محمد زكريا توفيق
الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 14:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من ينظر إلى عالمنا العربي اليوم يجد أن الحكم الشمولي هو السائد. فمنصب الرئيس تشغله: إما رتبة عسكرية، وهو منصب محرم على المدنيين، وإما يشغله وريث شرعي، وذلك خارج منطقة التفكير بالنسبة لعامة الشعب. أما الديمقراطية، فهي مولود عليل مشوه غير مرغوب فيه، يتبرأ منه أهله ويبغي الحكام وأده.
اليوم، نجد النفاق هو طابع صحافتنا، والفكر المظلم يشوه عقولنا. الأحرار في بلادنا ملعونين إلى يوم الدين، وأصوات الحق ضائعة وسط صراخ الجهل وضوضاء التضليل.
فماذا تعنيه الديمقراطية بالنسبة لنا الآن، ومدى حاجتنا لها، وسط هذا الجو الأسود الرهيب؟ ماذا تعني والجولاني يسيطر على سوريا وإسرائيل تعربد في المنطقة، وترامب رجل الصفقات المشبوهة يحميها ظالمة أو مظلومة، ويصر على تهجير الفلسطينيين من ديارهم، ضاربا بالقانون الدولي عرض الحائط.
ماذا تعني الديموقراطية والمد الديني يزاد قوة وتوحشا يوما بعد يوم؟ فهل الديمقراطية شيء ضروري لنا؟ وما لها وما عليها؟
يتهم أعداء الديمقراطية أنصارها بأنهم مبهورون بمثاليتها الخادعة. لذلك هم لا يرونها على حقيقتها. إنهم يرونها في الصورة التي يريدونها أن تكون، لا الصورة الحقيقية لها. يرى أعداء الديمقراطية أن السياسة في ظل النظام الديموقراطي ما هي إلا صراع أطماع فقط لا غير.
مسموح فيه باستخدام كل الأساليب القذرة للوصول للحكم والبقاء فيه. فالسياسيون نصابون بالفطرة . أسوأهم الثوار وأدعياء الإصلاح. الذين يخفون خداعهم وراء شعارات زائفة، شأنهم في ذلك شأن رجال الدين. لا يقلون عنهم سوءا. خبراء في تضليل الأبرياء والبسطاء من عامة الناس.
ليس هناك سياسي يفصح عن حقيقة نواياه ومعتقداته، وما ينوي القيام به عندما يتم انتخابه وعندما يتولى السلطة. الديمقراطية تطلب من السياسيين أن يكونوا مخادعين ونصابين وحواة.
الديمقراطية لا ترتقي بالأخلاق، وإنما تساعد على انهيارها، وتبلغ بها الحضيض. شأنها في ذلك شأن الحكم الشمولي الديكتاتوري والحكم الديني. الفرق فقط في طول المدة التي تنهار فيها الأخلاق. فالديمقراطية تقضي على الأخلاق ببطء، بينما الحكم الشمولي وحكم رجال الدين يقض عليها بسرعة فائقة.
يقول أعداء الديمقراطية، ومنهم أفلاطون وأرسطو، إنها مبنية على فروض خادعة. لأن عامة الناس، وهي قوام النظام الديموقراطي، تفتقر إلى الحكمة. عامة الناس توصف في أحسن الحالات بالغباء الشديد وعدم الكفاءة.
أليست عامة الناس والدهماء هي التي حكمت قديما على الفيلسوف سقراط بالإعدام، وأتت حديثا بالرئيس الأمريكي بوش الابن مرتين للحكم، وجاءت بالإخوان ومرسي؟ وأتحفتنا برجل الأعمال دونالد ترامب، رئيسا للولايات المتحدة عن طريق الانتخابات للمرة الثانية؟
عامة الشعب تحكمها العواطف البدائية. فهي تسير خلف أي شيء يتحرك. تلتف حول كل مهرج. تفرقها العصا وتجمعا زمارة. ترتجف من الخوف أمام أية فكرة جديدة. تقدس القديم وتفديه بمالها وعيالها وحياتها.
عامة الشعب لا تريد الحرية أو الديمقراطية. كل ما تريده هو الأمن والغذاء مثل العبيد والجواري والإماء. أو مثل الماشية في أحسن تقدير. هي تناهض دائما الأحرار وكل من يخرج عن الصف بفكرة جديدة أو رأي مختلف. التاريخ ملئ بشهداء البحث عن الحقيقة والفكر الحر بأيدي الغوغاء والعامة من الناس.
رجل الشارع لا يريد الحرية، فهي عبء ثقيل لا يستطيع تحمل تبعاته. رجل الشارع لا يريد المساواة في الحقوق والواجبات. لأن هذه المساواة تعطي المتفوق فرصة لزيادة تفوقه.
التفوق يكون غالبا على حساب الرجل العادي. لذلك يلجأ العامة إلى الاهتمام بالأخلاق، كنوع من التعويض عن فقدان الصدارة. في النظام الديموقراطي، كل قضية تتحول إلى قضية أخلاقية.
التظاهر بالتمسك بالأخلاق وحمايتها هو سلاح الضعيف في الهجوم على المتفوقين والمفكرين والفلاسفة والفنانين. ما يحدث للفنانين والصحافيين الموهوبين والعلماء من تجريس واتهامات حاليا خير دليل على ذلك.
لكن أنصار الديمقراطية، ومنهم الفيلسوف الأمريكي جون ديوي، يقولون إن الديمقراطية ، بالرغم من عيوبها المعروفة، هي أفضل نظم الحكم التي عرفها الإنسان حتى اليوم.، وأقلها ضررا.
الديمقراطية ليست مجرد طريقة لاختيار الحكومة فقط. إنما هي أسلوب حياة يصلح للأسرة والمدرسة والجامعة والنادي والحزب والدولة. يصلح لكل تجمع إنساني تتعدد فيه الآراء والأفكار، وتختلف فيه المشارب والأمزجة.
الديمقراطية تنمي الأخلاق، ولا تقضي عليها كما يقول خصومها. لأن الأخلاق تتطور مثل باقي الكائنات. هي تتغير باستمرار وفقا للزمان والمكان. من ثم، تكون الديمقراطية هي الوعاء الأسلم، الذي يسمح بإصلاح عيوب الأخلاق والسير بها إلى الأفضل عن طريق كشف عيوبها. لأن الحرية في النظام الديموقراطي، هي حرية الرأي وحرية الفكر.
يضيف الفيلسوف ديوي مدافعا عن الديمقراطية، أنه ليس هناك أحد، مهما أوتي من حكمة أو علم، ومهما بلغ من إخلاص وتفاني، يصلح أن يحكم الناس بدون رضاهم.
جمهورية أفلاطون، لا تصلح لنا اليوم. لأنه لا يوجد هناك شخص يمكن أن نصفه بأنه حكيم زمانه وفريد عصره وأوانه، حتى يمكننا أن نسلم له رقابنا، وندعه يقرر مصيرنا ومستقبل أولادنا بمفرده. بمعنى آخر، لا ولن يوجد حاكم، مهما يبلغ علمه وخبرته وإخلاصه، يمكنه أن يبرر لنا سلطته المطلقة في حكم الناس.
ثم أخبرني بالله عليك، كيف تصل أصوات الفقراء والضعفاء إلى الحاكم، إذا لم يكن هناك نظام ديموقراطي يسمح بذلك؟ النظام الديموقراطي، رغم عيوبه، هو النظام الوحيد الذي يجبر الحاكم على النظر في شكايات المظلومين والعمل على إزالتها.
بغير النظام الديموقراطي، يصبح الأمر مرهونا بمزاج الحاكم وميوله الشخصية. إذا لم يوضع الحاكم تحت الرقابة، وما لم تقيد سلطاته المطلقة، فإنه عاجلا أم آجلا، سوف يفسد بالسلطة، ويصبح ظالما فاسقا. التاريخ مليء بحالات تؤكد هذه المقولة. لأن السلطة فساد، والسلطة المطلقة فساد مطلق.
النظام الديموقراطي يعني أن تكون العصمة في يد الأغلبية، حتى لا تطغى الأقلية على الناس. العامة يجب أن تكبح جماح الخاصة، حتى لا تستغل الخاصة مكانها في الصدارة لمنفعتها الشخصية.
الديمقراطية، هي ثقة. ثقة في النفس وثقة في المجتمع. المساواة في الديمقراطية، ليست تعني مساواة في الحقوق فقط، بقدر ما هي مساواة في الفرص المتاحة لكل فرد، لإثبات ما يمكن أن يفعله لنفسه ولمجتمعه.
التعليم الجيد، هو أساس النظام الديموقراطي. لأن التعليم الجيد، هو الذي يغرس بذور الديمقراطية في نفوس التلاميذ. يعلمهم كيف يكونون ديموقراطيين داخل الفصل وخارجه. ويحارب النزعة الدكتاتورية الموروثة داخل عقولهم.
يساعد التعليم الجيد على تقبل الآخر وإعداد القادة الذين يقبلون النقد بصدر رحب. يستمعون للرأي والرأي الآخر. يختلفون مع بعضهم البعض، دون أن يكونوا أعداء الداء. ثم يأتي بعد ذلك دور الأحزاب، في التدريب على السلوك الديموقراطي وإعداد قادة المستقبل.
فشل الديمقراطية في بلادنا اليوم، سببه فساد التعليم. لن تنجح الديمقراطية في بلادنا قبل إصلاح منظومة التعليم، وقبل تكوين الطبقة المتوسطة التي تم القضاء عليها في زمن مبارك وسيطرة الحزب الوطني، في الماضي، وسيطرة الفكر السلفي في الحاضر.
إذا أرادت هذه الدولة البائسة أن تنهض من سباتها العميق الطويل، الذي استمر أكثر من 1400 سنة، يجب أن تلغي مشيخة الأزهر. يا أخي بناقص. وتقوم بتحويل جامعته إلى جامعة مدنية. الدين يجب أن يدرس مع الفلسفة في كليات أو أقسام الجامعات المدنية. لا أن نعود بنظام الكتاتيب ونلغي تدريس الفلسفة في المدارس، كما ينوي وزير التربية والتعليم تطبيقه مستقبلا.
كما يجب أن تلغى مدارس الأزهر الابتدائية والإعدادية والثانوية، ومع السلامة. ده كلام فارغ. المدارس الدينية تقسم البلد وتقضي على وحدتها الثقافية وروحها الوطنية. وتعطينا بتوع الإخوان والسلفيين وداعش وأمثالهم من مخلوقات فرانكشتاين التي لا عقل لها ولا قلب أو ضمير أو انتماء وطني.
تعليمنا يجب أن يرجع إلى أسلوب رفاعة الطهطاوي وعلى باشا مبارك وأحمد لطفي السيد وطه حسين. التعليم المؤسس على الفكر الأرسطي. أي يجب أن نرجع إلى الفكر الهيليني الذي يمجد الحق والعدل والعقل والفن والموسيقى والجمال والإنسان والحرية الفردية.
الدين علاقة بين العبد وربه، ولا يحتاج إلى مشيخة الأزهر أو وزارة الأوقاف أو دار الإفتاء. وهي مؤسسات لم تكن موجودة أصلا أيام الرسول. ووجودها مخالف للسنة. وده كلام من الآخر. التعليم الجيد مع بناء طبقة برجوازية قوية، هما دعامتي النظام الديمقراطي الناجح.
الديمقراطية هي الأمل الباقي لنا. أمل اليوم والغد. حصننا الحصين ضد غدر الزمان وسيطرة العسكر والمرابين ومافيا السياسة. الديمقراطية، هي النظام الوحيد الذي يجعل الولاء للوطن، وليس للجماعة أو للنظام أو للطاغي.
الديمقراطية تجعل الإخلاص فريضة للكل، وليس حكرا على فئة معينة أو دين معين. هي النظام الذي يساهم فيه الكل بقدر صغير أو كبير، ويسمح بظهور قيادات وكفاءات حقيقية تقود إلى التقدم والرفاهية.
الديمقراطية هي النظام الوحيد الذي يسمح بانتقال السلطة سلميا دون إراقة الدماء، ودون تعريض الوطن للخطر والانقسام. فهل الأفضل أن نتنازل عن حريتنا لكي نقاد مثل البعير بالقائد الملهم والفارس المغوار، عبقري زمانه وفريد عصره وأوانه، أم نشترك جميعا في حكم بلادنا وحل مشاكلنا وتخطيط مستقبلنا ومستقبل أولادنا؟
#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟