إلى أمجاد الماضي التليد، الذي يرى فيه الإنسان ملاذه الأخير كلما ضاقت به سبل التواصل الحضاري مع وسطه القريب والبعيد. وكلما عجزت الإيديولوجية الدينية عن تحقيق أهدافه وأمانيه. وللأسف فالفكر الديني المعاصر بالرغم من المحاولات التجديدية المتتالية، إلا أنه لا يخرج عن نسق الفكر الآبائي الملتصق بفكرة السلف الصالح، والعودة بالذات إلى القرون المفضلة. وهذا الأمر خطير إذا لم نتبين عواقبه ومآلاته المستقبلية.



#يوسف_هريمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العواصم الثقافية ورهانات المستقبل
- النص الديني بين العلوم الشرعية والعلوم الإنسانية


المزيد.....




- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف هريمة - ثقافة الشيخ والمريد وأزمة الفكر الديني