ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 18:50
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
حقوق الدفاع هي الحقوق المعترف بها للفرد الذي عليه ان يدافع عن نفسه,اي مقاومة العدوان . لكن في إطار القضية الجنائية ,فإن العدوان عملية شرعية وعادلة .والرد على العدوان ,أو على العمل القانوني ,سيكون نوعاً من الدفاع ليس أقل شرعية, ذلك ان القانون يُحدد بكل دقة القواعد التي تحكم وتُحرك المجتمع إثر وقوع مخالفة ورد فعل الشخص المتهم بسبب تلك المخالفة .فالحقوق ألإجرائية لهذا الشخص هي إذن حقوق الدفاع والتي لايمكن تجاهلها لعدم وجود تعريف أكيد لها نظراً للإختلاف في تعريفها.
الحماية الجنائية هي نوع من الحماية القانونية، بل وأهمها قاطبةً وأخطرها اثراً على كيان الإنسان وحرياته ووسيلتها القانون الجنائي الذي تنفرد قواعده ونصوصه تارةً بتحقيق هذه الحماية وقد يشترك معها في ذلك فرع آخر من فروع القانون تارة اخرى، فقانون العقوبات هو بمثابة رجل الشرطة بالنسبة لفروع القانون الاخرى، فالقانون الجنائي لا ينشغل إلاّ بالقيم الجوهرية للجماعة والمصالح الاساسية للفرد فيحميها من كل عدوان يضر بها أو يُهدِّدها بخطر الإضرار، ويوازن القانون الجنائي بين المصلحة الخاصة للفرد والمصلحة العامة مصلحة المجتمع فيأخُذ من المصلحتين ما يهم المجتمع ويضمن سَيرِه وفاعليته ويتوقف تقدير ذلك على النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة.
والمحاكمة التي لاتعترف بحقوق الدفاع هي محاكمة غير عادلة تمس هيبة العدالة. فإخلاقيات الإجراءات الجنائية تنبع من حقوق الدفاع ويكفي للإقتناع بذلك ان ننظر في تواريخ الاعلانات المهمة لحقوق الانسان فبدايةً في سنة 1789 مع إعلان حقوق ألإنسان والمواطن الفرنسي ,حيث المادة السابعة منه تنص على مبدأ شرعية الحرمان من الحرية وكذلك المادة التاسعة تعلن مبدأ غلبة البراءة , وكذلك مبدأ النسبية بإجراءات الإكراه ,وفي سنة 1950,وهي تاريخ الاتفاقية الاوروبية للمحافظة على حقوق الإنسان والحريات الاساسية والتي لم تعتمدها فرنسا إلاّ في سنة 1974 ويُؤكد هذا النص المدعوم لاحقاً بعدة بروتوكولات إضافة إلى عدة حقوق إجرائية وخاصة في مادته السادسة حيث ان حقوق الدفاع تنبع من وجوب العدالة وهي ضرورة مُلِحة لدرجة أن الصلاحيات المذكورة في المادة السادسة والتي تنص على المحاكمة العادلة,لاتضع حدوداً واضحة لذلك. وهذا هو السبب في أهمية وتنوع قانون المحكمة الاوروبية لحقوق ألإنسان ومقره في ستراسبورغ وبفضل هذه الاتفاقية وكذلك الاتفاقيات الاخرى مثل المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966(المادة14),فقد ازدادت حقوق الدفاع قوة سنة بعد آخرى. تُعد السلطة التقديرية للقاضي الجزائي الرخصة التي منحها المشرع للقضاة من أجل تقدير وتقييم أدلة الإثبات الجزائية من (شهادة وخبرة....)، في إطار الكشف عن الحقيقة فالقاضي يتمتع بسلطة واسعة في حرية الإثبات، ونظراً للأهمية البالغة للسلطة التقديرية فالمشرِّع لم يتركها مطلقةً بل قيَّدها بأن أورد عليها بعض الضوابط. وظيفة القضاء غير الوظيفة الادارية والتنفيذية، حيث ان الوظيفة القضائية اساسها وغايتها القانون، وسابقة الوظيفة التنفيذية التي ترتبط اساساً بفكرة الدولة، ومن حيث الطبيعة فان الوظيفة القضائية هي وظيفة عامة بالنسبة للقانون، بينما الوظيفة الادارية ترتبط بفكرة الدولة لا بفكرة القانون، وان الوظيفتين ليستا بذات الدرجة، فالوظيفة القضائية هي وظيفة موضوعية غير شخصية، بينما الادارية، هي وظيفة ذاتية وشخصية، كون الدولة شخصاً قانونياً، اما من حيث النظام القانوني، فان فكرة الفصل بين وظائف الدولة، هي فكرة قانونية تقوم على اساس الفصل بين القانون، والاشخاص القانونية، والدولة شيء والقانون شيء اخر، لذا فالفصل بين وظيفة وسلطة القضاء، وبين وظيفة وسلطة الدولة، هو أمر غير كافٍ في تفصيل ذلك(1). وحرية القاضي في الاقتناع يعني أن القاضي يُقدِّر بكل حرية قيمة الأدلة المقامة أمامه حسب إقتناعه الذاتي، فليس معنى ذلك أن يؤسس اقتناعه بناءً على عواطفه وإنما هو إقتناع عقلي يجد مصدره في العقل لا في العاطفة باعتباره عملاً ذهنياً أو عقلياً يحصله القاضي في صمت في حالة من الصدق وسلامة النوايا . ومن هنا فليس صحيحاً ما يردده خصوم هذا المبدأ من أنه من شأنه أن يُسلِّم الأحكام الجنائية إلى انطباعات القضاة الذين يتأثرون في تكوينهم لإقتناعهم بالانطباعات العاطفية ولا يجدون أنفسهم بحاجة إلى القيام بتحليل يقظ لوقائع الدعوى وظروفها، فالقضاة ملتزمون ببناء هذا الاقتناع بالعمل الذهني الشاق الواعي والذي يخضعون فيه لقواعد المنطق والجدلية الذهنية التي ترقى بالحس إلى العقل(2).وبناءً عليه فإن حرية القاضي في التثبيت أمر يختلف عن التحكم. التثبيت الحر يعني أن القاضي حر في تقييم أدلة الإثبات دون قيد غير مراعاة واجبه القضائي، وليس معناه أن يقضي بما يشاء فهذا هو التحكم بعينه، فلا يجوز له وفقاً لهواه، أو يحتكم في قضاءه لمحض عاطفته بل على العكس من ذلك هو مُلزم بأن يتحرى المنطق الدقيق في تفكيره الذي قاده إلى اقتناعه وإذا كانت المحكمة العليا لا تراقب القاضي في تكوين اقتناعه، فمما لا شك فيه أنها لا تقره على رأي خلاف المنطق أو يخل بالأصول المسلم بها في الاستدلال القضائي(3). فلابد أن يحكم بناءً على تأكُّد قانوني كامل من وقوع الفعل ونسبته إلى الفاعل بعد فحص الأدلة أمامه بكيفية واضحة وضمير حي، بحيث تؤدي عقلا ومنطقا إلى ما رتبه عليها، ولذلك يجب أن يكون حكمه مسببا(4). واغلب الفقه الجنائي في فرنسا وانكلترا والأقطار العربية بعدم الإهتمام بوضع تعريف جامع وموضوعي للتهمة(5), انما كان ً بشكل واضح نحو تحديد المعنى العام للتهمة من حيث بحث ودراسة محتوياتها وبيان مدى إهتمام المُشرِّع برسم احكامها واستيفائها لمتطلباتها الشكلية(6) وفي الإتجاه الآخر فقد اهتم بعض الفقهاء بإيراد تعريفات متعددة للتهمة في كتاباتهم, إلاّ ان أغلب هذه التعريفات كانت مختلفة وغير موحدة من حيث الصياغة واللفظ إلاّ انها عَرَّفت التهمة بأنها " الورقة التي يحررها مقتربة من بعضها الى حد ما من حيث المعنى". ومن هذه التعريفات فقد أُكِلَ القاضي لتعيين نوع الجريمة التي يُحاكم من اجلها المتهم ومادتها القانونية حتى يكون على بينة من أمره بعد ان يجد القاضي ادلة على المتهم وجب البت في صحتها أو عدمها(7).ومن خلال تحليل التعريف المتقدم نجده قد اهتم بإبراز بعض عناصر ومحتويات التهمة وهي الجهة المختصة بتوجيهها وشريطة تحريرها في ورقة والهدف منها المتمثل ُعرفت كذلك بانها " هي بإعلام المتهم بنوع الجريمة التي يحاكم من اجلها والمادة القانونية التي سيحاكم بموجبها. وعن اسناد جريمة أو جرائم الى المتهم , دلَّت التحقيقات الإبتدائية والقضائية على ارتكابه الجريمة أو توفر بعض الأدلة على ذلك"(8).
-------------------------------------------------------------------------------------------------
1- د. احمد محمد حشيش، نظرية وظيفة القضاء، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2002، ص194-204
2-عبد الحكم فودة، حجية الدليل الفني في المواد الجنائية والمدنية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1996 ،ص ص23. ،24
3-محمود نجيب حسني، مرجع سابق، ص ص777 ،778.
4 -د. حمودي الجاسم, تنظيم اإلدعاء العام وواجباته, مطبعة الإرشاد, بغداد, بدون سنة طبع
5 -د. رؤوف عبيد, المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية, ج 1 ,مصر, 1980 6- -د. رؤوف عبيد, مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري, دار الفكر العربي, بدون بلد نشر, 2006 7 -د. سامي النصراوي, د ارسة في اصول المحاكمات الجزائية, ج 2 ,مطبعة دار السلام, بغداد, 1976 8 -د. عمر السعيد رمضان, مبادئ قانون الإجراءات, دار النهضة العربية, مصر, 1968
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟