|
الجريمة والعقاب
هرمز كوهاري
الحوار المتمدن-العدد: 1797 - 2007 / 1 / 16 - 06:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الجريمة والعقاب ، مبدأن متلازمان و ملازمان لحياة البشرية منذ نشأتها .فلا جريمة دون عقاب ولا عقاب دون جريمة حسب القاعدة العامة وليس حسب المطبق الفعلي ، فكم مجرم محترف يفلت من العقاب ومن برئ يطاله عقاب بشع !.
وفي المجتمعات الديمقراطية والواعية المتطورة ، يتغلب العقل على التعصب و تضمحل وتتلاشى العصبية الدينية والطائفية والقومية والقبلية والعشائرية والاسرية و التقاليد البالية ..ألخ.وعليه لانرى عنفا أو إرهابا من بعضهم تجاه البعض الآخر أو تجاه الدولة، ولهذا لم نر العقوبات بهذه الصور المقززة كالاعدام شنقا أو رميا بالرصاص أو قطعا للرؤوس . فهل وصل المجتمع العراقي والمجتمعات العربية الاسلامية الى هذا المستوى من الوعي والتقدم والتطور الفكري لكي لا يقابل الفعل برد الفعل مساويا له ومتعاكسا معه ؟ طبعا لا . ونعود الى موضوع الساعة ، وهو إعدام صدام ومن أدين معه ، فقد كثرت الكتابات وتنوعت المواضيع وتباينت طرق تناولها لموضوع الإعدام من مؤيد ومن معارض ، ومنهم من إعترض على طريقة العرض المتعلق بصدام ، خوفا على أعصابه من المنظر البشع ! الذي شاهد فيه سيده المبجل ، علما بأنه لم يشاهده معلقا يتأرجح وقد تشوه منظره كما عرض البعث في أول أيامه من إنقلاب 1968 في ساحة التحرير وسط التصفيق والهتافات من رعاع البعث بإنتصار العروبة !! على أساس المعلقين هم عملاء وجواسيس وبدون محاكمات أصولية أو نظامية !! وكم من الشباب إعدموا رميا بالرصاص وطلب من عوائلهم ثمن الطلقات الاربع والعشرين !! وكم قطعت رؤوس أودفنوا ا أحياءا وفجروا بربطهم بقابل ! دون أن يسمحوا لذويهم بإقامة الفواتح وإعلان الحزن ، و..وو وراوا بأم أعينهم جثث النساء وأطفالهن بصورة مشوهة في طرقات وأزقة حلبجة ، وأخيرا وليس آخرا الجثث والاشلاء المتناثرة في شوارع بغداد بعد سقوط سيدهم من قبل عصابات البعث بالتعاون والتنسيق مع عصابات القاعدة .
كل تلك المناظر لم تحرك ضمائرهم ولم تخدش أعصابهم وأعصاب المنافقين العربان إلا منظر سيدهم قائد ضروريتهم ، راوه في كامل قيافته دون أثار الضرب والتعذيب أو حتى الانفعال ،وصل الى ذلك الموقع بجدارة ! ونتيجة محاكمات أصولية شفافة دافع قائدهم عن نفسه بكل حرية وعلى شاشات الفضائيات ، لا كما كان ولي أمرهم والبعث يفعل بضحاياه ويعرضها عمدا لإرهاب الناس ، ومهما ذكرت ، لايمكنني أن أضيف شيئا على ما يعرفه الشعب العراقي عن جرائم صدام وأزلامه . إن ما أريد أن اشير اليه هنا، نقطة لم أعتقد تُذكر من قبل الذين تتطرقوا الى الموضوع أو على الاقل لم أقرأ ما يشير اليها ، وهي : أن كل تلك الجرائم التي حوكم بها صدام وأعوانه لم تكن جرائم سياسية كالتجسس أو عقد معاهدات أو إعلان حروب عبثية أو رفض إطلاق الحريات الديمقراطية مثلا ، فمثل هذه الجرائم يكون المدعي الدولة ، وعندذاك يكون للدولة حق التنازل أوالاعفاء أو التخفيف ، ولكن الجرائم التي حوكم بسببها صدام وأعوانه كانت إحقاقا لحقوق الغير وهؤلاء ،أي ذوي الضحايا لم نسمع منهم تنازلهم عن حقهم ، بل أكدوا مطالبتهم بإنزال أقصى العقوبات على خصمهم صدام وعلى كل من ساهم وإشترك في تلك الجرائم ، جرائم قتل ذويهم ، وليس بوسع الحاكم أن يتجاهل حق المدعين بل يكون ملزما قانونا ، فالقانون هو الذي يحكم والحاكم ينطق أو يعلن الحكم .كرجل الدين الذي يقرأ ما مكتوب في كتابه وليس له أن يغير فيه .
ونقطة جديرة بالذكر ، أشار اليها الكاتب القدير الذي أتحف الصجف والمواقع بالمقالات والمداخلات الهادفة وهو د. عبد الخالق حسين ، عندما ما أشار الى : أنه كان على الحكومة العراقية أن تحاسب صدام على جرائم القتل التي طالت القادة العسكريين والمدنيين منذ سنة 1969 سنة 1979 وكل عراقي بما فيهم القوميين والبعثيين بإعتبارهم عراقيون قبل أن يكونوا قوميون أو بعثيون ، و بإعتبار أن البعث وصدام إستهتروا بحياة وأموال كل العراقيين لا بفئة واحدة أي الشيعة ، كما أننا لا ننسى أن صدام كان محكوم عليه بالإعدام بتهمة محاولة إغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم سنة 1959 وطبقا للقوانين المعمول بها ،فإن المحكوم بإالاعدام ينفذ فيه الحكم فور إعتقاله .. كما أشارت الكاتبة ليلى عادل بأن بأن المفروض أن تنسحب هذه العقوبة على القتلة الجدد منذ سقوط صدام والذين قاموا ولا زالوا يقومون بالجرائم التي قام بها صدام حسين وأزلامه بإسم المقاومة أو بإسم الدين أوتحت أسماء أخرى ، وإلا تعتبر العقوبة بمثابتة الانتقام إذا لم تكن شاملة ودون إستثناء.
وإني شخصيا ، أعتبر السجن مدى الحياة وعدم خروج المجرم من زنزانته إلاّ في تابوت الى المقبرة راسا ، هي أقسى من عقوبة الاعدام ، ولكن لم يحدث هذا في المجتمعات العربية الاسلامية لأسباب يعرفها كل عربي وكل مسلم ، فهناك الانقلابات وهناك المراحم ، إما بتتويج ملك أو زواج أمير أو أميرة ! أو في عيد من الاعياد ،أو عاطفة جياشة فيخرج بمبدأ " عفا الله عما سلف " كل هذا لعدم وجود فصلا حقيقيا بين السلطات الاربع وليس الثلاث بما فيهم سلطة رجال الدين !
فهناك جعفر النميري الذي هرب من السجن وأعدم الضباط الشباب الذين قاموا بالانقلاب بقيادة الضابط عطا هاشم ، وهناك عبد السلام عارف ، عندما عفا عنه الزعيم عبد الكريم قاسم على أساس " عفا الله عما سلف " وتلقى الزعيم الاعدام الفوري دون محاكمة ! لقاء هذا الاعفاء والعطف ، وكان الشهداء فهد ورفيقيه حسين الشبيبي وزكي بسيم محكومين بعقوبة السجن مدى الحياة ، فإنتهز نوري السعيد والبلاط حرب فلسطين ونفذوا عقوبة الاعدام بهم شنقا وعلقت جثثهم في الساحات العامة بمنتهى الوحشية .
هناك مسألة أخرى وهي خطورة بقاء صدام في السجن ، وهو التدخل السياسي من قبل الدول والمنظمات الدولية ، حتى قسم منها تفرض شروط تعاونها على تخفيف عقوبة الاعدام على صدام كما فعل الاتحاد الاوروبي مع تركيا بقضية المناضل الكردي التركي عبد الله أوجلان مع الفارق الكبير بين المناضل .والمجرم المدان صدام ، بحجة أن العراق بلد ديمقراطي !!و يراعي حقوق الانسان ، علما بأن حقوق الانسان أو الديمقراطية لا تكون على حساب دماء مئات الالاف من الضحايا ودموع الثكالى والارامل وتيتيم الاطفال والتهجير والتخريب ..الخ
هذا بالإضافة الى أن إبقاء صدام في زنزانته يفسرها قسم من المغرضين بأن السلطات العراقية لا تملك الجرأة الكافية لإعدامه ، أو أن هذه السلطات ليست بالسلطات التي بإمكانها الاقتصاص لضحايا جلاديها ، صدام وأزلامه ، مما تفقد شيئا من شعبيتها .أو أن أمريكا قد أبقته للمساومة عند الحاجة ...الخ من التفاسير التي تضعف مصداقية الدولة وجدية أمريكا في الانتهاء من صدام .
إضافة الى ما تقدم فقد تؤدي نهاية صدام ،الى صراع داخل فلول البعث على إختيار الزعامة مما قد يحدث إنشقاقات كما حدث عندما أزيح أحمد حسن البكر وحدثت مجزرة رهيبة بين "الوُلد " كما توقعها البكر وقالها صراحة لأحد المقربين اليه عندما نصحه يوما بالتمتع بالراحة خارج العراق فقال: "لا أكدر ! فالوُلد يتعاركون بيناتهم !!" وعند الصراع على الزعامات تبدأ الانشقاقات والتفتت مما يسهل الضرب والقضاء عليهم هذا من جهة ،ومن الجهة الثانية بنهاية صدام تتلاشى الإيمان بقائد الرمز أو قائد الضرورة التي يؤمن بها بعض العربان منذ قديم الزمان .
ونحن بإنتظار يوم القضاء على فلول وأيتام صدام وعلى كل الارهابيين من أي مبدأ وطائفة وملّة كانوا أو تحت أية راية أوشعارا ساروا يسيرون .
#هرمز_كوهاري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السباق في النفاق ..!
-
إحذروا التقليد ... الحكيم والديمقراطية
-
أين الحقيقة..؟
-
ليت صداما يكون آخر دكتاتورا ..!
-
قصة لا تنتهي ..!
-
إذا بدأوا بضربهم ، ينتهون بضربنا ..!
-
الباب الذب سرق الدار !!
-
من يعلق الجرس ..؟
-
رسائل لم تصل ..!
-
خيراتنا لغيرنا ..في المكرمات والإبتزازات..!
-
لم أكن أجيد اللجوء..!
-
ليس هذا مقياس التطور الاقتصادي..!
-
لنعترف ونعتذر ..!!
-
تهنئة وإقتراح ، الم يحن الوقت لتغيير إسم الحزب الشيوعي ؟؟
-
ماذا تعلمنا من إسقاط دكتاتوري صدام ..؟
-
فوضى الديمقراطية
-
فوضى الديمقراطية ..!
-
صدام وازلامه مجرمون حتى تثبت برأتهم
-
11 - أيلول ، حرب ضد الانسانية والحضارة
-
العلم المقبول دائما ومن الجميع ..!
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|