أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في سوريا














المزيد.....


الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في سوريا


بهجت العبيدي البيبة

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 13:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما يحدث في سوريا اليوم، من قتل وتدمير، لا يمكن أن يُختزل في مجرد صراع سياسي أو عسكري، بل هو مأساة إنسانية تُجسد أبشع صور الظلم والعدوان. رغم أن العالم شهد على ما عانى منه الشعب السوري من ويلات، إلا أن ما يثير الألم والحزن العميق هو مشهد تبرير الجرائم ضد الأبرياء بناءً على انتمائهم الطائفي، وكأن حياة الإنسان مرتبطة بمذهب أو عائلة أو لون دم. يعاني الشعب السوري من ويلات الحرب والقهر والتدمير، ولكنه لم يتوقع أن يواجه تبريرًا للجرائم بحجة الانتماء الطائفي. هذا الأمر يزيد من حدة الألم والمعاناة التي يشعر بها السوريون يومًا بعد يوم.

غالبًا ما يبرر البعض هذا العنف بالقول إن النظام السوري البائد كان قد مارس قمعًا ضد أفراد معينين، أو أن المستهدفين من الطائفة العلوية ينتمون إلى النظام الذي مارس الظلم. ولكن هل يحق لأحد أن ينتقم من أبرياء بسبب انتسابهم لطائفة معينة؟ وهل يعقل أن يُحكم على إنسان بالقتل لمجرد أنه ينتمي إلى مجموعة لم يكن له اختيار في انتمائها؟ هذه الأسئلة تعيدنا إلى جوهر القضية الإنسانية: هل تبرر الجريمة جريمة أخرى؟

من المؤلم أن نسمع بعض الأصوات التي تجد في قتل الأبرياء مبررًا في سياق الصراع الذي لا يتوقف. يقول البعض إن هناك من “مؤيدي النظام” الذين يجب أن يعاقبوا جماعيًا، ولكن هل يُعقل أن يُحاسب الأبرياء على خيارات لم تكن لهم يد فيها؟ هؤلاء الذين يُقتلون الآن ربما لم يلتقوا أبدًا بأي من أفراد أسرة الأسد، بل ربما كانوا ضحايا أيضًا لهذا النظام القمعي. وبالتالي، فإن ربط جرم النظام بجريمة قاسية أخرى لا يمكن أن يكون مبررًا لأي نوع من العنف.

إن الطائفية، بأشكالها المختلفة، تمثل فكرًا ضيقًا يهدد التعايش بين البشر. ليس معقولا ولا مقبولا أن يصبح إنسانا أقل قيمةً فقط لأنه ينتمي إلى مجموعة دينية أو طائفية معينة. لقد تسببت الطائفية في العديد من المآسي عبر التاريخ، وما نشهده في سوريا هو مجرد فصل جديد من فصول الظلم الذي يأخذ طابعًا مذهبيًا. إن العنف الذي يُمارس ضد الأبرياء في سوريا لا يعكس إنسانية أو عدالة، بل هو تجسيد لغياب العقلانية والضمير.

إن الحجج التي تُقدم لتبرير مثل هذه الأعمال الإجرامية هي في واقع الأمر حجج باطلة. لا يمكن تبرير إراقة الدماء باسم الانتقام، ولا يمكن لأي ظلم ماضٍ أن يكون مبررًا لاستمرار دائرة العنف. فحتى إذا كان هناك أفراد ينتمون إلى النظام قد ارتكبوا جرائم في حق الآخرين، فإن ذلك لا يعني أن أفرادًا آخرين، لا صلة لهم بذلك النظام، يجب أن يُعاملوا بنفس الطريقة. هل من العدل أن نضع جماعة بأكملها في سلة واحدة بسبب أفعال بعض الأفراد؟ بالتأكيد لا.

إن حلمنا لسوريا المستقبل لا يجب أن يكون مجرد حلم بالانتقام أو الانتقام المضاد. إنما يجب أن يكون حلمًا بالعدالة، والمصالحة، والعيش المشترك. على الرغم من حجم التضحيات والدماء التي سفكت، يبقى الأمل في أن يكون هنالك يوم قريب يمكن فيه للشعب السوري أن يعيش في أمن واستقرار، بعيدًا عن الطائفية، والعنف، والانقسام.

في سوريا، يعيش الناس في ظل واقع مليء بالصعوبات والألم. فالأطفال الذين ولدوا في زمن الحرب لا يعرفون سوى دوي القذائف وأصوات المدافع، والشباب يحلمون بمستقبل أفضل بعيدًا عن تلك الكوابيس. هؤلاء الناس يستحقون الأمل والسلام، ولكنهم يحتاجون إلى العالم للوقوف بجانبهم ودعمهم في هذه المحنة.

سوريا تستحق الأفضل، وشعبها جدير بأن يعيش في بيئة يسودها السلام والعدالة. لا يمكن أن تُبنى الأوطان على أنقاض الدماء، ولا يمكن أن تلتئم الجراح بغير الاعتراف بالجريمة والاعتذار عنها. إن الطريق إلى سوريا جديدة يجب أن يبدأ بالاعتراف بأن الإنسان هو قيمة في حد ذاته، وأن السلام لا يُشترى بالدماء. نتمنى للشعب السوري الشجاع أن يتجاوز هذه المحنة ويعيش في وطنٍ يحترم فيه كرامته الإنسانية، ويسود فيه العيش المشترك بعيدًا عن دائرة العنف والطائفية..

بهجت العبيدي البيئة
كاتب مصري مقيم بالنمسا
مؤسس الاتحاد العالمي للمواطن المصري بالخارج
[email protected]



#بهجت_العبيدي_البيبة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تصبح الخرافة تهديدًا للوعي: قراءة نقدية في تصريحات حول ...
- الصيام عبر الزمن: من عادات القدماء إلى عبادة الإسلام
- رمضان… حين يشرق النور في القلوب
- التحديات السكانية في القرن الحادي والعشرين: قراءة مالتوسية ف ...
- الانتخابات الألمانية 2025: تحولات سياسية كبرى وتداعياتها على ...
- عندما يسخر الجهل من المعرفة
- مصر… حائط الصد الأخير في وجه مخطط التهجير
- ترامب ومكتب الإيمان: بين صعود الأصولية والصدام المحتمل
- حادث السويد الدامي: الإرهاب لا لون له ولا حدود
- التناغم الأمريكي-الإسرائيلي بين التصريحات والرموز: قراءة في ...
- الإعلام بين الإنصاف والتحريف - قراءة في تصريحات مارسيل كولر
- إيمانويل كانط: فيلسوف النور الذي رسم حدود العقل والإنسان
- الجنون في الحكم: من الحاكم بأمر الله إلى ترامب … بين الطبع و ...
- مرموش..لماذا يدعم المصريون أبطالهم عالميًا؟ قراءة نفسية واجت ...
- في غياهب الغيبوبة العقلية: من يستفيد من تغييب الوعي؟
- هل يستطيع ترامب تنفيذ تصريحاته حول المثليين .. حدود السلطة ت ...
- بين ابتلاء العقل وابتلاء الواقع: قراءة في حريقين… وعقلين
- في عالم متغير: نحو نظام عالمي جديد بين التحديات والطموحات
- العقل العربي بين قيود الماضي وأحلام المستقبل
- الحضارة الغربية بين القيم والانتقادات: رؤية متوازنة


المزيد.....




- السعودية.. إنقاذ حياة 20 شخصا بعد تعرضهم لتوقف القلب قرب الم ...
- الشرع: قتل أفراد من الطائفة العلوية يهدد الوحدة السورية
- تردد قناة طيور الجنة toyour jana على الاقمار الصناعية 
- 60 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى
- مؤتمر الأساقفة قلق من صعود -البديل- في الانتخابات الألمانية ...
- لوموند: هل تستهدف فرنسا المدارس الإسلامية الخاصة؟
- اعتنق الإسلام وتزوج جزائرية.. قصة ريبيري قاهر التنمر وصانع ا ...
- “من هنا” رابط تسجيل الاعتكاف في المسجد الحرام 1446 وأهم الشر ...
- العشرات من المستعمرين يقتحمون المسجد الأقصى
- حرق المساجد في فلسطين


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بهجت العبيدي البيبة - الإنسانية فوق الطائفية: قراءة في مبررات العنف ضد الأبرياء في سوريا