الجمعة 2003- 06- 27
من المنتظر ان تصل هذه الايام الى ساحة الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني مستشارة الامن القومي الامريكي كوندوليسا رايز. وهدف زيارتها كما يعلن- هو مواصلة الجهود المبذولة امريكياً لقيادة الطرفين، الاسرائيلي والفلسطيني، الى وقف اطلاق النار والبدء بتنفيذ خارطة "خطة الطريق". وعملياً تنشد الادارة الامريكية ان تنجح رايز فيما اخفق فيه وزير الخارجية الامريكي، كولن باول، اثناء زيارته الاخيرة للمنطقة، حيث فشل في تسويق جميع الاملاءات الاسرائيلية على الفلسطينيين.
وكوندوليسا رايز هذه معدودة على القوى اليمينية الصقرية المحافظة والمتطرفة داخل ادارة جورج دبليو بوش، الى جانب نائب الرئيس تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد، ومعروفة بانحيازها التام الى جانب العدوان الاسرائيلي وعلاقتها الوطيدة بالمنظمة الصهيونية واللوبي الصهيوني اليهودي في الولايات المتحدة الامريكية. ولم ننس مقابلتها قبل حوالي شهر مع مراسل صحيفة "يديعوت احرونوت" التي اظهرت من خلالها تعاطفها مع الصهيونية والعدوانية الاسرائيلية واعتبرت "صيانة الامن الاسرائيلي" المحك لصيانة الامن والسلام العالميين!!
لا تهمنا الهوية الفكرية السياسية والروحية لكوندوليسا رايز المنسجمة تماماًَ مع الصهيونية الفكر والممارسة، فهذا شأنها الشخصي ولكن ما يهمنا هو الاسقاطات والانعكاسات السياسية لمدلول هذه الهوية على ساحة الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، خاصة وان ادارة بوش في حصيلة الحاصل تتبنى مثل هذه الهوية في الممارسة السياسية على الساحة الدولية وفي منطقتنا.
ومن الجدير تأكيده انه منذ قمتي شرم الشيخ والعقبة الاخيرتين تعمل الادارة الامريكية وبالتنسيق مع حكومة الكوارث اليمينية الاسرائيلية على تفعيل مختلف مكابس الضغط السياسي والعسكري الدموي لاخراج الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية من "مولد خارطة الطريق بدون حمص" ان يضعونهما تحت مكبس احد الخيارين، اما القبول بخارطة خطة الطريق وفقاً للتعديلات والتحفظات الاسرائيلية التي تفرغها من مضمونها وتدخل الفلسطينيين في صراع دموي فلسطيني- فلسطيني واما تصبح خارطة الطريق في خبر كان مثل سابقاتها من برامج التسوية السياسية.
القيادة الفلسطينية الشرعية، السلطة الفلسطينية وبضمنها الحكومة الفلسطينية، اختارت طريق الحكمة السياسية الذي يقود الى انقاذ الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال الهمجي الدموي من الويلات والمعاناة التي تفوق طاقة البشر، ولجأت الى الحوار الدمقراطي بين السلطة ومختلف فصائل وقوى المقاومة الفلسطينية السياسية والعسكرية، وذلك بهدف التوصل الى موقف واحد وموحد لوقف اطلاق النار والاتفاق على هدنة محددة مع المحتل الاسرائيلي لدفع عجلة خطة الطريق وتفويت الفرصة على حكومة الاحتلال والاستيطان والجرائم التي تبحث عن المبررات وتختلق الذرائع لمواصلة عدوانها ودفن الجهود المبذولة لاستئناف العملية التفاوضية السياسية ووقف النزيف المتدفق بغزارة من شرايين الصراع. ومختلف الدلائل تشير ان الاتجاه هو صقل موقف فلسطيني واحد وموحد تلتزم به جميع الفصائل والقوى الفلسطينية من حماس والجهاد الاسلامي والجبهتين الدمقراطية والشعبية، وفتح وكتائب عز الدين القسام وكتائب الاقصى وغيرها. اتفاق يتبنى موقف اخراج المدنيين الاسرائيليين والفلسطينيين من دائرة الصراع العسكري وعدم القيام بعمليات عسكرية ضد المدنيين داخل اسرائيل مقابل ان توقف قوات الاحتلال الاسرائيلي جرائمها الدموية ضد المدنيين الفلسطينيين وتوقف جرائم الحرب من تصفية واغتيال قيادات فلسطينية مدنية وعسكرية.
تطور الاحداث منذ قمتي شرم الشيخ والعقبة تعكس حقيقة ان حكومة شارون اليمينية مسنودة بدعم الادارة الامريكية، لا تريد الهدنة ولا خارطة طريق تقود الى زوال الاحتلال والاستيطان واقامة دولة فلسطينية مستقلة. فالخطة الاستراتيجية التآمرية الاسرائيلية- الامريكية مبنية على اساس رسم خارطة الطريق على اشلاء جثث الجسم الفلسطيني الممزق في المناطق المحتلة وعلى اساس الانتقاص من الثوابت الاساسية للحقوق الشرعية الفلسطينية غير القابلة للتصرف مثل حق العودة والقدس والدولة السيادية. وتتركز هذه الخطة الاستراتيجية التآمرية في الهجوم المنهجي على مصادرة حقين شرعيين اساسيين من حقوق شعب يرزح تحت نير الاحتلال ويتوق ويكافح للتخلص من قيوده ودنسه الاستيطاني وانجاز حقه الوطني والانساني الشرعي بالتحرر والاستقلال الوطني.
الحق الاول الذي اشهرت الاسلحة لاعلامية والدعائية والعسكرية لمصادرته واغتياله هو حق الشعب الفلسطيني الشرعي والانساني بمقاومة الاحتلال واستبدال المقاومة بالارهاب، ولجوء حكومة الكوارث الشارونية والادارة الامريكية الى محاولة تغريب واخفاء وطمس حقيقة مفهوم ووجود احتلال اسرائيلي وتصويره وكأن الصراع حول حدود اقليمية واراضي متنازع عليها وان الارهاب الفلسطيني يقف حجر عثرة في طريق تسوية النزاع الاقليمي!!
والحق الثاني التي تشحذ السكاكين الاسرائيلية والامريكية لنحره ودفنه هو حق الشعب الفلسطيني الطبيعي والاولىـ حتى وهو يرزح تحت نير الاحتلال، في التعددية السياسية وفي ممارسة الشرعية السياسية الدمقراطية. فالاحتلال الاسرائيلي والادارة الامريكية يطالبان السلطة الفلسطينية ويمارسان مختلف اشكال الضغوطات الشرسة لحل العديد من فصائل وقوى المقاومة الفلسطينية وهدم بنيتها التحتيية واعتقال قادتها، حل حماس والجهاد الاسلامي والجبهتين الدمقراطية والشعبية وغيرهم. ورئيس ادارة نظام عولمة الارهاب والجريمة الامريكية، جورج دبليو بوش، توجه اثناء اللقاء مع رؤساء مجموعة الاتحاد الاوروبي قبل يومين بتصريح يردد من خلاله موقف ارئيل شارون، ويؤكد من خلاله انه لا يكفي التوصل الى ابرام هدنة اسرائيلية- فلسطينية وان على السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينبية العمل على هدم بنى حماس والجهاد االسلامي وغيرهما وحل هذه التنظيمات الارهابية وان على الاتحاد الاوروبي المساعدة في عدم التعامل مع هذه التنظيمات والضغط باتجاه القضاء عليها!!
انه تدخل فظ في الشأن الداخلي الفلسطيني لفرض املاءات معادية للدمقراطية تعكس حقيقة طابع الدمقراطية التي تروج ادارة الارهاب المنطمة الامريكية لتصديرها الى بلدان منطقتنا وانظمتها. لا احد يستطيع اتهامنا نحن الماركسيين الشيوعيين اننا من انصار حماس او اي من الحركات الاصولية اسلامية كانت او مسيحية او يهودية، فنحن في صراع فكري وسياسي مع هذه الحركات ولا نرى في منهجهم ونهجهم الطريق لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية المتطور والحضاري، ورغم ذلك فاننا في دراستنا للنسيج الاجتماعي الذي يفرز مثل هذه التنظيمات الاصولية نبحث دائماً عن الخلفية الاقتصادية والاجتنماعية وما يرافقها من محيط سياسي محلي عالمي التي ساعدت وتساعد على انتعاش مثل هذه الحركات. ومواجهة هذه الحركات لا يتأتى من خلال املاءات ادارية يحرمها من حقها الدمقراطي بمارسة شرعية النشاط السياسي والاجتماعي، بل معالجة جذرية لجذور انتعاشها ومناقشتها فكرياً وسياسياً بالكشف عن طابع وابعاد هويتها سياسياً واجتماعياً. فالاحتلال الاسرائيلي الغاشم وما يرتكبه من جرائم قتل وافقار بحق الشعب الفلسطيني كان ولا يزال العامل الاساسي في ظهور حماس والجهاد ااسلامي وزيادة نفوذهما بين جماهير الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة سياسياً واجتماعياً. لو اقتصر الطلب الاملائي الامريكي والاسرائيلي بوقف العمليات العسكرية التي يقوم بها حماس والجهاد الاسلامي ضد المدنيين داخل اسرائيل لقلنا على انه طلب في محله ويجب ارفاقه بطلب وقف الجرائم التي يرتكبها المحتل الاسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين في مدن وقرى ومخيمات المناطق المحتلة. هذا اضافة الى موقفنا الواضح الذين يدين قتل الناس الابرياء من المدنيين والذي لا يجلب سوى المضرة للكفاح الفلسطيني العادل ضد الاحتلال ويسلح حكومة الاحتلال والجرائم الاسرائيلية بالذرائع لمواصلة تصعيد عدوانها وجرائمها. ولكن الطلب بحل حماس او غيرها هو طلب وقح وعدواني وغير واقعي. فحركة حماس اضافة الى جناحها العسكري فانها حركة سياسية- اجتماعية تمارس نشاطاً واسعاً في المجتمع الفلسطيني. ففي ظل البطالة الواسعة والفقر المنتشر الذي يفرضه الحصار الاحتلالي استطاعت حماس وغيرها من التنظيمات ان تشيد شبكة واسعة من المرافق الخدماتية والطبية والاغاثية التي تقدم من خلالها مختلف الخدمات لجماهير فلسطينية واسعة ومحتاجة للمساعدة. وانهاء الاحتلال وجرائمه وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة يفتح المجال لتغيير الموازنة على ساحة الصراع بين الاصولية والعلمانية ويخلق ظروفاً افضل على طريق التطور الاجتماعي والخدماتي غير تلك القائمة اليوم في ظل الاحتلال والتي تعطي الكثير من الافضليات والامتيازات لحماس وغيرها من التنظيمات الاصولية.
ان طلب وضغط الادارة الامريكية من وعلى السلطة الفلسطينية حل حماس وغيرها لا يهدف سوى اشعال نار الفتنة الوطنية والحرب الاهلية الفلسطينية والصراع الدموي الفلسطيني- الفلسطيني الذي لن تكون نتائجها سوى ترسيخ اقدام الاحتلال الاسرائيلي وتضييع حق القضية الوطنية الفلسطينية بالتحرر والاستقلال الوطني. واذا كانت مجموعة الاتحاد الاوروبي التي تربطها بحماس وغيرها علاقات اقتصادية وخدماتية قد رفضت اقتراح بوش بالقطيعة التامة مع حماس فكيف تريدون يا اعداء الشعب والحق الفلسطيني ان تلجأ السلطة الفلسطينية بقوة السلاح وآلية السلطة الى حل حماس وغيرها. ما هو مطلوب تحطيم سلاسله وحل بنية وجوده هو الاحتلال الاسرائيلي الغاشم للاراضي الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 67. وهذا ما يجب ان تدركه رايز في جولتها الحالية.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/
[email protected]