أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - رينيه غاليسو - محمد حسن الوزاني والمسألة النقابية















المزيد.....


محمد حسن الوزاني والمسألة النقابية


رينيه غاليسو

الحوار المتمدن-العدد: 8277 - 2025 / 3 / 10 - 08:00
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


تقديم جريدة المناضل-ة: لا شك أن الإهمال البالغ الذي صار إليه تاريخ الحركة العمالية بالمغرب لا يعدو أن يكون سوى أمارة من أمارات التردي الإجمالي لهذه الحركة. فالجهود الجدية المتناولة جانبها النقابي كادت تتوقف كليا بإتمام الفقيد البير عياش ثلاثيته الموسومة «الحركة النقابية بالمغرب» بصدور جزئها الثالث قبل 31 سنة (سبتمبر 1993). وكذا الأمر من جانبها السياسي، بإيقاف المَنِيَّة جهودَ الفقيد شكيب أرسلان، الذي خص الحزب الشيوعي المغربي بدراسة هي أجود ما تناول هذا الحزبَ العمالي. والأمَرُّ ما هي عليه انشغالاتُ المنظمات النقابية اليوم بتاريخ كفاح الطبقة العاملة ومنظماتها. فهذا موضوع مهجور ما خلا بعض جهود التوثيق التي تقوم بها كدش بإصدار مصنفات بيانات وكرونولوجيا.

سعينا دوما، منذ صدور جريدة المناضل-ة قبل 20 سنة، إلى إتاحة المكتوب عن الحركة العمالية لمناضلي طبقتنا ومناضلاتها، بترجمة ما يتناول حقبا سالفة، وبمتابعة لأبرز نضالات العقود الثلاثة الأخيرة. نواصل بمد القارئ- ة بترجمة لمداخلة للباحث، المختص في شؤون الحركة العمالية بالعالم العربي، رونيه غاليسو، تتناول صلة الوطني المغربي محمد حسن الوزاني بالحركة النقابية. قدم غاليسو المداخلة في ندوة دولية بفاس أيام 25- 26- 27 نوفمبر 2010، نظمها مركز محمد حسن الوزاني للديمقراطية والتنمية البشرية، بعنوان «الدولة والمجتمع في المغرب، تحديات العام الحديث». ومن نافل القول أن القصد إتاحة أدبيات في التاريخ العمالي للمغرب، بلا مشاطرة لآراء من ننشر كتاباتهم- هن.

شكرا على الدعوة، وشكرا على الاجتماع للتفكير في توجه محمد حسن الوزاني بصدد العلاقات بين الأحزاب والنقابات. فمن المهم فعلا أن نتساءل عن مكانة هذا التوجه في تاريخ الحركة الوطنية المغربية. إن عنوان المداخلة المقترحة عليَّ يطابق سمعتي، إن جاز لي القول، كمؤرخ للحركة النقابية. والحقيقة أنني لست مؤرخا للحركة النقابية وحسب، بل أنا قبل كل شيء مؤرخ للحركة العمالية العالمية، ولست محصورا في المجال المغربي أو الجزائري فقط، إذ أنني أضع في اعتباري المغرب العربي كله بل وحتى أبعد منه، والعمل الذي اعتبره معبرا عني أفضل من غيره هو بعنوان: « Mouvement ouvrier, communisme et nationalismes dans le monde arabe (Cahier du Mouvement social, No. 3, Editions ouvrières, Paris, 1978). « ففيه يكمن مركز تأملاتي وتحليلاتي.

بداية، أود أن يُدرَك جيدا معنى مقاربة المؤرخ، ومعنى الجدل بين المثقفين والمثقفين النقديين في العلوم الاجتماعية. جرى مرارا، في المداخلات السابقة لخبراء قانون، استعمال تعبير ”الحق التاريخي“. وهذه لا تمت بصلة بتاتا إلى لغة المؤرخين. فإثارة «حق تاريخي» هو من عمل محامٍ يطرح حججاً لقضية الدولة القائمة التي يدافع عنها أو يمثلها، بالتزود من الماضي، فيما كانت الطبيعة التاريخية للدول مغايرة تماماً. ليست الدول وطنية إلا في الزمن المعاصر بتطابق بين السيادة والجماعة الوطنية المعروفة اليوم بالشعب والإقليم بحدود جغرافية لا تقوم على الولاء الهرمي. الحق التاريخي المزعوم–لماذا حق تاريخي؟- هو مجرد ترافع لصالح الدولة الراهنة لخدمة مصالحها.

عملُ المؤرخ العلمي هو شيء آخر مغاير تمامًا، فالتفكير يضع موضع سؤال ما يسمى بالحق التاريخي، لأن العلاقات السياسية، وحتى السيادات، تتنقل وتتقطع وتتغير في التاريخ، فالأسس الاجتماعية تتغير، والعلاقات الاجتماعية تتغير، وتركيبة الشعوب والجماعات تتغير. لذا يتعين على الفهم أن يقوم على تحليل التغيرات. يضع المؤرّخ نفسه في موقع المثقف النقدي إزاء القضية التي يدافع عنها فقهاء القانون. هذا ما يميز خصوصيته!

أقول هذا لكي تقدّروا حريتي في التعبير وحريتي في الرأي. أنا لا أتحدث كما لو كنت جزءاً من فرنسا، أو كما لو كنت أعبر عن وجهة نظر فرنسا. فرنسا ليست شخصًا قد تكون له وجهة نظر. أنا لا أعرف هذه السيدة التي هي مجرد شخصية من الأسطورة الوطنية. أنا أتحدث بصفتي مؤرخاً أمميا وأحلل الأحداث والتغيرات في الدول والمجتمعات.

مسعاي في مداخلتي الحالية أن أستجلي التوجه الذي سلكه محمد حسن الوزاني، وتحديد دلالته في الحركة الوطنية وفي العلاقات بين النقابات والأحزاب السياسية. لكن، وبسرعة كبيرة، ولكي نصل إلى التاريخ الذي تعرفونه جميعا: تاريخ الأحزاب والنقابات قبل الاستقلال وبعده، أود أن أعود إلى نقطة البداية التي غالبا ما تُنسى.

شهدت جميع بلدان العالم العربي، وحتى العالم الإسلامي، بما في ذلك أفغانستان، لحظة حداثة اتسمت بنزعة إصلاحية تروم تحديث المجتمع واشتغال الدولة؛ حتى في أفغانستان. جسَّد الملك أمان الله خان (وحَمْوُه ووزيره محمود ترزي) هذا التيار الإصلاحي في سنوات 1920 قبل أن يطيحه محافظون دينيون في العام 1929. وفي وقت لاحق، تم طبعا نسيان أهمية لحظات اليقظة إلى الحداثة تلك، واندفاعة الحداثة السياسية بالضبط، وفي طيها الحداثة الاجتماعية أيضًا.

في المغرب، تتيح السنوات 1927- 1937 في فاس نقطة توضيح لاستدلالي. فما الذي جرى في فاس، لا سيما بين العامين 1931 و1932، وحتى إلى القمع العنيف في العام 1937، المستمر حتى العام 1938؟ كان ثمة، في أثناء تلك الحقبة، حضور خاص في فاس لـ”الشبان المغاربة“؛ وكان هؤلاء مرتبطين بمجلة ”المغارب Maghreb» التي كان يديرها روبير جان لونغيه Robert Jean Longuet. والحال أن هذه المجلة لم تُقم اتصالات مع مسؤولي أو مناضلي الحزب الاشتراكي الفرنسي، الفرع الفرنسي للأممية العمالية SFIO، لكنها كانت تتيح صلات مع يسار الحزب الاشتراكي وكذلك مع أحزاب أخرى، قريبة من الحركات النقابية، بما فيها من الموجة الشيوعية.

هذا ما أود إعادته إلى الأذهان، لأنه داخل هذه المجموعة Jeune marocain تمت صياغة البيان الأشهر، في ملتقى الطرق بين التيارات الاجتماعية والسياسية اليسارية، ألا وهو «برنامج الإصلاحات المغربية» المقترحة سنة 1934، وترسم بوجهة اشتراكية جلية لوحة بالغة للوضع الاجتماعي، وتعبر عن المطالبة بالغة الوضوح بدولة اجتماعية، وكل دولة اجتماعية تستتبع طبعا الحرية النقابية.

والحق في التنظيم النقابي يمثل مطلبا للمغاربة. لقد انضم المغاربة إلى النقابات العمالية بوجه خاص في أثناء الإضرابات، وفي فترة حركة الجبهة الشعبية وحكومتها في فرنسا، غير أن سلطة الإقامة العامة دفعت في العام 1938، بتوقيع ظهير يمنع مشاركة المغاربة في النقابات. لم يتم أبدا إلغاء هذا الظهير، أي أن الحركة النقابية المغربية كانت حركةً بحكم الأمر الواقع، لم يتم الاعتراف به حتى عندما قال المقيم إيريك لابون بعد 1945: «اذهبوا إلى الكنفدرالية العامة للشغلCGT»!. كان ذلك انفتاحا من قِبله، بيد أن الحظر ظل قائمًا.

بهذا النحو تنتمي الحركة النقابية إلى حركات المجتمع المدني ذاتها؛ وهي حركة غير معترف بها، وبالتالي يمكن قمعها تلقائيًا بمجرد حدوث مظاهرات. وهكذا كان القمع رهيبا في مكناس والخميسات وفاس، التي شهدت في بداية العام 1937 إضرابا لحافلات النقل الحضري وإضرابات في صناعة البناء… إلخ. إن الصلة قائمة فعلا مع الفكرة الاشتراكية لدولة اجتماعية وُضعت خطوطها العريضة في برنامج الإصلاحات، وتجدر الإشارة إلى أن برنامج الإصلاحات المغربية هذا، الذي قُدم في 1 ديسمبر 1934 إلى السلطات الفرنسية في باريس والرباط وإلى السلطان من قبل الشباب المغربي، قد أعيد نشره في جريدة المغرب الاشتراكي Maroc socialiste تحت إشراف بول شينو Paul Chaignaud.

وكانت ثمة اتصالات وروابط أخرى مفيدة في أوقات الأزمات والتوترات. في الواقع، في ذلك الوقت، تجدر الإشارة إلى واقعة استثنائية في فاس وأماكن أخرى في سائر المغرب. فقد جرى حظر الحزب الشيوعي وظل كذلك في عام 1936 وما بعده، في الوقت الذي كان فيه المغاربة ينخرطون في العمل النقابي لأول مرة. وفي ظل هذه الظروف، لجأ مناضلون نقابيون مغاربة وحتى المسؤولون الشيوعيون إلى الفرع الفرنسي للأممية العمالية (الحزب الاشتراكي). وهكذا، كان فرع الحزب الاشتراكي في فاس يضم شيوعيين، بمن فيهم شيوعيون منشقون، مرتبطون بفكرة الحركة التروتسكية عن الثورة البروليتارية. وضمن هذه البوتقة الذي مثلها فرع الحزب الاشتراكي بفاس، أقيمت علاقة مع محمد حسن الوزاني عن طريق إدريس بنزاكور، الذي كان هو نفسه عضوا في الحزب الاشتراكي.

امتزج العمل الوطني لمحمد حسن الوزاني والعمل النضالي لهذه الحركة الاشتراكية المعززة. وقد تجلى دعم المناضلين الاشتراكيين لكتلة العمل الوطني في إضرابات 1937. كما وجدت الصلة بين النشاط النضالي الاشتراكي والحركة الوطنية المغربية الفتية، وبنحو أوسع بعدُ، في الاتصالات مع الطلاب المغاربة في باريس، فقد كان أحمد بوهلال يؤمن هذه الاتصالات عمليا كممثل لمحمد حسن الوزاني الذي كان نشيطا من جهته في فاس. وكانت هذه الصلات تمتد ليس مع الاشتراكيين اليساريين وحسب، بل حتى مع الشيوعيين، لكن ليس بالضرورة مع قيادة الحزب الشيوعي. وقد شارك محمد حسن الوزاني نفسه في عدة مؤتمرات اشتراكية، لا سيما في مؤتمر الفرع الفرنسي للأممية العمالية في العام 1936، الأمر الذي لم يمنع حكومة الجبهة الشعبية من حل كتلة العمل الوطني في العام 1937.

هنا حدث الانشقاق الذي لا يُتحدث عنه أبدًا. يجري الكلام عن انشقاق داخل كتلة العمل الوطني، لكن يجب أن يؤخذ بالاعتبار الانشقاق مع الحركة الاشتراكية، وحتى مع جزء من الحركة الشيوعية، في تطور الحركة الوطنية التي وجدت نفسها بهذا النحو مبعدة عن مسار الحركات السياسية الفرنسية، ما عدا الفصائل التي واصل مناضلوها التحالف ومنحوا دعمهم لحركات الاستقلال والتحرر.

ما هي الدلالة التي ينبغي أن نمنح لهذه المواقع الاستثنائية للحداثة التي نجمت عن المبادلات بين المشاريع التي نشأت داخل الحركة الوطنية والمشاريع واليوطوبيات الاشتراكية والشيوعية في تلك اللحظة، والتي كان بالطبع محمد حسن الوزاني شاهدا متميزا عليها، بل كان حامل لحظة الحداثة هذه. ما هو بالضبط مغزى الانشقاق في كتلة العمل الوطني؟ ماذا تعني القطيعة بين علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني؟ وما هو التفسير الممكن لها، وخاصة حقيقة أن تيار علال الفاسي سيصبح أغلبية. بعبارة أخرى، محمد حسن الوزاني هو الخاسر في هذه اللحظة التاريخية لمشروع الحداثة الذي جاء به برنامج الإصلاحات وما اثارت من نقاش في المغرب وفرنسا.

إذا دققنا النظر في عناصر انشقاق الحركة الوطنية، نرى أن الوطنيين الذين أصبحوا أغلبية هم الذين تظاهروا هاتفين يحيا الملك في 1936 و1937. وقد كانوا بهذا النداء يتجهون نحو الالتحام النهائي بين العرش والبرجوازية الميراثية، وخاصة الفاسية المطبوعة بضرب من النزعة المحافظة، والمستندة إلى على جامعة القرويين وتقاليدها الفكرية المنطوية على مرجعية عربية إسلامية. إن الاستنجاد بالسلطان أمر مثير للدهشة في هذا السياق، لأن السلطان في ذلك الوقت كان يعتبر ”سلطان الفرنسيين“، بما في ذلك في الأوساط التقليدية والدينية. فطيلة حقبة حرب الريف، كان «سلطان الفرنسيين» هو موضوع الاعتراض حتى أوائل الثلاثينيات. ويمكن القول إنه بنزعة عربية إسلامية كانت مناسبة ”الظهير البربري“ هي التي مكنت من قلب الرفض رأساً على عقب بالانتقال الرمزي من السلطان إلى الملك. إننا إزاء تحول في النظرة إلى السلطان ودوره.

والحال أن محمد حسن الوزاني يمثل، في مواجهة هذه التطورات، شيئا مغايرا؛ فهو يمثل بالتحديد هذا الانفتاح على الحداثة، أي توجها غير ديني للحركة الوطنية، يمكن وصفه بالديمقراطي بمعنى ظهور التعددية السياسية. هذا هو المغزى الكبير للفرق بين الاحتكار شبه الثيوقراطي للوطنية العربية الإسلامية وبين الانفتاح على التعددية، على التعددية اليهودية، على التعددية البربرية. فكتابات محمد حسن الوزاني صريحة جداً، شاهدةً على التزامه بمجتمع ديمقراطي.

يمر الخط الفاصل بين حركة محافِظة تدعو إلى التحالف مع العرش، والتوجه الديمقراطي الذي يشكل لحظة الحداثة ولحظة ظهور منظور يهدف إلى إقامة تعددية ثقافية وسياسية وأيديولوجية. هذه الأخيرة تتطلب بنحو منطقي تام تضافرَ حركات دولية ذات مشروعية مضفاة بالديمقراطية وليس هيمنة نموذج.

ترون أهمية هذا الانشقاق في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي داخل الحركة الوطنية المغربية: فكون الحركة التي قادها محمد حسن الوزاني قد هزمها بنحو ما المحافظون الملتفون حول علال الفاسي، لا يعني أنها لم تكن تمثل خيارًا واعدًا وممكنًا لتحويل المجتمع المغربي نحو الحداثة. وكما هو الحال غالبًا في التاريخ، الخاسرون هم الذين على حق. وبعبارة أخرى، لا تعنى إزاحة ”الحداثيين“ المحيطين بمحمد حسن الوزاني إلى هامش الحركة الوطنية، أنهم لا يمثلون قوة في المرتبة الثانية، يتأرجح وزنها تبعا للسنوات دون أن تتمكن من الحلول مكان التيار الأكثروي. وبسبب هذه المكانة لم يكن الحزب الديمقراطي ليمثل مشكلة كبيرة عندما ظهرت قوة السلطان ونمت، ثم قوة النزعة الوطنية الملكية.

يتتيح لي هذا الانتقال أن أثير بإيجاز إشكالية الأحزاب والنقابات بالعلاقة مع الحركة الوطنية المغربية. هذه المسألة مطروحة بجلاء في حقبة الأزمة الفرنسية المغربية في سنوات 1950. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 1951 بالتحديد، دعت الكونفدرالية العامة للشغل CGT إلى اتحاد عام للنقابات المغربية. وهي قبول الكنفدرالية العامة للشغل مسؤولين قادمين من حزب الاستقلال في قيادتها. وهكذا جرى تقاسم القيادة بين شيوعيين ووطنين استقلاليين. وقد اكتسبت هذه القيادات الوطنية قاعدتها النقابية الخاصة بها؛ وكان المهدي بن بركة وعبد الرحمن اليوسفي وآخرون هم مهندسو الالتزام النقابي لحساب حزب الاستقلال. وبهذه الطريقة، وجد حزب الشورى والاستقلال نفسه مستبعَدا، على الأقل في القمة، من الكنفدرالية العامة للشغل، وبالتالي من الثنائي حزب/ نقابة. وسيجد الحزب الديمقراطي صعوبة في اكتساب قاعدة؛ وسيبقى، بطريقة ما، حزباً طليعياً بمثقفيه الملتزمين بالحداثة، لكنه محروم من انغراس نقابي.

باختصار شديد، ماذا حدث بعد الاستقلال للعلاقة بين الأحزاب والنقابات؟ ثمة أمران مهمان في ظل النموذج الحزبي/ النقابي. كان حزب الاستقلال يقدم نفسه على أنه الحزب الوحيد المتطلع إلى قيادة المغرب السياسية. لكن إذا كان حزب الاستقلال قد ادعى عند الاستقلال أنه أقام حزبا وحيدا له شرعية قيادة البلد، فلن يستمر كحزب وحيد لأن الحزب الوحيد في المغرب هو القصر. ونحن نعلم أن ولي العهد، الحسن الثاني بعد الاستقلال بقليل، هو الذي عمل لقطع طريق حزب الاستقلال لبلوغ صفة الحزب الواحد على رأس نقابة واحدة، وذلك باستثارة على كيانات حزبية وإيجاد استجابة في الأوساط النقابية.

إنه في هذا السياق تم تأسيس الاتحاد المغربي للشغل بقيادة المحجوب بن الصديق.

وبطريقة ما، أصبح الاتحاد المغربي للشغل «جماعة العمل» الذي سيكون الزعيم النقابي لعقود قادمة، بطريركه المنفلت من أي رابط تبعية لحزب سياسي، وفي النهاية لم يكن له سوى الملك محاورا. في الواقع، حتى عندما كان في السجن، كان يسمى المعارض الحاظي بالأفضلية. كان ثمة زمن تعبئة نقابية، وتدريب النقابيين الشباب، وحتى إنشاء اتحاد نقابي نسائي. تعرضت ترسيمة حزب/ نقابة لتشويه شديد بفعل ملكي، بيد أن الأمر انتهى بامتلاك كل حزب تقريبًا لنقابة عمالية خاصة به.

والخلاصة، إذا التقطنا خيط الخط الديمقراطي، يمكن أن نجد له معنى ليومنا هذا. إن فكر محمد حسن الوزاني وإرادته السياسية من أجل الديمقراطية والتعددية، يسعى الى طريق انتقال ديمقراطي. وقد قمت باستعادة هذه الصيغة في العنوان الذي وضعته لمقدمة إعادة نشر نصوص بن بركة السياسية بعد وفاة الحسن الثاني: «انتقال ديمقراطي ولكن نحو ماذا؟». (Mehdi Ben Barka, Ecrits politiques 1957-1965. Syllepse, Paris, Tarik éditions, Casablanca, 1999).

لا يزال الانتقال الديمقراطي معلقا، مصطدما بمشكلتين. الأولى هي تناقض الحكم الملكي المطلق مع ديمقراطية تعددية حقيقية. والثانية، مشكلة واقعية، تتمثل في المأزق المتعلق بالحل الخاص بالصحراء، في ظل غياب مشروع فيدرالي مغاربي. وعلى مستوى أعمق، ألا ينبغي أن نعود إلى التحالف الذي أقيم في سنوات 1930 بين جزء كبير من البرجوازية الميراثية والعرش، والذي كان يجب تعزيزه؟ بل يمكن القول إنه مفعول الخوف من «سنة الريفي» عندما كان عبد الكريم على أبواب فاس سنة 1925-1926، الخوف من جمهورية الريف، هو الذي أنتج هذا الارتكاس المتمثل في اللجوء إلى الملك للحفاظ على نظام اجتماعي قائم على السيطرة البرجوازية.

إن الاستيلاء على الحركة الوطنية من قبل الوطنية الملكية قد ختم وأبّد هذا التحالف بين برجوازيات ميراثية، متنوعة طبعا، والعرش، التحالف الذي يجمع بأنماط متقبلة حسب الفترة ولكن متباه بها بنحو متزايد، إضفاء للشرعية إسلاميا كان قائما قبلا في النزعة العربية الإسلامية في مرحلة الانشقاق الأولى. أما الحداثة فقد أُحيلت إلى الهامش وإلى تعبير أقلوي؛ وتُرك المسار الديمقراطي معلقًا.

[*] رونيه غاليسو استاذ فخري، جامعة باريس 8

إحالة ببليوغرافية: من أجل معرفة الفاعلين والمصادر، يرجى الرجوع إلى

Dictionnaire biographique du mouvement ouvrier: Maghreb, sous la -dir-ection de René Gallissot, collection Maitron, éditions de l’Atelier, Paris, volume Maroc, avec la collaboration d’Albert Ayache et de Georges Oved (Eddif, Casablanca, 1998), en particulier pour les notices biographiques de Taleb BEN BOUAZZA et de Mahjoub BEN SEDDIK, de Driss BEN BENZAKOUR BEN M’FEDEL, Jean BERNARDINI, communiste secrétaire de la section SFIO de Fès, Ahmed BOUHELAL, Paul CHAIGNAUD (Gauche révolutionnaire), Mehdi EL MENIAÏ, Robert Jean LONGUET, Jean MAURIN (gauche SFIO), Allal EL FASSI, et bien sûr Mohamed Hassan OUAZZANI.



#رينيه_غاليسو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد حسن الوزاني والمسألة النقابية


المزيد.....




- الان.. موعد صرف رواتب الموظفين في العراق الشهر الجديد
- FISE 20th Congress
- المؤتمر الـ 20 لـ FISE
- بين الغلاء والبحث عن الرفاهية.. الذهب الصيني يغزو أسواق مصر ...
- المرصد العمّالي: النساء بالأردن بحاجة إلى بيئة تمكينية لتعزي ...
- المرصد العمّالي: النساء بالأردن بحاجة إلى بيئة تمكينية لتعزي ...
- 11 مطارا خارج الخدمة.. الإضرابات تشل حركة الطيران الألماني
- ارتفاع في نسب البطالة يخيم على شباب كردستان وتأخر الرواتب قد ...
- إغلاق المعابر يزيد معاناة سكان غزة.. والغلاء تجاوز الحدود
- وزير الدفاع الإسرائيلي يحدد العمال السوريين المسموح لهم بالع ...


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - رينيه غاليسو - محمد حسن الوزاني والمسألة النقابية