سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 16:48
المحور:
القضية الفلسطينية
لا يختلف اثنان على أنه دون إجبار الكيان الصهيوني على الالتزام بمخرجات قمة القاهرة، فإن تلك القرارات يمكن القول إنها ستندرج في سياق ما يمكن تسميتها حملة العلاقات العامة الإعلامية، كونها قرارات دون أنياب، سواء أنياب سياسية أو اقتصادية أو دبلوماسية أو أنياب خشنة، وهذا بالطبع ينطبق على الولايات المتحدة الأمريكية كذلك، مع اختلاف في طبيعة ونوع تلك الأنياب.
وقد بدا ذلك جليا من الموقفين الصهيوني اليهودي والأمريكي، مباشرة بعيد صدور بيان أعمال القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة 4 مارس لبحث التطورات الخطيرة التي شهدتها القضية الفلسطينية خلال الآونة الأخيرة، باعتمادها الخطة المقدمة من جمهورية مصر العربية - بالتنسيق الكامل مع دولة فلسطين والدول العربية واستناداً إلى الدراسات التي أجراها البنك الدولي والصندوق الإنمائي للأمم المتحدة - بشأن التعافي المبكر وإعادة إعمار غزة باعتبارها خطة عربية جامعة، والعمل على تقديم أنواع الدعم المالي والمادي والسياسي كافة لتنفيذها، وكذلك حث المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدوليةك. والإقليمية على سرعة تقديم الدعم اللازم للخطة، والتأكيد على أن هذه الجهود كافة تسير بالتوازي مع تدشين مسار سياسي وأفق للحل الدائم والعادل بهدف تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة إلى إقامة دولته والعيش في سلام وأمان. وتشكيل لجنة إدارة غزة تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، التي تتشكل من كفاءات من أبناء القطاع، لفترة انتقالية بالتزامن مع العمل على تمكين السلطة الوطنية من العودة إلى غزة، تجسيداً للوحدة السياسية والجغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. وكذلك تثمين الطرح المقدم من المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية لتأهيل كوادر الشرطة الفلسطينية وتدريبها بما يضمن قدرتها على أداء مهامها في حفظ الأمن في قطاع غزة على الوجه الأكمل، مع التأكيد في هذا الصدد على أن ملف الأمن هو مسؤوليةل فلسطينية خالصة، ويتعين أن تديره المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها وفقاً لمبدأ القانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد، وبدعم كامل من المجتمع الدولي.
لكن الكيان الصهيوتي والولايات المتحدة رفضتا بيان القمة جملة وتفصيلا، مع أن القمة أكدت على إقامة علاقات طبيعية قائمة على التعاون بين جميع دولها وهي رساله للكيان الصهيوتي من جميع العرب. بل وذهب البيان إلى أبعد من ذلك عندما أكد على رفض ما سماه العنف، في رسالة واضحة من قبل الدول العربية المجتمعة للكيان الصهيوني، مفادها أنها ضد الأعمال المسلحة للمقاومة الفلسطينية وغيرها، من خلال النص على"أنها ترفض جميع أشكال العنف والتطرف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية.
ثم محاولتها خطب رضا ترامب عبر الإشادة بدور إدارته في الوصول لوقف إطلاق النار في غزة ودوره كرئيس فيها، غير ان ذلك كما يبدو لم يجد نفعا، فقد أعلنت الخارجية الأمريكية أن البيت الأبيض، رفض مخرجات القمة، بزعم أن "خطة إعادة إعمار غزة التي تبنتها الدول العربية لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن في الوقت الحالي" وبدورها
بل إن البيان الامريكي اكد وفي تجاهل فظ، مخرجات القمة واكد أكد على أن "الرئيس دونالد ترامب، متمسك بمقترحه لإعادة بناء غزة خالية من حماس"، كون قطاع غزة، وفق: "الخطة لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليا".
وبدورها قالت خارجية الكيان الصهيوني إننا "نرفض خطة الدول العربية للتعامل مع غزة". وأنها "الآن، مع فكرة الرئيس ترامب"، بدعوى أن هناك كما تزعم الخارجية الصهيونية أنه لم يحصل سكان غزة على فرصة" للاختيار الحر بناءً على إرادتهم الحرة. يجب تشجيع هذا! بدلاً من ذلك، رفضت الدول العربية هذه الفرصة، دون منحها فرصة عادلة، وتستمر في توجيه اتهامات لا أساس لها ضد إسرائيل".
لكن المفارقة هي في أن هذا الكيان الفاشي العنصري الذي هو احتلال مارس ويمارس تنفيذ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني يرفض خطة الدول العربية للتعامل مع غزة" بزعم أنها لم تمنح سكان غزة فرصة الاختيار، وفي كون الخطة ستعتمد على السلطة الفلسطينية والأونروا الذي كما تدعي أظهر كلاهما مرارا وتكرارا الفساد ودعم الإرهاب والفشل في حل القضية". فيما هو كيان مجرم غاصب.
وبدورها رحبت حماس ببيان القمة ولكن على طريقتها، باختيار ما يناسبها وتجاهل ما يستهدف وجودها، اي انها رحبت بخطة إعادة إعمار غزة، التي اعتمدتها القمة و تأييدها لقرار تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لمتابعة ملف الإغاثة وإعادة الإعمار وإدارة غزة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية.
لكنها تجاهلت أن بيان القمة تحدث عن سلطة واحدة وسلاح واحد،. وعودة سلطة فتح الشرعية إلى غزة، وهنا يبدو فخ التفجير، هذا إذا ما قرأنا البيان والمواقف في سياق فلسطيني بحت، وهو يتعلق بمسألة الأمن في غزة على ضوء قرار القمة استبعاد حماس وأجهزتها لصالح المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها وفقاً لمبدأ القانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد، وبدعم كامل من المجتمع الدولي، لتضع حدا لسلطة حماس التي جاءت عقب سيطرتها على غزة بعمل دموي مسلح عام 2007.
وللقيام بهذه المهمة جرى تأهيل كوادر الشرطة الفلسطينية وتدريبها بما يضمن قدرتها على أداء مهامها في حفظ الأمن في قطاع غزة على الوجه الأكمل، اي بلا ازدواجية سياسية او أمنية في غزة، لكن المشكلة انه لا يمكن تصور ذلك، في ظل وجود سلطة تقودها حركة فتح معترف بها دوليا، ووجود سلطة موازية في الظل لأنها هي القوة الحقيقية كونها تملك السلاح، دون اتفاق على حل الأجسام العسكرية ضمن مؤسسة أمنية وطنية. وهو ما يرفضه الكيان الصهيوني، والولايات المتحدة اللتان تشترطان إنهاء سلطة حماس في غزة بكل أدواتها الإدارية والحكومية والعسكرية.
ومع ان بيان القمة يرسم إمكانية مستقبلية لما سيقبل به العرب، كشرط لإعادة الإعمار، على قاعدة أنه من غير المعقول الشروع في الٱعمار وترك أي مساحة لشخص ما أن يهدم كل ما يمكن بناؤه في ظل وجود السلاح في يد حماس وغيرها خارج اتفاق وطني على كيفية توظيفه في مشروع وطني فلسطيني ضمن أجندة فلسطينية.
ولأن السلاح ورقة بالغة الأهمية في يد حماس اعتبر القيادي في حركة حماس سامي أبو زهري، في تصريح لوكالة فرانس برس، الثلاثاء، إن “سلاح المقاومة خط أحمر”،
وأن “كل حديث حول سلاح المقاومة هراء”، مؤكدا أن “سلاح المقاومة خط أحمر لدى حماس وكل فصائل المقاومة، ولا يخضع للمساومة وغير مطروح للنقاش أو التفاوض”.
وهذا الموقف بقدر ما هو حق مشروع لأي شعب تحت الاحتلال، ولكنه من جانب آخر صاعق تفجير للمشهد الفلسطيني في غزة في ظل حالة الانقسام وغياب رؤية سياسية وكفاحية تحت عنوان سلطة واحدة في الأراضي الفلسطينية وفي غزة تحديدا، إذ كيف يمكن لهذه اللجنة الإدارية أن تدير غزة باعتبارها سلطة، في حين أن هناك سلطة أخرى قائمة بالفعل من خلال الوجود المسلح لحماس الذي يعتبر أن وجوده المسلح خط أحمر؟ وهنا نحن لا نتحدث عن مشروعية السلاح، ولكن عن كيف يمكن إدارة القطاع بين كيانين متناقضين، وجود أحدهما كما أكدت القمة والخطة المقترحة لإعادة إعمار غزة تنفي الآخر موضوعيا، في ظل أنه لن يكون هناك من وجود سلطوي لحماس، التي أعلنت أنها مع قيام هذه اللجنة الإدارية لحكم غزة.
ومع ذلك يبقى السؤال الأهم هو: ما الذي يمكن أن يبقى من كل ما قررته القمة ، أمام رفض الكيان الصهيوني، والموقف الأمريكي الذي يصر على هذيانه بخصوص موقفه من غزة من بيان القمة، إذا لم يكن هناك موقفا عربيا، يضع التطبيع وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني كورقة في هذا الصراع الذي يغيب فيه الموقف العربي العملي تماما، بل وترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الكيان الصهيوني وأمريكا، وفي الوقت نفسه يستمر الانقسام وتباين الأجندات في المشهد الفلسطيني بين فتح وحماس.
ومن ثم نخلص إلى القول إن قيمة أي بيان هي في ترجمته إلى فعل، ولن يكون ذلك ممكنا فيما يتعلق بمخرجات قمة القاهرة، دون توفر ممكنات فرضه على الآخرين، عبر أدوات القوة العربية، وهي كثيرة ولكنها معطلة بسبب غياب الإرادة للأسف، وحتى ذلك الحين، سيبقى بيان القمة حبرا على ورق.
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟