أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8273 - 2025 / 3 / 6 - 13:38
المحور:
القضية الفلسطينية
قبل انعقاد قمة القاهرة برز موقفان من النتائج التي يمكن أن تخرج بها القمة العربية، الأول: يعتبر أنها قمة مختلفة عن القمم السابقة نظراً للمستجدات والظروف التي تجاوزت المخاطر على القضية الفلسطينية، وهددت الأمن القومي العربي، لذلك ستتبنى القمة سقفاً عالياً جداً باعتبارها مفصلية وحاسمة، والوضع المتوتر في المنطقة لا يحتمل أنصاف الحلول.
الموقف الآخر، وبناء على نتائج القمم السابقة، والحالة العربية المتردية، وبقراءة مستقبلية، يشكك بقدرة قمة القاهرة على اتخاذ موقف عملي وحاسم، وستكتفي القمة برفض نظري لمخطط التهجير دون خطوات عملية تدعم صمود الفلسطينيين، أو تسهم في إقامة دولتهم، وأن البيان الختامي سيكون فضفاضاً، وسيتم تقديم رؤية عربية واضحة لإفشال مخطط التهجير، دون استخدام أوراق القوة التي تمتلكها لإفشال المخطط، إذ أن الخلافات بين الدول العربية، بدت واضحة قبل انعقاد القمة، وستضعف الموقف الجامع لإفشال المخططات التي ستنال منهم كأمة، مما قد يؤدي إلى بيان نظري دون خطوات عملية، وقد برزت خلافات في القمة المصغرة التشاورية بالرياض. كما قرر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عدم المشاركة في القمة العربية الطارئة المقررة بالقاهرة، متهماً دولاً بالإعداد المسبق لمخرجاتها من قبل مجموعة محدودة وضيقة من الدول العربية التي استأثرت وحدها بإعداد مخرجات القمة المرتقبة بالقاهرة، دون أدنى تنسيق مع بقية الدول العربية المعنية كلها بالقضية الفلسطينية، وكلف تبون وزير الخارجية أحمد عطّاف لتمثيل بلاده في القمة، واعتبر «أن منطق الأمور كان ولا يزال يحتم تعزيز وحدة الصف العربي وتقوية التفاف جميع الدول العربية حول قضيتهم المركزية القضية الفلسطينية، لا سيما وهي تواجه ما تواجهه من تحديات وجودية تستهدف ضرب المشروع الوطني الفلسطيني في الصميم».
لم يعد كافياً أن تنعقد قمة عربية تقليدية، تطلق بياناً قد تكرر مراراً متضمناً مبادرة عربية على الورق، دون استراتيجية واحدة تهتم بالعمل على التحشيد الدولي لها، والمتابعة الدائمة، واتخاذ إجراءات تجبر اسرائيل على الرضوخ لمتطلبات السلام العادل، فلدى العرب قدرة على الفعل ورسم مستقبل الإقليم، والجماهير العربية تنتظر من القمة شيئاً مختلفاً عن مخرجات القمم السابقة، وإلا فمخطط التهجير سيتحول إلى واقع لا مفر منه، فمخطط التهجير في قطاع غزة يجري على قدم وساق مع دق نتنياهو طبول الحرب في غزة مجدداً، ومساعيه لتحويلها إلى جحيم يستحيل معه العيش فيها بشكل يجبر الفلسطينيين على الخروج منه.
كان المطلوب من قمة القاهرة أن تتخذ مواقف حاسمة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ووقف التطبيع، وكانت دائرة المقاطعة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين قد دعت القمة العربية الى مواقف سياسية جريئة ومباشرة تنسجم وحجم التحديات التي تهدد الشعوب العربية وقضاياها المركزية، والاستجابة لصوت الشعوب العربية وتحركاتها الشعبية الداعية الى وقف كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني ومقاطعته على مختلف المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والفنية والرياضية، واعتبار أن ذلك هو الحد الأدنى مما هو مطلوب على المستوى الرسمي العربي لمحاسبة اسرائيل على جرائمها والسعي لعزلها على المستوى الدولي، نتيجة عدوانها أولاً على أكثر من بلد عربي بدعم أمريكي وغربي، وتمردها على المؤسسات الدولية وقرارات الأمم المتحدة وميثاقها، وعدم امتثالها لقرارات المحاكم والمؤسسات الدولية المعنية. مما يتطلب التحرك دولياً لمحاسبة إسرائيل قانونياً على جرائمها، وتكثيف الضغوط على الدول المصدرة للسلاح إلى إسرائيل لوقفها واعتبار تدفق السلاح إليها مشاركة في الجرائم.
مع ذلك فإن القمة العربية ناقشت العديد من المسائل الهامة، وكان لها أثر إيجابي في الإسناد السياسي لموقف المقاومة الفلسطينية في مواجهة التحديات والتهديدات والعدوان، والقيام بدعم جهود تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ورفض نزع سلاح المقاومة، حيث تضمنت الخطة التعامل مع مسألة سلاح الفصائل عبر أفق واضح وعملية سياسية ذات مصداقية. والدعوة لاستئناف المرحلة الثانية لاتفاق غزة. ِ
وفيما يتعلق باليوم التالي لوقف الحرب يبرز إعلان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في القمة العربية بإصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح، واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك، يقول إنها حرصاً على وحدة حركة فتح، حيث يشير طرح شأن داخلي في حركة في قمة عربي تبحث في مستقبل غزة ووقف العدوان والوضع الإنساني أن وراء ذلك ما له علاقة باليوم التالي ودور السلطة فيه، ويشير إلى ذلك أيضاً ما أضافه حول إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخ دماء جديدة في المنظمة وفتح، وأجهزة الدولة، وعقد المجلس المركزي الفلسطيني خلال الفترة القريبة القادمة، واستحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، ودعوته إلى أن تتولى دولة فلسطين مهامها في قطاع غزة من خلال المؤسسات الحكومية، في ظل خطة تدريب كل من مصر والأردن عناصر من الشرطة الفلسطينية لنشر الأمن في القطاع، ما يمهد لاحقاً إلى عودة السلطة الفلسطينية إلى إدارة غزة. ونص بيان القمة على تشكيل لجنة تتولى إدارة شؤون القطاع في مرحلة انتقالية لمدة 6 أشهر بقرار فلسطيني، مكونة من شخصيات تكنوقراط مستقلين تحت مظلة الحكومة الفلسطينية.
وتم الإشارة في القمة إلى إمكانية قيام مجلس الأمن بدراسة فكرة التواجد الدولي في الأراضي الفلسطينية عبر قوات حفظ سلام، لكن غابت التفاصيل التي يقال إن الشيطان يكمن فيها.
وأكدت القمة على ضمان تدفق المساعدات الإنسانية، لكن ماذا إذا استمرت إسرائيل في حصار غزة، ومنع أو عرقلة دخول المساعدات الإنسانية، فهل تستطيع الدول العربية كسر الحصار؟.
وقبل انعقاد القمة بأيام أوقفت إسرائيل دخول شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة في استخدام بغيض ومدان للمساعدات الانسانية كسلاح للعقاب الجماعي. في محاولة للضغط على المقاومة لفرض شروط جديدة، وسط تهديد بإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار الذي أوقف الحرب على غزة منذ 19/1 .
وأوضحت الخطة المصرية -العربية أن مرحلة التعافي المبكر تستمر 6 أشهر، وتكلف 3 مليارات دولار للمرافق والمساكن، ونصت على إعداد مساكن مؤقتة لسكان القطاع المدمر والنازحين في 7 مناطق، إمكانية إنشاء صندوق ائتماني تحت إشراف دولي كآلية تمويلية يتم توجيه التعهدات المالية إليه، وإطلاق صندوق عربي لدعم غزة.
وقد قدمت القمة خطة واضحة متكاملة للتعافي المبكر وإعادة إعمار غزة ببقاء سكانها الفلسطينيين في القطاع أثناء عملية إعادة الإعمار، ورفضت فكرة التهجير القسري، لكن مجرد الرفض لا يكفي، فالمتوقع أن تستمر الحكومة الإسرائيلية في عملياتها العسكرية في لبنان وسوريا والضفة الغربية وقد تعمل على استئناف الحرب على غزة، وقد تعارض الاقتراح بهدنة متوسطة المدى لفترة زمنية محددة، وليس لدى العرب وسائل ضغط حقيقة تفرض على إسرائيل وقف إطلاق النار ليس في فلسطين فحسب بل في سوريا ولبنان أيضاً.
وجرى التأكيد كالعادة في القمم السابقة على ثوابت الموقف العربي حيال القضية الفلسطينية، والتأكيد على حق شعب فلسطين الثابت في مقاومة الاحتلال الذي يشكل إسناداً للموقف الفلسطيني، إلا أن تعزيز الموقف العربي في مواجهة التصعيد الإسرائيلي يجب أن يؤدي فعلياً إلى وقف خرق إسرائيل المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار.
في مجال ضمان سيادة فلسطينية كاملة على القطاع، ورفض ضم أراض فلسطينية، والدعوة إلى بدء عملية سلام وفق حل الدولتين باعتباره أساس الاستقرار الإقليمي، لم توضع استراتيجيات تتجاوز البيانات اللفظية إلى خطوات عملية سياسية وقانونية واقتصادية لمواجهة المخططات الإسرائيلية.
بعد قمة الثلاثاء 4/3، سيعقد وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي اجتماعاً عاجلاً في جدة غداً الجمعة 7/3 اجتماعا استثنائياً لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة لبحث العدوان على غزة، ومخرجات القمة العربية، والترويج لها دولياً، والمساهمة في كسب مزيد من التأييد العالم للخطة المصرية والمساهمة بإعادة إعمار غزة، والمطلوب من دول منظمة التعاون الإسلامي -في أقل تقدير- استخدام سلاح المقاطعة، والتراجع عن سياسات التطبيع في مواجهة الغطرسة الاسرائيلية التي لا تهدد فلسطين والحقوق الفلسطينية فقط، بل وتطال جميع شعوب المنطقة، ويجب تفعيل حركة المقاطعة لتعطي نتائج تغير وقائع سياسية على الأرض، وهنا نسأل: هل تستطيع تركيا أن تقود حملة مقاطعة مبتدئة بنفسها؟.
كاتب فلسطيني
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟