|
التعليم بالمغرب بين -الحق- و-الصدقة-
محمد السكاكي
الحوار المتمدن-العدد: 8278 - 2025 / 3 / 11 - 06:50
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
مقدمات أولية: ● يتناول الموضوع، مشكل التعليم بالمغرب، من خلال مقارنة، بين المرحلة التي أعقبت 1956، كمرحلة حُلم الشعب، بضمان حق أبناءه في التعليم، والتفاف الدولة، حول هذا الحق منذ البدء، من خلال شعارات خادعة (على رأسها تعميم التعليم) والمرحلة الحالية، حيث تعيد الدولة نفس المسرحية ب"إخراج" أسوأ من خلال ما يسمى ب"الاستعطاف"، للحصول على فرصة متابعة الدراسة. ● يقتصر الموضوع، على مقاربة المشكل الذي يثيره حق التعليم، من خلال تقليص حظوظ التمدرس، بنص تشريعي¹ وفتح باب الاستعطاف، بمقتضى مذكرات وزارية، أمام المتعلمين، المفصولين عن الدراسة، لالتماس فرصة أخرى، لمتابعة الدراسة! ● استحضار المرحلة الأولى، مباشرة بعد 1956، والمرحلة الحالية، لتناغم بين رنة شعار التعميم الدعائية، وضجيج المذكرات الوزارية الحالية، التي تخفي الدولة من وراءها، تقليص فرص المتعلمين في متابعة الدراسة. ● تهرب الدولة من مسؤولية الاستجابة للحق في التعليم، بحلول ترقيعية، على حساب المعلمين والمتعلمين وأطر الإدارة التربوية، أدى إلى إفساد العملية برمتها. ● إن الاختلالات التي سبًّبَها هذا الوضع، أفقدت المدرسة العمومية دورها ومصداقيتها، وتم تخريبها من الداخل، مما شجع على اللجوء إلى مدارس التعليم الخصوصي...الخ ● مقابل حرمان المتعلمين من حقهم في التعليم، والشروط التي تقتضيها الاستفادة الفعلية منه، تم تشجيعهم على الإخلال بالواجب، فتراجع الاهتمام بالتحصيل لصالح مختلف أشكال الانحراف، التي أصبحت تحتضنها المدرسة، بدل الإسهام في محاربتها. ▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎▪︎ يعرف قطاع التعليم بالمغرب، اختلالات لازمت بداياته الأولى منذ 1956، في مرحلة تأججت فيها رغبة الشعب، في نيل ابناءه حقهم في التعليم، كمدخل لتحسين وضعهم الاجتماعي والرقي به. إن رهان الشعب، على المدرسة لم يكن بغاية التعلم والمعرفة فقط، بل وسيلة لتحسين الوضعية الاجتماعية، والخروج من دائرة التهميش والحرمان. بالنظر لطبيعة المرحلة، وحماس الشعب واحتفاءه بها، كمنعطف تاريخي، وفرصة لتحقيق الأحلام ( حلم الاستقلال الوطني، تحسن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية، الاستفادة من الحق في التعليم...) عملت الدولة على الترويج لشعارات عامة وتلفيقية لامتصاص هذا الحماس الشعبي واحتواءه؛ لكنها لم تستطع الاستمرار، على هذه الطريقة طويلا، وسرعان ما اتضحت الحقيقة وانكشفت دون قناع. فلا الشعب أنعم بالاستقلال الذي ضحى من أجله، ولا وضعيته العامة عرفت تحسنا معينا، ولا تمكن ابناؤه من نيل حقهم في التعليم...الخ. انها انتكاسة، كان لها أثر صدمة وخيبة لم تكن متوقعة. في الوقت الذي كانت الدولة تغني على أنغام "الاستقلال" ومضت توزع الوعود وتغذي الأحلام، كانت في نفس الوقت تزرع ألغاما، سرعان ما بدأت تنفجر هنا وهناك، تعبيرا عن خيبة أمل الشعب، بانكشاف زيف الشعارات والادعاءات، ومحاكمة لها في نفس الوقت. وهذا ما يشهد عليه تواطؤ نظام الحكم المخزني، مع القوتين الاستعماريتين الفرنسية والاسبانية في مجزرة 10 فبراير 1958، المعروفة بمجزرة إيكوفيون²، بالسماح باستعمال طريق تندوف، والأراضي المغربية من طرف جيش الاستعمار الفرنسي، لتصفية "حركة مقاومة الاستعمار في الصحراء" وحركة جيش التحرير بالمغرب التي رفضت إلقاء السلاح والاندماج في جهاز (القوات المسلحة الملكية) الذي يديره محمد اوفقير (عميل الاستعمار الفرنسي، الذي تولى مسؤوليات كبيرة، في جهاز الدولة، بعد 1956) واللجوء إلى الجنوب لاستكمال استقلال المغرب، وما يشهد عليه أيضا، حجم المجازر التي أعقبت الانتفاضة المسلحة بالريف1958/1959، حيث تأكدت طبيعة الاستقلال الذي ناله المغرب وطبيعة نظام الحكم. فحين وعدت الدولة بتعميم التعليم لفائدة كل المغاربة، فإنها وضعت "ميثاقا" بينها وبين الشعب أصبح من الواجب الالتزام به، وهذا ما حصل من جهة الشعب، حين انقلبت الدولة على "وعودها"، وانكشف زيف الشعارات التي طالما خدعته بها. فلم يحتجّ او ينتفض، وفي مقدمته ابناءه من المتعلمين (الطلاب) إلا لأن الدولة قد انقلبت على وعودها، وانكشفت حقيقة السعي، لحرمان ابناء الشعب من حقهم في التعليم، وكانت النتيجة، انتفاضة الدار البيضاء 23 مارس 1965، التي أضافتها الدولة إلى لائحة المجازر السابقة؛ حيث أطلقت مختلف أجهزة القمع، معززة بآليات حربية لقمع تظاهرات سلمية، فكانت النتيجة ضحايا بالآلاف، بين قتيل وجريح ومعتقل...الخ، في صفوف تلاميذ المدارس وآباءهم. إن مبدأ تعميم التعليم، الذي طالما شكل حلم الجميع، وطالما كان موضوعا للرواج الدعائي، من طرف الدولة منذ 1956، تأكدت حقيقته، وتبين أنه مجرد قناع لإخفاء الحقيقة، سواء من جهة عدد المدارس المحدود التي وفرته الدولة لهذه الغاية (ودون حاجة إلى إحصاءات دقيقة عن عدد المدارس، وتوزعها الجغرافي على المستوى الوطني، لأن ذلك سيكون من قبيل العبث في هذه المرحلة بالضبط) أو من جهة الخصاص في الأطر التعليمية، أو من جهة ما أكده المنشور، الذي أصدره يوسف بلعباس، وزير التعليم آنذاك، في 19فبراير 1965، الذي يؤكد أن "من الضروري ألا يتوجه إلى السنة الرابعة من الثانوي سوى التلاميذ القادرين على متابعة الدراسة في إحدى الشعب المتخصصة من السلك الثاني، وأنه لا يمكن أن يتوجه إلى السنة الرابعة من الثانوي التلاميذ المزدادون عام 1948، وتبلغ أعمارهم 18 سنة أو أكثر لولوج السلك الثاني من الثانوي والوصول إلى البكالوريا" الذي فسرته وفصلت فيه اللجنة الإقليمية لوداديات التلاميذ بالدار البيضاء، لتقف عند استهدافه بالطرد لآلاف من التلاميذ؛ حيث وضحت في منشور لها، الذي دعت فيه إلى إسقاط قرار وزير التعليم، والتظاهر بداية من يوم 22 مارس 1965، أنه سيطرد من الثالثة ثانوي كل التلاميذ البالغين ستة عشر (16)سنة. والمصير نفسه سيكون للبالغين خمسة عشر (15) سنة في الثانية ثانوي. وينطبق الأمر على من هم في سن الرابعة عشر (14) في الأولى ثانوي. وهكذا نزولا، مرورا بالمستويات الخمس من سنوات التعليم الابتدائي...الخ. وهكذا، يبدو أن السياسة التعليمية في المغرب لم تكن مؤسسة على تصور واضح قادر على وضع مخطط وطني لقطاع التعليم، يستجيب لطموحات المواطنين في نيل حقهم في التعليم، يتضمن الغاية من المدرسة، ويحدد أدوارها في البناء المجتمعي، والامكانات اللازمة التي تتطلبها...الخ، إذ كانت الغاية محدودة ومحددة في توفير ما يلزم من الموظفين المغاربة لتعويض الفراغ الذي تركه انسحاب المعمرين الأجانب فقط. إذن فمصادرة الحق في التعليم قائمة منذ البدء، في "مبدأ التعميم نفسه"، بحيث تسمح الدولة لنفسها بادعاء تعميم التعليم، دون أن توفر الشروط المادية الكفيلة بذلك ( من جهة عدد المدارس أو أطر الإدارة والتدريس) وهذا ما سارت تؤكده، بعدما اصبح القطاع مصدرا للتوتر والمتاعب، بعد ولوج بعض أبناء الطبقات الشعبية الكادحة إلى قطاع التعليم، ما ساعدهم على فهم واستيعاب حقيقة الوضع السياسي والاقتصادي، وفهم واقعهم الطبقي، وأسبابه الحقيقية، وكوَّن لديهم مواقف وقناعات بإمكانيات التغيير الجذري...الخ. وبعد سياسة التقشف التي فرضها التقويم الهيكلي (بداية ثمانينيات القرن الماضي)، لتقليص النفقات العمومية في "القطاعات غير المنتجة" (التعليم، الصحة)، لتبدأ سلسلة من الإصلاحات تصب كلها في حرمان ابناء الشعب من حقهم في التعليم عبر تقليص ميزانية القطاع، وتشجيع الاستثمار في القطاع الخصوصي. واعتمدت الدولة لهذه الغاية تشريعات، تحدد سن وعدد سنوات التمدرس بالنسبة للمتعلمين، وتحدد عدد سنوات التكرار المسموح بها، وهذا ما يؤكده آخر النصوص التشريعية في هذا الشأن³. إن منطوق هذا النص واضح، في كونه يقلص من فرص المتعلمين في متابعة الدراسة، بتقليص سنوات التكرار المسموح بها، والتي يتم على أساسها اتخاذ قرار الفصل في حقهم من طرف المؤسسات التعليمية التي يتابعون فيها دراستهم، وحدد الإجراءات التي يمر عبرها اتخاذ القرار، والهيئة ذات الاختصاص التي حددها حصريا في ما يسمى بمجلس القسم، الذي يبت في التقديرات الدورية للمتعلمين، سواء بالانتقال إلى مستوى أعلى، أو بالرسوب وتكرار المستوى الدراسي، أو الرسوب المصحوب بالفصل من صفوف المدرسة. إذا كانت الدولة، قد وضعت قوانين، تصادر حق التعليم، وتقلص من فرص متابعة الدراسة، بالشكل الذي ينص عليه المرسوم المشار إليه، فإنها رغم ذلك لا تتوقف عن إصدار مذكرات سنوية، تدعي و"تدعو" إلى الدفاع عن حق التمدرس، وتدعو إلى تسجيل المفصولين عن الدراسة دون سن الثامنة بشكل خاص، تماشيا مع توجيهات المؤسسات المالية الدولية⁴، لتفسح المجال أمام العبث بقرارات مجالس الأقسام، خارج الضوابط القانونية، التي سنتها هي نفسها في المرسوم المشار إليه. إذا كانت الوزارة، تسعى فعلا للدفاع عن الحق في التعليم، فلماذا لم تغير المرسوم المشار إليه، الذي يشرع لمصادرة هذا الحق؟ ولماذا تلجأ بدلا من ذلك إلى إصدار مذكرات وزارية في الموضوع؟ إنها تقود حملة دعائية تضليلية تسعى من خلالها للتمويه و"دغدغةالمشاعر" للالتفاف على الحق في التعليم، كما تسعى في الأساس لإرضاء المؤسسات المالية الدولية الدائنة بنص تشريعي يشكل ضمانة عن الالتزام بتنفيذ تعليماتها. هذه المفارقة الظاهرية، ستفتح المجال أمام ضجيج إعلامي كبير، حول إعادة تسجيل التلاميذ المفصولين، ومحاربة الهذر المدرسي، تخصص لها الوزارة ومختلف ممثلياتها الجهوية أو الإقليمية، حيزا مهما، عند كل دخول مدرسي، كما توسع من دائره هذه الزوبعة، بالاستعانة بأطراف تمتهن فن الدعاية، وتحترف "الحملات التحسيسية"⁵ ، حيث تكون في حالة استعداد وانتظار دائمة لفرصة انطلاق "الفرجة" لضبط إيقاعات ألحانها حسب ما تقتضية المدرسة والتعليم والمتعلمين...الخ. ليضعنا هذا الضجيج الدعائي في وضع يبدو فيه الجميع مهتما ومنشغلا بالمدرسة والتعليم...الخ ( جمعيات، جمعيات آباء، السلطات المحلية، السلطات المدرسية... ) في حين لانكون إلا أمام تماسيح لا تدمع عيناها إلا حين تبدأ في التهام الضحية/الفريسة. فالدولة لو كانت مهتمة بالتعليم، بحجم الضجيج الذي تحدثه، فإنها كانت ستختصر الطريق، وتعالج المشكل من أساسه. بدل إحداث ضجيج وإصدار مذكرات تحث على إعطاء المتعلمين فرصة أخرى، عبر وسيلة "الاستعطاف"، كان أولى بها ان لا تقلص سنوات استفادة المتعلمين، من تكرار المستويات الدراسية، وتوسع حظوظ وفرص التعلم، وتوفر المدارس بشكل يتيح استفادة جميع المواطنين من خدماتها، وتوفير الأطر التعليمية بالأعداد الكافية، وإقامة مؤسسات إيواء المتعلمين (ما يعرف بالداخليات) وتوفير وسائل النقل، لفائدة التلاميذ الذين يفِدون من المناطق البعيدة والنائية، للتشجيع على التمدرس، ومحاربة ما يسمى ب"الهذر المدرسي". آنذاك لن يحتاج المتعلمون إلى "الاستعطاف" أو التوسل للاستفادة من حقهم في التعليم، وستعفي الجميع من هذه "العاصفة" التي تحدثها عند كل دخول مدرسي، بدون فائدة تذكر⁶. إنها تحرم المتعلمين من حقهم في التعليم، بمقتضى نص تشريعي واضح، وتدعي الدفاع عنه بمقتضى مذكرات وزارية، تتعارض مع النص التشريعي المشار إليه، لتزيد من تعقيد الأمر بدل الإسهام في حله، إنها تلقي بالمسؤولية، على الأطر الإدارية والتربوية في البحث عن صيغ للتوفيق، بين توجهين متعارضين للوزارة، الالتزام بتطبيق القوانين التي تحدد سنوات تمدرس المتعلمين، بما يترتب عنها من فصل للعديد من المتعلمين، والسماح لهم باستئناف مسارهم الدراسي في نفس الوقت! ليبدأ كل موسم دراسي بالتخبط والعشوائية بسبب هذه الوضعية التي تفرضها الوزارة. وتبدأ بضرب "مصداقية" القرارات التي تتخذها المؤسسات التعليمية، من خلال مجالس الأقسام، التي تعتبر الهيئة المعهود لها البت في التقديرات الدورية للمتعلمين، بمقتضى المرسوم المشار إليه، وتجعل قراراتها موضوع تجاوز من طرف كل من "هب ودب". فإذا كان بالإمكان تغيير هذه القرارات المتعلقة ب"الفصل" فإنه يمكن تغيير غيرها، المتعلقة بالتكرار أو الانتقال، بنفس المبدأ، مما يطبع العملية برمتها بالعبث والتعسف والتلاعب. وما دامت العملية بهذه السهولة وبهذه العبثية، وضدا على المرسوم المشار إليه، كان بالأولى إعفاء هذه المجالس من هذه المهمة. ففي بداية كل موسم دراسي تجتمع مجموعة من الاطر الإدارية والتربوية وتحت ضغط مذكرات وزارية خارج سياقها القانوني وتسمح لنفسها بالتطاول على قرارات، تم اتخاذها بناء على المرسوم المشار إليه سابقا، ومعللة بالاستناد عليه، فتأخذ صيغة "هيئة مشرِّعة" و"هيئة للنقض" وتُجِيز لنفسها مراجعة قرارات لا تملك صفة قانونية تسمح لها بذلك، وتبت لا في وضعية اشخاص متمدرسين، بل في وضعية اجانب عن المدرسة، لم تعد تربطهم بالمؤسسة التعليمية أية صلة، كونها فصلتهم من صفوفها في السنة/السنوات الدراسية السابقة. إذا كانت "هيئة النقض" هذه تستطيع مراجعة قرارات لاتخصها، لماذا لا تتجرأ على مراجعة قرارات أخرى من قبيل الانتقال أو التكرار، ولماذا لا تتجرأ على مراجعة المرسوم الذي يشكل أصل هذه الوضعية؟...الخ. أما حين تأخذ صفة "الهيئة المشرعة" فإنها تمنح لنفسها صلاحية إعطاء الفرصة لمتابعة الدراسة لبعض الأشخاص، إذن فلماذا لا تعمم "فائدة هذه الفرصة" على باقي افراد الشعب الذين يحتاجون لاستئناف مسيرتهم الدراسية التي تعثرت في لحظة ما؟ إن المبررات التي تلجأ اليها هذه الهيئة، حيث "العذر أكبر من الزلة"، حين تدعي انها تمثل مجلس القسم!. وهنا مكمن التلاعب والاستهتار والاستخفاف بالعملية برمتها. إذن ماذا نعني بالقسم؟ وماذا نعني بمجلس القسم؟ وكيف يمكن الحديث عن قسم أو مجلس له، لم يعودا قائمين، ومنتهيان بانتهاء السنة الدراسية التي تشكلا خلالها؟ القسم هو لائحة إسمية تضم عددا محددا من التلاميذ، تسند إلى مجموعة من اساتذة المواد الدراسية، المقررة في مستوى دراسي محدد، وواحدا من الحراس العامين، تحت رئاسة مدير المؤسسة، وهو مايشكل مجلس القسم، ويمتد على مدى زمني يبدأ بتسلم جداول حصص هيئة التدريس في بداية السنة الدراسية، وإسناد الأقسام والمستويات الدراسية، وينتهي في آخر اجتماع له في نهاية السنة الدراسية. وعليه، فالأقسام ومجالسها، تتشكل وتنتهي خلال كل سنة دراسية، تمتد على مدى سنة دراسية واحدة، ليعاد تكوين الأقسام وتشكيل مجالس اخرى في السنة الدراسية المقبلة، حين يتم توزيع التلاميذ في لوائح إسمية جديدة، ويكون لكل قسم مجلسه الخاص. إذن عندما تسمي هذه "الهيئة" نفسها مجلس القسم، فإنها بذلك تنتحل الصفة أولا، وتتطاول على الاختصاص، ثانيا وتتجاوز حدود الصلاحية ثالثا، بمراجعة قرارات لا تخصها، وتضفي صفة على اشخاص أسقطها عنهم "القانون". إنها تعقد تجمعات غريبة تسميها مجالس الأقسام، إنها إضافة لما سبق، تتجاهل ان مجالس الأقسام لا تجتمع بصيغة جماعية، لأن لكل قسم مجلسا خاصا به (لا يتجاوز أساتذة المواد الدراسية المقررة في مستوى دراسي معين وواحد من الحراس العامين ومدير المؤسسة )، وأن مجالس الأقسام التي اتخذت القرارت التي تسمح لنفسها بمراجعتها لم تعد قائمة لأنها تتعلق بسنة دراسية منصرمة. إننا نصبح نتيجة لذلك أمام انشطة مكثفة، من العبث والتلاعب بتسيير وتدبير العملية التعليمية على صعيد المؤسسات. وبالنظر لحجم هذه العمليات التي تتم سنويا، على المستوى الوطني، وعلى مدى زمني ليس بالقصير، تأكد انها ليست مسألة عرضية ناتجة عن غياب الإلمام بالقوانين، أو تعبير عن "سخاء" وتساهل من الدولة في خرقها، إنه تَوجُّه عام (يقوم على ازدواجية الجمع بين القانون والأمر الواقع) يحكم تسيير القطاع، وهذاما يضعنا أمام مفارقات غريبة، بحيث أن الدولة تسن قوانين للتنظيم والضبط والمحاسبة...الخ، وتتساهل أو تتغاضى عن خرقها أحيانا، عدم صلاح العديد من المواد القانونية التي يتم تجاوزها عمليا (بحكم الأمر الواقع) والاحتفاظ بها بدل تغييرها...الخ. بحيث تبدو ازدواجية القانون والأمر الواقع مسألة أساسية في التوجه العام للدولة، وأحسن نموذج، يؤكده الضجيج الذي رافق منع انتاج واستعمال أكياس البلاستيك، بمقتضى القانون 77.15، الصادر بتنفيذه الظهير 1.15.148 بتاريخ 7 دجنبر 2015، لمواكبة الحملة الإعلامية الدولية، في إطار ما يعرف بالحد من مخاطر التغيرات المناخية، رغم اتساع وانتشار استعمال الانواع الأسوأ والأخطر من هذه الأكياس. إنها تضع القوانين لتوفر ترسانة تشريعية وتنظيمية عند الحاجة، وتصلح في عمليات التمثيل السينمائي، من خلال ما يسمى ب"الحملات"، حملة محاربة احتلال الملك العمومي، حملة محاربة انتاج واستعمال البلاستيك...الخ، والتظاهر بها أمام المنابر الدولية، وترك الأمور تسير "سيرها" في غالب الأحيان. إن هذه الازدواجية (في قطاع التعليم) والمفارقات التي تثيرها، ليست تعبيرا عن اخطاء في الإدارة او التسيير، أو نتيجة جهل بالقوانين. إنها تجد جوابها بالأساس في التزام الدولة بالتوجيهات التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي) التي توصي بتقليص الحق في التعليم العمومي، ولذلك صاغت نصا تشريعيا، بالمواصفات المطلوبة، (المرسوم المشار إليه)، بمثابة ضمانة تدلي بها لفائدة هذه المؤسسات، إلا أنها تجد نفسها في مواجهة ضغط الشعب ومطالبته بحق ابنائه في التعليم، وفي محاولة للالتفاف على ذلك، تُلقي بالمسؤولية على المؤسسات التعليمية، دون أن توفر لها الشروط الضرورية لذلك، من موارد بشرية، بنايات، تجهيزات...الخ، مما ينتج عنه وضع من تكديس المتعلمين، في فضاءات غير ملائمة، بشكل يخل بالعملية التعليمية، إنها تعالج المشكل على حساب إثقال كاهل المؤسسات التعليمية، سواء من جهة الأطر الإدارية، أو الأطر التربوية، بأعداد زائدة من المتعلمين، يفوق الإمكانات المتوفرة، وعلى حساب باقي المتعلمين، بما ينتج عن ذلك من ظواهر مرضية، حيث بلغت حد الجمع بين مستويات دراسية متفاوتة في قسم واحد وإسنادها لأستاذ واحد في نفس الوقت في المدارس الابتدائية أو ما يسمى، دون "خجل"، المستوى المشترك! ما يفرغ العملية كلها من أي مضمون، ويسائل جدوى التدرج والارتقاء في المستويات الدراسية. إن الدولة حين قلصت الحق في التعليم، إلى "استعطاف" المؤسسات التعليمية، تنصلت من مسؤوليتها، ووجهت الأنظار إلى المؤسسات التعليمية، وكأنها هي من يمنح الحق في التعليم أو ينزعه وليس المرسوم الذي وضعته الوزارة نفسها، وتفرض على هذه المؤسسات الالتزام به، وتفرض عليها البحث عن حل لهذا المشكل، دون أن توفر لها الشروط المادية الكفيلة بذلك، من حيث البنايات والتجهيزات والاطر التربوية والإدارية...الخ، ما يؤدي في الأخير الى الزج بأعداد كبيرة من المتعلمين في وضعيات غير ملائمة للتحصيل، وإرهاق الأطر الإدارية أو التربوية بأعباء الأعداد المتزايدة، التي تفوق إمكاناتها. لتدشن المدرسة عهدا من الانفلات والانحطاط⁷. هوامش: 1- المرسوم 2.02.376 الصادر في 17 يوليو 2002، بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي كما وقع تغييره وتتميمه بالمرسوم رقم 2.04.675 الصادر في 29 دجنبر 2004، الذي يقلص من فرص الاستفادة من الحق في التعليم. ومذكرات وزارة التعليم، التي تحاول إخفاء هذه الحقيقة، وتأكيد تنصل الدولة من المسؤولية والإلقاء بها على عاتق المؤسسات التعليمية. 2- عملية إبادة جماعية لم تقتصر على الأشخاص فقط، بل امتدت لتشمل جميع موارد العيش من ممتلكات وموارد طبيعية. في عملية كنس شاملة، طبقا لاسم العملية العسكرية. 3- المرسوم المشار إليه أعلاه، في الهامش رقم 1. 4- يشكل كل من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ممثلين لكبريات شركات الرأسمال الإمبريالي، التي اصبح استهلاك واستعمال منتوجاتها يتطلب مستوى دراسيا معينا، وعليه أصبحت تفرض ما يسمى بإلزامية التمدرس في مراحل معينة، ليس لفائدة المتعلمين، بل لتوسيع قاعدة المستهلكين، وتوسيع دائرة السوق امام منتوجات هذه الشركات. إنها لا تنظر إلى المتعلم إلا من زاوية إعداد زبون ومستهلك للمستقبل. 5- انتشرت بشكل مثير أنشطة طفيلية، تتزعمها جمعيات وهيئات، تضع نفسها رهن إشارة الجميع، وقدرتها على حل مختلف المشاكل التي يواجهها الشعب! بما في ذلك قدرتها على حل ما عجزت عنه الدولة، ومنها مشاكل قطاع التعليم، وتنخرط في "تمثيليات مسرحية" مبتذلة ومحدودة الأثر تسميها حملات تحسيسية، أو محاربة الهذر المدرسي، أو اقتناء بعض اللوازم المدرسية لبعض الأشخاص، او دعم التلاميذ التلاميذ المتعثرين...الخ، في حين لا تبحث إلا عن موارد مالية (الدعم المالي من الجماعات المحلية، تسول المساعدات من مختلف الجهات...) في عمل ارتزاقي دنيء، ينطبق عليه مثال مَن "يعرف من أين تؤكل الكتف". 6- للزيادة من حجم التمويه والتضليل، يتسابق بعض "المسؤولين" في قطاع التعليم، إلى تقديم حصيلة الإنجازات في موضوع استرجاع التلاميذ المفصولين او المنقطعين، كل حسب موقع مسؤوليته، لكن لا أحد منهم تجرأ يوما أن يبوح بما آلت إليه هذه العملية والنتائج المحصلة في صفوف هؤلاء المسترجعين. إن أغلب هذه الحالات لا تتجاوز التقيد في لوائح المتمدرسين. 7- إن الدولة قد عثرت على الحل الأنسب للتوفيق بين ضغوطات المؤسسات المالية الدولية، وبين تزايد مطلب الشعب بحق أبناءه في التعليم. بتقليص الكلفة المالية للقطاع، وتكديس أعداد كبيرة من المتعلمين، في فضاءات لا تسع لها، ولا تمكنها من التحصيل، وعلى حساب العاملين في القطاع، في عملية تشبه بعض المنتجين الذين يتفادون الزيادة في سعر المنتوج، ويلجأون إلى خفظ في وزنه وجودته بدلا عن ذلك.
#محمد_السكاكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليوم العالمي للنساء ومسيرة العودة إلى الوراء
-
الإضراب العام بالمغرب¹: مصداقية القرار وحدود تأثيره.
-
الإضراب العام بالمغرب¹: مصداقية القرار وحدود تأثيره
-
سوريا: حلم الثورة ودولة الإرهاب
-
الحركة الانتقالية في قطاع التعليم بالمغرب
-
الحركة الاحتجاجية للمعلمين بالمغرب: -تمخض الجبل فولد فأرا-
-
تنسيقيات التعليم: إطارات للنضال،أم إسهام في تصفية تقاليد الن
...
-
الحركة النقابية بالمغرب و-نضال التنسيقيات-: مسار التراجع وال
...
-
الحركة النقابية بالمغرب: واقع الإخفاق،أسبابه،نتائجه ومقترحات
...
-
الجبهة الشعبية والنضال تحت راية الطبقة العاملة
المزيد.....
-
روسيا تعلن استعادة 100 كيلومتر مربع في كورسك وتهدد قدرات كيي
...
-
مصر.. الداخلية تعلن ضبط 3 تشكيلات عصابية جديدة تحتال على الم
...
-
-لا مقارنة إطلاقا-.. نجيب ساويرس يرفض تشبيه خالد مشعل حرب 19
...
-
اتفاق قسد والحكومة السورية بين شبح الحرب الأهلية وسوريا لامر
...
-
الجزائر تستورد مليون رأس ماشية استعداداً لعيد الأضحى
-
فيديوهات تحريضية ضد العلويين في سوريا تثير غضبا
-
مفاوضات السلام في السعودية: زيلينسكي يعرض خطته لوقف الحرب مع
...
-
هل يصوم لامين يامال في رمضان؟
-
انتخابات مصيرية في غرينلاند: الاستقلال أم النفوذ الأمريكي؟
-
كيف صارت السعودية وسيطا أساسيا في الأزمات العالمية؟
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|