أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!














المزيد.....


نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!


محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)


الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 16:37
المحور: القضية الفلسطينية
    


عند الفجر، حين كانت السماء ما تزال موشّحةً بالسواد، توضّأ نمر كلّم(أبو أحمد)، صلّى لربّه صلاة الفجر، ثم انطلق مع رفيقه الصامت، كلبه "حَمَر"، صوب العزيّة. لم يكن يدري أن خطواته تلك ستُسجَّل في ذاكرة التراب، وأن الفجر الذي أذّن للصلاة، سيأذن له بالرحيل.

من أعلى تلال درب البيّاضة، نظر إلى قريته الحبيبة، العزيّة، نظرةً أخيرة، كأنّه يودّعها بعينين أرهقتهما الأيام والخذلان. كان نمر كلّم يدرك أن الرصاص لا يفرّق بين طفلٍ وعجوز، وأنه يوماً ما سيكون هو المستهدف، لكنه لم يكن يظن أن الرحيل سيكون بتلك القسوة، بتلك الوحشية التي لا ترحم حتى الجرحى.
حين وقعت الغارة الأولى، اخترقت شظية غادرة فخذه، لكنه لم يتراجع. زحف بقلبٍ أثقلته الجراح نحو الصغيرة "سحر"، ابنة أخيه دياب، ليحاول انتشالها من أنياب الموت، لكن الغارة الثانية كانت أكثر قسوةً؛ شظية استقرّت في رأسه، كأنها ختمت قدره بدمه. لم يسقط شهيداً على الفور، بل ظلّ يصارع من أجل البقاء، عينه على السماء، وقلبه مع الأرض التي أحبّها حتى الموت.
حملوه إلى سيارة الإسعاف، وبينما كانت العجلات تدور بين طرقات الوطن المكلوم، كانت روحه تتأرجح بين الرحيل والبقاء.

وعند مفرق مخيم الرشيدية، كان الفراق.

توقَّفَ القلبُ الذي لم يَخشَ يوماً، وسكنت الأنفاس التي حملت همّ القضية، وسقط الرأس الذي لم ينحنِ، لكنه لم يكن وحده.

استُشهد نمر كلّم (أبو أحمد) وحنينه إلى أرض عشيرته، عرب السّمنيّة في جالين. كان قلبه معلقاً هناك، بين الحقول والبيوت الطينية، بين الزيتون والصبّار، بين ذاكرة الطفولة وحلم العودة. كم كان يشتاق إلى رائحة التراب في صباحات الشتاء، وإلى ثمر التين يتدلى من الأغصان كحباتٍ من ذهب، وإلى زيتون بلاده حين يُعصر في معاصر فلسطين، وإلى كروم العنب التي تمتد كجدائل خضراء تراقصها نسائم المساء. كان يحلم أن يعود يوماً ليقطف عنقوداً بيديه، لكن الموت سبقه قبل أن يتحقق الحلم.
استُشهد نمر، وترك خلفه خمسة أطفال بعمر الورد، يحملون ملامحه، ويتوارثون حلمه الذي لم يتحقق. كانوا صغاراً لا يدركون معنى الفقد، لكن الزمن كفيل بأن يخبرهم أن أباهم لم يمت، بل صار ذكرى خالدة تسكن الأرض التي عشقها.
كان هناك من يئنّ بصوتٍ لم يكن بشرياً، بل كان وفاءً يتجسّد في هيئة كلب. كان "حَمَر" يحدّق بجسد نمر المُسجّى، يئنّ وكأنه يرفض تصديق أن اليد التي كانت تلامس رأسه قد خمدت إلى الأبد.
وفي الجنازة، كان المشهد أشدّ إيلاماً. سار "حَمَر" بمحاذاة النعش، وكأنّه يحرس صاحبه في رحلته الأخيرة.

لم يبتعد، لم يتراجع، بل ظلّ هناك حتى وارى الثرى رفيقه الوحيد. وعندما حلّ الليل، علت أصوات النحيب، لكن أقساها كان نحيب "حَمَر".
ليلةً بعد ليلة، كان صوته يدوّي في أرجاء قرية الحنيّة، كأنّه ينادي من رحل، يطلبه، ينتظر عودته، لكنه لم يعد.

أربعين يوماً ظلّ يعوي، حتى هدّه الحزن، فسقط بجوار القبر، كأنّه قرر أن يكون مخلصاً حتى في الموت.
وهكذا، ظلَّ "حَمَر" رمزاً للوفاء الذي لا يخونه الموت، حارساً لذكرى صاحبه حتى آخر أنفاسه. لم يفارقه في حياته، ولم يتركه حتى بعد رحيله، وكأنّ روحيهما تعاهدتا على البقاء معاً. كان نحيب "حَمَر" أنشودة حزنٍ في ليل قرية الحنيّة، حتى صمت قلبه إلى الأبد، ليجتمع الوفاء بصاحبه تحت تراب الوطن، حيث لا خذلان ولا فراق بعد اليوم.
أيُّها الشهيد نمر، هل تسمعُني من تحتِ الترابِ؟
رحلتَ والسِّلاحُ في يدك، واليوم صار المُقاومُ يُطاردُ بأوامر أبناء جلدته! كنتَ تحلمُ بوطنٍ حُرٍّ، فصار الوطنُ سجناً تحرُسُهُ أيادٍ فلسطينيَّة بأوامر المُحتلِّ.
دمُكَ الذي سُفك على تراب العزيَّة لم يُزهر حريَّةً، بل ذبُلت الثورة بعد أن سقاها الخذلانُ.

رحلت شهيداً، وبقينا نحملُ الهزيمة على أكتافنا.
صار المُقاومُ مطلوباً لا من العدوّ فقط، بل من الذين تقاسموا معهُ الخُبزَ والخندقَ. يُطاردون المُقاومةَ باسم "القانون"، ويذبحونها بسكِّين "التنسيق الأمني المقدّس".
دمُك أصبح حبراً في كُتب النِّسيان، وبُندقيَّتُك تُركت لتصدأَ.
أيُّها الشهيد نمر، لو كنتَ بيننا اليوم، لرُبَّما وجدت الأرض قد تحوَّلت إلى قيدٍ ثقيلٍ، والمُقاومةَ أصبحت خيانةً، والدِّماءَ جفَّت على تُرابنا، فلا نجدُ سوى الصَّمت يقتُلُنا يوماً بعد يومٍ.



#محمود_كلّم (هاشتاغ)       Mahmoud_Kallam#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وصيّةُ ندى لافي كلّم: حينَ تكتُبُ الأرضُ رسالتَها الأخيرةَ
- ندى لافي كلَّم (أم علي)... وصيَّةُ الأَرض التي لا تموتُ
- قمة العرب 7353: فلسطين على الرَّفِّ والتَّطبيع على الطَّاولة
- شربل فارس.. حين يُزهر البؤس كبرياءً
- أبو عرب: صوتُ الأرضِ وحارسُ الذاكرة الفلسطينية
- طائرُ السُّنُونُو.. صوتُ الشَّرفِ الفلسطينيِّ في زمنِ العارِ ...
- ثورةٌ بدأَت بالبنادقِ... وانتهت بالتَّنسيقِ الأَمنيِّ المُقد ...
- أمنٌ يَحرُسُ الكُرسيَّ... لا الوطنَ!
- صلاح الدين الكردي: سيفُ المجدِ في وجهِ خيانةِ العرب
- فلسطين.. أرضُ التينِ والزيتونِ وصمودِ الجبالِ
- قناةُ -كتب فلسطين-... حصنُ الثَّقافةِ والمُقاومةِ الفِكريَّة ...
- نمر فيّاض نمر (أبو فيّاض): رجلٌ من زمن الأمجاد!
- عبد الله كلَّم: الحنين الذي لم يُعانقه الوطن!
- فلسطين التي سلبها الزَّمنُ... ذكرياتٌ لا تمُوتُ
- فلسطين... الأَرضُ التي لا تقبلُ المُساومةَ ولا تنحني للغُزاة ...
- سليمان الشيخ: غريبٌ في المنافي، مُقيمٌ في ظلالِ الوطن
- محمود... أرهقهُ الانتظارُ وخذلهُ القدرُ
- حين لا يُمهلُ القدرُ الطُّيُورَ الأَصيلة.. وداعاً سليم فرحات
- الفنَّان شربل فارس: مِثالُ الإبداعِ وعِمَادُ الوطن
- حِينَ يَبكِي المَساءُ... على أَجنِحةِ الطُّيُورِ


المزيد.....




- حريق ضخم وتسرب وقود إثر اصطدام ناقلة نفط بسفينة شحن قبالة سو ...
- روسيا تختبر سفينة عسكرية طورتها لصالح الهند
- اكتشاف آلاف الميكروبات غير المعروفة في أعماق المحيط
- ما هي متلازمة فيروس هانتا المتسببة في وفاة زوجة النجم الأمري ...
- قاذفات -سو-34- التكتيكية الروسية تستخدم قنابل معدلة فائقة ال ...
- خطوة خجولة: هل يؤدي تحوّل سياسة أوبك+ إلى انهيار أسعار النفط ...
- خصوم الرئيس الأمريكي يخططون للانتقام منه في 2026
- بعد اعتداء مجموعة ملثمة على عمال سوريين بالعراق.. بغداد تشكل ...
- البيت الأبيض: ترامب هو المفاوض الرئيسي ووضع زيلينسكي في مكان ...
- أردوغان: اتفاق دمشق مع الأكراد -سيخدم السلام- في سوريا


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني / غازي الصوراني
- دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ ... / غازي الصوراني
- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود كلّم - نمر كلّم وحَمَر.. قصَّةُ شهيدٍ لم يُخذِّلهُ كلبُهُ!