خالد قنوت
الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 15:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
* مقدمة في مفهوم الهوية الوطنية و عناصرها
الهوية الوطنية في كل أمة تمثل الخصائص و السمات التي تتميز بها و تترجم روح الانتماء لدى ابنائها لتلعب دوراُ اساسياً في استمرارها و تقدمها فبدونها تفقد الأمم معنى وجودها و استقرارها.
و لابد من توفر عناصر للهوية الوطنية بالموقع الجغرافي و التاريخ المشترك و العامل الاقتصادي و وحدانية التعامل المالي إضافة إلى رموز جامعة كالعلم و النشيد ثم الحقوق و الواجبات المشتركة حيث يتمتع ابناء الهوية الوطنية الواحدة بالحقوق و الواجبات ذاتها.
أيضاً, لا يمكن تجاوز أهمية الوعي بالهوية الوطنية و الالتزام بها و مدى انعكاساتها المباشرة على الفرد و المجتمع و الوطن.
* سرد تاريخي
يجمع المؤرخون على أن سورية الطبيعية انتقلت عبر المراحل التاريخية بين عدة مسميات فمن مسمى بلاد الشام بعد الفتوحات الاسلامية إلى مسمى الولايات في المرحلة العثمانية حتى سقوطها عند قيام الثورة العربية الكبرى بتحالف بريطاني فرنسي و دخول جيوشها إلى دمشق بقيادة فيصل بن الحسين في 1 تشرين الأول 1918 و إعلان تأسيس لجنة لكتابة الدستور و إعلان استقلال سورية الطبيعية و تنصيب الأمير فيصل ملكاً دستورياً عليها في 8 آذار 1920. استمرت الدولة نحو خمسة عشر شهراً لتنتهي بدخول قوات غورو الفرنسية دمشق بعد معركة ميسلون في 24 تموز 1920.
كانت فرنسا تسعى لأن تحكم سورية لا أن تكون عليها وصية مؤقتة فقامت بإعلانها عدة دول على اسس دينية و طائفية و اقتصادية حتى قيام انتفاضة جبل العرب عام 1925 و دحرها ثم معاودة النضال السوري و إعلان الاستقلال عام 1946 دون إغفال مسارات الحرب العالمية الثانية و تأثيراتها الكبيرة على فرنسا, إشارة إلى أن الثورة التي انطلقت من السويداء ضد الاحتلال الفرنسي امتدت إلى حلب و دمشق و جنوب لبنان لكنها لم تشمل كل الجغرافيا السورية.
ورثت ما تبقى من سورية الطبيعية بعد الاستقلال مؤسسات و اشكالاً متعددة للدولة الفرنسية كمؤسسة القضاء المستقلة و البرلمان كسلطة تشريعية تخرج عنها الحكومة كسلطة تنفيذية منتخبة من الشعب و يرأس الدولة رئيس للجمهورية يحافظ على مؤسسات الدولة و على حيادها أمام الجميع, مالبثت هذه الدولة إلى أن تعرضت لانتكاسة كبيرة بأول انقلاب عسكري ليتبعه عدة انقلابات تضفي إلى استلاء حزب البعث على السلطة في آذار 1963 ثم صعود حافظ الأسد و تربعه على رأس سلطة الاستبداد لعقود.
بالنتيجة, لم يعرف الواقع السوري في تاريخه الحديث سوى الاستعمار و الاستبداد اللذان استثمرا بعيداً بموضوعة الاكثريات و الاقليات على حساب تكوين الهوية الوطنية.
كل السياسات الاستبدادية التي حكمت سورية, قامت على توسيع الشروخات المجتمعية كإحدى أفضل الوسائل لاستمرار السيطرة و التحكم بالمكونات المختلفة شكلاً و مضموناً حيث صارت ثقافة مجتمعية ليس من السهولة تجاوزها لتتحول إلى كانتونات هوياتية معزولة يسهل السيطرة عليها و استثمارها في لعبة السلطة تسود فيما بينها لغة الخوف و التخويف من الآخر الجار القريب و البعيد.
عام 2011 اندفعت مكونات سورية نحو الانتفاض على استبداد وريث الأسدية. في البداية, تداعت مكونات مجتمعية و شاركت بالتظاهر على مشاهد القمع و رفعت شعارات عن وحدانية الشعب السوري و عن هدف بناء الدولة الوطنية و لكنها انحسرت عند الكثير من المكونات لتنحصر بالمكون السني في معظم المناطق السورية و ليس جميعها مع تصاعد العنف إلى حدوده القصوى و ديمومة هذه الحالة مدة أربع عشر سنة تم فيها تدمير البنى التحتية للدولة و لأسباب الحياة للفرد السوري و كان أكثرها خطورة هو تدمير البنى المجتمعية كمكونات ضمن وطن كان من المفروض أن تشكل شعباً له هويته الوطنية الجامعة كنتيجة للثورة الشعبية.
في الثامن من كانون الثاني 2024 سقط النظام المتهالك و هرب طاغيته و ترك حاضنة مجتمعية كبيرة له, معظمها من المكون السوري العلوي, دون سند و دون مرجعيات دينية أو مجتمعية كما هي باقي الاقليات المجتمعية.
* سورية بعد سقوط الاستبداد بمئة يوم
دخلت عناصر هيئة تحرير الشام المدن السورية وسط مخاوف حقيقية من حدوث تصفيات طائفية انتقامية و هذا ما صدم العالم بعدم حدوثها و وصل الجولاني زعيم الهيئة إلى دمشق وسط ذهول السوريين الذين فقدوا الأمل بالخلاص فتحول الذهول إلى حالة هستيرية من الفرح ربما لم تنتهي عند الكثيرين.
رغم الخطاب البراغماتي لرئيس الإدارة الجديدة و جهوده الكبيرة لكن نشوة النصر و بريق السلطة و ارتباك عناصر الإدارة الجديدة بها و اعتمادهم اسلوب إدارة إمارة إدلب في إدارة سورية و ثقتهم الزائدة أوقعهم في أخطاء و خطايا حاول الكثير من العقلاء الوطنيين تقديم النصح و المشورة مخلصين للوطن و لمشروع بناء الدولة السورية بشكل آمن و سليم لكنهم فضلوا الولاء لهم على الانتماء للوطن و الاخلاص له, فلم يفهموا أهمية قيام عدالة انتقالية و لا إعلان دستور مؤقت و لا حواراً سياسياً حقيقياً مع مكونات تم تصنيفها ضمنياً كعدوة أو خطرة عليهم و تخبطت حكومة تصريف الاعمال ذات اللون الواحد في قراراتها فعطلت الدولة و مؤسساتها المهترئة أصلاً بالفساد و العجز و فضلت الانتهازيين و المطبلين على الشخصيات الوطنية التي تملك القدرات و الكفاءات العلمية و الخبرات السياسية لوضع استراتيجيات وطنية لانقاذ سورية و استبعدت كوادر سياسية و عسكرية في مهمة إعادة بناء مؤسسات سيادية وطنية كمؤسسة الجيش و القوات المسلحة مفضلة رشوة الفصائل و قادتها غير الكفوئين.
منذ الثامن من آذار 2025 و حتى الحادي عشر منه و خلال ثلاثة أيام فقط, مرت فيها سورية بمنعطف خطير و دموي, كادت أن تودي بمصير أسود لحرب أهلية طائفية, راح ضحيتها عشرات من عناصر الأمن العام للإدارة الجديدة على أيدي عناصر عسكرية و أمنية كانت تعمل في قوات الأسد مما اشعل الحدث الجلل العقول الطائفية الحامية للكثير من السوريين المكتوين بنار اربع عشر سنة من تنكيل نظام الاستبداد البائد بهم, فكانت النتيجة عشرات الضحايا من المدنيين الابرياء قتلوا بدم بارد استساخاً لما قام به النظام السابق بحق السوريين الثائرين عليه.
في يوم العاشر من آذار يوقع السيد أحمد الشرع بصفته رئيس الجمهورية مع السيد مظلوم عبدي رئيس تنظيم قسد اتفاق بالحروف الأولى لقبول قسد بالإدارة الجديدة و البدء بدخول القوات النظامية مناطق نفوذ قسد حتى انضمام قواتها للجيش السوري المنشود لسورية الجديدة
المشهد السوري اليوم, حزن و مآتم و نواح لفقد سوريين لأهليهم بمجازر طائفية في الساحل السوري, فرح و احتفالات و رقص في ساحات أخرى في مناطق عدة من سورية.
ما يثير التساؤل اليوم, هل يمكن لشعب أن تعيش بعض مكوناته حزناً عميقاً بينما مكونات أخرى تعيش فرحاً و ابتهاجاً عارمين؟ حيث تستمر هذه حالة الفصامية منذ انتفاضة السوريين عام 2011 و حتى يومنا هذا رغم تغير تموضع تلك المكونات من حالتي الفرح و الحزن الشديدين.
و لنبدأ جدياً بسؤالين منطقيين قبل أن نفكر ببناء الدولة الوطنية السورية,
هل يمكن أن يطلق كلمة "الشعب" على مجمل المكونات السورية؟
و هل هناك هوية وطنية يجمع عليها الشعب السوري, في حال كانت مكوناته تشكل شعباً؟
يقول المفكر الراحل إلياس مرقص: "الشعب هو مكون سياسي ثابت, يتكون من أفراد مختلفين و الشعب هو العلاقات بين الأفراد. الشعب ليس بديهة بينما الافراد بديهة. أما القطيع المؤلف من أفراد فهم مثل بعضهم, هؤلاء كتلة و ليسوا شعباً. بالمحصلة, الشعب هو جمهور زائد انتماء, جمهور زائد هوية وطنية.
يقول المثل الشعبي: الجمل نوى نية, و الجمال نوى نية, و نية ربنا فوق كل نية"
#خالد_قنوت (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟