ابراهيم خليل العلاف
الحوار المتمدن-العدد: 8275 - 2025 / 3 / 8 - 01:04
المحور:
الصحافة والاعلام
تقديم :الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
سعادتي كانت كبيرة، والاخ والصديق والزميل العزيز الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي يرسل لي كتابا الفته الأخت الأستاذة الدكتورة فاطمة سلومي عنه بعنوان (كاظم المقدادي من الانشغالات الفكرية الى انتاج المعنى). وقد طلب مني ان اكتب تقديما للكتاب ، وقد فعلت وصدر الكتاب بتقديمي ومما قلته في التقديم : قد يسألني القارئ الكريم عن سبب سعادتي ، وفرحي بهذا التكليف ؛ فأقول انني اعرف الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي معرفة جيدة ومنذ سنوات بعيدة ، واعرف انه احتفل في السنة الفائتة 2023 بالذكرى الخمسون لعمله في باريس إعلاميا ومراسلا لصحف ومجلات ، واعرف انه حصل على الدكتوراه في الاعلام الدولي من جامعة السوربون ، واعرف ان له اكثر من كتاب الفه ، واعرف ان له حوارات مع كُتاّب ، ومفكريين فرنسيين ، وغربيين كثيرين واعرف ان يمتلك الثقافة الكافية للحوار .كما يمتلك اللغة ، والأسلوب فضلا عن انه يحظى بحب من يعرفه ، ويعمل معه ؛ فهو ذو شخصية كارزمية جذابة تأسر من يعرفه . فضلا عن تواضعه ، وطيبته ، وصدقه ،وصراحته ، وعفويته ، واريحيته .
الكتاب صدر عن دار ومنشورات كلكامش -ناشرون وموزعون -بغداد 2025 والف مبارك ومما كنت اقوله في تقديمي ايضا
قد لا يعرف هو انني كتبت عنه اكثر من مرة في صفحتي الفيسبوكية ، واشرت الى ان له حضور صحفي ، واذاعي ، وتلفزيوني واسع ، ومنذ سنوات طويلة، وما زال يقدم الكثير في مجال الاعلام . سيرته الذاتية والعلمية زاخرة بالمنجزات ومن كتبه المهمة كتابه عن (جدل الاتصال)، وصدر بأكثر من طبعة، وله (نظرية الملوية في الاعلام) ، وهي نظرية مهمة تقارن بنظرية الهرم الاعلامية وفي نظريته وقوف عند المقدمة والقاعدة والنص والخاتمة ولا اريد ان ادخل في تفاصيلها في هذا الحيز المحدود .
رسالته في جامعة السوربون بباريس المتريز -الماجستير عن (سايكلوجية الاعلان السياحي ) ، واطروحته للدكتوراه عن ( هجرة الصحفيين المصريين من مصر الى فرنسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) .
وقبل فترة قصيرة كتبت عن مشروع ابتدأه في 18-5-سنة2007 وهو اصداره لجريدته الساخرة (الكاروك) ، والكاروك يعني (المهد) ولاختياره العنوان هدف مهم وهو تأكيده على البراءة ، وحسن النية في النقد ، والسخرية من اجل البلاد . وكما تعرفون ، التاريخ الصحفي العراقي فيه الكثير من الصحف ، والمجلات الساخرة وابرزها ( جنه باز) الموصلية ولي كتابات عنها ، و(حبزبوز ) البغدادية فضلا عن (الكشكول) ، و(الوادي) ، و( قرندل) . وجريدة (الكاروك ) ، كانت تكلفه قرابة ربع مليون دينار من جيبه الخاص .. كان يحررها ويصدرها ، هو صاحب امتيازها ، ورئيس تحريرها ومعه عدد قليل من كتّاب الكاريكاتير قال انه يحرص على ان يكون لها هدف ، ومعنى ، وتأثير في المجتمع ، وهي تجربة مهمة قام بها كانت (لاذعة ) اكثر من كونها ( ساخرة ) ، واصدرها بعد ان شعر بخلو الساحة الصحفية العراقية من جريدة فكاهية ساخرة ، ولاذعة ، وهو كما اراه يميل في كتاباته الصحفية الى السخرية والفكاهة وصولا الى قلب القارئ
.لهذا كان الاستاذ الدكتور كاظم المقدادي ؛ يدرك، ويعي تماما ان مهمة (الكاروك) ستكون شبه مستحيلة لأنها ستتجرأ على اطراف ومواقف اصبح مجرد ذكرها يثير الرعب في النفوس " وهكذا كان الامر اذ توقفت ولم تستطع الاستمرار طويلا فتوقفت ، واحتجبت وظلت ورقا وتاريخا وذكرى في دار الوثائق الوطنية ببغداد .
وما يعجبني في الأستاذ الدكتور المقدادي ، انه في كل ما يقوله ، ويكتبه ليس ساردا للأحداث ، بل محللا ، ومفسرا يضع الاحداث ضمن زمانها ومكانها ، وهو يدرك حجم المهمة الملقاة على عاتقه حاملا لرسالة التنوير ، والنهوض .
قبل عقود كتب عن حرية التعبير ، وما يزال يصدح بالدعوة ذاتها ؛ حلم الانسان اليوم وهو يعيش ثورة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة واحس ان المقدادي لا يقف عند حدود المقعد الاكاديمي ، ويتصرف من خلاله وانما يجد دوما ان ما يجب على الأستاذ والاكاديمي ان يصطف مع شعبه ، ومع الشباب بالذات وهم يحاولون رفع سقف الحرية الى الأعلى ، وهكذا كان مع شباب تشرين قلبا وقالبا بالكلمة ، والفعل وهو ما لم يفعله كثيرون من أساتذة الجامعات .
ومؤلفات الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي ليست مادة اكاديمية جافة ، بل هو العلم الممزوج او الممتزج بالتجربة ، والتجربة الغنية العميقة ؛ فمع انه وطني وعروبي فهو انساني النزعة ، وانشغالاته الفكرية ليست محدودة ، ومحددة بل واسعة ومفتوحة على الجديد ، والمبتكر ، والاصيل .الانسان هو هدفه وغايته ؛ فكر الانسان ، ورفاهيته وهذا ما يجعلني أقول ان المقدادي ليس أستاذا للإعلام الدولي وحسب بل (مفكرا) له مشاريعه ونظرياته وفلسفته المتصلة ببيئته ، وبثقافته وبعمق ما يؤمن به من أفكار وموروث ثر يمكن ان يكون أساسا للنهوض وهو على معرفة تامة بما فعله التنويريون العرب والأجانب في سبيل تحقيق أهدافهم في التغيير والثورة .
من هنا كان المقدادي منهمكا في بحث وسائل الاتصال بين البشر ، ودراسة مدى فاعلية تلك الوسائل التقنية الحديثة ، وديناميكيتها في صنع المستقبل مستقبل الانسان الحقيقي ، والطبيعي الذي يتحمل عبء التغيير دوما نحو الأفضل .
والمقدادي يعرف من هم رموز الاتصال ، وما فعلوه ، وكيف صنعوا واقعا وما احرانا اليوم ان نقتدي بهم ، ونفعل ما فعلوه حين رفعوا شعار التغيير .
لاشك ان الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي في حياته الباريسية تعلم الكثير؛ فباريس مدينة النور ، والحب ، والحرية ، والثورة وهو لم ينكفئ بل انغمس في محيطها الجارف وايامها ولياليها الصاخبة ونكاد نقف عند هذا اذا قرأنا كتابه الرائع ( أوراق باريسية) ، وهو يعد من كتب الرحلات على اية حال نشره مركز العالم العربي في باريس ، وحسنا فعل ، ويقينا اننا عندما نقرأ هذا الكتاب نقف عند ما كان يشعر به المقدادي وهو في أحضان باريس . ومن المناسب القول انه وقف عند من رأى باريس من العرب ، وفي مقدمتهم رفاعة رافع الطهطاوي ، وجمال الدين الافغاني ، وتوفيق الحكيم ، وسهيل ادريس ، ويحيى حقي ، والطيب صالح هؤلاء الذين كتبوا عن علاقة الشرق والغرب ، وكيف التقيا في حين كان الشاعر البريطاني ( كبلينغ) لا يرى ان يلتقيا ، وهذا دليل على انه غار في محيط باريس ، وانغمس في كل تفاصيله بعد ان ذلل كل الصعاب ، ومنها صعوبة تعلم اللغة الفرنسية وإجادتها كأهلها .
من الجميل والمفيد القول ان المؤلفة الكريمة الأستاذة الدكتورة فاطمة سلومي ، ادركت كل هذا وهي تؤلف كتابها لهذا اكدت : "ان المقدادي لم يقف على باب العلم مترددا بالمطلق ، بل كان الاقدام والابداع هو الغالب عليه في الكتابة والتعبير وابداء الموقف والرؤى الحكيمة تجاه ما يريد تناوله ..." .
ومما وقفت عليه المؤلفة مؤلفة هذا الكتاب ان الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي وطني غيور ، وعراقي اصيل وكم طلب منه ان يهاجر ، ويترك بغداد ويعود الى باريس ويحصل على الجنسية الفرنسية الا ان "الحنين للوطن ، وعذوبة السير ليلا في شوارع بغداد " يساوي عنده الدنيا كلها ومع هذا فهو الطائر الحر يريد أن يبقى ذلك الطائر الذي يحلق في بلدان العالم ، ويطير متى شاء ، ويغادر متى يريد ..." . وتضيف "ان كل الذين سبقوه لا يعدون بالمسافات التي قطعوها بحثا عن الجديد والقديم من الرحلات الاستكشافية ، بدءا من ابن بطوطة ومساره في الرحلات حتى رفاعة الطهطاوي لنفاجأ في خضم هذه الرحلات إن يطلق لشعره العنان عاشقا ملهما بنثرية كتبها وهو يتأمل بحر مرمرة كطائر ينطق " أنا طائر مهاجر ، بلا عنوان ، البحر وطني ، والنوارس قبيلتي. في زمن تخلت عني العشيرة والفرسان ..." .
في الكتاب الذي بين أيدينا تفاصيل عن موقفه من المرأة ، وموقفه من تظاهرات 2019 وما قبلها وقفة عند مؤلفاته وخاصة عند كتابه (جدل الاتصال) ونظريته في هذا الشأن ومن خلال دراسته لمفهوم الاتصال وانواعه ووظائفه وابتكاره لنظريته .كما ان المؤلفة قدمت تفاصيل عن رحلته لإسطنبول ، وعن حرية التعبير ، وهجرة الصحف العربية الى باريس واخلت مساحة جيدة للحديث عن كتابه (الكتابة على جذع النخلة ) ، ولم تنس العودة الى جذوره ، واسمه ، ولقبه ، ودراسته ، وهواياته ، وبواكير عمله في الصحافة ، ورحلته الى باريس، وعودته الى العراق 1989 ، والاستمرار في العمل الصحفي ، وأهم كتاباته الصحفية وموقفه من احتلال العراق للكويت 1990 ، وتدريسه في جامعة البتراء بالأردن ، وموقفه من مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003 ، ومضامين مقالاته ما قبل وما بعد 2003 وعمله في الإذاعة والتلفزيون .
وقد استطاعت المؤلفة ان تجعلنا نقف وقفة واضحة ، وصادقة امام هذا الرمز الإعلامي والاكاديمي العراقي ، ودوره في صنع الرأي العام ، ونجحت كثيرا أتمنى لها النجاح الدائم ولأخي وصديقي وزميلي الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي العمر المديد والعافية والبركة والعز .
#ابراهيم_خليل_العلاف (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟