|
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 8279 - 2025 / 3 / 12 - 14:39
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ألكسندر جيه براون* ترجمة: حازم كويي
نشأت الحركة الاشتراكية في اليابان في فترة توسع إمبريالي وحشي. ورغم القمع الشديد، وقفت بحزم ضد النظام الرأسمالي الجديد. في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تطورت الاشتراكية في اليابان على خلفية الاضطرابات الاجتماعية التي أثارتها عملية التحديث السريعة. في عامي 1853 و1854، وصل العميد البحري الأمريكي ماثيو سي. بيري إلى اليابان بأسطول من "السفن السوداء" (زوارق حربية تعمل بالبخار) وطالب بفتح التجارة مع الغرب. هزّ هذا العنف الإمبريالي النظام الإقطاعي القديم وأصبح عاملاً محفزاً لإنشاء دولة قومية رأسمالية حديثة. ردت النخبة اليابانية على هذا التهديد من خلال تبني سياسة التغريب والتحديث. قادت أقاليم ساتسوما وتشوشو، إلى جانب عشائر الساموراي المتحالفة معهما، حركة باسم الإمبراطور الشاب ميجي، الذي "أعيد تنصيبه" عام 1868، وأسقطت نظام شوغونية توكوجاوا. أنهى "قَسَم المواد الخمس" للإمبراطور ميجي النظام الطبقي الإقطاعي، وألغى الأقاليم الإقطاعية لصالح جهاز إداري حديث. كما ساهم فرض التجنيد الإجباري على جميع الرجال البالغين في الجيش الإمبراطوري الجديد في إزالة الفوارق بين الساموراي والمواطنين العاديين. ومن أجل التخلص من المعاهدات غير المتكافئة التي فرضتها عليهم الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، استورد حكام ميجي الاشخاص والتقنيات والأفكار من الغرب. ومع الليبرالية، وصلت أيضاً مجموعة واسعة من المفاهيم الاجتماعية الأوروبية إلى اليابان، مما أثر على حركة الحرية والحقوق الشعبية، التي بدأت منذ سبعينيات القرن التاسع عشر النضال من أجل الإصلاحات الديمقراطية وتوسيع حق التصويت. استناداً إلى الدستور الجديد لعام 1890، نشأت أول حكومة برلمانية في اليابان. وعلى الرغم من أن نُخب ميجي نجحت في منع خضوع اليابان للهيمنة الإمبريالية المباشرة للغرب، إلا أن التغير الاجتماعي السريع الذي أحدثته إصلاحاتهم أدى إلى تحولات إجتماعية هائلة. فمع إلغاء الأقاليم الإقطاعية، سقط معظم أفراد طبقة الساموراي، التي كانت مهيمنة سابقاً، في براثن الفقر. وانضموا إلى الفلاحين والحرفيين المُهجرين ليشكلوا الطبقة العاملة الناشئة. في خضم هذا المدّ العاصف، نشأت حركات تطالب بالإصلاحات الاجتماعية، والاشتراكية، وحقوق العمال. قدمت هذه الحركات بديلاً للنظام السلطوي-الرأسمالي الذي أسسته الدولة والطبقة الرأسمالية الصاعدة، والتي اعتمدت أيضاً على إمبريالية مُتزايدة العدوانية في الخارج. ومع ذلك، لم تتمكن الحركة الاشتراكية المبكرة، رغم بعض موجات الاضطراب الكبرى، من منع صعود النزعة العسكرية. وفي النهاية، دعمت غالبية الحركة العمالية النزعة القومية اليابانية، مما أدى إلى عواقب كارثية على شعوب آسيا. أصول الفكر الاشتراكي جاءت بعض أقدم التأثيرات الاشتراكية في اليابان من الشعبويين الروس (نارودنيكي) ومن النزعة السلمية المسيحية لليو تولستوي. في تسعينيات القرن التاسع عشر، كانت الاشتراكية في المقام الأول قضية تخص المثقفين، الذين ركزوا أكثر على الحاجة إلى معايير أخلاقية عالية في السلوك بدلاً من بناء حركة جماهيرية للطبقة العاملة. أدت عملية التصنيع السريعة في أواخر القرن التاسع عشر إلى ظروف عمل مروعة في اليابان. عانت القوة العاملة، التي كانت تتكون في الغالب من النساء في المصانع، من أيام عمل طويلة وقيود صارمة على حريتهن. كانت العديد منهنّ بنات مزارعين صغار أو ساموراي ريفيين في حالة تدهور إجتماعي. كانت العاملات يُحبسنَ ليلاً في مهاجعهن، مما أدى أحياناً إلى عواقب مأساوية، خاصة عندما تندلع الحرائق في المنازل الخشبية الرخيصة البناء خلال الليل. بعض الاشتراكيين الأوائل، مثل كاتاياما سين (1859-1933)، أصبحوا نشطاء في النقابات العمالية. ومع تأسيس نقابة عمال المعادن عام 1871، بدأت حركة عمالية حديثة في التبلور. شهدت هذه الفترة اندلاع إضرابات، لكن النقابات كانت تفتقر إلى الموارد المالية لدعمها. وفي عام 1900، تم حظر الإضرابات تماماً،سرعان ما أدركت سلطات ميجي أن الاشتراكية والعمل المنظم يشكلان تهديداً لها. قامت على الفور بتطوير جهاز قمعي واسع النطاق لكبح انتشار الأفكار الاشتراكية وسجن ومعاقبة أنصارها. وكان لقانون الشرطة والأمن العام الصادر عام 1900 آثاراً خطيرة على هذه الحركة الناشئة. أُسس أول حزب إشتراكي في اليابان، حزب الديمقراطية الاجتماعية (Shakai Minshutō)، في مايو 1901 بهدف تفادي القمع. ومع ذلك، أصدر وزير الداخلية كينتشو سويماتسو (1855–1920) أمراً بحل الحزب في نفس اليوم، ووجه إتهامات ضد محرري الصحف الذين نشروا برنامج الحزب، والذي استند جزئياً إلى البيان الشيوعي. رغم ذلك، أستمرت جهود تنظيم النقابات العمالية دون إنقطاع. ففي عام 1921، تأسست جمعية الأصدقاء الودية (Yūaikai) مستوحيةً نموذجها من الجمعيات البريطانية المبكرة (Friendly Societies). لكن هذه المحاولات التنظيمية المبكرة لم تتمكن من إستقطاب عدد كبير من الأعضاء. الحرب وقضية الخيانة العظمى كان بعض الاشتراكيين والاشتراكيات في اليابان مدفوعين بالسلمية، ووقفوا في معارضة الحروب الإمبريالية الحديثة التي خاضتها بلادهم. كان كوتوكو شوسوي (1871–1911)، أحد أوائل المفكرين الاشتراكيين، قد طور نظرية خاصة لمناهضة الإمبريالية كردِ فعلٍ على مشاركة اليابان في قمع ثورة الملاكين في الصين. وفي عام 1903، أسس كوتوكو، إلى جانب أوسوجي ساكا((1885–192، جمعية المواطنين، التي تبنّت نهجاً يجمع بين السلمية المسيحية، ومناهضة الإمبريالية، والأممية البروليتارية. في صحيفتها، عارضت جمعية المواطنين الحرب الروسية-اليابانية، ولكن عندما بدأ مسار الحرب يتجه ضد اليابان، تعرضت الصحيفة للرقابة. وفي مؤتمر الأممية الثانية عام 1904، التقى الاشتراكي الياباني كاتاياما سين بنظيره الروسي جيورجي بليخانوف، في لقاء جسّد فكرة الأممية الاشتراكية بين دولتين كانتا في حالة حرب مع بعضهما البعض. عبرَ بعض الاشتراكيين الديمقراطيين الأوروبيين عن دعمهم لانتصار اليابان، بحجة أن ذلك سيكون هزيمة للطغيان القيصري. لكن الاشتراكيين اليابانيين إنتقدوا هذا الموقف. وأكدوا أن إنتصار اليابان سيشجع فقط الطبقة الحاكمة في اليابان، وأصروا على أن الاشتراكيين يجب أن يتحدوا في دعم تضامن العمال في جميع أنحاء العالم ضد الحرب الإمبريالية. زار كوتوكو الولايات المتحدة بين عامي 1905 و1906، حيث تأثر بالحركة الأناركية. وأصبح أحد أبرز المدافعين عن إستراتيجية "العمل المباشر". وأتهمته الحكومة مع آخرين، مثل الأناركية النسوية، كانو سوغاكو (1881–1911)، بالتآمر لاغتيال الإمبراطور في عام 1910. تم الحكم بالإعدام على أربعة وعشرين من المتعاطفين مع الأناركية في القضية المعروفة بقضية الخيانة العظمى. ومع مرور الوقت، تم تحويل العقوبة إلى السجن المؤبد بحق اثني عشر من المتهمين. أشارت قضية الخيانة العظمى إلى بداية فترة من القمع المتزايد ضد اليساريين، والتي عُرفت بـ "الشتاء الاشتراكي". ورغم القمع ضد الحركة المنظمة، أنفجرت التوترات الاجتماعية في عام 1918، حيث أدت الزيادة الكبيرة في أسعار الرز إلى إندلاع أعمال شغب كبيرة. شارك حوالي عشرة ملايين شخص في هذه الانتفاضات التي أندلعت في جمع 636 مُوقعاً في جميع أنحاء اليابان. وأستمرت هذه الانتفاضات لمدة شهرين، حيث أدت إلى إسقاط حكومة تيراوتشي ماساتاكي. ديمقراطية تايشو خلال الفترة المعروفة بـ "ديمقراطية تايشو" بين عامي 1918 و1932، طوّرت اليابان أول نظام حزبي لها، رغم أنه كان محدوداً جداً. سمحت موجة جديدة من الإضرابات في عشرينيات القرن الماضي بتطوير حركة واسعة النطاق للعمال والاشتراكيين. شمل ذلك تأسيس إتحاد وطني للنقابات العمالية والفلاحية في أوائل العشرينيات، بالإضافة إلى تأسيس حزب العمال الشيوعي الياباني (KPJ) في عام 1922. ردّت الشركات اليابانية على الحركة المتزايدة في سوق العمل من خلال تقديم ما يُعرف بـ "الأبوة الصناعية"، التي تضمنت مزايا إضافية مثل الإقامة الرخيصة وخدمات أخرى، بالإضافة إلى زيادات تدريجية في الرواتب وتوظيف دائم للعمال المهرة الذين بقوا في الشركات لفترات طويلة. أسست الشركات نقاباتها الخاصة لضمان ولاءالعاملين. وكانت النقابات المُستقلة نشطة بشكل رئيسي في المصانع الصغيرة والمتاجر، لكن التغيير المستمر في العمال ودورة الازدهار والكساد أدت إلى تقليل نجاحاتهم في التنظيم طويل الأمد. لم يكن القمع ضد تنظيم العمال في العشرينيات من القرن الماضي شديداً فقط، بل كان أيضاً مفهوم العمال المرتبط بالجنس عائقاً كبيراً في التنظيم. كانت صناعة النسيج في أواخر القرن التاسع عشر أول صناعة رأسمالية كبيرة في اليابان، وكانت تعتمد بشكل أساسي على العمل النسائي. ومع ذلك، تم تغليف واقع العاملات من خلال العائلة الأبوية وأيديولوجيا النوع الاجتماعي التي كانت تساهم في تشويه الصورة الحقيقية لهن، مما جعل تنظيمهن وتحقيق حقوقهن أكثر صعوبة. قانون المدنية ميجي لعام 1898 وجَهَ النساء ليكنّ "زوجات صالحات وأمهات حكيمات". كما حظر قانون الشرطة للسلامة العامة لعام 1900 على النساء المشاركة في الأنشطة السياسية. على الرغم من ذلك، شاركت النساء في بعض الإضرابات العفوية ضد الظروف الاستغلالية الشديدة في المصانع، إلا أن حركة العمال لم تتمكن من تنظيمهن على نطاق واسع. ورغم أن تشريعات المصانع التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1911 حدّت من إستغلال الأطفال والنساء، إلا أن السياسيين الذين سنّوا هذا القانون والمُمثلين الذكور للنقابات أعتبروا النساء ضحايا سلبيات يحتجن إلى حماية أبوية، بدلاً من أن يُنظر إليهن كعاملات لديهن حقوق. كانت التنظيمات العمالية تواجه صعوبة إضافية بسبب حقيقة أن أغلبية النساء قادمات من الريف، حيث يَعشنَ في النزل التي تسيطرعليها الشركات، مما كان يحرم ممثلي النقابات من الوصول إليها. وبالتالي، أصبح النضال من أجل رفع الحظر عن مشاركة النساء في الأنشطة السياسية هو محور النشاط النسائي السياسي في أوائل القرن العشرين. في أوائل عشرينيات القرن العشرين، تأسست مجموعات نسائية أشتراكية مثل جمعية الموجة الحمراء (Sekirankai) وجمعية اليوم الثامن (Yōkakai). ومنذ عام 1922، أصبح مسموحاً للنساء المشاركة في الاجتماعات. بعد إقرار حق التصويت للرجال، وفي عام 1925، نشأت إلى جانب الأحزاب البروليتارية جمعيات حق النساء في التصويت. في عصر تايشو، بدأت أولى المحاولات من قبل البركومين (Burakumin)، الذين كانوا يُعتبرون منبوذين، لمكافحة تمييزهم. كان يتم ربطهم تاريخياً بصناعات مثل الجزارة وصناعة الجلود، وهو ما كان يُنظر إليه داخل المجتمع الديني في اليابان على أنه نجس. في عام 1922، شكلت بعض مجموعات البركومين (جمعية المتساوين) من أجل الحصول على حقوق إجتماعية وسياسية متساوية. كانت الإمبراطورية اليابانية المتوسعة تقوم على هرمية متنامية من أشكال الاضطهاد الجنسي والعنصري ضد النساء، والبركومين، والشعوب الأصلية مثل الأينو وأوكيناوا، بالإضافة إلى الشعوب الكورية والصينية في المناطق التابعة للإمبراطورية. وكان هذا الاضطهاد يُسهم في تقسيم الطبقة العاملة. زلزال كانتو الكبير الذي حدث في عام 1923 هز طوكيو وأدى إلى وفاة 150,000 شخص وتدمير واسع للممتلكات. أنتشرت فيها شائعات بأن اليساريين والكوريين كانوا مسؤولين عن الفوضى التي تلت الزلزال. وتم إتهامهم بتسميم الآبار ونهب المنازل. بعدها، هاجمت مجموعات مسلحة هؤلاء الذين تم إتهامهم بالذنب، مما أشعل القومية الإثنية التي كانت تحتاجها الدولة اليابانية لتبرير توسعاتها الإمبريالية في الخارج. الشيوعية والنقاش حول الرأسمالية اليابانية صدرت أول ترجمة للبيان الشيوعي إلى اللغة اليابانية في عام 1904، لكن صحيفة هيمن شينبون التي نشرت الترجمة تم حظرها بسرعة. مع ظهور حركة أشتراكية علنية، بدأ العديد من المثقفين بالتمسك بالماركسية لفهم إستعادة ميجي والمجتمع الذي نشأ عنها. وكان النقاش الناتج حول الرأسمالية اليابانية هو أول محاولة كبرى من قبل المثقفين اليابانيين لفهم تاريخهم المعاصر. لقد فهم الكومنترن ومؤيدوها في حزب الشيوعيين اليابانيين، جماعة كوزا، أن استعادة ميجي كانت ثورة بورجوازية غير مكتملة، فشلت في القضاء على بقايا المجتمع الإقطاعي. ولذلك، استنتجوا أنه يجب أولاً إتمام الثورة الديمقراطية البرجوازية. من ناحية أخرى، تمسكت جماعة رونّو (العمال والفلاحون)، التي تشكلت حول زعيم الحزب ياماكاوا هيتوشي (1880–1958)، بموقف مفاده أن اليابان كانت قد أصبحت بالفعل مجتمعاً بورجوازياً ديمقراطياً وأن الوقت قد حان لثورة اشتراكية. كما رفضوا فكرة حزب الطليعة لصالح تحالف واسع للبروليتاريا ومؤيديها في جبهة موحدة داخل حزب سياسي جماهيري. غادر ياماكاوا ومؤيدوه حزب الشيوعيين اليابانيين إحتجاجاً على قبول أطروحات الكومنترن في يوليو 1927 بشأن اليابان. بعد الحرب العالمية الثانية، شكل المثقفون المُنتمون إلى جماعة رونّو النواة الأساسية للجناح اليساري في حزب الاشتراكيين اليابانيين. بعد إقرار حق التصويت للرجال في مايو 1925، بدأت النقابات العمالية والفلاحية والمثقفون اليساريون في بناء الأحزاب البروليتارية لخوض الانتخابات الأولى في عام 1928. رغم أن العديد منهم كانوا يفضلون تأسيس حزب موحد، إلا أن عدداً هائلاً من الأحزاب المؤقتة تم تأسيسه، وتعرضت هذه الأحزاب للتقسيم وإعادة التأسيس مراراً، مما أدى إلى عملية فوضوية. وفي الوقت الذي كانت الاشتراكيات والاشتراكيون يتجادلون حول التاريخ والاستراتيجيات، انزلق الاقتصاد الياباني في أزمة عميقة، وبدأت السلطات في قمع الحركة بشدة. في 15 مارس 1928، قامت الشرطة باعتقال 1,600 (من المفترض) من أعضاء حزب الشيوعيين اليابانيين (KPJ) استناداً إلى قانون الحفاظ على السلام، مما أدى إلى تراجع نفوذ الحزب في الحركة الاشتراكية وحركة العمال. رواية سفينة المصنع لكوبايشي تاكوجي هي مثال قوي على حركة الأدب البروليتاري في اليابان وإتهام قوي لاستغلال طبقة العمال. في روايته، يصور كوبايشي ظروف العمل القاسية للصيادين العاملين في صناعة السلطعون المُعلب، وثورتهم ضد المعاملة اللاإنسانية من قبل أرباب العمل. سرعان ما أصبحت الرواية رمزاً للظلم الاجتماعي وضرورة أن تناضل حركة العمال ضد الطبقة الحاكمة. إن اعتقال وتعذيب كوبايشي على يد الشرطة في عام 1933 يُبرز الموقف القمعي للحكومة اليابانية تجاه الحركة اليسارية والانتقادات الاجتماعية. في تلك الفترة التي كانت فيها العسكرياتية في تصاعد، وكانت الحكومة تفرض المزيد من القمع، واجهت حركة العمال صعوبات متزايدة في الوصول إلى مسامع الناس. ومع ذلك،أستمرت الدوائر الثقافية والأدبية الراديكالية في مقاومتها وأسهمت في ظهور موجة من الوعي بين الطبقة العاملة الحضرية. تُظهر قصة كوبايشي تاكوجي وعمله كيف يمكن أن يكون الأدب والفن أدوات للمقاومة ضد الظلم الاجتماعي والقمع،في بيئة قمعية. النزعة العسكرية والطريق نحو الحرب ترتبط الزيادة في القمع داخل اليابان بسياسة التوسع اليابانية في الخارج. في عام 1931، قصف جيش كوانتونغ الياباني سكة الحديد المانشورية في شمال شرق الصين. كان الهجوم بمثابة مُبرر لغزو واسع النطاق لمانشوريا. يُسمى هذا الصراع الذي بدأ مع الصين بحرب الخمسة عشر عاماً من قبل المؤرخين اليابانيين، والتي أستمرت حتى هزيمة اليابان في عام 1945. في يوليو 1932، أتحدت مجموعات أشتراكية مختلفة لتشكيل حزب الجماهير الاجتماعية (SMP)، لكن اليسار فاز فقط بأربعة مقاعد من أصل 466 في مجلس النواب في إنتخابات المحافظات تلك السنة. اعتقد بعض الاشتراكيين أن دعمهم للحركة القومية سيزيد من جاذبيتهم في الانتخابات. على هذا الأساس، تمكنت الحركة الاشتراكية القانونية من الاستمرار. ومع ذلك، قدمت القومية الشعبوية لضباط الجيش الشباب رداً ثورياً على مشاكل الكساد الكبير، مما حظي بدعم من الفلاحين. بدأ الضباط حملة عنف سياسي ضد الحكومة المدنية، مما مكن الجيش الإمبراطوري من توسيع أنشطته في شمال شرق الصين. في الانتخابات الوطنية التي جرت في 30 أبريل 1937، فاز حزب الجماهير الاجتماعية (SMP) بثلاثة وستين مقعداً ووقف مؤيداً، باسم الدفاع الوطني، خلف الجيش. أسس النقابيون اليساريون في عام 1937 حزب البروليتاريا الياباني لتنظيم جبهة شعبية ضد تعاون حزب الجماهير الاجتماعية اليميني مع العسكريين. ومع ذلك، كان القمع يؤثر بشكل كبير على اليسار. بين ديسمبر 1937 وفبراير 1938، تم إعتقال حوالي خمسمائة من الاشتراكيين والاشتراكيات. في عام 1940، قامت الشرطة بحل حزب البروليتاريا الياباني واتحاد النقابات المرتبط به، "زينبيو" (المجلس الوطني لنقابات العمال اليابانيين)، واعتقلت أربعمائة من أعضائه والمتعاطفين معه. في نفس العام، تم حل آخر النقابات المستقلة بالقوة وتحويلها إلى "الرابطة الصناعية الوطنية" (سانبو)، التي كانت تحت سيطرة وزارة الشؤون الاجتماعية وتهدف إلى تأمين الدعم لأهداف الحرب. أستمر بعض النقابيين في النضال حتى في ظل ظروف الحرب. عمل نادي الطباعين والعاملين في النشر في الخفاء كمجموعة ثقافية حتى عام 1942. ومع ذلك، كان معظم أعضاء الحركة الاشتراكية في أوائل الأربعينيات في السجون، أو تحولوا لدعم التوسع الياباني، أو تم إسكاتهم. من الرماد في ظل التحول الاجتماعي السريع، واجهت الحركة الاشتراكية في اليابان صعوبة في تنظيم النضالات قبل الحرب. على الرغم من أنها حققت بعض النجاحات، إلا أنها عانت من القمع الشديد الذي بدأ مع التوسع الإمبريالي لليابان في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ. كان دعم بعض القياديين الاشتراكيين للحركة القومية يعكس الفهم المحدود للاشتراكية كفلسفة وممارسة للتحرير البشري. بالنسبة للكثير من المثقفين البارزين داخل الحركة، كانت النظريات الماركسية والاجتماعية الديمقراطية مجرد وسيلة لاكتساب رؤى حول طرق تنظيم الدولة والمجتمع، دون الحاجة بالضرورة إلى الإطاحة بالرأسمالية. هذه الصيغة المحافظة للاشتراكية الديمقراطية كان لها تأثير كبير في اليابان ما بعد الحرب، ساعدت في خلق الشكل التنموي للرأسمالية الذي مكّن اليابان من النهوض من الرماد وأصبح أحد الدول القومية الرأسمالية الرائدة في عالم ما بعد الحرب. كانت محاولات الاشتراكيين في إصلاح المجتمع الياباني في أوائل القرن العشرين وإحداث ثورة فيه غير كافية. لم يكن بمقدورهم منع البؤس والدمار الذي جلبته العسكرياتية اليابانية على آسيا وشعبه، الذين تم تعبئتهم من أجل الحرب الشاملة. ولكن الكفاح البطولي للاشتراكيين المقاتلين وناشطي القاعدة في حركة العمال والنساء وضع الأساس لإحياء الاشتراكية بعد عام 1945. ولا تزال نضالاتهم تُلهم الناشطين حتى اليوم، في اليابان وخارجها.
ألكسندر جيه براون*: محاضر في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة التكنولوجيا سيدني، أستراليا. وهو مؤلف كتاب "الاحتجاج المناهض للطاقة النووية في طوكيو بعد فوكوشيما: صراعات القوة".
#حازم_كويي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة حزب اليسار الألماني
-
تزايد المشاكل التي تواجه جورجيا ميلوني
-
هل هذه هي الفاشية الآن؟
-
اليسار يواجه ثورة ثقافية حقيقية
-
رياح منعشة تهب داخل حزب اليسار الألماني
-
-الاتحاد الأوروبي يواجه الإنكسار-
-
الأثرياء في ألمانيا لا يخلقون الثروة بل يستنزفوها
-
خمس عواقب لسياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها دونالد ترامب ع
...
-
إجراءات ترامب بقطع مساعدات التنمية
-
العقل المدبر للذكاء الاصطناعي في الصين
-
قوة ترامب مبنية على الرمال
-
وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تجعلك مريضاً عقلياً. الرأسما
...
-
الحزب كقوة خلاقة
-
مشروع الصين الجميلة
-
روح غرامشي
-
التقشف كمقدمة للفاشية
-
عندما كانت الأرض كرة ثلجية
-
هل يلوح في الأفق سباق تسلح جديد؟
-
ماركس وكوهي سايتو والصدع الأيضي (الجزء الثاني)
-
تحول هائل نحو اليمين في الولايات المتحدة
المزيد.....
-
لافروف: غورباتشوف كان يعتقد أنه حصل على كلمة شرف!
-
-أبطال حروب مجهولة-.. مسلسل وثائقي يروي مآثر الجنود السوفييت
...
-
م.م.ن.ص// رأس المال اقدس من الانسان، وحافلات المستثمر أثمن
...
-
غزة: ركام الحرب.. أضرار متعددة وإعمار معطَّل
-
بيان حزب العمال: حرب الإبادة تتواصل في غزة
-
بلاغ صادر عن السكرتارية الوطنية للجبهة المغربية لدعم فلسطين
...
-
شادي محمد.. عيد ميلاده في السجن والتهمة التضامن مع فلسطين
-
تجديد حبس عبد الخالق فاروق 45 يومًا.. بعد انقطاع الاتصال به
...
-
لعبة التوازنات والقتل على الهوية في الساحل السوري
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يدين بشدة المجازر المروعة للملي
...
المزيد.....
-
البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية
/ حازم كويي
-
لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات)
/ مارسيل ليبمان
-
قراءة ماركسية عن (أصول اليمين المتطرف في بلجيكا) مجلة نضال ا
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسائل بوب أفاكيان على وسائل التواصل الإجتماعي 2024
/ شادي الشماوي
-
نظرية ماركس حول -الصدع الأيضي-: الأسس الكلاسيكية لعلم الاجتم
...
/ بندر نوري
-
الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية
/ رزكار عقراوي
-
نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل
...
/ بندر نوري
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
المزيد.....
|