أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - بين لعنة الجغرافيا وخيانة الجيوسياسة: القضية الكوردية في مهب التوظيف الدولي














المزيد.....


بين لعنة الجغرافيا وخيانة الجيوسياسة: القضية الكوردية في مهب التوظيف الدولي


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 16:02
المحور: القضية الكردية
    


في أروقة السياسة الدولية، حيث تتراقص المبادئ على إيقاع المصالح، تبدو القضية الكوردية كوتر مشدود بين أصابع القوى الكبرى، كلٌ يعزف عليه لحنًا يخدم نوتته الخاصة، ثم يطويه في غمد النسيان حين تنقضي الحاجة. إنها قضية أمة سُلب منها حقها في التشكل، ليس لأنها تفتقر إلى مقومات الهوية، بل لأن الخرائط التي رسمها المنتصرون بعد الحروب الكبرى كانت أقرب إلى وثائق ملكية تتقاسم فيها الدول النفوذ، لا حقوق الشعوب. فالكورد، على مرّ العقود، لم يكونوا سوى ورقة توضع على الطاولة عندما يقتضي الأمر، ثم تُلقى في مهب الريح حين تتغير قواعد اللعبة.

ولعل المفارقة الأشد مرارة تكمن في ازدواجية المواقف الدولية تجاه الكورد، تلك الازدواجية التي تكشف أن الحقوق في هذا العالم ليست سوى معادلة قوة، وليست مبدأ أخلاقياً أو سياسياً. فها نحن نرى القوى الكبرى تهبّ لنصرة الكورد في سوريا عندما تطلب الأمر سحق تنظيم داعش، تُسلّحهم، تمكّنهم، وتمنحهم هامشًا من الاستقلالية العسكرية، لكن ما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى تحول المشهد إلى صمت مطبق، كأن الوعود التي قُطعت كانت مجرد صدى يتلاشى في فراغ السياسة. أما في تركيا، حيث الكورد يقبعون تحت ظل قبضة أمنية لا ترحم، فلا تكاد تُسمع همسة احتجاج من العواصم الغربية، وكأن المعايير التي تُرفع في الشرق، تُطوى في الغرب إذا مست مصالح الشركاء الأقوياء.

وإذا كانت الدول الكبرى قد أتقنت فن اللعب بورقة الكورد، فإن الدول الإقليمية لم تكن أقل براعة في التلاعب بهذه الورقة، كلٌ حسب مقتضيات أمنه القومي ومشروعه السلطوي. فإيران، التي لطالما استثمرت في الحركات الكوردية خارج حدودها، لم تتوانَ لحظة عن سحق أي بادرة تحررية داخل جغرافيتها، وكأنها تؤمن بحق الكورد في النضال... ولكن فقط عندما يكون النضال في خدمة أجندتها. وتركيا، التي تقاتل بضراوة أي مشروع كوردي، لا تجد حرجًا في دعم بعض الفصائل الكوردية عندما يتطلب الأمر إضعاف خصومها الإقليميين. أما العراق، فحكومته المركزية تتعامل مع الإقليم الكوردي كشريك اقتصادي حين يكون النفط هو العنوان، وكخصم متمرد حين يتعلق الأمر بالسيادة والسلطة.

وفي خضم هذه التناقضات، يتجلى السؤال الجوهري: هل يمكن للقضية الكوردية أن تجد طريقها نحو التدويل الفعلي، بحيث تصبح شأنًا يخضع لمعادلات القانون الدولي، لا مجرد ورقة للمقايضة؟ أم أن لعنة الجغرافيا ستظل تلاحق الكورد، لتجعلهم شعبًا تتقاذفه العواصم دون أن تُفتح أمامه أبواب الاعتراف؟ لا شك أن التجربة التاريخية لا تبعث على التفاؤل، فقد شهد القرن الماضي العديد من اللحظات التي ظن فيها الكورد أنهم باتوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم، لكن كل مرة، كانت اللحظة الحاسمة تتحول إلى سراب، لأن اليد التي تمتد للعون سرعان ما تتحول إلى يد تتخلى، وتترك الجرح مفتوحًا لينزف من جديد.

لكن، ورغم كل هذه الخيبات، فإن المسألة لم تعد كما كانت في العقود الماضية. فالعالم اليوم لم يعد عالماً أحادي القطبية، والمصالح لم تعد تُدار بمنطق الحرب الباردة وحده. هناك فرص جديدة تتشكل، ومساحات يمكن للكورد أن يستغلوها بذكاء سياسي يحولهم من ورقة تُستخدم إلى لاعب قادر على فرض شروطه. غير أن ذلك لن يكون ممكنًا دون استراتيجية موحدة، ودون تجاوز الانقسامات الداخلية التي لطالما كانت نقطة الضعف الأكثر فتكًا بالمشروع الكوردي.

إن المستقبل لا يُمنح، بل يُنتزع، والتاريخ لم يكن يومًا منصفًا لمن لم يُجبره على ذلك. والكورد، إذا أرادوا ألا يكونوا مجرد هامش في دفاتر القوى الكبرى، عليهم أن يتقنوا لعبة التوازن، لا بين الفصائل الداخلية فحسب، بل بين القوى الدولية التي تحاول أن تجعل منهم مجرد بيادق في رقعة شطرنج أكبر منهم. فليس هناك شيء أكثر خطرًا على القضية الكوردية من أن تبقى رهينة للآخرين، تُحركها الرياح حيثما شاءت، دون أن تمتلك بوصلة تحدد بها وجهتها.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوتار الحرية… بين ناي الصمت وطبول النسيان
- ظلال التاريخ وغدرة الزمان: قراءة نقدية في نوايا تركيا تجاه ا ...
- حين تنحني الكلمات لروحٍ لا تنحني
- بين سيوف الطغاة ومكر الساسة: الأكراد في متاهة الجغرافيا والد ...
- السياسة التركية بين الخوف والتبعية: بين الجغرافيا السياسية و ...
- سوريا: أوديسة الوجود بين صراع الآلهة الأرضية وجغرافيا الدم
- تأمل في سوريا: بين الفوضى والأمل
- متاهة التوافق المدمر: تركيا، إسرائيل والرقص الدقيق للشرق الأ ...
- الكورد، القضية والوجود: بين حلم الدولة وواقع القمع
- الكورد والجغرافيا السياسية: لعبة الشطرنج بين أنقرة وطهران
- في مجاهل العقل وانحناءات التاريخ
- ملحمة الصمود الكردي: فلسفة النضال بين مطرقة القمع وسندان اله ...
- أنشودة التغيير في سماوات سوريا المتأرجحة
- من اللامركزية إلى وحدة الوجود: درس من دروب السياسة والحقوق
- كردستان حلم مؤجل
- الاتحاد بين الرياح: تأمل في دروب المعارضة السورية والكورد
- حصون التخلف: رحلة إلى فهم الثقافات المغلقة وفتح الأفق نحو ال ...
- الكورد بين لهيب التاريخ ونور الحرية: ملحمة إرادة لا تنكسر
- بناء الذات الثورية: فلسفة الانعتاق وصياغة المصير
- كوباني ذاكرة الصمود الكردي ورمز سوريا الجديدة


المزيد.....




- الحكومة المصرية تسهل شروط استيراد السيارات لذوي الاحتياجات ا ...
- متهم بمئات الاغتيالات.. اعتقال أبرز رئيس للمخابرات الجوية في ...
- استمرار التوتر بجنوب السودان واعتقال وزير آخر
- رسالة مفتوحة إلى ترامب من سجين في غوانتانامو
- رايتس ووتش: أطفال زامبيا يواجهون خطر التسمم بسبب شركات التعد ...
- كبار المسؤولين في نظام الأسد المتهمون بارتكاب جرائم حرب
- مصر.. أحكام بالإعدام والسجن في قضية -الدارك ويب- التي هزت ال ...
- تراجع المساعدات يفاقم معاناة النازحين الصوماليين خلال رمضان ...
- العفو الدولية تدعو لمعاقبة الاحتلال وتقديمه التعويضات عن هجم ...
- حماس: الاحتلال يتبع نهجًا متعمدًا لقتل الأسرى في سجونه


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - بوتان زيباري - بين لعنة الجغرافيا وخيانة الجيوسياسة: القضية الكوردية في مهب التوظيف الدولي