أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد فاضل المعموري - حوار عراقي مع المفكر عبد الله سلمان















المزيد.....


حوار عراقي مع المفكر عبد الله سلمان


أحمد فاضل المعموري
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 22:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


العراق على مفترق الطرق هناك أزمات وعقوبات تطال بعض الشركات والشخصيات وهناك عقوبات تفرض على ايران بعدم تصدير الغاز أو بيع الكهرباء والازمة التي سوف تخلفها تغير السياسات في أمريكا دونالد ترامب يختلف عن أمريكا بايدن، زلزال سوريا وتأثير ذلك على الشرق الاوسط ، العراق واسرائيل ومعادلة فرض القوة على المنطقة ،غزة والتهجير القسري وترحيل الفلسطينيين برؤية أمريكية وفرح اسرائيلي غامر على أن خطط الشرق الاوسط الكبير تتحقق الدور الايراني وتغوله في المنطقة لبنان واليمن والعراق بعد انحسار دورها في سوريا، زلينسكي واللقاء الغير الدبلوماسي الذي خرج عن أداب الدبلوماسية المعهودة ورفع اليد الامريكية عن دعم اوكرانيا والمطالبة بتسديد القروض الامريكية الممنوحة لزلينسكي جراء الحرب الأوكرانية- الروسية ،الفقر والخدمات بعد اثنا وعشرون عاماً من الاحتلال الامريكي للعراق ، شروط امريكا للمساعدة في تدفق السيولة النقدية والرقابة المشددة للتحويلات المالية الدولار. الحشد الشعبي والمطالبة بالحل والقواعد الامريكية في العراق والخلاف بين المركز والاقليم وتصدير النفط عن طريق ميناء جيهان التركي كلها ملفات تحتاج الى تسويات ورؤية عراقية .
اليوم نلتقي المفكر والباحث بالشأن السياسي أ. عبد الله سلمان مؤمن بالديمقراطية التي تجلب الاستقرار والحكم الوطني النابع من ارادة الشعوب التي تقرر التحرر من الاستعمار بشتى أشكاله . فأهلا وسهلا ...
السؤال الاول : العراق في مفترق الطرق بين تشدد أمريكا بفك العلاقة الاقتصادية بين العراق وايران ورغبة ايران في الاستمرار بهذه العلاقة من ينتصر ؟
الصراع بين الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في العراق ليس مجرد مواجهة اقتصادية، بل هو معركة إرادات واستراتيجيات طويلة الأمد تتجاوز الأبعاد التجارية والطاقة لتشمل السيطرة السياسية والأمنية على البلاد. العراق يجد نفسه في موقف بالغ التعقيد فهو من جهة يعتمد على إيران في الطاقة والتجارة ومن جهة أخرى يحتاج إلى الدعم الأمريكي اقتصادياً وعسكرياً. لكن ما يزيد المشهد تعقيداً هو أن إيران لم تكن يوماً عدوة حقيقية للاحتلال الأمريكي للعراق بل تعاملت معه كفرصة استراتيجية مكّنتها من توسيع نفوذها في العراق.
منذ 2003، قبلت إيران ضمنياً الاحتلال الأمريكي للعراق وتعاونت معه بشكل غير مباشر لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. سمح لها ذلك بإعادة تشكيل الخريطة السياسية والأمنية العراقية بما يخدم مصالحها من خلال دعم الفصائل وتغلغل الدولة العميقة في مؤسسات صنع القرار. هذا "التخادم" بين واشنطن وطهران لم يكن مجرد تقاطع مصالح عابر تحول إلى واقع سياسي فرض على العراق فأصبح العراق رهينة لتفاهمات غير معلنة بين القوتين يتم بموجبها تقاسم النفوذ على حساب سيادة العراق واستقلال قراره.
نتيجة لهذا التواطؤ أصبح العراق ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين حيث يتم استخدامه كأداة ضغط في مفاوضاتهما الإقليمية والدولية. واشنطن تلوّح بالعقوبات الاقتصادية لإضعاف النفوذ الإيراني بينما تستخدم طهران وكلاءها في العراق للضغط على المصالح الأمريكية في معادلة لا يخسر فيها سوى العراقيون. هذا الواقع يجعل مستقبل العراق مرهوناً بإرادة خارجية ويقوّض أي إمكانية لبناء دولة مستقلة قادرة على تحقيق مصالحها الوطنية بعيداً عن لعبة المحاور الإقليمية والدولية.
السؤال الثاني : العراق بعد الاحتلال الامريكي ومرور أثنان وعشرون عاماً لم يستطيع أن ينجح في بناء دولة مستقرة وفضل الاعتماد على المحاصصة السياسية بديل عن الشراكة السياسية التي انتجت تشرذم بالمشروع العراقي . كيف يمكن اصلاح ذلك ؟
بعد 22 عامًا من الاحتلال الأمريكي، لا يزال العراق يعاني من غياب الدولة ، ليس بسبب نقص الموارد أو الإمكانيات، بل نتيجة لهيمنة نظام المحاصصة السياسية الذي اصبحت التوافية منهج و استُخدمت كأداة لتقاسم السلطة بدل أن يكون وسيلة لتحقيق شراكة وطنية حقيقية. هذا النهج لم يؤدِ فقط إلى إضعاف مؤسسات الدولة، بل خلق حالة من التشرذم في المشروع الوطني و أصبحت الولاءات الحزبية والطائفية مقدَّمة على المصلحة العامة وأُفرغت الدولة من مضمونها الحقيقي كمفهوم سياسي لصالح قوى سياسية متنافسة لا يجمعها سوى السعي وراء النفوذ والمكاسب.
إصلاح هذا الواقع يتطلب خطوات جذرية تبدأ من تفكيك البنية العميقة للمحاصصة واستبدالها بمنظومة حكم قائمة على الكفاءة والمواطنة، وليس على الولاءات الطائفية أو الحزبية. هذا لا يعني فقط تغيير آليات تشكيل الحكومات بل إعادة هيكلة النظام السياسي ليكون أكثر استقرارًا وتمثيلًا لمصالح جميع العراقيين، وليس لمصالح النخب السياسية المتحاصصة.
أحد المفاتيح الأساسية للإصلاح هو تعزيز دور المؤسسات المستقلة القادرة على فرض سيادة القانون مثل القضاء وهيئات مكافحة الفساد، والأجهزة الرقابية. لا يمكن لأي دولة أن تستقر إذا بقيت هذه المؤسسات رهينة الإرادات السياسية المتصارعة.
إضافة إلى ذلك لا بد من إعادة تعريف مفهوم الشراكة السياسية بحيث لا يكون مجرد توزيع للسلطة بين المكونات، بل يكون التزامًا بمشروع وطني موحّد، يعيد بناء الهوية العراقية على أسس المواطنة، وليس على التقسيمات الطائفية أو العرقية. نجاح أي إصلاح سياسي مرهون أيضًا بإرادة شعبية ضاغطة، تدرك أن استمرار هذا النظام القائم على المحاصصة سيعني استمرار الأزمات والتراجع بينما بناء دولة المواطنة وهو شعار ثورة تشرين ، الطريق الوحيد نحو عراق مستقر وقوي.
السؤال الثالث: الفقر والخدمات البنية التحتية والسياسات الاقتصادية، تهريب العملة احد اهم ملفات العراق الداخلية والتي لا احد يستطيع معالجتها لأنها مرتبط بالسياسات الداخلية والشروط الامريكية . كيف نبدأ المعالجة ؟
معالجة الفقر، تدهور الخدمات، انهيار البنية التحتية والسياسات الاقتصادية الكارثية وعلى رأسها تهريب العملة تتطلب أولاً كسر الحلقة التي تحمي الفساد في العراق حيث يتحصن الفاسدون بالمال والسلاح والميليشيات وأدوات الدولة الأمنية مما يجعل أي إصلاح حقيقي مستحيل. لذلك فإن الخطوة الأهم للبدء في المعالجة هي تفكيك هذه المنظومة عبر فرض إجراءات صارمة تُخرج الفاسدين من مراكز القوة سواء عبر آليات داخلية قوية أو عبر ضغوط وعقوبات دولية وإقليمية.
لا يمكن لأي إصلاح اقتصادي أن ينجح في ظل وجود منظومة فساد محصّنة تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي. ولذلك، فإن فرض عقوبات على القيادات السياسية والاقتصادية المتورطة في تهريب الأموال وغسيلها، إلى جانب استهداف المصارف والشبكات المالية التي تغذي هذه المنظومة سيكون بمثابة ضربة قاصمة لقدرتها على الاستمرار. يجب أن تترافق هذه العقوبات مع دعم دولي لحكومة عراقية مستقلة قادرة على تنفيذ إصلاحات دون أن تخضع لابتزاز الفصائل والجماعات المسلحة.
على المستوى الداخلي لا بد من إعادة هيكلة المنظومة الاقتصادية بالكامل بدءًا من ضبط القطاع المصرفي لمنع تهريب الدولار ومرورًا بإصلاح نظام الجمارك لمنع تهريب الموارد، وانتهاءً بتطوير القطاعات الإنتاجية للحد من الاعتماد على الاقتصاد الريعي الذي يسهل اختراقه من قبل الفاسدين. لكن الأهم هو تفعيل قضاء مستقل قادر على محاسبة الفاسدين دون تدخل سياسي، وهذا يتطلب تحييد نفوذ الفصائل التي تستخدم العنف لحماية شبكات الفساد.
أما العنصر الحاسم في هذه المعركة فهو إرادة الشعب. لن يحدث أي تغيير حقيقي دون ضغط شعبي قوي يجبر الطبقة السياسية على تقديم تنازلات سواء عبر حراك جماهيري لا يكتفي بالمطالبات بل يفرض معادلة جديدة على الأرض تعيد للدولة سيادتها وللشعب قراره. هذا المسار صعب لكنه الوحيد القادر على انتشال العراق من قبضة الفساد وإعادة بناء دولة تخدم مواطنيها بدل أن تكون رهينة للفاسدين والسلاح المنفلت.
السؤال الرابع : سقوط نظام بشار الاسد في سوريا سبب صدمة وأزمة للعراق . ما هو تأثير الازمة السورية على العراق كما يروج له الساسة العراقيين .
يروج الساسة العراقيون الموالون لإيران لفكرة أن سقوط نظام بشار الأسد سيمثل "كارثة أمنية" على العراق بحجة أن الفراغ في سوريا سيؤدي إلى تصاعد الإرهاب وامتداد الفوضى إلى الداخل العراقي. لكن في الواقع ان الأزمة السورية وتأثيراتها على العراق لا ترتبط فقط بالجانب الأمني بل تتعلق بشكل مباشر بالتوازنات الإقليمية ومكانة إيران كلاعب رئيسي في المنطقة.
سوريا ليست مجرد دولة مجاورة للعراق، بل هي الحلقة اللوجستية الأهم في مشروع النفوذ الإيراني الممتد من طهران إلى بيروت. سقوط نظام الأسد يعني انهيار هذا الممر الاستراتيجي مما سيؤدي إلى إضعاف قدرة إيران على دعم وتمويل حزب الله في لبنان كما سيؤثر بشكل مباشر على الفصائل العراقية التي تعتمد على الدعم الإيراني. هذه الفصائل لم تكن مجرد أدوات أمنية بل كانت بمثابة "القوة البديلة" التي تستخدمها طهران لضمان نفوذها الإقليمي دون الدخول في مواجهة مباشرة. ومع ضعف إيران نتيجة لفقدان سوريا كقاعدة إمداد ستجد هذه الجماعات نفسها أمام واقع جديد يجعلها أقل أهمية في الحسابات الإيرانية.
هذا التراجع يفتح المجال أمام العراقيين لاتخاذ موقف أكثر جرأة في مواجهة المشروع الإيراني داخل بلادهم. فانتفاء الحاجة للفصائل كوسيط بين إيران ولبنان قد يخلق فرصة داخلية لإضعافها وتقليص دورها، مما يسمح للعراق باستعادة جزء من سيادته المفقودة. لكن إدراك إيران لهذا الخطر يجعلها تلجأ إلى إعادة إحياء الطائفية كأداة لتوحيد صفوف أذرعها داخل العراق وإقناع جمهورها بأن سقوط الأسد تهديد وجودي لهم وليس مجرد تغيير سياسي في سوريا.
في النهاية الأزمة السورية ليست مجرد حدث خارجي بالنسبة للعراق، بل هي نقطة تحول قد تعيد رسم موازين القوى داخل البلاد. إذا تمكن العراقيون من استغلال هذا الظرف بحكمة فقد يكون بداية لاستعادة الدولة العراقية من قبضة الميليشيات والنفوذ الإيراني، لكن ذلك يتطلب وعياً سياسياً وإرادة وطنية قادرة على تجاوز الخطابات الطائفية التي تحاول إيران وأدواتها استخدامها كوسيلة للبقاء في المشهد.
السؤال الخامس: انتفاضة تشرين مثلت خيار وطن أمن ومستقر ولكن الانتفاضة قمعت بالنار والحديد، وهناك مجرمين ارتكبوا هذه المجازر هل نرى العدالة في يوم من الايام لمحاكمة قتلة تشرين وأن اغلب الضحايا هم عراقيين مسالمين طلبوا الاصلاح في ارض العراق :
نعم، ستتحقق العدالة لشهداء تشرين ولكل شهداء العراق عندما يتمكن العراقيون من استعادة دولتهم من قبضة الفصائل والنفوذ الإيراني وعندما يكون هناك نظام سياسي وطني مستقل قائم على سيادة القانون وليس على إرادة السلاح.
انتفاضة تشرين لم تكن مجرد احتجاجات مطلبية بل كانت صرخة شعبية ضد الفساد والتبعية وسلطة الفصائل ولهذا جوبهت بالقمع الوحشي. القتلة الذين ارتكبوا المجازر بحق شباب العراق لم يتحركوا من تلقاء أنفسهم، بل كانوا جزءًا من منظومة سياسية تعمل لصالح قوى إقليمية، وعلى رأسها إيران، التي رأت في تشرين تهديدًا لمشروعها في العراق. لذلك، لا يمكن الحديث عن تحقيق العدالة في ظل استمرار نفس النظام السياسي الذي حمى القتلة وشرعن وجودهم.
لكن حين يتحرر العراق من الهيمنة الخارجية وتسقط أدوات القمع سيكون هناك مجال حقيقي لإقامة العدالة الانتقالية التي تقتضي ليس فقط محاكمة القتلة بل أيضاً تفكيك البنية التي سمحت بوقوع هذه الجرائم. العدالة الحقيقية لا تقتصر على الاقتصاص من المنفذين فقط بل تمتد إلى محاسبة من أمروا ودعموا وسهّلوا عمليات القتل سواء كانوا سياسيين أو قادة أمنيين أو فصائل .
تحقيق العدالة لشهداء تشرين هي مسؤولية وطنية وأخلاقية لا يمكن التنازل عنها. فهي ليست فقط حقاً للضحايا، بل خطوة أساسية نحو بناء دولة قانون تحترم حقوق مواطنيها وتنهي عقوداً من الإفلات من العقاب. العراقيون أثبتوا في تشرين أنهم قادرون على كسر جدار الخوف وعندما تتوفر لهم الفرصة فإنهم قادرون أيضاً على بناء وطن يستند إلى العدل والمساءلة وليس إلى حكم السلاح والفساد.
السؤال السادس: تقود أمريكا العالم برؤية ترامب وهو عصر الاقتصاد والمال والعراق يعتبر من الدول المهمة في طريق مايسمى الحزام والطريق وهي تسمية طريق الحرير المشهور . هل العراق سوف يلتحق بهذا الطريق أم الفاسدين حجموا الفكرة .
العراق يمتلك موقعًا استراتيجيًا يجعله عنصرًا أساسيًا في مشروع "الحزام والطريق" الذي يعيد إحياء طريق الحرير القديم كممر تجاري عالمي يربط الشرق بالغرب. لكن في ظل الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي وتنفيذ الميليشيات لإرادتها فإن أي مشروع يخدم نهضة العراق سيكون مصيره الفشل لأن هذه القوى لا ترى في التنمية الاقتصادية والاستقرار مصلحة لها بل تسعى إلى إبقاء العراق ضعيفًا وتابعًا لإيران حتى يستمر دوره كدولة وظيفية في خدمة المشروع الإيراني الإقليمي.
مشروع الحزام والطريق يمكن أن يكون فرصة ذهبية للعراق لا يقتصر على بناء البنية التحتية بل يعزز مكانة العراق كمركز تجاري محوري في المنطقة. لكن الفساد المستشري وغياب الاستقرار جعلا من العراق بيئة طاردة للاستثمارات الكبرى خاصة مع تحكم الفصائل بالموانئ والمعابر الحدودية وشبكات النقل وهو ما يعطل أي مشروع تنموي حقيقي.
التحاق العراق بهذا المشروع لن يكون ممكنًا إلا إذا أدار أبناؤه المخلصون شؤون بلدهم بعيدًا عن سطوة الفاسدين والمسلحين، وعندها فقط يمكن أن تتحقق نهضة اقتصادية حقيقية. فالعراق بحاجة إلى إرادة سياسية وطنية تضع مصلحته فوق أي أجندات خارجية، وترتكز على بناء دولة قوية قادرة على استثمار موقعها الجغرافي لتعزيز دورها في الاقتصاد العالمي بدل أن تبقى رهينة لصراعات إقليمية تعطل إمكانياته وتمنعه من تحقيق التقدم الذي يستحقه.
السؤال السابع: النخب الوطنية اليوم تعيش عصر الضلالة والتشرذم لانها لا اتفكر بالمصالح العليا للدولة العراقية وانما تفكر بالمصالح الضيقة فقط من ترؤس وقيادة ؟ هل هنا هناك حل واقعي لمعالجة ازمة القيادة . وكيف يمكن معالجة اخطاء الماضي القريب بولادة حزب وطني يقود مرحلة مصيرية ؟
الحل الواقعي لمعالجة أزمة القيادة في العراق يبدأ بإعادة بناء مفهوم "المشروع الوطني" على أسس جديدة بعيدًا عن الأنانية السياسية والمصالح الضيقة التي عطلت أي إمكانية لنهوض النخب الوطنية بدورها الحقيقي. المشكلة ليست فقط في تشرذم الأحزاب والنخب بل في غياب رؤية سياسية جامعة تجعل المصلحة العليا للدولة العراقية هي الأولوية بدلًا من الصراعات على المواقع والمكاسب الفردية.
المخرج من هذا المأزق لا يكون عبر انتظار "حزب رئيسي" واحد يقود المرحلة بل من خلال ولادة عدة أحزاب وطنية تحمل مشروعًا واضحًا قادرة على كسب ثقة الشارع ومبنية على أسس ديمقراطية حقيقية وليس على إعادة إنتاج نفس عقلية الزعامات التقليدية. هذه الأحزاب تحتاج إلى مظلة وطنية جامعة وكفوءة تكون بمثابة أرضية مشتركة لتنسيق الجهود بدل أن يبقى كل حزب يعمل بشكل منفصل ما يسهل على القوى المتنفذة تفكيكها وإضعافها.
أحد الأسباب الرئيسية لعدم توحّد الأحزاب والنخب الوطنية هو أن الحياة السياسية في العراق لم تشهد تجربة جبهوية رصينة يمكن الاقتداء بها. على العكس كانت التحالفات مؤقتة وهشّة قائمة على المصالح لا على المبادئ مما جعلها تنهار عند أول اختبار حقيقي. المطلوب اليوم هو بناء نموذج جديد لتحالفات سياسية طويلة الأمد تستند إلى قواعد واضحة وبرامج عمل واقعية لا إلى اتفاقات آنية تنتهي بسرعة .
معالجة أخطاء الماضي القريب تتطلب تجاوز الفردية في العمل السياسي وتبنّي منهجية تشاركية تجعل القيادة مسؤولية جماعية وليس امتيازًا شخصيًا. عندها فقط يمكن للنخب الوطنية أن تتحول إلى قوة تغيير حقيقية بدلاً من أن تبقى مجرد مجموعات متنافسة تتلاشى أمام الأحزاب التقليدية المتحكمة بالمشهد السياسي.
السؤال الثامن : الامكانيات البشرية والمادية موجودة على مستوى الشعب العراقي كيف يمكن ان نخضع هذه الامكانيات لبناء مشروع عراقي يمثل جميع ابناء العراق .
العراق يمتلك إمكانيات بشرية ومادية هائلة لكن المشكلة ليست في توفر الموارد بل في غياب التخطيط العلمي السليم الذي يوجّه هذه الطاقات نحو بناء مشروع وطني شامل يمثل جميع أبناء العراق. إعادة توظيف هذه الإمكانيات تحتاج إلى رؤية استراتيجية تقوم على أسس علمية واضحة بدلًا من العشوائية التي حكمت القرارات الاقتصادية والتنموية طوال العقود الماضية.
أول خطوة في هذا الاتجاه هي وضع خطة وطنية تعتمد على استثمار الموارد البشرية من خلال تطوير التعليم والتأهيل المهني لأن بناء الإنسان هو الأساس لأي نهضة حقيقية. لا يمكن للعراق أن يتقدم إذا بقيت منظومته التعليمية متخلفة وغير قادرة على إنتاج أجيال مؤهلة للمشاركة في إعادة بناء الدولة. لذلك يجب أن يكون التعليم في مقدمة الأولويات سواء من حيث تحديث المناهج أو تأهيل الكوادر التدريسية أو ربط التعليم بسوق العمل وفق احتياجات العراق الحقيقية وليس وفق أنظمة تقليدية لا تواكب العصر.
أما على المستوى المادي فإن توظيف الموارد بطريقة صحيحة يبدأ من إعادة بناء البنية التحتية وفق خطط مستدامة تضمن تحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والنقل والصحة لأنها تشكل الأساس لأي نمو اقتصادي مستقبلي. كما يجب وضع سياسات اقتصادية تعزز الاستثمار في القطاعات الإنتاجية بدل الاعتماد على الاقتصاد الريعي القائم على النفط فقط، لأن التنويع الاقتصادي هو الضمان الوحيد لاستقلال القرار الوطني وعدم رهن العراق للتقلبات الدولية.
لكن الأهم من كل ذلك هو الوعي. لا يمكن لأي خطة تنموية أن تنجح دون أن يكون هناك وعي شعبي بأهمية هذه المشاريع ودون أن يكون هناك إدراك جماعي بأن النجاح يتطلب جهداً جماعياً وليس مجرد قرارات حكومية. بناء وعي مجتمعي حول أهمية العمل والإنتاج واحترام القانون والمسؤولية الوطنية هو ما سيضمن أن يكون المشروع العراقي مشروعًا لجميع أبنائه وليس مجرد مبادرة شكلية تنتهي بتغير الحكومات.
الطاقة البشرية والمادية موجودة لكن تحويلها إلى قوة بناء حقيقية يتطلب قيادة وطنية واعية تخطط للمستقبل بعقلية الدولة وليس بمنطق المصالح الضيقة وتؤمن بأن العراق لا يمكن أن ينهض إلا عندما يُعاد بناء الإنسان قبل أن يُعاد بناء الحجر.
السؤال التاسع : العراق امام خارطة مصالح ونفوذ من قبل امريكا وايران وتركيا وروسيا تريد ان تلعب دور فاعل والصين عيونها على العراق للمساهمة في الاستقرار ؟كيف يمكن أن نوازن بين المصالح الكبرى وحقوق الشعب العراقي .
لتحقيق التوازن بين المصالح الكبرى وحقوق الشعب العراقي، يجب اتباع نهج شامل يعتمد على استقلالية القرار الوطني المفقود وتعزيز المؤسسات الديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة. يمكن تحليل المشهد الحالي كما يلي:
1.أمريكا كفاعل رئيسي: تسيطر على النظام السياسي عبر نفوذها في القرارات الاستراتيجية والدعم الأمني والتواجد العسكري.
2.إيران كقوة ميدانية: تملك نفوذًا واسعًا في الملفين الأمني والاقتصادي مما يجعلها شريكًا إجباريًا في أي ترتيبات داخلية.
3.روسيا والصين: تسعيان لتعزيز وجودهما عبر الاستثمار والعلاقات الاقتصادية، لكن مدى نجاحهما مرتبط بالموقف الأمريكي ومقدار التنافس على النفوذ.
4.غياب اللاعب العربي الإقليمي: أدى إلى فراغ استراتيجي استغلته قوى أخرى لترسيخ نفوذها.
يتحقق التوازن بين المصالح الكبرى وحقوق الشعب العراقي من خلال تعزيز القرار الوطني المستقل واعتماد سياسة توازن استراتيجية تمنع تحول العراق إلى ساحة صراع بين القوى المتنافسة. كما يتطلب تنويع الشراكات الاقتصادية عبر الاستفادة من الاستثمارات الصينية والروسية في البنى التحتية والطاقة، دون السماح لهما بالتحكم في الاقتصاد. تغيير النظام السياسي يعد ضرورة أساسية لتقليل تأثير المصالح الخارجية وذلك من خلال بناء مؤسسات وطنية قوية تدير الاقتصاد والأمن بعيدًا عن الوصاية الدولية.
إضافة إلى ذلك، فإن إعادة العراق إلى محيطه العربي يساهم في خلق توازن في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي. أما على المستوى الاقتصادي فإن تفعيل السيادة الاقتصادية يتطلب تقليل التبعية لإيران والبحث عن مصادر طاقة وأسواق جديدة تضمن استقلالية القرار الاقتصادي. في المحصلة يتطلب تحقيق هذا التوازن دبلوماسية مرنة ونظامًا سياسيًا مستقلًا، واقتصادًا متنوعًا مع تقليل الهيمنة الخارجية وتعزيز الدور العربي في المشهد العراقي.
السؤال العاشر: العراق يشهد مرحلة تجهيل على المستوى الشعبي من خلال رجال دين يغالطون التاريخ ويصادرون العقول و يعتمدون على أحاديث لا تتناسب والمرحلة العلمية والاجتماعية التي تعيشها البشرية والاحتياجات العصرية في التعليم اصبحت رمزية ؟ كيف يمكن ان نوازن بين الدين والحياة .
التوازن بين الدين والحياة في العراق يتطلب بناء نظام يستند إلى "المواطنة"، حيث يكون الدين عاملًا روحيًا وأخلاقيًا وليس أداة للهيمنة على العقول أو عرقلة التقدم الاجتماعي والعلمي. المشكلة ليست في الدين ذاته بل في استخدامه من قبل بعض رجال الدين الذين يغالطون التاريخ ويصادرون العقول مما أدى إلى حالة من التجهيل المجتمعي حيث يتم تقديم الخرافة على أنها حقيقة وإقصاء التفكير النقدي لصالح الطاعة العمياء.
الحل يكمن في بناء نظام تعليمي حديث يركز على التفكير العلمي وينمي روح التساؤل والبحث بدلًا من الاكتفاء بمناهج تقليدية لا تتناسب مع متطلبات العصر. التعليم هو المفتاح الأساسي لمواجهة التجهيل فكلما كان المجتمع أكثر وعيًا كلما قلت تأثيرات الخطاب الديني المتطرف أو الرجعي الذي يسعى إلى إبقاء الناس أسرى لمفاهيم لا تخدم حاضرهم ومستقبلهم.
إلى جانب التعليم يجب تعزيز مفهوم المواطنة بحيث يكون ولاء الفرد للدولة والمجتمع وليس للخطاب الديني أو الطائفي. المواطنة تعني أن جميع العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن معتقداتهم، وهذا لا يتعارض مع الدين بل يحميه من أن يكون أداة للفرقة والجهل. بناء مجتمع قوي يتطلب أن يكون الدين شأنًا شخصيًا وأخلاقيًا وليس وسيلة للتحكم بالمجتمع أو توجيه الحياة السياسية والاقتصادية بعيدًا عن متطلبات العصر.
عندما يكون لدينا نظام تعليم متطور ومجتمع يقدّر المواطنة والعقل فإن الدين سيبقى محتفظًا بمكانته الروحية دون أن يتحول إلى عائق أمام التقدم. هكذا يمكن خلق توازن بين الدين والحياة بحيث يتم احترام القيم الدينية دون أن تكون على حساب تطور المجتمع أو تعطيل احتياجات الأجيال القادمة.
في نهاية الحوار نؤد أن نشكر المفكر والباحث السياسي بالشأن العراقي عبد الله سلمان على اتاحته الفرصة واجاباته على جملة من الاسئلة التي تهم الشعب العراقي وتحليل لبعض الامور التي تحتاج رؤية عراقية .



#أحمد_فاضل_المعموري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار عراقي مع الحقوقية فاطمه العلي
- حوار عراقي مع الاعلامي وهاب رزاق الهنداوي
- حوار مع أ. د. محمد القيسي
- حوار عراقي مع المستشار أ. د. عبد الكريم الصافي
- الاطار القانوني لسلامة الدولة المدنية وزارة العدل العراقية أ ...
- حوار عراقي مع د. سفيان عباس
- حوار عراقي مع د. رياض السندي
- حوار عراقي
- سياسية القوة وتمثيل المصالح .
- من قوم الكفرة ؟ .. وأفتخر.
- الكارت الأحمر. والحكم الإيراني ؟
- ((عقيق من ركام القصائد )) المجموعة الشعرية للشاعر رحيم الشاه ...
- قصائد الجبل والألم .. دراسة نقدية أبنة الأرز- دادا عبيد
- استدراك المجموعة الشعرية للشاعر أحمد أدم .. شاعر الحصار وشهي ...
- تهميش الهيئة العامة في نقابة المحامين العراقيين وانعكاس ذلك ...
- النخبة الوطنية وتحمل المسؤولية الأبعاد الفكرية للمشروع الوطن ...
- معارضة عايشتها ... واقع سياسي
- المجموعة الشعرية للشاعر صاحب سعد الخفاجي تناسق المفردة في دي ...
- التفرد بالقرار النقابي يهدد الدور التاريخي لنقابة المحامين ا ...
- دراسة نقدية حول شعر انتفاضة تشرين .. أحلام في وسط النار للشا ...


المزيد.....




- خطوات التسجيل في الاعتكاف بالمسجد الحرام شهر رمضان 1446
- علماء ينتجون -فئرانًا صوفية- في خطوة لإعادة حيوان الماموث إل ...
- متحف السيرة النبوية بالسنغال.. تجربة تفاعلية تكشف تفاصيل حيا ...
- رابط تسجيل الاعتكاف في المسجد الحرام 1446 والضوابط المفروضة ...
- مستعمرون يقتحمون الأقصى بقيادة يهودا غليك
- لماذا تعد التحديثات اليومية التي يقدمها الفاتيكان عن البابا ...
- خطوات تثبيت تردد قناة طيور الجنة الجديد “هنـــــــــــا” .. ...
- “من هنــــــــــا” .. رابط التسجيل في الاعتكاف بالمسجد الحرا ...
- ممنوع لهؤلاء .. شروط الاعتكاف في المسجد الحرام وخطوات التسجي ...
- الفاتيكان يكشف تطورات الحالة الصحية للبابا فرنسيس


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد فاضل المعموري - حوار عراقي مع المفكر عبد الله سلمان