صادق جبار حسين
الحوار المتمدن-العدد: 8272 - 2025 / 3 / 5 - 14:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ سنوات والعراقيون يشهدون مشهدًا سياسيًا تكررت مشاهده لدرجة أنها باتت كأنها عرفٌ ثابت لا يتغير حيث لا يصل إلى قبة البرلمان أو مجالس المحافظات إلا الفاسدون المجرمون والمنحرفين وأصحاب السوابق الذين حولوا السلطة إلى متجرٍ مفتوح للبيع والشراء .
حيث منذ سقوط النظام السابق في 2003 تحول العراق إلى أحد أكثر الدول فسادًا في العالم وفقًا لتقارير منظمة الشفافية الدولية. وأصبح واضحًا وعرفا ان الوصول إلى البرلمان أو المجالس المحلية ليس قائمًا على الكفاءة أو النزاهة بل على مقدار التنازلات بمختلف أنواعها و القدرة على سرقة الأموال العامة وتقاسمها بين رؤساء الأحزاب والميليشيات والانتماء الى وأحد منهما أو كليهما .
ويكفي أن ننظر إلى حجم الأموال المختفية والميزانيات المنهوبة لنفهم عمق الأزمة من مشاريع وهمية عقود حكومية مفبركة رواتب لموظفين "فضائيين"، ومزاد مفتوح للمناصب مقابل ملايين الدولارات دون محاسبة او عقاب بينما يُترك المواطن في مواجهة الفقر والبطالة وانعدام الخدمات وتطبيق القانون عليه في حال ارتكابه هفوة صغيرة كما حدث للطفل الذي سرق علبة مناديل ورقية ليعاقب بالسجن ثلاث سنوات بينما لصوص المليارات أحرارًا يتمتعون بحماية القانون .
لم يقتصر فساد السياسيين العراقيين على نهب المال العام بل تعداه إلى الانحطاط الأخلاقي فضائح التحرش والابتزاز استغلال النفوذ لأغراض شخصية وتوظيف النساء في مكاتبهم لأغراض غير مهنية وعلاقات مشبوهة كلها باتت أسرارًا مكشوفة للعلن في المشهد السياسي العراقي .
وهذا الحال لا يقتصر على مجلس النواب فقط بل أنه أصبح سمه أغلب دوائر العراق الحكومية .
أما مجالس المحافظات التي يُفترض أن تكون الأذرع التنفيذية للإدارة المحلية فقد تحولت إلى مزادات علنية للصفقات والرشاوى حيث التعيينات تُباع وتساوم والمشاريع تُوزع على الأقارب والموازنات تُنهب في وضح النهار .
في بلدٍ يفترض أن تكون فيه الانتخابات وسيلةً للتغيير باتت مجرد لعبة يتحكم بها المال السياسي والسلاح والتزوير والعلاقات المشبوهة لا فرصة للنزيه في بيئةٍ تُحكم بقوانين غير أخلاقية مطلقًا فاذا كنت تريد منصبًا فعليك أن تدفع أو تساوم وأن تخضع لسلطة الأقوى وشروطه المنافية الى القانون والأخلاق الشريفة.
الفساد في العراق ليس مجرد قضية سياسية بل هو أزمة تؤثر بعمق على حياة المواطنين وتنمية البلاد في الوقت الذي يواجه فيه الشعب العراقي تحديات اقتصادية واجتماعية جسيمة تظل المؤسسات السياسية المحلية وعلى رأسها البرلمان ومجالس المحافظات تمثل رموزاً للفساد بكل أنواعه رغم الجهود المستمرة لمكافحة هذه الظاهرة لكن تستمر هذه المؤسسات في الانغماس في ممارسات تضر بمصالح الشعب وتعرقل تقدم البلاد .
حيث ان الفساد في البرلمان والمجالس المحلية يعدان أكبر عائق أمام التغيير في العراق . فأصبحا لا يشكلان محركات للإصلاح بل عائقًا أمام تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية حيث ان الفساد المستشري في هذه المؤسسات أدى إلى استنزاف موارد الدولة وتدهور الخدمات الأساسية مما دفع البعض لوصف هؤلاء المسؤولين بـ "الطفيليات" التي تتغذى على خيرات العراق وشعبه.
ومن أبرز مظاهر الهدر المالي في المؤسسات السياسية
1. الرواتب والامتيازات المبالغ فيها
حيث يتقاضى أعضاء مجلس النواب وأعضاء مجالس المحافظات رواتب وامتيازات ضخمة لا تتناسب مع دخل المواطن العراقي العادي مما يشكل عبئًا على ميزانية الدولة ويستنزف الموارد.
2. المشاريع الوهمية والمتلكئة
يتم تخصيص ميزانيات ضخمة سنويًا لمشاريع تنموية لم تُنفذ أو تأخرت بشكل كبير مما يؤدي إلى هدر مالي كبير يذهب كله الى جيوب السياسيين دون تحقيق أي فائدة حقيقية للمواطنين .
على سبيل المثال في عام 2018 تعهدت الحكومة العراقية بتوفير 24 ساعة من الكهرباء للمواطنين لكن مع استشراء الفساد في وزارة الكهرباء لا تزال البلاد تشهد انقطاعات متكررة رغم الميزانيات الضخمة المخصصة لهذا القطاع علاوة على ذلك لا تزال مستشفيات العراق تعاني من نقص حاد في المعدات الطبية والأدوية وهو ما يعكس فشل المؤسسات الصحية في توفيرالرعاية اللازمة للمواطنين .
3. الفساد في العقود والمناقصات
شهدت العقود الحكومية والمناقصات حالات فساد واسعة حيث يتم منحها لشركات غير مؤهلة أو تابعة للمسؤولين مما يؤدي إلى تنفيذ مشاريع بجودة منخفضة أو عدم تنفيذها مطلقًا .
على سبيل المثال تم اكتشاف العديد من المشاريع الوهمية التي تم تمريرها بفضل المحسوبية بين السياسيين وأعضاء البرلمان مثل مشروع إنشاء مدارس أو مستشفيات أو طرق سريعة لم تُنفذ أبدًا أو تم تنفيذها بشكل جزئي وتم نهب الأموال المخصصة لها وأحد الأمثلة الصارخة كان في عام 2019 عندما تم الكشف عن قضية "الفساد في وزارة الصحة" حيث أتهم العديد من النواب والمسؤولين في الوزارة بالضلوع في صفقات فاسدة تتعلق بشراء الأدوية والمعدات الطبية بأسعار مبالغ فيها هذا الفساد أدى إلى فقدان العديد من الأرواح بسبب نقص الأدوية الأساسية .
4. أستغلال المناصب لتحقيق مكاسب شخصية
يعمل العديد من النواب وأعضاء مجالس المحافظات على أستغلال مناصبهم لتحقيق مصالح شخصية وحزبية متجاهلين المصلحة العامة مما أدى إلى تدهور الثقة بين المواطنين وممثليهم
مثال على ذلك هو مشروع "النفط مقابل الغذاء" الذي كان يهدف إلى توفير المساعدات للشعب العراقي بعد الحروب ووفقًا لتقارير كان هناك تسريب للأموال من خلال التلاعب في العقود إذ استفاد بعض أعضاء البرلمان والمسؤولين من تلك العقود لتحقيق مكاسب شخصية .
بين الأمثلة التي أثارت استياء المواطنين قيام النائب كاظم الصيادي الذي أتهم باستغلال منصبه لتحقيق مصالح شخصية حيث تم الكشف عن ارتباطه بعقود مشبوهة لتوريد المعدات العسكرية في وزارة الدفاع وهو ما أثار ضجة كبيرة في المجتمع العراقي .
5.غسيل الأموال
تزايدت حالات تورط النواب والمسؤولين في عمليات غسيل أموال ضخمة حيث يتم تحويل الأموال بطرق غير شرعية إلى خارج البلاد وايداعها في المصارف الأجنبية أو شراء العقارات في الخارج .
هناك العديد من التقارير التي تشير إلى تورط بعض أعضاء مجلس النواب في عمليات غسيل الأموال وذلك عن طريق تحويل أموال من مشروعات حكومية أو عبر شركات وهمية إلى حسابات شخصية أو من خلال صفقات غير شفافة.
ومن أبرز الأمثلة على غسيل الأموال التي كشفت
قضية سرقة القرن (2019) إحدى أكبر قضايا الفساد في العراق حيث تم سحب حوالي 2.5 مليار دولار من الأموال العامة بطريقة غير قانونية عبر صفقات مزيفة .
رغم أن القضية تتعلق بسرقة الأموال العامة إلا أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بغسيل الأموال حيث إنها سحبت بالعملة الصعبة وأرجعت نصف المبلغ بالعملة المحلية .
إضافةً الى الفساد في وزارة التجارة : حيث تم أكتشاف أن بعض المسؤولين قاموا بتحويل أموال طائلة عبر قنوات مشبوهة مستخدمين شركات وهمية لتحويل الأموال إلى خارج العراق .
بسبب فساد المسؤولين يعاني المواطن العراقي بشكل مستمر من نقص حاد في الخدمات الأساسية على الرغم من الميزانيات الضخمة المخصصة لقطاعات مثل الكهرباء والصحة لا يزال المواطن يعاني من أنقطاع الكهرباء ونقص الأدوية وتدهور خدمات المستشفيات .
ان وظيفة النواب وأعضاء مجالس المحافظات كانت تهدف إلى خدمة المصلحة العامة ، لكن الواقع أثبت أن هؤلاء أصبحوا "طفيليات" يعيشون على حساب خيرات العراق وقوت الشعب العراقي . فهم يسعون للإثراء السريع من خلال نهب ما يمكن نهبه واستغلال مناصبهم لتركيز ثرواتهم في حسابات مصرفية وعقارات في الخارج وامتاعهم شهواتهم الجنسية
وخير مثال على ذلك ووفقًا لتقرير نشره موقع "السيمر" في أغسطس 2020 تزوج رئيس البرلمان العراقي آنذاك محمد الحلبوسي من الإعلامية نوار عاصم وأفاد التقرير بأن المهر المقدم شمل فيلا بقيمة عشرة ملايين دولار في منطقة دابوق بعمان بالإضافة إلى مبلغ خمسة ملايين دولار مودع باسم نوار عاصم في البنك .
ولا ننسى بواسير خالد العطية المقدسة التي كلفت خزينة الدولة
59 مليون دينار عراقي ما يعادل نحو 55 ألف دولار أمريكي .
إضافةً الى عملية تجميل العضو التناسلي الأنثوي لزوجه النائب بحزب الدعوة سامي العسكري التي أجريت في ألمانيا بكلفه 80 مليون دينار على نفقة مجلس النواب .
هذا موجز لبعض ما فضح ونشر وما خفي أعظم بكثير .
هذه السلوكيات الغير مهنية والأخلاقية ساهمت في استنزاف موارد الدولة دون تقديم أي خدمات حقيقية للمواطنين الذين عانوا من تسلق الصوص والمنحرفين للسلطة ومراكز القرار في العراق
وأصبحوا كالطفيليات يعيشون على أكتاف العراقيين ومعاناتهم .
#صادق_جبار_حسين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟