|
مذكرات حمدي مطر؛ حمدي مطر
مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 8274 - 2025 / 3 / 7 - 22:13
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
مذكرات حمدي مطر [قائد ومؤسس في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين] كتاب يقع على متن 236 صفحة من القطع الكبير، وصدر سنة 2015 والكتاب بدون دار نشر وصدر في الاردن عن ورثة المناضل المرحوم حمدي مطر.
هذاالكتاب سيرة ذاتية ونضالية للمرحوم المناضل والقائد المؤسس في حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية حمدي مطر، وهذا الكتاب ليس سيرة شخصية محضة، وليست سيرة ذاتية وشخصية بالمعنى الضيق ؛ بل هي عرض لتاريخ حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والتي وهب صاحبنا لهما كل حياته، ومنها ومن خضم هذه التجارب جائت صفحات الكتاب لتثري معرفتنا وشغفنا بسيرة الرواد الاوائل في الثورة الفلسطينية.
حمدي مطر اسم نضالي بارز في تاريخ حركة القوميين منذ عقد الخمسينات، واسم قيادي كبير في تاريخ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي شارك في تأسيسها اواخر عقد الستينات.
ارتبط "ابو سمير" بصداقة من نوع خاص مع الدكتور وديع حداد احد ابرز مؤسسي الجبهة الشعبية وصاحب الصدى الصاخب ومسؤول العمليات الخارجية في الجبهة، حيث خاض معه تجارب ومحطات كثيرة اهمها تجربة خطف الطائرات التي احدثت دوياً هائلاً اوائل عقد السبعينات، وقد اورد ابو سمير في الكتاب فصلا خاصة عن تجربة مطار الثورة في الاردن مستعرضا احداث تلك التجربة وصداها وانعكاساتها وارتداتها على الثورة الفلسطينية عموما والجبهة خصوصا.
وقصة مطار الثورة وردت في الكتاب على ظهر الصفحات من ١٢٦ وحتى ١٣٥ وتاليا نورد القصة الكاملة لمطار الثورة حسب ماوردت في الكتاب لاهميتها ولكونها شهادة تاريخية وردت وكتبت من شاهد وصانع للحدث.
"على اثر قبول الجمهورية العربية المتحدة مصر لمبادرة روجرز في يوم 22/7/1970 سارع الملك حسين في يوم 27/تموز 1970 باعلان تعهده بوقف اطلاق النار، وأعلن رئيس الوزراء عبد المنعم الرفاعي عن موافقة الحكومة على المبادرة، مبرراً ذلك بأن لا جديد في مبادرة روجرز فهي تتضمن ما ورد في القرار 242 الذي سبق أن قبله الأردن، وهنا لا بد من الإشارة الى أن قيادة المقاومة لم تكن على اطلاع على المفاوضات السرية التي كانت جارية مع مصر حول (مشروع روجرز ) الذي طرح فيما بعد باسم (مبادرة روجرز) .
لذا فقد رأت قيادة المقاومة بأن قبول مصر بالمبادرة سيؤدي بكل تأكيد الى قبول السلطات الاردنية بها وبالتالي القبول بوقف إطلاق النار الذي لا يمكن أن تقبل به حركة المقاومة، وأن السلطات الأردنية مستندة الى موقف مصر ستعمل على ضرب قوات العمل الفدائي وتصفيتها بحجة عدم التزامها بوقف اطلاق النار، وهذا ما حصل فعلا .
لذلك بادرت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية ولجنة المتابعة للمؤتمر الوطني في الأردن في يوم 28تموز 1970 الى إصدار بيان مشترك ترفضان فيه مبادرة روجرز وتبينان أسباب الرفض ؟ كما دعا البيان الى اضراب عام تعبيراً عن ذلك، واصدرت جميع المنظمات الفدائية والعديد من الهيئات الشعبية بيانات ترفض تلك المبادرة، باستثناء منظمة فلسطين العربية بقيادة احمد زعرور ومنظمة الهيئة العاملة بقيادة د عصام السرطاوي .
وفي ظل هذه الاجواء اتخذت قيادة الجبهة الشعبية قراراً بالقيام بعمليات تؤدي الى افشال مبادرة روجرز وتوجيه ضربة الى عملية السلام / الصلح مع إسرائيل، واحتجاجاً على وقف اطلاق النار ضد العدو الصهيوني واختراقاً للتآمر السياسي والاعلامي الدولي والعربي، ونشر الأجواء الثورية الشعبية، والافراج عن معتقلي الجبهة الشعبية في كل من إسرائيل وسويسرا وبريطانيا والمانيا، وشرح معاناة الشعب الفلسطيني ومأساته .
وفي ظل غياب الدكتور جورج حبش على رأس وفد لزيارة الصين وكوريا اتخذت الجبهة قراراً بتكليف الدكتور وديع حداد بالتخطيط لعدد من العمليات النوعية التي كان من اهمها عملية مطار الثورة، ففي يوم الخامس من أيلول 1970 كلفني الدكتور وديع حداد بشراء مئة تنكة فارغة شريطة أن تكون مفتوحة وبدون غطاء وخمسة غالونات ديزل وكاز وسلّم خشبي طوله متران وبضعة فؤوس ومجارف ومكبر صوت وثلاثة صناديق متفجرات وإعداد ثلاثين مقاتلا مزودين باسلحة كلاشنكوف .
وبعد أن اعددت كل شيء وابلغت الدكتور وديع بذلك اصطحبني بالسيارة الى مكان في الصحراء يقع ما بين الزرقاء والمفرق ويبعد عن الشارع الرئيسي عدة كيلومترات وهناك اخبرني ماذا سأفعل في التنك والديزل والكاز واكد علي بضرورة نقل كل هذه الاغراض والمقاتلين بعد ظهر يوم 6 أيلول 1970 وعندما سألني من اين ستحضر المقاتلين اجبته بأنه يوجد حوالي اربعين مقاتلاً يتدربون في احد معسكرات تدريب الجبهة في منطقة جلعد وكان من ضمنهم مقاتل اسمه سالم ( كارلوس) .
وفي يوم 6 ايلول1970 جهزت كل ما طلب مني فوضعت المواد في سيارة بكب اب والمقاتلين في عدد من سيارات اللاندروفر وتوجهت الى المنطقة ( المطار) عرفت فيما بعد ان اسمها "قيعان خنا" وبعد وصولنا قام الرفاق بملء علب التنك الفارغه بالتراب من منطقة قريبة من المكان وتم خلط التراب بالديزل والكاز وتوزيع التنك بشكل منتظم حوالي المنطقة ( المطار )، وبعد الظهر حضر الى المكان الدكتور وديع ومعه عدد من الرفاق اذكر منهم الحاج فايز جابر وابو علي مصطفى وعلي طه وبعد تفقده كل شيء جلست بجانبه وكان معه جهاز راديو كبير تم فتحه على نشرات الاخبار، وحوالي الساعة الخامسة بعد العصر فوجئنا بخبر سيء جداً، حيث أُعلن عن فشل اختطاف طائرة العال الاسرائيلية واستشهاد احد المنفذين هو الرفيق اورغولورا، وأسر الرفيقة ليلى خالد، لقد تأثرنا لهذا الخبر، ولكن الدكتور وديع قال "طيب بنشوف شو بصير"، فيما لم يكن قد اطّلع اي منا على المخطط الذي وضعه، لكنه أمضى اكثر من ساعتين بعد سماعنا للخبر المشؤوم وهو يستمع الى الراديو، وعيناه تنظران الى السماء، وبعد غياب الشمس طلب من الرفاق اشعال النار في جميع عبوات التنك المحيطة في المكان ولم يمض وقت كثير، واذا به يقول بفرح وهو يشير الى طائرة تحلق بالجو، هذه الطائرة لنا، ولقد شاهدنا طائرة تمر من فوقنا وتعود اكثر من مرتين وفي المرة الثالثة هبطت الطائرة السويسرية على أرض مطار الثورة ولدى هبوطها احدثت صوتاً كبيراً جداً وما كان من الطيار إلا أن فتح ابواب النجاة الاربعة وما هي إلا لحظات حتى اصبح الركاب على الأرض وبعد أن انقشع الغبار الذي اثاره هبوط الطائرة توجهنا الى الركاب عبر مكبر الصوت بالطلب اليهم بعدم التحرك والوقوف في أماكنهم لنتمكن من اعادتهم الى الطائرة وتم لنا ذلك وكانت اول مفاجأة أن السلم الذي احضرناه كان قصيراٌّ ولا يصل الى باب الطائرة، مما دفعنا الى احضار سيارة لاندروفر وتوقيفها بالقرب من باب الطائرة ووضع السلم عليها لتمكين الركاب من العودة الى الطائرة وكان عدد ركاب الطائرة مع الطاقم 155 راكباً، وبعد اقل من ساعة وإذا بطائرة أخرى تحلق فوق المطار، وقد قام الدكتور وديع حداد بالتحدث الى قائد الطائرة السويسرية وطلب منه الاتصال بقائد طائرة TWA وارشاده وتسهيل مهمة الهبوط وفعلا تم ذلك وهبطت طائرة TWA بهدوء على أرض المطار وبقي جميع ركابها بداخلها وكان على متنها 150 راكباً وبعد أن استقرت الطائرتان قام خبير المتفجرات بوضع كمية من المتفجرات خلف غرفة القيادة في كل من الطائرتين .
وبعد ذلك قام عدد من الرفاق بجمع جوازات سفر الرجال فقط من بين ركاب الطائرتين وقد تبين بأن عدداً منهم يحملون جنسية مزدوجة امريكية واسرائيلية تم نقلهم في اليوم الثاني الى احدى قواعد الجبهة في اربد، وبعد ساعتين تقريباً واذا بصوت هدير الدبابات يعلو أثناء تقدمها نحو الطائرات واصبحت على بعد عشرين متراً من الطائرات، وهنا صعد جميع الفدائيين الى الطائرتين .
وتم تكليفي بمقابلة قائد القوة الأردنية التي طوقت المكان، فقابلت ضابطاً برتبة عقيد اسمه عيسى وهو كما علمت لاحقاً قائد اللواء ستين، ويرافقه ضابط برتبة رائد هو قائد سرية الدبابات.
تحدثت الى العقيد عيسى قائلاً اننا لا نريد الاساءة الى احد ولكننا قمنا بهذا العمل من اجل تحرير أسرى لنا في كل من سجون إسرائيل وسويسرا والمانيا وبريطانيا وطمأنته على صحة الركاب وقلت له بأن الطائرتين أصبحتا ملغمتين بالمتفجرات وطلبت منه التفضل بالصعود الى الطائرة السويسرية، وتم ذلك وشاهد بعينه كمية المتفجرات الجاهزة للتفجير وتحدث مع بعض الركاب وبعدها عاد واتصل باللواء مشهور حديثه رئيس اركان الجيش الاردني وابلغه بأن الفدائيين سيقومون بنسف الطائرتين بركابهما في حالة تعرضهم للهجوم من أية جهة كانت.
وفي صباح اليوم الثاني حضر اللواء مشهور حديثه وقابلناه وطلب من الدكتور وديع حداد الافراج عن النساء والاطفال والشيوخ فوافق الدكتور مشترطاً ان تبتعد الدبابات عن الطائرتين مسافة ثلاثة كيلو مترات، وبعدها يتم الافراج فوافق اللواء مشهور حديثه على ذلك، وتراجعت الدبابات الى المسافة المطلوبة، وفي نفس اليوم وصل الى مطار الثورة عدد من باصات الجيش الأردني لنقل النساء والشيوخ والاطفال من هذا المطار الى فندق الأردن بجبل عمان .
وفي يوم 7 أيلول انذر الرفيق احمد اليماني بريطانيا بتحمل مسؤوليتها عن حياة الرفيقة ليلى خالد وعدم تسليمها للسلطات الإسرائيلية .
وفي صباح 8 أيلول 1970 شاهدنا طائرة تحلق في سماء المطار فطلب الدكتور وديع من قائد الطائرة السويسرية إجراء اتصال مع الطائرة للتعرف على هوية الخاطفين وبعد التأكد منهم ، هبطت الى أرض مطار الثورة طائرة POAC البريطانية القادمة من الامارات وكان احد رفاقنا وهو المهندس سمير حداد ابن شقيقة الدكتور وديع حداد قام بعد سماعه بتهديد الجبهة لبريطانيا ومعه رفيق آخر بالسيطرة على الطائرة واجبارها على الهبوط في مطار الثورة، وبعد هبوطها صعدنا اليها فوجدنا ان جميع ركابها عرب باستثناء الطيارين فقمنا فوراً بالافراج عنهم بعد ختم جوازاتهم بختم مطار الثورة.
لا شك أن اختطاف الطائرات أربك جميع الأطراف وفي مقدمتها قيادة المقاومة، أما ردود الفعل على اختطاف الطائرات كانت كما يلي : على الصعيد الفلسطيني : اجتمعت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية في عمان برئاسة ياسر عرفات وقررت ما يلي: 1- الافراج عن جميع الركاب باستثناء الاسرائيليين وبعض الامريكيين والسويسريين والالمان . 2-الافراج عن الطائرات وملاحيها . 3- نقل جميع الركاب الى عمان . 4- عقد اتفاقية مع الصليب الاحمر الدولي لمبادلة الاسرى مع الفدائيين والفدائيات المحتجزين في سجون دولة العدو وسويسرا والمانيا وبريطانيا وابلغت اللجنة المركزية الحكومة الأردنية بهذا القرار .
وتم تكليف المناضل بهجت ابو غربية برئاسة وفد للذهاب الى مطار الثورة، وعن ذلك يقول في مذكراته لدى وصولنا الى المطار اوقف حرس المطار من فدائيي الجبهة الشعبية الحافلات والحرس الحكومي المرافق لها بعيداً عن المطار ووصلت مع الوفد الى خيمة قيادة المطار والطائرات الثلاث الرابضة بالقرب منا، استقبلنا الدكتور وديع حداد بكل بشاشة ووداعة واستمع الينا دون أن يبدي رأيا، أما ابو علي مصطفى فقد رفض تنفيذ القرار بشدة، وعبثاً حاولنا اقناعهما، والظاهر أنه كان لديهم قرار آخر ووصل الأمر بنا وبهم إلى أن هدد ابو علي مصطفى بنسف الطائرات وركابها وغادرنا المطار فاشلين .
لقد أحدث اختطاف الطائرات ارتباكا في موقف العراق ووصل الى مدينة المفرق نائب رئيس الجمهورية حردان التكريتي وصالح مهدي عماش وشاهر اليوسف ابو جبار، وقد كلفت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية المناضل بهجت ابو غربية بترؤس وفد للسفر الى مدينة المفرق لمقابلة الوفد العراقي، وفي الجلسة قال الفريق اول حردان التكريتي إن الولايات المتحدة الامريكية هددت العراق بسبب اختطاف الجبهة الشعبية للطائرات، على اعتبار أن العراق داعمة للجبهة الشعبية ومسؤولة عن عملياتها، وطالب بسرعة الافراج عن الركاب والطائرات ؟ فاكد له الوفد بأن قيادة المقاومة مع الافراج عن الطائرات والرهائن .
وعلى الصعيد الاسرائيلي : عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعاً طارئاً لها برئاسة جولدا ماير واتخذت قراراً باعتقال المئات من أعضاء حركة القوميين العرب وأهاليهم كرهائن لدى إسرائيل، وارسال وفد منهم لاقناع الجبهة بالافراج عن الطائرات والركاب وقالت في الاجتماع المذكور "إذا خُطفت أنا ارفضوا أي عرض للمبادلة بي".
أما في الولايات المتحدة الامريكية : فقد قطع الرئيس نيكسون زيارته الى كاليفورنيا وعاد الى واشنطن واجتمع مع كيسنجر والقت أمريكا بكل ثقلها ضد الفدائيين ودفعت للسلطات الاردنية ملايين الدولارات وخططت معها ومع دولة العدو الصهيوني لضرب الفدائيين وشل حركة سوريا والعراق إذا حاولت أي منهما التدخل الى جانب الفدائيين .
وفي هذه الاثناء كنا قد اخذنا عدداً من الركاب كرهائن وقمنا بنقل ثمانية منهم الى اربد، واربع عشرة رهينة إلى احد مقرات الجبهة في الوحدات، واثنتين وثلاثين رهينة الى مقر الجبهة في شارع بارطو في الاشرفية، وكان من بين الرهائن حاخام الجيش الاسرائيلي "ابريمادير شلونا" وبعد ذلك استمررنا بالافراج التدريجي عن الركاب من مطار الثورة وأبقينا حوالي خمسين راكباً.
وفي هـذا اليوم وجه الناطق الرسمي باسم الجبهة انذاراً الى كل من إسرائيل وسويسرا وبريطانيا وامريكا لاتمام صفقة التبادل مع سجناء الجبهة الشعبية حتى موعد أقصاه مساء يوم 11أيلول 1970، وبعد انقضاء المدة عقدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مؤتمراً صحفياً حضره مراسلو الصحف المحلية ووكالات الأنباء العالمية واعلنت الجبهة في هذا المؤتمر أنها اطلقت سراح جميع ركاب الطائرات الثلاث التي كانت تحتجزها في مطار الثورة سالمين ولم يصب أحدٌ منهم بأي أذى باستثناء اربعة وخمسين راكباً ستواصل الاحتفاظ بهم كرهائن لحين اطلاق سراح الفدائيين المحتجزين في بريطانيا والمانيا الغربية وسويسرا وعدد من المحتجزين في اسرائيل واعلن الناطق ان الجبهة على استعداد للمبادلة بهؤلاء الرهائن كمجموعة او كل جنسية على حدة مقابل الافراج عن الرفاق المحتجزين .
وفي صباح يوم 12 ايلول قررت الجبهة نسف الطائرات الثلاث، وكنا قد طلبنا من الجيش الاردني إحضار ثلاثة باصات للإفراج عن باقي الرهائن وبعد حضور الباصات صعد اليها ما تبقى من الركاب والفدائيين، وبعد ركوب الجميع في الباصات قام خبير المتفجرات بتفجير الطائرات الثلاث وهنا تقدمت دبابات الجيش الأردني وطوقت الباصات وعندها ابلغناهم بأنه يوجد في الباصات خمسون رهينة وفي حالة تعرضنا الى أي اعتداء سنفجر الباصات بمن فيها .
وهنا لابد من الإشارة الى حكمة قائد اللواء العقيد عيسى والذي أمر بتوقف الدبابات والسماح لنا بالمرور وعندما وصلنا الى عمان وضعنا الرهائن في باصين وارسلناهم الى فندق الأردن بينما توجهنا نحن الى مخيم الوحدات، وقد ترتب على هذه الاحداث إصدار بيان من اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتجميد عضوية الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اللجنة المركزية .
ومساء اليوم الخامس عشر من ايلول طلب مني الدكتور وديع حداد ان انقله وعدداً من الرفاق من عمان الى مكتبنا في المفرق ليتم سفرهم تهريباً الى سوريا ومنها الى لبنان، وصلنا المفرق حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وغادرت المفرق عائداً الى عمان بعد أن تحركت السيارة التي نقلت الدكتور وديع ورفاقه، واثناء عودتي الى عمان كان الجو متوتراً جداً في الزرقاء، اضطررت للتوقف عدة مرات بسبب كثرة حواجز الفدائيين.
عدت الى عمان ولكن قبل وصولي الى بيتي في الحي الشعبي في جبل عمان بدقائق حيث كانت الساعة تشـير الى الثالثة صباحاً بـدأ القصف المدفعي على جبل عمان وتحديداً على عمارة كانت مستأجرة سابقا مـن قبل السـفارة الفرنسية - تقع مقابل السفارة العراقية الآن .
وفي صباح يوم 16 ايلول 1970 فرض منع التجول وأنا ما زلت في بيتي لا ادري ماذا يجري في عمان، وبعد الساعة الثامنة مساءً تحركت من منزلي باتجاه الاشرفية عن طريق درج يربط جبل عمان بالمهاجرين، ووصلت الى مقر الجبهة حيث الرهائن موجودون في الطابق الذي على مستوى الشارع، وعدد من قيادة الجبهة والمقاتلين موجودون في تسوية البناية .
في صباح اليوم التالي فوجئنا بتقدم دبابات للجيش الأردني قادمة عن طريق جبل النظيف اتجاه شارع بارطو حيث يوجد مقرنا، ولم تستطع الوصول بسبب وجود سيارات واقفة بعرض الشارع مغلقة الطريق، لم يحدث أي اشتباك بسبب توقف الهجوم حيث تم احراق السيارات الموجودة في الشارع، وازداد ضغط الجيش الأردني على منطقة الوحدات مما تسبب بسيطرة الجيش الاردني على موقع الرهائن، وبعد ذلك تم تكثيف القصف على مقر الجبهة في شارع بارطو، وقد سقطت احدى قذائف الهاون على عامود الكهرباء الواقع بالقرب من باب مقر الجبهة مما ادى الى استشهاد الرفيق سمير البيطار وجرح عدد من الرفاق اذكر منهم ابو الفدى وابو الدمر وغيرهم، في ظل هذه الاجواء اقترحت على الرفاق المتواجدين وهم ابو عيسى وابو علي مصطفى والحاج فايز جابر بضرورة التفكير بموضوع الرهائن، واقترحت عليهم أن اذهب الى السفارة المصرية في جبل عمان واطرح عليهم الموضوع فوافق الرفاق جميعاً على هذا الاقتراح وتحركت من مقر قوات صلاح الدين في شارع بارطو بالاشرفية الى بيتي في جبل عمان وبعد الاطمئنان على زوجتي واولادي ووالدي ووالدتي واخواني اصطحبت معي ابنتيّ اسمى وانتصار للتغطية واتجهت نحو السفارة المصرية القريبة من فندق الأردن حيث توجد قيادة للجيش الأردني وعند وصولي الى باب السفارة عادت ابنتاي الى البيت، ووجدتُ احد رفاقنا يقوم بدور الحارس في حديقة السفارة وكان ضابطاً برتبة ملازم في جيش التحرير الفلسطيني قبل الالتحاق في صفوف الجبهة واسمه يوسف الرضيعى قرعت جرس السفارة ففتح الباب واذا بالملحق العسكري ابراهيم الدخاخنة والذي كنت اعرفه من قبل يقابلني بشيء من الجفاء ومسكني من ذراعي وهو يقول "يالله نتمشى خارج مبنى السفارة" لم انتظر طويلا فقلت له يا أخ ابراهيم إن الرفاق في الجبهة ينوون اعدام الرهائن الموجودين عندنا فرد علي بالقول يامجنون واصطحبني الى بناية السفارة بعد صعودنا الدرج وجدت الأخ كمال عدوان موجوداً هناك، وأبلغه الملحق العسكري بأن "ابو سمير" قادم من أجل حل مشكلة الرهائن، وانني احمل قائمة باسماء الرفاق الذين تطلب الجبهة الافراج عنهم وهنا علق الأخ كمال عدوان "بدكوش تردوا علينا هيك احسن"، قلت له الوقت مش وقت شماته المهم التصرف بحكمة، تركني الملحق العسكري والأخ كمال عدوان في مكتبه، وذهب الى مكتب آخر داخل السفارة بـعد وقت ليس بالقليل اخبرني بانه قـد اتصل باللواء محمد صادق مدير الاستخبارات العسكرية المصرية، وان اللواء محمد صادق تحدث الى الرئيس عبد الناصر وابلغني بأن الرئيس عبد الناصر وعد بتبني موضوع الافراج عن رفاقنا المعتقلين في كل من سويسرا والمانيا وبريطانيا واسرائيل .
بعد الوعد الذي قطعه الرئيس عبد الناصر بالافراج عن قائمة معتقلي الجبهة قامت السفارة بالاتصال بالصليب الاحمر والطلب منهم باحضار اربعة سيارات لنتمكن من نقل الرهائن بواسطتها وبعد وصول السيارات ركبت والملحق العسكري المصري وتوجهنا الى الأشرفية، وكانت قوات الجيش الأردني موجودة في كل مكان بالقرب من الدوار الثالث، اتجهنا نحو رأس العين ومنها الى الاشرفية ووضعت السيارات بمكان قريب من المقر وتوجهت والملحق العسكري الى حيث يوجد الرهائن وابلغناهم خبر الافراج عنهم كانت لحظات صعبة جداً اختلط فيها الإنساني مع الحقد مع الربح والخسارة مع كل شيء، وصلنا الى حيث تركنا السيارات فلم نجدها فعلمنا من الجيران ان قوات الجيش الأردني قامت بقصف المكان الذي كانت تقف فيه السيارات مما دفع سائقيها الى العودة الى مقرهم في جبل عمان وهنا أذكر انه كان من بين الرهائن رجل دين بلحية طويلة (حاخام) وخمسة فتيات يحملن الجنسية الاميركية، ولدى سؤالهن عن سبب زيارتهن لاسرائيل اجبن بانهن سافرن الى اسرائيل وقمن بخدمة العلم الاسرائيلي لمدة سنة.
وعندما لم نجد السيارات ناقشت الموضوع مع الملحق العسكري المصري واتفقنا على ان نصطحب الرهائن وان نتجه سيرا على الاقدام، وفي هذه الاثناء أحضرنا حطة بيضاء اللون ووضعناها على عصا طويلة وحملها احد الحاخامات، واستمر سيرنا الى ان وصلنا الى بناية شركة الدخان بالقرب من جسر المهاجرين وهناك التقيت بأحد رفاقنا وكان مسؤولا عن مجموعة موجودة في بناية شركة الدخان وآنذاك استمعنا الى اطلاق نار شديد بين جبل النظيف وجبل عمان مما اجبرنا على عدم المغامرة بارواح الرهائن وابقائهم في بناية شركة الدخان، وذهبت والملحق العسكري باتجاه جبل عمان ثانية الى مقر السفارة المصرية، ولقد كانت لحظات صعبة جدا وخاصة ونحن نسير بشارع رأس العين والاشتباك باطلاق الرصاص مستمر بكثافة وبعد وصولنا جسر رأس العين صعدنا على الدرج ووصلنا الى جبل عمان الى مقر السفارة المصرية ثانية، وتم الاتصال بالصليب الاحمر وطلبت السفارة عودة السيارات ثانية واخبرتهم بأن المكان الذي يوجد فيه الرهائن آمن وحضرت السيارات وتم نقل الرهائن الى مستشفى المعشر، وبعد ذلك الى فندق الاردن.
في صباح يوم 27/ايلول /1970 تم الافراج عن رفاقنا في سويسرا وهم الرفيق محمد ابو الهيجا، وامينة دحبور، وإبراهيم توفيق، وعن الرفاق المسجونين في المانيا وهم محمد الحنفي، ومحمد الحديدي، وعن الرفيقة ليلى خالد وتم وصولهم الى القاهرة، كما تم الافراج عن رفيقين كانا محجوزين في مصر اثر اختطافهم لطائرة بان امريكان وانزالها في مطار القاهرة ونسفها .
وفي اليوم التالي للافراج عن رفاقنا توفي الرئيس جمال عبد الناصر يوم 28/ايلول/ 1970 بعد ان نجح في وقف الاقتتال بين الفدائيين والجيش الاردني اثر انعقاد مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة وتشكيل لجنة عربية برئاسة الباغي الادهم.
وبعد اسبوع من وفاة الرئيس جمال عبد الناصر حضر الى بيتي الملحق العسكري ابراهيم الدخاخنة وقال لقد وعدنا الرئيس جمال عبد الناصر بالافراج عن جميع الرهائن وانه قد بقي عندكم ثمانية قلت له انهم موجودون في اربد ولا يمكننا الذهاب في هذه الظروف الى هناك ثم ذهبت معه الى السفارة المصرية، ومن هناك اتفقنا على احضار سيارة تكسي مدنية وسيارة امبلانس من الصليب الاحمر ووضعنا على الاولى العلم الأخضر علم اللجنة العربية، وقام هو بقيادة السيارة وتوجهنا من باب السفارة باتجاه اربد، لقد كان الجيش الاردني يسيطر على الشارع من الدوار الثالث وحتى صويلح حيث شاهدنا عدداً من الدبابات الاردنية تصوب مدافعها نحو طريق جرش، ولكننا بعد نزول صويلح وحتى جرش لم نشاهد اي آلية عسكرية اردنية.
في جرش التقينا مع المرحوم ابو صبري احد قادة فتح، وابلغناه بأننا ننوي السفر الى اربد فأجابنا انه من الصعب عليكم تحقيق ذلك، لأن منطقة ثغرة عصفور كلها ملغمة وشرح له الملحق العسكري أسباب السفر والمهمة التي سنقوم بها، وعندئذ ارسل المرحوم ابو صبري سيارة سبقتنا الى الثغرة وفيها عدد من الفدائيين قاموا بنزع الالغام، وتم وصولنا الى اربد حيث كانت الطريق بعد ثغرة عصفور وحتى اول مدينة اربد تحت سيطرة الجيش الاردني، وأما مدينة اربد فكانت تحت سيطرة الفدائيين.
لدى وصولنا اربد التقينا مجموعة من الفدائيين فاخبرونا بوجود الغام عند مدخل اربد طلبنا منهم ازالتها وفعلا تم لنا ذلك، وتوجهت مع الملحق العسكري الى قاعدة الجبهة الشعبية في اربد والتقيت بالرفيق ثائر ابو احمد قائد المجموعة واخبرته بقرار الجبهة بالافراج عن الرهائن الثمانية والاخرين مقابل الافراج عن رفاقنا الواردة اسماؤهم في قائمة الجبهة، عندئذٍ قام الرفيق ثائر ابو احمد ورفاقه بتوديع الرهائن واخذ صور لهم، وعدنا بهم بعد ان وضعناهم في سيارة الصليب الاحمر الى عمان وتم انزالهم في مستشفى المعشر، واما فيما يتعلق بالمطلوب الافراج عنهم في سجون الاحتلال الاسرائيلي فقد رفضت اسرائيل في البداية الافراج عنهم إلا أنها أفرجت عن عدد منعهم بعد فترة".
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أسد يهودا : صراع داخل الموساد، فكتور أوستروفسكي
-
نُص أشكنازي ؛ عارف الحسيني
-
سماء القدس السابعة؛ اسامة العيسة
-
هنا الوردة ؛ امجد ناصر
-
سياج الغزالة ؛ ناصر رباح
-
سافوي 28
-
سافوي 27
-
سلسلة اليوميات الفلسطينية
-
الى فتح في عيد ميلادها 60
-
الاعمال المقدسية الكاملة؛ عارف العارف
-
في شباك العصافير؛ وليد الهودلي ]2[
-
الفلسطينيون من حرب إلى حرب ؛ ايريك رولو
-
امرأة الموساد، قصة موردخاي فعنونو ، بيتر هونام
-
سافوي 26
-
رشاد ابو شاور؛ سيرة من الزمن الفدائي الجميل
-
تحت ظل الخيمة
-
سافوي 25
-
سافوي 24
-
#دروس_وتجارب؛ فتح وجدت لتبقى ولتنتصر..
-
دروس وتجارب ثورية؛ -فتح مرت من هنا-
المزيد.....
-
ماكرون يعلن توقيع -العديد من الاتفاقات المهمة- مع مدغشقر
-
زلزال النيبال: ذكرى المأساة مازالت تثقل كاهل السكان
-
الجزائر: ما هي الدوافع وراء مشروع قانون التعبئة العامة؟
-
إسبانيا تفسخ صفقة شراء ذخيرة مع شركة إسرائيلية
-
فريق تطوعي يعيد الحيوية لساحل منطقة بيئية مهمة بالكويت
-
أمنستي تناشد واشنطن وقف -الإلغاء الانتقامي- لإقامات الطلاب
-
ماذا لو لم يكن هناك -أسرى- في حوزة حماس؟
-
واشنطن وطهران.. مقارنة بين اتفاق 2015 ومطالب 2025 وموقف إسرا
...
-
عائلة لاجئة فرت من الحرب السورية تستذكر كيف ساعدها البابا فر
...
-
الحرائق في جبال القدس: النيران التهمت 10 آلاف دونم من الأراض
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|