|
الأفغاني بين السيرة والفكر (المقاومة المزدوجة: الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل)
فارس إيغو
الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 20:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جمال الدين الأفغاني (1838 ـ 1897) واحدة من الشخصيات الكبيرة والقلقة في عصر النهضة. لقد خاض العديد من المؤرخين في إشكاليات وغموض شخصية الأفغاني، وما يقال عن أدوار سياسية لعبها في إيران أو في أفغانستان أو في مصر، وكذلك في عاصمة السلطنة والخلافة العثمانية الآستانة، وكذلك عن انتماؤه للماسونية، وعن حياته الشخصية اللاامتثالية، وعن بقاؤه غير متزوج طوال حياته (1)، وأمور أخرى ما زال يلفها الغموض الكثيف، وتحتاج دراسات كثيرة لإجلاء غموضها، وقد لا نستطيع أن نتوصل لتوضيحها في المستقبل، كون الوثائق التي وصلتنا، والتي كتبت عنه ممن عرفوه بصورة مقربة هي رسالة محمد عبده (2)، والذي أخذ منها الكثيرين ممن كتبوا عن الأفغاني، وأهمهم مؤرخي عصر النهضة، ومنهم أحمد أمين (3)، وكذلك كتاب خاطرات السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني: وفيها مجمل آرائه وأفكاره ورؤاه في أهل الشرق والغرب أخلاقاً وسياسة واجتماعاً، وهو من تأليف محمد باشا المخزومي. لكن، بالإمكان إجلاء بعض الأمور في سيرة الأفغاني من خلال ظهور وثائق جديدة، أو من خلال عملية تقاطع في المعلومات التي تخص سيرة الأفغاني المليئة بالأحداث والأسفار. بالنسبة لنسبه، فقد ثبت أن الأفغاني إيراني المولد والجنسية، وهو مسلم على المذهب الشيعي الاثني عشري، دون أن يعني ذلك أن الأفغاني كان كاذبا في قوله بأنه على المذهب السني الحنفي، فقد كان غرضه إلى ذلك هو التخفيف من حدة الصراعات المذهبية في وقت يتعرض فيه العالم الإسلامي إلى خطر الاستعمار الكولونيالي الغربي، والأفغاني في الحقيقة كان يتبنى النزعة الإسلامية الجامعة (Panislamique). أمة واحدة لا سنة ولا شيعة، وكان ينفر من قول سني وشيعي، وأن لا موجبَ لهذه التفرقة التي أحدثَتها مطامعُ الملوك وجهل الأمة ـ بحسب الأفغاني (4). وبالإضافة من نفور الأفغاني من المذهبية الدينية (سني ـ شيعي) كان يقول بوحدة (الأمة) الدينية والرابطة الدينية ضدا عن الانتماءات الجنسية والعرقية، أو الوطنية والقومية بلغتنا المعاصرة، ويعتبر هذه الروابط غير الدينية نوع من (التعصب والتزمت) الجنسي، فالوطن بالنسبة للأفغاني بقعة من الأرض، وهو لم يعرف في حياته كياناً سياسياً سوى الخلافة العثمانية التي كانت تتبنى المذهب السني على الطريقة الحنفية والدولة القاجارية في إيران التي كانت تتبنى المذهب الشيعي الاثني عشري، وكان يعمل لجمع شتات جناحي الإسلام سياسيا، أي الخلافة العثمانية والدولة القاجارية أو إقليمياً بين إيران وأفغانستان. فهو يقول في العدد الأول لجريدة العروة الوثقى منتقداً الانتماء الجنسي الحديث تحت عنوان: الجنسية والديانة الإسلامية: «إن استقراء حال الأفراد من كل أُمة واستطلاع أهوائها؛ يثبت لجلي النظر ودقيقه وجودُ تعصُّب للجنس ونعرة عليه عند الأغلب منهم، وإن المتعصب لجنسه منهم لَيَتيه بمفاخر بَنِيه ويغضب لما يمسهم حتى يُقتل دون دفعه بدون تنبه منه لطلب السبب ولا بحث في علة هذا الوجدان، حتى ظن كثيرون من طلاب الحقيقة أن التعصب للجنس من الوجدانيات الطبيعية... ولهذا لا نذهب إلى أنه طبيعي، ولكن قد يكون من الملكات العارضة على الأنفُس، ترسمها على ألواحها الضرورات؛ فإن الإنسان في أي أرض له حاجاتٌ جَمَّةٌ، وفي أفراده ميلٌ إلى الاختصاص والاستئثار بالمنفعة إذا لم يصبغوا بتربية زكية، وسعة المطمع إذا صحبها اقتدارٌ تدعو بطبعها إلى العدوان؛ فلهذا صار بعضُ النَّاس عُرضة لاعتداء بعضٍ آخرَ، فاضطروا بعد منازلة الشرور أحقابًا طوالًا إلى الاعتصاب بلُحمة النسب على درجاتٍ متفاوتة حتى وصلوا إلى الأجناس، فتوزعوا أُممًا كالهنديِّ والإنجليزي والروسيِّ والتركماني، ونحو ذلك، ليكون كل قبيل منهم بقوة أفراده المتلاحمة قادرًا على صيانة منافعه وحفظ حقوقه من تعدي القبيل الآخر، ثم تجاوزوا في ذلك حد الضرورة — كما هي عادة الإنسان في أطواره — فذهبوا إلى حد أن يأنف كل قبيل من سُلْطة الآخر عليه، علمًا بأنه لا بد أن يكون جائرًا إذا حكم، ولئن عدل فإن في قبول حكمه ذلًّا تحس به النَّفس، وينفعل له القلب... هذا هو السر في إعراض المسلمين — على اختلاف أقطارهم — عن اعتبار الجنسيات، ورفضهم أي نوع من أنواع العصبيات ما عدا عصبتهم الإِسلامية؛ فإن المتدين بالدين الإِسلامي متى رسخ فيه اعتقادُه يلهو عن جنسه وشعبه ويلتفتُ عن الروابط الخاصة إلى العلاقة العامة، وهي علاقة المعتقَد... لأن الدين الإِسلامي لم تكن أُصوله قاصرة على دعوة الخلق إلى الحق، وملاحظة أحوال النُّفُوس من جهة كونها روحانية مطلوبة من هذا العالم الأدنى إلى عالم أعلى، بل هي كما كانت كافلة لهذا؛ جاءتْ وافية بوضع حدود المُعاملات بين العباد وبيان الحقوق كُلِّيِّها وجزئيِّها، وتحديد السلطة الوازعة التي تقوم بتنفيذ المشروعات وإقامة الحدود وتعيين شروطها، حتى لا يكون القابضُ على زمامها إلا مِن أشدِّ النَّاس خضوعًا لها، ولن ينالها بوراثة ولا امتياز في جنس أو قبيلة أو قوة بدنية وثروة مالية، وإنما ينالها بالوقوف عند أحكام الشريعة والقدرة على تنفيذها ورضاء الأمة، فيكون وازع المسلمين في الحقيقة شريعتَهم المقدسة الإلهية التي لا تميز بين جنس وجنس واجتماع آراء الأمة، وليس للوازع أدنى امتياز عنهم إلا بكونه أحرصهم على حفظ الشريعة والدِّفَاع عنها» (5). أما بالنسبة إلى انتمائه للماسونية فنرجح أن هذا الأمر قد حدث، وأنه قد استفاد من وجوده في المحفل الماسوني العالمي في التنقل من بلد لآخر، وكذلك في مقابلة شخصيات معروفة في أوروبا. ولكن عندما أدرك بأن المحفل الماسوني لا يريد التدخل في السياسة خرج منه بعد أن ألقى خطبة وصف موقفهم بأنه لا يتناسب مع تسميتهم بـ (البنائين). جمع الأفغاني بين الممارسة النظرية والممارسة العملية، ولكنه كان أميّل إلى الممارسة العملية (6)، فهو القائل: ألف قولٍ لا يساوي عملاً واحدا. ففي إطار الممارسة العملية، كان الأفغاني من الأشخاص الذين تجولوا كثيرا في الأمصار والحواضر الإسلامية التابعة للسلطنة والخلافة العثمانية وخارجها (إيران، الهند، أفغانستان)، وكان له مؤيدين وتلاميذ في شتى أنحاء العالم الإسلامي، وبالخصوص في مصر التي أقام فيها فترة طويلة. وقد لمس في رحلاته معاناة المسلمين، والمشاكل التي تواجهها البلدان الإسلامية. وبعد تفكير عميق في أوضاع المسلمين ووضع الخلافة والسلطنة العثمانية، توصل إلى أن أسباب الداء في البلاد هو الاستبداد السياسي وخطر الاستعمار الأوروبي، والحل الذي توصل له يبدأ بإنشاء جامعة تلم شمل الشعوب الإسلامية وتوحدها تحت راية واحدة، وبالعمل على الإصلاح السياسي لرفع الاستبداد، والثقافي عن طريق رفع المستوى الفكري والثقافي لدى الشعوب الإسلامية وهذا بالطبع لن يتم إلا عن طريق نشر الثقافة الإسلامية الأساسية، وإحياء العلوم الإسلامية والعقلية، والأخذ من أوروبا التي سبقتنا في مجال العلوم التطبيقية. سيرة حياة مليئة بالأحداث والمغامرات يختصر الأفغاني سيرته الشخصية في عدة كلمات، يقول: «وأي نفع لمن يذكر أني وُلدت سنة 1254ﻫ، وعمرتُ أكثر من نصف عصر. واضطررتُ إلى ترك بلادي الأفغان مضطربة تتلاعب بها الأهواء والأعراض. وأُكرهتُ على مبارحة الهند، وأُجبرت على الابتعاد عن مصر أو إن شئت قل نُفيت منها ومن الآستانة ومن أكثر عواصم الأرض. كل هذه الأحوال خاطرات لا تسرُّني، وليس فيها أدنى فائدة للقوم» (7). لقد عاش الأفغاني متنقلا من مكان لآخر في العالم الإسلامي، وخارج العالم الإسلامي (أفغانستان، الهند، مصر، الهند مجددا، فرنسا وانكلترا، ثم العودة لإيران، وأخيرا الرحلة الأخيرة له للآستانة حيث توفي فيها عام 1898)، طبعا لم نذكر المحطات الثانوية للأفغاني، ومنها ما يحكى من إقامته في روسيا وزياراته لشبه الجزيرة العربية والعراق إلخ. وفي كل مكان يقيم فيه يجمع حوله التلاميذ، وهو ما كان يثير ضده بصورة دائمة السلطات السياسية والدينية، بسبب آراؤه الغير امتثالية سياسيا ودينيا. ولد الأفغاني في مقاطعة حيدر آباد الإيرانية عام 1838، وتعلم العلوم الدينية بين قم والنجف في العراق، وقرأ أيضاً الفلسفة وعلم الكلام. وبدأ ينتقد ـ وهو شاب صغير ـ الأوضاع السياسية والدينية في بلده إيران مما تسبب له بمشاكل كثيرة اضطرته إلى الذهاب إلى أفغانستان (حيث اللغة الأفغانية قريبة جدا من اللغة العجمية). 1ـ الإقامة المضطربة في أفغانستان (1865 ـ 1869) من طهران توجه إلى خراسان التي مكث فيها ثلاثة أشهر قبل أن يعبر الحدود نحو بلاد الأفغان. وقدّم نفسه في العاصمة كابول على أنه أفغاني من أصل حسيني. ودخل في خدمة الأمير دوست محمد خان، ووصل إلى مرتبة الوزير الأول، وقاتل مع الأمير الأفغاني ضد الإنكليز، وقام بالحج أثناء إقامته في أفغانستان. ولكن موت الأمير أدخلت أفغانستان في فترة عصيبة من الفوضى والتنازع على الحكم، وكان التنافس فيها شديدا على النفوذ بين روسيا وبريطانيا، وكانت إيران تقف إلى جانب روسيا ضد بريطانيا. وكان هناك نزاعٌ عنيفٌ بين أميرين من أمرائها هما شير علي خان الموالي لبريطانيا وأخيه محمد أعظم خان الموالي لإيران وروسيا. واستطاع الأفغاني حسبما ذكر هو نفسه الدخول في حاشية الأمير محمد أعظم خان، ثمّ ارتفعت منزلته عند هذا الأمير حتى عيّنه مكان الوزير الأول، وعظمت ثقة الأمير به فكان يلجأ إليه في كثير من الأمور. ولم يمض وقت طويل حتى انجلت المعركة عن هزيمة محمد أعظم خان وانتصار خصمه شير علي خان، فوجد الأفغاني نفسه في موقف حرج جدا لا يدري ماذا يفعل. ويقول الأفغاني في مذكراته أنه قد بقي في كابول ثلاثة أشهر بعد انجلاء المعركة لصالح الأمير شير علي خان، ولم يمسه الأمير بسوء بسبب نسبه الحسيني، ثم استأذن منه للذهاب للحج، فأذن له على شرط ألا يمر في بلاد إيران كي لا يلتقي فيها بمحمد أعظم خان الذي كان قد لجأ إليها. فارتحل الأفغاني إلى الهند، وقد استقبلته حكومة الهند بحفاوة بالغة وإجلال، غير أنها لم تسمح له بطول الإقامة، فسافر على نفقتها إلى السويس، ومن هناك ذهب للقاهرة في النصف الثاني من عام 1870، والتي مكث فيها أربعين يوما، ثم غادرها إلى إستانبول. وهو أول من كتب تاريخ الأفغان ((تتمة البيان في تاريخ الأفغان))، والكتاب متوفر باللغة العربية على صفحات الأنترنيت مجانا (الناشر مؤسسة الهنداوي، طبعة 2017). وصدر الكتاب لأول مرة عام 1879. 2ـ إقامته الأولى في الآستانة (دامت حوالي ستة أشهر، 1870 ـ 1871) وصل الأفغاني إلى الآستانة في النصف الثاني من عام 1870، واستقبل في عاصمة الخلافة استقبالا حافلا، ولكن سرعان ما انقلب الجو ضده بعد إلقاؤه خطابا شهيرا باللغة التركية في دار الفنون، وذلك في شهر رمضان 1870 في كانون الأول/ديسمبر عام 1870، تحدث فيه أمام جمع غفير من الحكام والصحافيين ورجال الدين عن الأنبياء والفلاسفة والفرق بينهما، والظاهر أنه استمد رأيه في ذلك من بعض الفلاسفة القدماء (كالفارابي وابن سينا على الأغلب)، فأثار عليه رجال الدين الحاضرين، وعلى رأسهم شيخ الإسلام حسن فهمي أفندي، وذلك عندما اعتبر النبوّة صنعة من الصنائع (وليست من الرسالات)، فأثار عليه حنق شيخ الإسلام الذي كان يضمر له الحقد. ولم تكد الحفلة تنتهي حتى أخذ شيخ الإسلام يشنّع على الأفغاني. وسرعان ما تلقف خطباء المساجد في الآستانة عاصمة الخلافة هذه التهمة وكأنهم وجدوا فيها موضوعا يهيّجون به العوام، فأخذوا يصولون ويجولون من على منابرهم في ثلب الأفغاني والتنديد به، وتناولت الجرائد هذه القضية وأكثرت من القول فيها حتى انقسمت إلى فريقين: مع الأفغاني وضده. وكان في مقدور الأفغاني أن ينحني حتى تهدأ العاصفة وتمر الأمور بسلام، ولكنه كان كما وصفه اللذين خالطوه حاد المزاج يسيطر عليه الغضب أحيانا فيخرجه عن طريق التعقّل. لذلك رأيناه يطالب بمحاكمة شيخ الإسلام، ويلح في ذلك، مما أدى بالحكومة إلى الطلب إليه بمغادرة الآستانة مؤقتا إلى أن تهدأ العاصفة، وتصفى النفوس والخواطر، ثم يعود إليها متى شاء. غادر الأفغاني عاصمة الخلافة في الربع الأول من عام 1871، ووصل إلى القاهرة في 22 آذار/مارس 1871. 3ـ إقامته الطويلة والثانية في مصر (حوالي تسع سنوات : 1871 ـ 1879) لم يشارك الأفغاني في ثورة عرابي، كان في هذه الفترة منفيا في الهند، ربما فقط بالتحريض عن طريق الرسائل التي كان يبعثها لأصدقائه في مصر. وصل الأفغاني القاهرة قادما من الآستانة في 22 آذار/مارس 1871، فقابل رئيس الوزارة رياض باشا ونال عنده حظوة كالتي نالها في الآستانة عند عالي باشا، وأجرى له رياض باشا مرتبا قدره 1000 قرش (ما يعادل 10 جنيه)، وهو مبلغ له شأن في تلك الأيام. ونال الأفغاني أيضا حظوة لدى الخديوي إسماعيل باشا ابن محمد علي الكبير، وهو أو من لقب بالخديوية من هذه الأسرة. بالطبع، أثار وجوده في القاهرة والتفاف المريدين حول مجلسه بسرعة عداء الخصوم من رجال الأزهر، ومن بينهم الشيخ عليش، بحجة أن ما يدعو إليه يحيد عن التعاليم الصحيحة للإسلام، وأنها تفضي إلى زعزعة العقائد الصحيحة. عام 1875 قدم طلبا لدخول الماسونية، وقبل طلبه، وبلغ بسرعة مرتبة الرئاسة في أوائل عام 1878، وتسلم القادوم. وقد كان من أعضاء المحفل في تلك الأيام، بالإضافة إلى ولي العهد محمد توفيق باشا، بعض الأدباء والسياسيين أمثال يعقوب صنوع، سعد زغلول، أديب إسحق، بطرس غالي باشا إلخ (وكانوا معظمهم في حلقة الأفغاني). ومع تصاعد الأزمة السياسية في مصر بسبب الديون الخارجية، وبداية تدخل الدول الأوروبية (فرنسا وإنجلترا)، وتصاعد أصوات الوطنيين كأحمد عرابي والمحيطين به، وبالطبع، فإن الأفغاني لن يكون بعيدا عن هذا الجو الثوري المحموم، لا بل ساهم فيه، مما دفع أخيرا الخديوي الجديد محمد توفيق إلى طرده من مصر، فغادرها في أغسطس/آب عام 1879 متوجها إلى الهند بمساعدة الإنجليز، ومكث فيها عدة سنوات، وغادرها مضطرا للذهاب إلى أوروبا بمساعدة الإنكليز، والتي وصلها عام 1883، وبدأت فيها مرحلة جديدة من نضال الأفغاني تميّزت بصدور مجلة العروة الوثقى من باريس. 4ـ فترة العروة الوثقى في باريس (1884) (8) أصدر فيها مع محمد عبده 18 عددا من المجلة، ومن ثم تمّ إيقافها من قبل السلطات الفرنسية، وهناك من يقول بسبب أزمات مالية واجهتها بسبب منعها من الدخول إلى مصر، والولايات العثمانية وباقي الأقطار الإسلامية التي تتكلم باللغة العربية، بسبب نزعة الأفغاني الثورية المفرطة، وربما يكون السبب الأساسي لبداية الخلاف بين الأفغاني وعبده، وعودة عبده إلى منفاه في طرابلس لبنان نهاية عام 1884، حيث هناك في انتظاره تلميذه الأول محمد رشيد رضا (1865 ـ 1935). تعتبر مجلة العروة الوثقى، المصدر الأول والأغنى لفكر الأفغاني ومحمد عبده في بداياته. وكان الأفغاني هو صاحب ومدير المجلة، بينما تولى الشيخ محمد عبده إدارة تحريرها. وقد كان معهم شخص ثالث إيراني مقيم في باريس، هو ميرزا محمد باقر، كان يساعدهم في التعريف والتسويق للمجلة. وكان الأفغاني يعطي الأفكار لعبده، وهذا الأخير يصيغها بمقالة بأسلوبه. وكانت أعداد المجلة ترسل إلى العديد من الولايات العثمانية، ويذكر المؤرخ العراقي علي الوردي، أنه عندما تأتي المجلة إلى بغداد، كانوا يجتمعون ليقرأ ونها سوية، لعدم توفر النسخ. وكانت المقالات لا توقع باسم أحد من المجموعة، والغالب كان يجري النقاش في الأفكار، ويقوم بعد ذلك محمد عبده بصياغتها في مقالة. وكانت المجلة تصدر أسبوعيا، وماتت المجلة بعد 18 عدد موجودة في مجلد واحد متداول على الشبكة النتية. وصف محمد عبده المجلة في رسالة له لصديقه للشاعر الإنكليزي ويلفرد بلنت، بالقول: هي صون استقلال الشعوب الشرقية من عدوان الدول الغربية، وإقلاق بال الحكومة الإنجليزية؛ حتى ترجع عن أعمالها المثيرة لخواطر المسلمين. كذلك كان من الأهداف التي عبرت عنها المجلة والتي يمكن استخلاصها من المادة التحريرية الواردة فيها: الدعوة إلى الاتحاد والتضامن، والأخذ بأسباب النهضة، وتحرير مصر والسودان من الاستعمار البريطاني. وكان يجري التعريف بالمجلة على الشكل التالي: العروة الوثقى، لا انفصام لها، جريدة سياسية أدبية تصدر يوم الخميس، المحرر الأول: الشيخ محمد عبده، مدير السياسة: جمال الدين الحسيني الأفغاني، ترسل الجريدة إلى جميع الجهات الشرقية قد عينت أجرة البريد خمس فرنكات في السنة لمن تسمح بها نفسه. من شاء أن يبعث إلينا بتحارير أو رسائل في أي موضوع كان رغبة نشره في الجريدة أو التنبيه على أمر مهم فليرسلها إلى إدارة الجريدة بهذا العنوان: 6 Rue Hartel ou Martel, Paris 75010. أوقف جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده صدور المجلة بعد أن صدر 18 عددا خلال أشهر. وتعود أسباب التوقف إلى العراقيل التي واجهها المقيمين عليها وعمليات مصادرة الأعداد التي مست أعدادها في عدة دول إسلامية وأجنبية. بدأت المجلة بالصدور في مارس 1884، وتوقفت في يوليو/تموز عام 1884. 5ـ زيارة موسكو يقال بأنه زار روسيا في الفترة بين 1889 و1892 لكن لا معلومات مؤكدة عن هذه الزيارة، ويُقال بأن القيصر الروسي قد طرده من روسيا لأنه لم يتحمل جرأة الكواكبي في طرحه الإصلاحات الدستورية على القيصر والمجالس التمثيلية. وكان الأفغاني من المؤيدين للتقارب مع روسيا ضد البريطانيين. 6ـ العودة إلى إيران بدعوة من الملك ناصر الدين شاه قاجار، واختلف معه سريعا بسبب ميول الملك للإنكليز، بينما الأفغاني كان يريد التحالف مع روسيا. وقد غادر سريعاً إيران إلى روسيا، ثم عاد إليها مرة أخيرة. 7ـ وأخيراً، المرحلة الأخيرة إلى الآستانة، حيث وافته المنية فيها (1892 ـ 1897) أما بالنسبة لوفاته، فالأرجح أنها كانت طبيعية، ونستبعد اغتياله بالسم من قبل جواسيس السلطان عبد الحميد الثاني، كون الرجل حين حضر إلى الآستانة مطرودا من قبل شاه إيران كان مريضا، وقد تعرض للتعذيب من قبل رجال الشاه، وكان عمره قريب من الستين، ولا ننسى أن الأفغاني كان مدخنا شرسا، وكان يحتسي يوميا عشرات فناجين القهوة والشاي مما أثر على صحته، وأدى إلى أصابته بسرطان الفم. فكر الأفغاني (9) يقول عنه الدكتور محمد حامد الأحمري: «الأفغاني هو من شئت ومن لم تشأ، وهو من عرفت ومن أنكرت، من تخالفه ومن توافقه، وهو من عشقه تلاميذه حد العبادة، ومن كرهه الناس حد الشيطنة، لفظته كل حكومة، وارتعب منه كل حاكم، واستقبله مشاهير زمانه. حاور كبار مفكريهم، وغالط محققيهم، وأربك مواقفهم. يحمل عود ثقاب التحرير يشعله في كل مدينة عبر بها وفي كل مجتمع مر به، وفي كل أذن سمعه، وفي عين كل قارئ قرأ له. ينشئ الجمعيات ويؤسس الصحف ويجند الإعلاميين من كل دين وثقافة لقضيته» (10). أما المفكر الجزائري مالك بن نبي عن الأفغاني: «في هدأة الليل، وفي سبات الأمة الإسلامية العميق، انبعث من بلاد الأفغان صوت ينادي بفجر جديد، صوت ينادي: حي على الفلاح! فكان رجعه في كل مكان. إنه صوت جمال الدين الأفغاني موقظ هذه الأمة موقظ هذه الأمة إلى نهضة جديدة، ويوم جديد» (11). أما الشيخ محمد عبده، فيقول عنه: «فكأنه حقيقة كلية، تجلت في كل ذهن بما يلائمه، أو قوة روحية، قامت لكل نظر بشكل يشاكله» (12). أما جرجي زيدان، فيقول عنه: «لقد نشأ الأفغاني قطبا من أقطاب الفلسفة، وعاش ركنا من أركان السياسة.. وتوافرت فيه قوى الفلاسفة ومواهب رجال الأعمال» (13). أما حسن حنفي فيقول عن الأفغاني: «وتظهر دلالة الأفغاني في عصر الاستقطاب بين خطابَين سائدَين في الفكر العربي المعاصِر؛ الخطابِ السَّلَفي الذي يعرف كيف يقول ولا يعرف ماذا يقول، والخطابِ العلماني الذي يعرف ماذا يقول ولا يعرف كيف يقول. إذ يقدِّم الأفغاني الخطابَ الثالث الذي يعرف كيف يقول ويعرف ماذا يقول. وهو الخطاب الذي حاوَل اليسار الإسلامي إعادةَ صياغته في أوائل الثمانينيات في بداية الاستقطاب» (14).
وفي مكان آخر يصف حنفي الأفغاني بأنه كان: «ضد الاستعمار في الخارج، والقهر والظلم في الداخل» (15). وأخيراً، فإنّ شبلي الشميل النهضوي الحداثي المتبني للعلم الحديث والعلمانية كأساس لنهضة العرب والمسلمين، فقد وصف الأفغاني بأنه: لوثر الشرق... والأفغاني من نوابغ عصره، عالمٌ واسع الاطلاع مع ذكائه وشجاعته. لم يكتب إلا نادرًا. واستعمل الخطاب الشفاهي أو يراع محمد عبده (16).
كان الأفغاني في نفس الوقت: مفكر إسلامي، ومُصلح ومُجدد، ومعلم ومربي، ومُطّلع على الفلسفة وعلم الكلام الإسلامي، وثائر سياسي، ومُطّلع على العلوم، بالإضافة لكونه من كبار التنويريين الإسلاميين، ولا ننسى أنه كان خطيبا مفوها يسحر من يستمع إليه، ومتوقد الذهن وشجاع، وشخصية مثيرة للجدل إلى يومنا هذا، وقبل كل شيء كان الأفغاني يحمل نزعة إنسانية. من الشخصيات القلقة والمثيرة للجدل في التاريخ الإسلامي المعاصر، شخصية استثنائية، تركت بصمتها الفريدة في كل زاوية من العالم الإسلامي، إيران حيث ولد، أفغانستان حيث عاش فترة وتسلم الوزارة فيها، الهند، ومصر التي أمضى فيها تسع سنوات، والآستانة عاصمة الدولة العثمانية حيث انتهت حياته، وأفغانستان من جديد حيث يرقد جثمانه حاليا في كابول مذ عام 1940، وأثر في كل الشخصيات التي عاصرته وتتلمذت على يده، وحتى من الذين أتوا من بعده، ونذكر من أهمهم الشيخ محمد عبده وسعد زغلول. كان يكره الاستبداد والاستعمار، لم يكن يبرر الاستبداد في سبيل محاربة الاستعمار كما فعل ويفعل العديد من المثقفين، وكان يمقت الجهل والتعصب، وكان يحمل هموم الأمة الإسلامية أينما حل (حتى في المحفل الماسوني، حيث انضم إليه فترة إقامته الطويلة في مصر، وتركه لهذا السبب). ويمكن من خلال دراسة إحصائية لمقالات العروة الوثقى ترتيب الأفكار والقيم السياسية بصورة تنازلية بحسب تواترها العددي على الشكل التالي: الوعي بالذات، الانتماء الإسلامي، الجامعة الإسلامية، الحق، القوة، الحكم الإسلامي، الحرية، الشورى. وأما على مستوى الأفكار والقيم العقيدية فكانت الأفكار الأكثر ورودا في مواضيع المجلة مرتبة بحسب تواتر ظهورها على الشكل التالي: فهم الدين الإسلامي، الإصلاح، الإيمان، العمل بالكتاب، بناء الوازع الديني (المانع الداخلي). وأما على مستوى الأفكار والقيم الاجتماعية فنجد: العمل من أجل الأمة، السمات الاجتماعية الإسلامية، الأخوة الإسلامية، العدل الاجتماعي. ما يعني أن فكرة الجامعة الإسلامية (من بين الأفكار والقيم السياسية) حظيت باهتمام جيد في موضوعات الصحيفة من خلال أعدادها الثمانية عشر (17). يعتبر الأفغاني صاحب مشروع إصلاحي نهضوي تجديدي (بالرغم من فقر في الكتابات النظرية) يستهدف إعادة بث روح اليقظة وروح العزيمة وزرع الأمل في نفوس (الأمة)، وإعادة إحياء الشخصية الإسلامية والفكر الإسلامي، للخروج من مستنقع التخلف والانحطاط والاستعباد سواء لقوى داخلية مستبدّة أو قوى استعمارية خارجية. ويعتبر مشروع الأفغاني، من أول المشاريع المهمة منذ استفاقة العرب والمسلمين على حملة نابيون على مصر عام 1798، ولا ننسى أن الأفغاني كان أول رائد من رواد تيار الإصلاحية الدينية يعلن عن أفكاره بكل وضوح. وأهم المبادئ والأسس والمرتكزات التي قام عليها مشروع الأفغاني النهضوي: أولاً، الجامعة الإسلامية، ظهرت فكرة الجامعة الإسلامية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر أي فترة تولي السلطان عبد الحميد الثاني حكم الدولة العثمانية، وكانت لهذه الفكرة صدى رهيب في العالم الإسلامي بأكمله، وكان أغلب المهتمين بالشأن الإسلامي مؤيدين لها، ولكن بالطبع لا تخلو الكتابات التي ظهرت في تلك الفترة من المعارضين. وتعتبر فكرة «الجامعة الإسلامية» من المفاهيم المركزية في مشروع الأفغاني، ما تشير إلى أهمية «السياسة» في عملية الإصلاح، وأيضاً في مناهضة المد الأوروبي في العالم الإسلامي بجمع شتات جناحي الإسلام سياسيا، أي الخلافة العثمانية والدولة القاجارية (18). بالطبع، فكرة الجامعة الإسلامية، يمكن أن نراها طوباوية، حتى في العصر الذي عاش فيه الأفغاني. لكن، الأفغاني الشيعي المولد (حسب آخر الأبحاث التي انكبت على معرفة مكان ميلاده ومذهبه الإسلامي) كان ذو تفكير إسلامي جامع، أي يتخطى الحدود المذهبية (Panislamique)، ولو تكن الخلافات المذهبية السنية ـ الشيعية على تلك الدرجة من التسييس التي نشهدها اليوم، ويمكن القول أنّ هذا الصراع السني الشيعي تم تجاوزه في بعض المراحل التاريخية ولو جزئيا، هو يعود اليوم من جديد وبقوة تفوق الوصف في اللغة المستعملة في الكتابات العالمة والشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، والمعبأة بالكثير من الشتائم والإهانات للطرف الآخر. وقد حاول الأفغاني المساهمة في تقريب وجهات النظر بين الإمبراطورية القاجارية في إيران والسلطنة العثمانية لمواجهة هذا الخطب الجلل (كأحد عناصر تطبيق شعار مجلة «العروة الوثقى» التي أسسها الأفغاني في باريس مع تلميذه الشيخ محمد عبده)، ولكنه فشل لأن الملك ناصر الدين شاه قاجار (الذي حكم بين 1848 و 1996)، كان ميالاً للإنكليز ولا يرغب في عدائهم، وأما السلطان عبد الحميد فلم يكن في وارد التفكير سوى بتقوية السلطنة ووقف النزعات الاستقلالية الجديدة التي كانت تشجعها فرنسا وإنكلترة، وليس في وارد الإصلاح بعد أن أوقف العمل بدستور 1876 عندما حجم تيار الأحرار الإصلاحيين بزعامة مدحت باشا، فالجامعة الإسلامية هي عنده لوقف تفكك السلطنة وتقوية التيارات الأصولية على حساب التيارات التي تطالب بالإصلاح. وهذا ما سيظهر لاحقاً كسمة فارقة من سمات الإسلام السياسي بالمقارنة مع مواقف رجال الدين في المؤسسة الرسمية. نتذكر أن من أوائل سياسات الرئيس محمد مرسي هو التطبيع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ بينما موقف الإسلام الحربي المتمثل بالجماعات السلفية الجهادية سيكون على النقيض من هذا الموقف، أي في رفع التوتر الطائفي إلى درجته القصوى. بالنسبة لأفكار الأفغاني في المرحلة الأولى من حياته، فيمكن الرجوع إلى الأعداد الـ 18 من صحيفة العروة الوثقى التي أصدرها الأفغاني مع صديقه محمد عبده الذي كان يرأس تحريرها، ومع شخص ثالث إيراني مقيم في باريس. وقد استمرت الصحيفة بالصدور من شهر مارس/آذار من عام 1884 إلى شهر أكتوبر من نفس العام، وقد توقفت بسبب الضغوط الإنكليزية على السلطات الفرنسية لإيقافها. وكان الأفغاني يملي أفكار المقالات على الشيخ محمد عبده، وهذا الأخير يقوم بصياغتها في مقالة. والهدف من فكرة الجامعة الإسلامية، توحيد الصف الإسلامي وتعزيز الوحدة الإسلامية، نبذ التعصب والمذهبية والطائفية بين المسلمين، وبذلك يكونون قادرين على مواجهة كل التحديات والأخطار الخارجية. كان الأفغاني يتحدث عن الرابطة الشرقية، ربما كمحاولة منه لتوسيع الجامعة الإسلامية لكي تتجاوز الأديان والأعراق في رؤية مستقبلية لبناء الأمة على مرتكزات أوسع من الدين، ربما، ولكن لا يمكن التكهن بما كان يقصده من هذا المصطلح، مجرد تعبير جغرافي أو ثقافي أو سياسي (مثل العالم الثالث) أو ديني؟! ويقال بأن السلطان عبد الحميد التقى الأفغاني حين وصوله إلى الآستانة للمرة الثانية عام 1892، وأنه عز وفادته، وقد قام الأفغاني بشرح فكرته عن الجامعة الإسلامية، والتي تحمل بالإضافة إلى التعاون بين السلطنة والخلافة العثمانية والدولة القاجارية في إيران للوقوف أمام الهجمة الكولونيالية على العالم الإسلامي، كانت تحمل أفكارا لإصلاح السلطنة العثمانية لم ترق للسلطان عبد الحميد الذي احتفظ بالفكرة من دون مضمونها الإصلاحي كونه كان قد أوقف العمل بدستور عام 1876 بعد عدة أشهر من صدوره، وجمد مجلس المبعوثان المنتخب من قبل الولايات العثمانية بعد انعقاد الجلسة الوحيدة له. لقد أدرك السلطان أن أفكار الأفغاني تحررية، وربما اعتبرها بحسب شبكة قراءته الأصولية «فوضوية»، واعتبر صاحبها من المحرضين على السلطان والسلطنة. كان الإصلاح الحميدي يهدف إلى تقوية التيار الإسلامي ـ الأصولي في السلطنة، ولم يكن عبد الحميد الثاني إصلاحياً حقيقياً، بالرغم من مراعاته للآراء الأخرى، لذلك فشل في الداخل حيث انقلب عليه حزب الاتحاد والترقي عام 1908، ونزع كل سلطاته السياسية والتنفيذية عام 1809، واستبدله بشخص آخر. لقد كانت فكرة الجامعة الإسلامية عند عبد الحميد الثاني مناسبة للم شمل العالم الإسلامي السني حول خلافته، لذلك فإن دعوته للأفغاني إلى الآستانة كانت ضمن هذا الهدف. ولكن السلطان عبد الحميد اكتشف من خلال عرض الأفغاني لفكرته عن الجامعة الإسلامية، اكتشف شمولية فكرة الجامعة الإسلامية عند الأفغاني وذلك بتخطيها للجانب المذهبي، وبالخصوص الصراع السني والشيعي، وكذلك اكتشف الجانب الإصلاحي البارز في الفكرة، وهو الأمر الذي لم يروق للسلطان عبد الحميد الثاني الذي كان يريد الاستناد إلى العناصر التقليدانية في السلطنة (رجال دين وكتاب إسلاميين ونخب اجتماعية) ليقوي سلطته بعد أن وصل إلى السلطة عن طريق تأييد الأحرار الأتراك، وزعيمهم مدحت باشا الذي استلم منصب الصدر الأعظم (الذي هو بمثابة رئاسة الوزراء في عصرنا) عدة أشهر، ولكن السلطان عبد الحميد انقلب على الأحرار، وقام بتقوية الجهاز الأمني والجاسوسي في السلطنة، والذي كان مرتبط به شخصيا وذلك بهدف قمع الأصوات المعارضة في السلطنة. ثانيا، مناهضة الاستبداد الداخلي عن طريق الإصلاح السياسي والاجتماعي، والدعوة إلى مجلس شورى يمثل (الأمة). يقول الأفغاني في إحدى خاطراتاه كلاماً يمكن أن يفسر على تبنيه فكرة المستبد العادل: ((لا تحيا مصر، ولا يحيا الشرق بدوله وإماراته إلا إذا أتاح الله لكل منهم رجلا قويا عادلا، يحكمه بأهله عن غير طريق التفرد بالقوة والسلطان. لأن بالقوة المطلقة الاستبداد، ولا عدل إلا مع القوة المقيّدة)) (19). ثم يقول لاحقاً: ((إذا أتاح الله رجلاً قوياً عادلاً للشرق، يحكمه بأهله)) (20). أظن أن هذا القول عن المستبد العادل منسوب أكثر لتلميذ الأفغاني الشيخ محمد عبده، وأن الافغاني كان كالكواكبي قارئاً لابن خلدون، وهو قد بنى على عبارته الشهيرة في المقدمة: (في أن الظلم مؤذن بخراب العمران)، أفكاره في إدانة الاستبداد السياسي والمطالبة بالعدل والحرية. لكن فكرة المستبد العادل كانت تغري الكثيرين من المصلحين الذين يقاربونها لمفهوم (الخليفة العادل)، وبالخصوص في العهد الراشدي. لكن يبقى الأفغاني في أغلب أقواله أقرب إلى الدستورية ومفهوم التمثيل الشعبي لـ (الأمة). فالأفغاني يقول في مناسبة أخرى في الكتاب نفسه نافياً عن نفسه الدعوة إلى فكرة المستبد العادل: ((وهكذا القول في حكم الفرد المطلق، فإنه يكون ويدوم ما دامت الأمة تتخبط في دياجي الجهل. ومتى فش العلم في الأمة فأول ما تناهض ذلك الشكل من الحكم، وتعمل على التخلص منه)) (21). يذكرنا هذا القول للأفغاني بخاتمة كتاب الطبائع عند الكواكبي: الخاتمة البشرى (التي لم تتحقق مع الأسف إلى يومنا هذا). وفي حاشية الكتاب، في الصفحة 110، يذكر المؤلف ما جاء في النقاش مع الأفغاني: قلنا له: إن المتداول بين الناس عن لسانك: يحتاج الشرق إلى مستبد عادل. قال: ((هذا من قبيل جمع الأضداد، وكيف يجتمع العدل والاستبداد؟ وخير صفات الحاكم القوة والعدل، ولا خير في الضعيف العادل، ولا في القوي الظالم)) (22). هكذا كان الأفغاني مؤيدا للحكم الدستوري، أي أن يكون الخليفة مقيّدا بقيود دستورية، ولا بدّ من نواب للأمة لكي يرفعوا له المظالم والتي يعانونها من الولاة والحكام. ولقد قام الأفغاني بنصيحة الخديوي في مصر والسلطان العثماني عندما التقاهما، وكان يحثهما على الدوام ـ حين تسنح له الفرصة ـ القيام بتشكيل مجالس شورى، مما يبرز الشجاعة التي تحلى بها الأفغاني، وأنفته بالمناصب السياسية إذا لم تكن في صالح مشروعه الإصلاحي فالخديوي محمد توفيق كان صديقه منذ أن كان ولي العهد، وهما كانا أعضاء في المحفل الماسوني في القاهرة. وكان الأفغاني قد التقى السلطان عبد العزيز في رحلته الأولى إلى الآستانة التي استمرت عدة أشهر عام 1870 ـ 1871، والسلطان عبد الحميد الثاني مرتين في رحلته الثانية والأخيرة 1892 ـ 1897). ثالثا، محاربة الاستعمار الخارجي، لقد تنبّه الأفغاني مُبكرا إلى أخطار الدخول الأوروبي الاستعماري على العالم الإسلامي في فترة حساسة من فترات يقظته على واقع التأخر والجمود، ولم يكن الأفغاني معاديا للغرب، فقط كان ضد السلطات البريطانية، وحيث حلّ وترحل كان الأفغاني في صدام مع البريطانيين (أفغانستان وإيران ومصر والهند). رابعا، تجديد الخطاب والفكر الديني وفتح باب الاجتهاد، عن طريق الرجوع إلى المصادر الأساسية في الدين الإسلامي (النص القرآني والسنة)، للرجوع إلى الإسلام الأصيل أو الإسلام الحقيقي، وهو مفهوم متداول إلى الآن عند تيار الإصلاحيين، بالرغم من الفتوح الكبيرة في الهيرمينوطيقا والتي تعتبر النصوص الدينية قابلة لقراءات متعددة بحسب الأفق الثقافي والتاريخي للقارئ. عرف الأفغاني بنفوره من التقليد، وكان يرد على من يقول بسّد باب الاجتهاد: ((ما معنى باب الاجتهاد مسدود؟ وبأي نص سُدّ باب الاجتهاد؟ أو أي إمام قال لا ينبغي لأحد من المسلمين بعدي أن يجتهد ليتفقه بالدين؟ أو أن يهتدي بهدي القرآن وصحيح الحديث أو أن يجد ويجتهد لتوسيع مفهومه منهما والاستنتاج بالقياس على ما ينطبق على العلوم العصرية وحاجيات الزمان وأحكامه. ولا ينافي جوهر النص)) (23). في قضية المرأة، كان الأفغاني كثير المحافظة، يقول بأن مملكة المرأة بيتها، وهذا الأمر لا ينقص من قدرها. أما عن الحجاب، فكان الأفغاني مؤيدا لحجاب المرأة المسلمة. يقول في هذا الصدد: ((ليس من يحط من قدر المرأة ويمتهن خلقها ويدهورها لدركات الابتذال إلا ذلك الطائش المغرور الذي يغريها على ترك مملكتها (بيتها) وأن تزاحم الرجل في شقائه بجلب العيش الذي لو فرضنا أنها أفادت بعض الفائدة المادية فيه وعاونت به، لا شك أن الخسارة تكون من وراء تركها المنزل وتدبيره والطفل وتربيته، أعظم بكثير من تلك المنفعة التي لا تبقي على الأخلاق ولا تفسد إلا الأنسال والأعراق)) (24). وهي أقوال ما زالت تردد إلى يومنا هذا من قبل الكثير من منظري الإسلام السياسي والسلفي. لقد طُرد الأفغاني من العديد من البلدان التي رحل إليها مبشرا بأفكاره الثورية في الدين والسياسة، من بلده إيران أولاً، ومن أفغانستان هرب قبل اعتقاله، ومن الهند، ومن الآستانة في زيارته الأولى، ومن مصر عام 1879 من قبل الخديوي محمد توفيق (زميله السابق في المحفل الماسوني)، وأخيرا من بلده إيران مرة أخرى، إلى حين استقراره في الآستانة. لقد كان الأفغاني مغضوبا عليه أينما حل، لأنه كان ينادي بالحرية والعدالة، وبالتصدي للاستبداد الداخلي ولمشاريع الهيمنة الخارجية، فبقي عائشا مشردا، متنقلا بين البلدان، ولم يكن له أهل ولا زوجة، ولا ولد ولا وطن، عاش حاملا هموم الناس، ومات مجهول الهوية (عندما توفي كان الجميع يعتبرونه أفغانيا على المذهب السني الحنفي) في الآستانة عام 1797، وكان عمره حوالي 59 سنة، ومنذ عام 1940 يرقد في قبر في كابول عاصمة أفغانستان. وأكتفي بهذا القدر، وربما نخصص مقالة خاصة لفكر لأفغاني، فشخصيته وفكره أكبر وأوسع من أن تختصر في هذه العجالة. الخاتمة في هذه الخلاصة السريعة عن فكر الأفغاني سأتطرق فقط إلى ملاحظتين مهمتين: الملاحظة الأولى، تتعلق بكون الأفغاني هو الملهم الأساسي للإسلام السياسي أو تيار الإحيائية الدينية، لا يعني ذلك نفي وجود قطيعة ما بين الإصلاحية الدينية الممثلة بالأفغاني والكواكبي والشيخ محمد عبده وقاسم وأمين وآخرين في المغرب العربي والعالم الإسلامي، وقد نوهنا إليها في مقالات عديدة سابقة على أنّ هذه القطيعة تكمن في تركيز خطاب الإصلاحيين على النهضة والخروج من البلادة الحضارية، وبالضرورة على أهمية الإصلاح الديني، وتركيز الإحيائية على فكرة الحفاظ على الهوية الإسلامية والتي تقتضي (على الأقل) السكوت عن أهمية النقد الذاتي والإصلاح الديني، وتصبح دعوتها (أي الإحيائية) ثورية في الظاهر (أو على السطح)، وشديدة التقليد في الباطن (أو في العمق). وفي هذا يقول الكواكبي في الطبائع: ((إنّ المستبِّد يحب الشعائر الدينية ويخشى الإصلاح الديني، لأنّ الإصلاح يتجه إلى الأفكار)). والإخوان المسلمين حتى نهاية السبعينيات، لم يظهروا أي ميل للإصلاح الديني والنقد الذاتي، بل كانوا يريدون أن يقيموا استبدادا دينيا بدل الأنظمة الدكتاتورية العسكرية الأمنية. أما الخيط القوي الذي يربط بين الأفغاني والتيار الإسلامي الإحيائي ممثلاً بصورة خاصة بجماعة الإخوان المسلمين، فهي فكرة إحياء روح الدين الثورية أو فكرة (الدين الشمولي)، الذي لا يمكن أن تتحوّل ـ كما تحولت المسيحية في الغرب ـ إلى ديانة الضمير الفردي في استعارة من عنوان كتاب شهير للباحث التونسي محمد الحداد. لكن محاولات الأفغاني لإحياء روح الدين الثورية كانت محاولات متقدمة لتثوير الدين سياسياً ضد الجهل والاستبداد والتأخر (ممكن أن نعطي مثال معاصر لها عند الدكتور محمد شحرور)، ونجد هذا الأمر جليا في رد الأفغاني على رينان، حيث قال الأفغاني إن كل الأديان (كممارسات مؤسساتية وفكرية) عادت العلوم في مرحلة ما، والفكر الإسلامي فعل ذلك، ولكن ذلك ليس في جوهر الإسلام. وهذا تمييز مهم بين الإصلاحية الدينية والإحيائية الدينية، أن الإصلاحية لا تخفي الغبار تحت السجادة (ولا يخلو الأمر من وجود بعض الإشارات التبريرية والتمجيدية هنا وهناك)، على عكس الإحيائية التي حاولت وبالخصوص في فترة البنا وقطب إلى الاستبعاد التام لأي نقد ذاتي داخل الحركة أو نقد التراث الإسلامي. وباختصار شديد، الفرق بين التيارين الإسلاميين الإصلاحي والإحيائي، كالفرق بين فعل التجديد (إبداعاً)، وفعل التجديد (استرجاعاً) (25). وبالنتيجة، يجب تخفيف هذه المسلمة: كون الأفغاني هو الملهم الأساسي لتيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، فمن يقرأ بتمعن كتاب خاطرات السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني لا يخرج بهذا الانطباع على أن الأفغاني هو الملهم والمؤثر الأول لتيارات وجماعات الإسلام السياسي، وإن لم يخرج ـ كسائر الإسلاميين الإصلاحيين، عن القول بأن الحل يكون بالرجوع إلى: ((الأُصُول الدينية الحقة المبرأة عن محدثات البدع تنشئ للأمم قوة الاتحاد وائتلاف الشمل وتفضيل الشرف على لذة الحياة، وتبعثها على اقتناء الفضائل وتوسيع دائرة المعارف، وتنتهي بها إلى أقصى غاية في المدنية)) (26). أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بالاتهامات الموجهة من قبل مؤيدي النزعة العثمانية الجديدة (من الترك والعرب)، والذين يكيلون التهم على الأفغاني (وغيره من تيار الإصلاحية الدينية) على أنهم أضعفوا الدولة والخلافة العثمانية بكتاباتهم النقدية الحادة ضد السلطنة والخلافة، وسهلوا انقلاب عام 1908 الذي قام به حزب الاتحاد والترقي، وهم يفترضون بأن بقاء السلطان عبد الحميد الثاني في السلطة بعد عام 1908 ـ 1909، كان سيجنب الدولة والخلافة العثمانية الدخول في الحرب العالمية الأولى، وبالتالي، تجنب كارثة تفكك وانهيار السلطنة والإمبراطورية العثمانية. وهذا افتراض خاطئ، لأنه يعفي السلطان عبد الحميد من مسؤوليته عن تدمير تيار الليبراليين الأحرار بقيادة مدحت باشا. فالسلطان عبد الحميد وصل إلى السلطة بدعم هذا التيار، وكان أول قرار له هو تعيين الصدر الأعظم (أي رئيس الوزراء) بشخص مدحت باشا، وقد أصدر السلطان دستور عام 1876 بناء على التفاهم مع تيار الأحرار، وانتخب مجلس المبعوثان من كافة الولايات، وعقد جلسته الأولى في العاصمة، ولكن السلطان عبد الحميد بعد أن تمكن من السلطة بدأ بالاستناد على التيارات الأصولية والسلفية والصوفية في إضعاف تيار الأحرار الدستوريين الذين كانوا تحت زعامة مدحت باشا، وهم كانوا من الليبراليين المؤيدين للغرب، ما مهّد السبيل إلى تقوية التيار القومي الطوراني الفاشي الذي كان له مؤيدين داخل الجيش العثماني (جمال باشا وأنور باشا وآخرين)، والذين سيشكلون فيما بعد جماعة الاتحاد والترقي، وهم اللذين ورطوا الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ولا يخفى أن السلطان عبد الحميد لم يكن بعيدا عن الميل نحو ألمانيا (وقد كانت أول زياراته الخارجية كشاب طموح إلى ألمانيا)، ولم يكن يرتاح للفرنسيين والإنكليز، ويرتاب من تحركاتهم. وبالنتيجة، فإنّ السبب الأساسي في الكارثة التي حلت بالسلطنة والخلافة العثمانية هو توقف الإصلاحات، وكان المسؤول الأول في ذلك هو السلطان عبد الحميد نفسه. لقد كان الأفغاني ذو شخصية قوية، وتمتع بقدرته الكبيرة على الخطابة وإقناع الجمهور، وشكل مدرسة فكرية في العالم الإسلامي، وكان له مؤيدين وتلاميذ في شتى أنحاء العالم الإسلامي، وبالخصوص في مصر التي أقام فيها فترة طويلة (ومن هؤلاء: سعد زغلول، الشيخ محمد عبده، أحمد لطفي السيد، أديب إسحق، بطرس غالي باشا وآخرين). وفي مقره الأخير في الآستانة كان القصر الصغير الذي يعيش فيه عبارة عن صالون ثقافي يجمع النخب السياسية الثقافية والدينية من كافة الولايات والذين يعيشون في العاصمة أو يؤمونها للزيارة. تقول مُقدمة كتاب خاطرات السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني، لقد: احتل الأفغاني مكانة مميزة في تاريخ الحركة الإسلامية الحديثة، إلا أنه قد أثيرت حوله بعض التساؤلات وعلامات الاستفهام، فقد أثار إعجاب الكثيرين، وفي نفس الوقت أثار شكوك الآخرين، فوصفه المعجبون بصفات جليلة، قيل عنه (موقظ الشرق ومفجر ثورته)، وإنه (رائد الأصولية الإسلامية)، وهو أيضاً (أصدق معبر عن آمال الشرق وآلامه)، إلى غيرها من صفات الإجلال والتقدير... وأثار الأفغاني عند آخرين شكوكاً كثيرة، واختلفوا حوله اختلافاً شديداً، اختلفوا حول موطنه، ومذهبه، وعقيدته، هل هو أفغاني أم إيراني؟ هل هو سني أم شيعي؟ بالإضافة إلى أسئلة أخرى دارت حول حياته وأعماله لم تجد في أغلب الأحيان إجابة قاطعة» (27). وربما نضيف ملاحظة ثالثة، وأخيرة، لن نسترسل في تفصيلاتها في هذا المبحث، وهي أن الأفغاني كان مفكراً تجاوز الحدود والخريطة الإسلاميتين، فهو عندما يتكلم عن (النزعة الشرقية)، يتجاوز نطاق العالم الإسلامي نحو أقطار أخرى في آسيا، كالهند مثلاً، تعرضت هي أيضاً للاستعمار الكولونيالي في النصف الثاني للقرن التاسع عشر (28). ففي العدد الأول من جريدة (العروة الوثقى) التي أصدرها من باريس مع الشيخ محمد عبده، يحدد الأفغاني منهج الجريدة وهدفها بالقول: سيأتي في خدمة الشرقيين على ما في الإمكان من بيان الواجبات التي كان التفريطُ فيها موجبًا للسقوط والضعف، وتوضيح الطرق التي يجب سلوكها لتدارُك ما فات، والاحتراس من غوائل ما هو آت. ومصطلح (الشرقيين) في لغة الأفغاني ـ التي يختلط فيها الأسلوب التقليدي مع الأسلوب الجديد أو النهضوي ـ هو مؤشر باكر لمصطلح حديث سوف يظهر في النصف الثاني من القرن العشرين، ونقصد هنا مصطلح (العالم الثالث) للإشارة إلى الدول التي تبنت موقفاً محايداً في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي، وأصبح يشير فيما بعد إلى الدول النامية، أي العالم الذي تعرض للهجمة الكولونيالية الغربية وما زال يتخبط إلى اليوم، وخصوصاً في شطره العربي والإسلامي، في الخروج من هلوسة (المرض بالغرب) نحو الأخذ بأسباب الحداثة التي تجسدت أول ما تجسدت في التجربة الأوروبية منذ عصر النهضة في القرن السادس عشر. وفي الختام، يمكننا القول أنه على الرغم من قصور الحركة الإصلاحية عند الأفغاني ومن تابع في نهجه من الإصلاحيين عن تغيير العطالة التي أصابت الروح الإسلامية نحو مجال الفعالية والممارسة الاجتماعية، إلا أنها نجحت على العموم في كسر الركود والجمود الذي ساد في الفكر الإسلامي في عصر الانحطاط، حين أدخلت في الوعي الإسلامي فكرة تأخر المسلمين عن العالم الجديد الذي ظهر في أوروبا، وأن الخروج من هذه الورطة الحضارية لا يمكن أن تتحقق حصرياً بالرجوع فقط إلى تراث السلف الصالح كما كان ينهج كافة المصلحين في التاريخ الإسلامي قبل القرن التاسع عشر. الهوامش 1ـ إنّ الأفغاني لم يتزوج في حياته، ولما سألوه لماذا لم يتزوج، أجاب الأفغاني: «أما أنا، فمعرفتي بما تتطلبه الحكمة الزوجية من معاني العدل وعجزي عن القيام بأمره، دفعني أن أتقي عدم العدل، ببقائي عزبا من أن أتأهل وأكون ظالما». كتاب خاطرات السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني: وفيها مجمل آرائه وأفكاره ورؤاه في أهل الشرق والغرب أخلاقاً وسياسة واجتماعاً، تأليف محمد باشا المخزومي، نسخة مكتبة الإسكندرية، تقديم منى أحمد أبو زيد (مكتبة الإسكندرية، دار الكتاب المصري واللبناني، الإسكندرية، طبعة 2012)، ص: 141. طبع الكتاب لأول مرة عام 1931. المؤلف أو ناقل الخاطرات محمد باشا المخزومي (1868 ـ 1830). وقد جاء في الغلاف الأخير للكتاب ما يلي: ترجع أهمية هذا الكتاب إلى أنه ضمّ آخر ما صرح به الأفغاني من آراء قبيل وفاته، بالإضافة إلى أنه مُسَجِل هذه الخاطرات محمد باشا المخزومي كان موضع أسرار الأفغاني، فهو صديقه وتلميذه وملازمه في فترة إقامته الثانية والأخيرة في الآستانة عاصمة السلطنة والخلافة العثمانية. وقد كشف له الأفغاني عن نواياه، وأوضح له آراءه بحريو وصراحة، لذا جاء الكتاب صورة حسية وصادقة لآراء الأفغاني، جامعاً بين دفتيه خلاصة ما أنتجه عقل هذا المفكر الإسلامي الكبير من أحاديث ومحاورات وآراء كان يلوها على مُجَالسيه ومريديه. ويقال بأن السلطان عبد الحميد اقترح على الأفغاني تزويجه بجارية من جواريه، فرفض الأفغاني (وقد علل البعض سبب العرض بالقول بأن السلطان عبد الحميد كان يريد إشغاله بالزواج والأولاد لكي ينسى الكتابة والفكر والسياسة). 2ـ الشيخ محمد عبده الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني (دار الهلال، طبعة 1973). عدد صفحات الكتاب 194 من القطع الصغير. صاحب الشيخ محمد عبده الأفغاني لسنوات وساعده في إصدار جريدة العروة الوثقى. استهل عبده كتابه بأن روى لقائه بالسيد جمال الدين الأفغاني في القاهرة، والعلوم التي تلقاها على يديه والكتب التي قرأها عليه مثل: الزوراء للدواني في التصوف، وسُلّم العلوم من كتب المنطق، وكتاب "الهداية" و"الإشارات" و"حكمة العين" من كتب الفلسفة. انتقل بعدها ليتناول تفصيلا شخصية الأفغاني كما عرفه بداية من ولادته ونشأته. حيث يقول عبده أن جمال الدين الأفغاني قد ولد عام 1839 في بلاد الأفغان. ويعود في نسبه إلى سيدنا الحسين بن على رضى الله عنه. عُنى والده بتربيته وحرص على تعليمه، فتلقى من العلوم الكثير مثل العربية فدرس النحو والصرف والمعاني والبيان والكتابة والتاريخ العام والخاص. وعلوم الشريعة من تفسير وحديث وفقه وأصول فقه وكلام وتصوف. وكذلك علوم عقلية من منطق وحكمة عملية سياسية ومنزلية وتهذيبية وحكمة نظرية طبيعية وإلهية، ومنها علوم رياضية من حساب وهندسة وجبر وهيئة وأفلاك، ومنها نظريات الطب والتشريح. وقد استكمل كل ذلك في الثامنة عشر من عمره. بدأ الأفغاني أسفاره برحلة إلى الحجاز لأداء فريضة الحج. ثم سافر إلى الهند ثم الآستانة ثم مصر. وفى مصر استماله صاحب الدولة مصطفى رياض باشا للبقاء وخصصت له الحكومة مبلغ "ألف قرش مصري" كل شهر إكراما له وليس في مقابل وظيفة يعملها. ولكنه فارق مصر في عام 1879 إلى حيدر أباد، ثم كلكتا في الهند ثم أوروبا حيث نجح هناك بالتعاون مع الشيخ محمد عبده في إصدار جريدة العروة الوثقى. تحدث الشيخ محمد عبده عن منزلة الأفغاني من العلم فوصفها قائلا: «أما منزلته من العلم وغزارة المعارف فليس يحدها قلمي إلا بنوع من الإشارة إليها. لهذا الرجل سلطة على دقائق المعاني وتحديدها وإبرازها في صورها اللائقة بها. كأن كل معنى قد خُلق له. وله قوة في حل ما يعضل منها كأنه سلطان شديد البطش، فنظرة منه تفكك عقدها». وعندما تناول أخلاقه قال: «له حلم عظيم يسع ما شاء الله أن يسع، إلى أن يدنو منه أحد ليمس شرفه أو دينه، فينقلب الحلم إلى غضبـ تنقض منه الشهب، فبينما هو حليم أواب، إذا هو أسد وثاب». روى الشيخ تجربتهما مع العروة الوثقى التي صدر عددها الأول سنة 1884، وكانت نفقاتها باهظة لأنها تصدر من باريس، وكانت تهدى إلى ملوك العرب وأمرائهم وقادتهم، وترسل إلى كل من يطلبها مجانا. 3ـ أحمد أمين (1886 ـ 1954) زعماء الإصلاح في العصر الحديث (مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1948، ص: 59 ـ 120. ظهر الكتاب لأول مرة عام 1948. عدد صفحات الكتاب 338 صفحة. يتضمن هذا الكتاب لمؤلفه المفكر الإسلامي الكبير أحمد أمين سير لعشر من أعلام المصلحين في العصر الحديث، انتقاهم المؤلف من مختلف الأقطار العربية والإسلامية، فكان منهم؛ جمال الدين الأفغاني من بلاد الأفغان، ومحمد عبده، وعلي مبارك من مصر، والسيد أمير علي والسيد أحمد خان من الهند، وغيرهم كانوا من الحجاز والشام وأقطار أخرى، وقد نشر أمين هذا الكتاب إيقاظًا للضمائر، وشحذًا للهمم، واستنهاضًا للأمم، وابتعاثًا للأمل في القلوب بعد أن أظلمها اليأس والقنوط من المستقبل؛ لذلك رأى أمين أن يكتب هذا العمل علّ الشباب بعد قراءته لسير هؤلاء المصلحين أن يحذوا حذوهم، ويسيروا على درب خطاهم، فتكون بداية نهضة وعزة لأوطان استضعفت فاستباح أهلها الكسل واعتادوا التأخر. 4ـ الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني - جمع وتحقيق وتقديم ودراسة د. محمد عمارة - 4 مجلدات، المجلد الثاني: الكتابات السياسية للأفغاني، ص: 324-325. 5ـ كتاب العروة الوثقى، العدد الأول لجريدة العروة الوثقى تحت عنوان: الجنسية والديانة الإسلامية (مؤسسة هنداوي، القاهرة، طبعة عام 2012)؛ وأيضاً العروة الوثقى، الآثار الكاملة، الجزء الأول، مركز البحوث الإسلامية، الطبعة الثانية عام 2000، ص: 70 ـ 74). متوفرة مجانياً على منصات الغوغل. 6ـ إن الافغاني يميل إلى النقد العملي حتى في رسالته في الرد على الدهريين، وهي تمثل نوع من علم الكلام الجديد، حيث يناقش وينتقد بشدة المفكرين الهنود المسلمين الذين تبنوا نظرية داروين في التطور، ويقول حسن حنفي في هذا الصدد: «لا يكتفي الأفغاني بنقد الدهريِّين نقدًا نظريًّا مبينًا تهافت نظرية التطور، ولكنه ينتقل إلى بيان مضارها من الناحية العملية وآثارها السيئة على أخلاق الأفراد وحياة الأمم ومسارها في التاريخ. وهي المطالب الأربعة عشر التي تمثل ثلاثة أرباع الرسالة. فالنقد العملي أهم من النقد النظري. النقد العملي يقين، والنقد النظري قد يكون ظنًّا» (جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى 1897–1997 (مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2023، ص: 53). 7ـ جمال الدين الأفغاني الأعمال الكاملة، إعداد د. محمد عمارة، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1968، ص533–538؛ وأيضًا، خاطرات جمال الدين الأفغاني، جمعها محمد المخزومي باشا، دار الحقيقة، بیروت، 1980، ص16–18). 8ـ مصطلح العروة الوثقى، ورد بعدة آيات في القرآن الكريم. 9ـ اعتمدنا في التعرف على فكر الأفغاني على كتابين: أولاً، كتاب العروة الوثقى، وهو يعبر عن أفكار الأفغاني في بداياتها؛ وكتاب خاطرات، الذي يعبر عن نضج أفكاره في السنوات والأشهر الأخيرة من حياته التي قضاها في الآستانة عاصمة الخلافة العثمانية. 10ـ الدكتور محمد حامد الأحمري، محاضرة التحرير والإصلاح عند جمال الدين الأفغاني، تاريخ اليوتيوب 2020، على الرابط : https://youtu.be/y5YBIA_4Zvw 11ـ محمد عمارة جمال الدين الأفغاني موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام (دار الشروق، الطبعة الثانية عام 1988، ص : 5). لكن مالك بن نبي ينتقد خط الأفغاني السياسي في الإصلاح لصالح موقف محمد عبده الذي يصفه بالاجتماعي، يقول: «ومصر منذ عهود سحيقة أمة زراعية مرتبطة بالأرض، أي أنها كانت على طول التاريخ مجتمعاً يتكون فيه الفرد وسط جماعة، فهو لذلك مزود بغريزة الحياة الاجتماعية، والأزهر من ناحية أخرى كان يمد الحياة الاجتماعية بعقليات مستمسكه بدينها، محافظة على أصولها... وبهذا التكوين واجه الشيخ محمد عبده مشكلة الإصلاح، فبعد أن أدرك حقيقة المأساة الإسلامية وجد من الضروري أن ينظر إليها بوصفها مشكلة اجتماعية، على حين أستاذه الأفغاني ذا العقل القبلي العفوي قد تناولها من الزاوية السياسية». مالك بن نبي وجهة العالم الإسلامي (دار الفكر، دمشق، طبعة عام 2000)، ص: 52 ـ 53. 12ـ الشيخ محمد عبده الثائر الإسلامي جمال الدين الأفغاني (دار الهلال، طبعة 1973). عدد صفحات الكتاب 194 من القطع الصغير. 13ـ جرجي زيدان تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، الجزء الثاني، باب السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني (مؤسسة هنداوي، القاهرة، طبعة عام 2012). صدر الكتاب عام 1902. 14ـ حسن حنفي، جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى 1897–1997 (مؤسسة هنداوي، طبعة 2023)، الفصل الأول: موضوع والمنهج، الفقرة الأولى: دلالة الأفغاني. صدر هذا الكتاب عام 1997. صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام 2023. 15ـ حسن حنفي، مستقبل الوسطية في الثقافة العربية الإسلامية (مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2023)، ص: 32. صدرت الطبعة الأولى للكتاب عام 2014. 16ـ انظر حسن حنفي، حصار الزمن: الحاضر (مفكرون) الجزء الثاني (مؤسسة هنداوي، طبعة عام 2023، ص: 442، 447. صدر هذا الكتاب عام 2004. 17ـ عبد الجواد السيد بكر، تحليل مضامين مقالات جريدة العروة الوثقى (موقع مجلة المسلم المعاصر، العدد 77، فئة أبحاث، تاريخ 02/08/1995). 18ـ عام 1501، أقام الصفويون إمبراطورية قوية ومركزية حكمها الشاه إسماعيل الأول، وأسسوا الإسلام الشيعي كديانة رسمية. وفي القرن الثامن عشر، أنهك الغزو الأفغاني والحروب الأهلية إيران، وتولت سلالات أخرى زمام السلطة. وعام 1736، أصبح نادر شاه الملك الجديد للدولة الأفشارية وأنهى الدولة الصفوية الضعيفة رسمياً. بعد اغتيال نادر شاه عام 1747، سادت في إيران فترة من الفوضى عمّها صراع من أجل السلطة بين زعماء قبائل الأفشار والقاجار والأفغان والزند، انتهى بانتصار كريم خان زند (1750 – 1779) الذي قام بتوحيد البلاد. ولكن بعد موته، ظهر صراع جديد على السلطة بين المجموعات القبلية، مما أغرق الدولة في نزاع إقليمي. وهذه المرة، انتصر آغا محمد خان قاجار. تُوّج آغا محمد خان شاهاً عام 1796. كانت بلاد فارس موحدة تحت قيادته، وحكمت السلالة القجارية إيران حتى عام 1925. (المصدر، ويكيبيديا، الدولة القاجارية) 19ـ كتاب خاطرات السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني : وفيها مجمل آرائه وأفكاره ورؤاه في أهل الشرق والغرب أخلاقاً وسياسة واجتماعاً تأليف محمد باشا المخزومي، نسخة مكتبة الإسكندرية، تقديم منى أحمد أبو زيد (مكتبة الإسكندرية، دار الكتاب المصري واللبناني، الإسكندرية، طبعة 2012)، باب: رأيه في مصر والمصريين وصورة الحكم، ص: 110. 20ـ المرجع نفسه، باب: رأيه في مصر والمصريين وصورة الحكم، ص: 112. 21ـ المرجع نفسه، باب: رأيه في الوطن وفلسفته فيه، ص: 116. 22ـ كتاب خاطرات السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني: وفيها مجمل آرائه وأفكاره ورؤاه في أهل الشرق والغرب أخلاقاً وسياسة واجتماعاً تأليف محمد باشا المخزومي، نسخة مكتبة الإسكندرية، تقديم منى أحمد أبو زيد (مكتبة الإسكندرية، دار الكتاب المصري واللبناني، الإسكندرية، طبعة 2012) ، ص: 110، الهامش رقم 1. 23ـ نفس المرجع، باب: إنكار جمال الدين على من يقول بسد باب الاجتهاد، ص: 236. 24ـ نفس المرجع، باب: في تكليف السلطان عبد الحميد للسيد أن يزوجه من إحدى جواري قصره، وما جرى في هذا البحث من أخذ ورد وكلامه في الحكمة الزوجية، واستطراداً في المرأة والرجل وهل يتساويان، ص:147. 25ـ هو ما يقف وراء ما مضى إليه السيد محمد رشيد رضا من التمييز بين ضربَين من التجديد؛ يتميز أحدهما بما لاحظه من أنه «إنما كان المجدِّدون يُبعَثون بحسب الحاجة لما أبلى الناس من لباس الدين» (انظر رضا رشيد، تاريخ الأستاذ الإمام، ج1، دار الفضيلة، القاهرة، ط2، 2006، ص: ج)، وأما ثانيهما فإنه قد ارتبط باشتداد «الحاجة إلى تجديد الحياة في البلدان المتخلفة عن المتقدمة، مما لا ينهض بمثله المجدِّدون القدماء بوسائلهم القديمة» (المصدر نفسه، ج1، ص: 5). ومن هنا، إن تجديد عبد الوهاب، أو إحيائيته، لا تُجاوز حدود تنقية العبادة مما لابَسها من الشوائب التي داخلَتها، وأدخلَتها في دائرة الشرك. وليس من شكٍّ فيما يعنيه ذلك من أن أمر التجديد لا يتجاوز، عند ابن عبد الوهاب، حدود اللباس الخارجي للدين. والذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين في مصر أولاً، ومن ثم في العالم الإسلامي، يمكن وضعه في سياق تجديد الحركة الوهابية الذي لا يتعدى ظاهر الدين، وهو ليس التجديد المتعلق بالحياة، والذي يحاول تجاوز التخلف بالرجوع إلى النصوص الدينية وقراءتها قراءة «قصدية» أو مقاصدية بلغة الشاطبي صاحب كتاب الاعتصام. 26ـ كتاب العروة الوثقى، الفصل الثاني: ماضي الأمة وعلاج عللها (مؤسسة هنداوي، القاهرة، طبعة عام 2012). 27ـ كتاب خاطرات السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني: وفيها مجمل آرائه وأفكاره ورؤاه في أهل الشرق والغرب أخلاقاً وسياسة واجتماعاً تأليف محمد باشا المخزومي، نسخة مكتبة الإسكندرية، تقديم منى أحمد أبو زيد (مكتبة الإسكندرية، دار الكتاب المصري واللبناني، الإسكندرية، طبعة 2012)، مقدمة الكتاب، منى أحمد أبو زيد، ص: 18. 28ـ يقول حسن حنفي في صدد تعداد أهداف ومقاصد جريدة العروة الوثقى بأن أولها: «خدمة الشرقيين، وبيان الواجبات التي كان التفريطُ فيها موجبًا للسقوط والضعف، وتوضيح الطرق لتدارك ما فات، والاحتراس مما هو آتٍ. فهي موجهة إلى الشرق، والإسلام جزءٌ من ريح الشرق، والمسلمون جزء من الجامعة الشرقية، والخلافة جزء من جامعة شعوب الشرق». حسن حنفي جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى 1897–1997 (مؤسسة هنداوي، طبعة 2023، الفصل الأول: الموضوع والمنهج، الفقرة الثالثة: قراءة الأعمال. صدر هذا الكتاب عام 1997. صدرت هذه النسخة عن مؤسسة هنداوي عام 2023.
#فارس_إيغو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملاحظات على موضوعة العلمانية في وثيقة توافقات وطنية
-
سمير أمين: الإسلام السياسي والامبريالية العالمية
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
-
الرأسمالية إنتصرت، لكن؟ مع نظرة نقدية لأخلاقيات المنشأة
-
كيف دخل مصطلح العلمانية في الثقافة العربية المعاصرة والحديثة
...
-
حول التسمية الربيع العربي أم الثورات العربية
-
كيف دخل مصطلح العلمانية في الثقافة العربية المعاصرة والحديثة
...
-
النساء في إيران وتجديد دماء الثورة في العالم الإسلامي
-
الهاربون من الاستبداد، والهاربون من الجوع والموت البطيء
-
إشكاليّة مفهوم ((الأمة)) في الفقه السياسي الأصولي (قراءة نقد
...
-
الحرب الروسية على أوكرانيا والنزعة السلافيّة المتطرفة في روس
...
-
صراع الديموس والكراتوس في الديموقراطية على ضوء نتائج الدور ا
...
-
الحملة الروسية على أوكرانيا وبداية تداعي الإمبراطورية الروسي
...
-
هل يستطيع الرئيس الروسي أن يربح هذه الحرب؟
-
الإصلاح الديني والإسلام السياسي في عصر النهضة بين القطيعة وا
...
-
معضلة الإصلاح الديني ومقولة ((الإسلام الصحيح)) والحل التأويل
...
-
الانسحاب الأمريكي من أفغانستان: ما هي العواقب الاستراتيجية
-
تفكيك دعوى غياب الكهنوت في الإسلام؟ (الشيخ محمد عبده مثالاً)
-
المعارضة السورية الجديدة، هل فعلاً من جديد؟
-
الفلسفة في علاقتها مع العلم
المزيد.....
-
ديوان الإفتاء التونسي يصدر بيانا حول إلغاء شعيرة الأضحية
-
رمضان في العصر الرقمي.. كيف تساعد التطبيقات الذكية على الموا
...
-
المسجد الأموي.. صرح يحكي قصة حضارات متعاقبة
-
لماذا يصعب العثور على توأم الروح؟
-
وزارة التعليم الأمريكية تحذر 60 ??جامعة من إجراءات عقابية إذ
...
-
مصدر بالفاتيكان يعلن تحسن حالة البابا فرنسيس: -لم يعد في خطر
...
-
60 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
-
” أغاني البيبي الصغير” ثبت الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي عل
...
-
مصدر في الفاتيكان يوضح آخر تطورات الحالة الصحية للبابا فرانس
...
-
السعودية.. إنقاذ حياة 20 شخصا بعد تعرضهم لتوقف القلب قرب الم
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|